أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - عندما يتحول التاريخ إلى دين (1-3)















المزيد.....

عندما يتحول التاريخ إلى دين (1-3)


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2967 - 2010 / 4 / 6 - 22:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أكثر من تاريخ:

تحفل اللغة بمترادفات ومسميات ومصطلحات تحول دون تطابق السياقات التاريخية والثقافية وتصبغ الواقع بريشة الكلمات التي تضفي على التاريخ تلونا وتفاوتا وتمايزا شكليا، فالثقافة تجعل من التاريخ فنا أو أدبا أو دينا فتحتجب السياقات التاريخية المتماهية حد التطابق رغم إيقاعات اللغة والثقافة والمذهب.

وحده المنهج المقارن الذي يتيح كشف التواشجات والتماهيات بين السياقات الثقافية ليبدو التاريخ مجرد سلسلة من الاستنساخات في الزمان والمكان، أو وقائع وأنساق تنتج ذاتها في حركة دائبة، أو سنة أو قانون لا يدع مجالا في حركة التاريخ للخصوصية أو الذاتية التي تتكفل بها اللغة فتعطي الثقافة قيمة التفرد والتمايز.

الثقافة إذن توظف اللغة في بناء تاريخ فوق التاريخ، حيث ترسي تقابلا بين تاريخ موضوعي يتموضع ضمن المنظور الوضعي ويعيد اكتشاف التاريخ المتواري خلف الطبقات المتراكمة التي شكلتها الثقافة وتصوراتها الذهنية، وآخر ذاتي ينزع لبناء خصوصية أو يمعن في خلق رمزية تموه التاريخ، كلاهما تاريخ لكن الأول اكتشاف وحفر أركيولوجي أما الثاني فبناء وتشييد أيديولوجي.

في السياق السياسي تكشف اللغة عن طاقة تمويهية عالية تعزز أدبية التاريخ أو ذاتيته، وتزيد من وعورة الطريق الذي سيسلكه المنهج المقارن لتحديد البنى المتعالقة والسياقات المتماهية، فالسياق السياسي في الوسط القروسطي الاسلامي هو ذاته في الوسط القروسطي المسيحي، لكن مفردات كالمسجد أو الحوزة أو رجل الدين ليست هي ذاتها الكنيسة أو الأكليروس أو البابا، وبالمثل فإن الإمام ليس هو ذاته الخليفة والخليفة ليس هو ذاته الملك كما أن الإمام ليس هو ذاته البابا، وهكذا تموه اللغة بلعبة الكلمات التواشج العميق الذي يربط بين السياقات الاجتماعية، لتصبح العلمانية التي هي حل وضرورة اجتماعية في وسط معين بمثابة خروج عن الدين أو استعداء الذات في وسط آخر.

التطابق بين السياقات لا يتجلى بوضوح إلا بمنهجية مقارنة تكشف تواطؤ اللغة مع الأيديولوجيا الأمر الذي ألح عليه وجيه كوثراني لدى مناقشته رأي المستشرق برنارد لويس الذي قال باستحالة استنبات العلمانية في مناخ إسلامي، حيث تساءل كوثراني عن العامل الذي جعل الغرب دون سواه حاضنا ومرحبا بالعلمانية (الفقيه والسلطان- وجيه كوثراني).

إلحاح كوثراني يعكس امتعاضا شديدا من مواقف استشراقية عديدة تجاه التراث الاسلامي، حيث لا تخلو من قصور ابستمولوجي إن لم تخل من تحامل وتحيز أيديولوجي، على أن الاستشراق يتجه أكثر من اتجاه في التعاطي مع العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة في الوسط الاسلامي، حيث تتراوح الدراسات الاستشراقية بين اتجاهات تنفي روحية الاسلام فتختزله في بعده السياسي، وبين اتجاهات تلح على بعده الروحي إلى جانب بعده السياسي والاقتصادي كالمستشرق اغناتس غولدتسهير في مقابل الاتجاه الذي يضم إلى جانب لويس المستشرق الفرنسي ألفريد بريمار الذي أكد على التداخل الوثيق بين الديني والدنيوي أو السياسي، حيث يقول في عبارة كاشفة: "الاسلام هو في الواقع (وفي الآن نفسه) خضوع لسلطة سياسية وخضوع لنظام ديني أسسه نبي هو أساس هذه السلطة، فمن يرفض السلطة السياسية يرفض بالضرورة النظام الديني الذي يبررها ويخلع عليها المشروعية، ولهذا السبب فإن الردة تقدم عموما من قبل المصنفين المسلمين على أساس أنها ردة دينية" ( تأسيس الاسلام، بين الكتابة والتاريخ، بريمار).
ومع استدراك بريمار في هامش هذا النص الجزمي والوثوقي حيث يستعيد مفهوم الردة كمفهوم مغاير لمفهوم الارتداد في الفقه الاسلامي رغم الاشتراك في الجذر اللغوي يصبح من الضروري إدماج القراءة المغايرة سواء كانت شيعية أو خارجية للتاريخ بغية ارساء "كتابة تاريخية" أكثر دقة أبستمولوجيا وهو الهدف الذي كان يسعى إليه بجدية المستشرق بريمار وأزعم أنه كان وشيكا منه.

الإسلام تاريخي أكثر مما يجب!:

المستشرق بريمار أيضا ولكي يعزز البعد الدنيوي، الاقتصادي تحديدا، حاول أن يقترب من تشكيل صورة كاملة عن النظام الاقتصادي الذي كان في بداية تشكله لحظة التأسيس، فالنظام الضرائبي في الاسلام التأسيسي يتوزع في أشكال عديدة أسقط على بعضها لاحقا مضمون ديني كالزكاة والتي هي ضريبة تفرض على القبائل البدوية وتستخرج عينية، والجزية ذات الأصل اللغوي الفارسي مما يكشف عن مصدرها والتي هي ضريبة رأس تفرض على السكان الحضر قبل أن يتم تخصيصها –حسب بريمار- على الآخر الديني: المسيحي واليهودي والصابئي تحديدا، أما الضريبة الثالثة والتي تتمم هذا الثالوث الضرائبي فهي ضريبة عقارية بقيت كما هي ضريبة دنيوية تفرضها الدولة بصفتها الزمنية وليس لها أي شأن ديني. هذا يعني أن بريمار يعتبر في نهاية التحليل أن الاسلام لا يعدو أن يكون اصلاحا ضريبيا من الناحية الاقتصادية وتوسعا امبراليا من الناحية السياسية.

هذا التحليل ينتهي إلى قراءة جوهرانية للوسط الاسلامي تمنع أي تطابق في السياقات الاجتماعية والسياسية والتاريخية مع الأوساط الدينية الأخرى وتحديدا الوسط المسيحي الغربي الذي يملك تراثا هجينا يضم إلى جانب الدين الذي يشكل عاملا مشتركا مع الشرق عقلانية تمثل خصوصية ثقافية. هذه الثنائية في التراث الغربي انعكست على شكل تداخل علائقي ووظيفي بين الزمني والروحي، فالغرب الذي يرتكز في ذاته التراثية على دعامة الدين القادم من الشرق أراد اكتشاف ذاته الخاصة به وهي ذات عقلانية كما تتبدى له، ولكن الذات لم تكتشف إلا بعد سيرورة تاريخية مضنية.

الحق بين الله والإنسان:

لقد خاض الغرب المسيحي صراعا داخليا طويلا قبل أن يكتشف ذاته ويحسم العلاقة الملتبسة بين الروحي والزمني أو بين الديني والدنيوي، كان الأركون في أثينا كاهنا للدولة وكان الإمبراطور الروماني إلها قبل أن يصبح حبرا أعظما أي بابا، وقبل أن يتلفع الأمير الاقطاعي برداء الملك المرصع بإكليل الحق الإلهي.

في خضم هذا الصراع انقسم المجتمع المسيحي على امتداد العصور الوسطى وحتى بداية النهضة إلى فريق مناصر للبابا وسلطته الزمنية وفريق آخر يناصر الإمبراطور المتوج من البابا نفسه، المثقفون كذلك كان لهم دور في الدفع بوتيرة النقاش السياسي المرتكز في أغلبه على مشروعية الملك بوصفه يتمتع بالحق الإلهي فقد انحاز المثقفون إلى صف الامبراطور لا بوصفه حاكما زمنيا بقدر ما يمثل عاملا وحيدا لجمع الشتات ووقف النزف الدموي في المجتمعات الاوروربية.

دانتي الشاعر الايطالي أدرك في وقت مبكر "نهاية العصور الوسطى" حجم الكارثة التي يخلفها تسييس الدين، فكتب رسالة تعبر عن انحيازه إلى صالح الدولة ممثلة بالإمبراطور قبل أن يأتي مكيافيللي ويطالب بتجريد السياسة كليا من الأخلاق والكنيسة، ثم جهر بولائه الكامل للسلطة المطلقة للملك. ومع دانتي ومكيافيللي وغيرهما تتخذ ارهاصات العلمنة في أوروبا بعدا تنظيريا يتراوح بين سلطة الكنيسة وسلطة الملوك لكنه لم يفطن بحسب المؤرخين حتى لحظة مكيافيللي إلى مقولات سياسية رسختها كممارسة سياسية الثورة الفرنسية عام 1789م كسيادة الشعب وحاكميته وتوزيع السلطات ومرجعية الدستور وحقوق المواطنة وغيرها، فهذه المفاهيم كانت غريبة على الممارسة والنظرية السياسية في العصور الوسطى.

إن التفكير السياسي آنذاك يتلخص في أن المشروعية السياسية يجب أن تكون متعالية، أي أن مصدر الشرعية هو مصدر إلهي سواء كانت الممارسة السياسية تبرر ذاتها بنظرية الحق الإلهي للملوك كما حاول أن يفعل دانتي، أو تتمسك تارة بحق البابا والأكليروس في السلطة الزمنية استنادا إلى السلطة الروحية التي يتمتع بها، وتارة أخرى بهبة قسطنطين وهي التي ثبت زيفها. ومع حدوث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبرى انتصر الحاكم الزمني المكرس بالحق الإلهي على الكنيسة في أوروبا، مما يعني أن الملك كما البابا يؤسس سلطته على شرعية سماوية مستمدة من حق إلهي، وهو ما جعل المسار السياسي أشبه بحلقة مفرغة تعيد انتاج ما قوضته، كما هو واضح في المتوالية التالية:

الحق الإلهي للباباوات ------- الاصلاح الديني ------ الملكية المطلقة + القومية ------ الحق الإلهي للملوك



يقول الفيلسوف الأميركي ديورانت: "نمت نظرية حق الملوك الإلهي جنبا إلى جنب مع تطور القومية والانتقاص من سلطة البابوات" (قصة الحضارة- ول ديورانت) مما يعني أن السلطة المطلقة ذات الصبغة الدينية بعد أن انتقلت إلى البابا من الامبراطور عادت إليه مرة أخرى ولكن بعد توليفها بفكرة الحق الإلهي للأمير المسيحي، وهو الأمر الذي كان قد دعا إليه صراحة مارتن لوثر زعيم حركة الاصلاح الديني في ألمانيا.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماراثون القطيف وصديقي المتشائم
- تمرين على السياسة الشخبوطية !!
- من اللاهوت إلى علم الأديان: محاولة للفهم
- ما وراء كلمات العريفي
- السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي
- بين المتدين الأصولي والشامان
- البطولة الزائفة
- أنفلونزا التبشير المذهبي
- ذهنية التحريم في العقل الشرعوي
- عيد وطني ينقصه وطن !!
- حول اشكالية العلمانية في الاسلام
- المهدي المنتظر في القرن الواحد والعشرين
- قناة العربية ترشق الحجارة وبيتها من زجاج!
- الأيديولوجيات الدينية وسؤال الحداثة
- أعداء الحرية ينتصرون لها في ايران!
- ثمرة المعرفة: أول ارتفاع، آخر تمرد.
- عن تآكل الاصلاحات في السعودية
- أكثر من كلباني.. أكثر من لوثر!
- المرحلة البينية وتحديات التنوير‏
- أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - عندما يتحول التاريخ إلى دين (1-3)