|
إلى من يهمه العقل: وفاءً لوفاء سلطان
هوشنك بروكا
الحوار المتمدن-العدد: 2967 - 2010 / 4 / 6 - 19:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مكتوبُ الدكتورة وفاء سلطان الأخير المقتضب، المنشور على موقع الحوار المتمدن، والذي أثار ردود أفعالٍ(مع أو ضد) كثيرةٍ، يفصح بجلاء عن محنةٍ أكيدةٍ، نستغرق فيها، كيفما وأنى وأينما شاء الله ومؤمنونه، وتستغرقنا؛ نمتد فيها وتمتد فيها؛ نبتلي بها وتبتلي بنا؛ نصبح عليها وتمسي علينا. إذا كان الظاهر من هذا "المكتوب المحنة"، يكشف(كما بدا للبعض القارئ) عن محنةٍ واحدةٍ وحيدة إسمها وفاء سلطان، إلا إنّ باطن المكتوب يفصح عن محنةٍ وأكثر: أنها محنة كبيرة، كثيرة، تمتد من جاكرتا إلى طنجة، حيث الجغرافيا واحدة، والتاريخ واحد، والدين واحد، والجهة واحدة، والرسول واحد، والكتاب واحد، واللسان واحد، والعقل واحد: أنها باختصار "محنة العقل في الإسلام" على حد تعبير كاتبها اللبناني الممنوع في عقل المسلمين، والذي اغتيل في بيروت عام 1992 بسبب عقله وكتاباته ومواقفه عن "الإسلام النقل"، و"رسوله المنقول".
يقول جحا في مقدمة كتابه(1982): "تحت الخزف رمل. تحت الرمل تراب. تحت التراب ماء. تحت الماء رمل. تحته البترول. تحت البترول ماء. تحت الماء صخر. تحت الصخر كلس. تحت الكلس جذور العقل الإسلامي..العربي".
تلك هي إذن، أس المحنة وأساسها، إسلامياً بعامة وعربياً بخاصة. أنها محنة العقل، بإمتياز؛ محنة "العقل المفعول به"، أو "العقل المنفعل" في أحس الأحوال، لا "العقل الفاعل" بذاته، ومن ذاته إلى ذاته. أنها محنة "العقل الراكد" في العموم، أو محنة "سبات العقل في الإسلام"(رابطة العقلانيين العرب، ط1، 2008)، على قول المفكر السوري جورج طرابيشي. أنها محنة "العقل المحنة"، "العقل المتكلّس"، الذي فوقهُ كلسٌ، وتحته كلسٌ، ويمينه كلسٌ، وشماله كلسٌ في كلس. أنه "العقل الكلس"، الذي لا كلسَ فوق كلسهِ، ولا تحتَ تحتَ كلسه. أنها محنة العقل المخلوق في الكلس، والعائد إلى الكلس، كما يريد "المؤمنون" له أن يكون؛ "العقل المستقيل في الإسلام"، الذي اقال نفسه بنفسه، بدون أن يكون للخارج(اللامعقول) يداً فيه (جورج طرابيشي، دار الساقي، 2004). هو العقل المعطل كالكلس، العاقل الماضي الكلس، والحاضر الكلس، والمستقبل الكلس. فهل من كلسٍ بعد؟
قبل أن أتعرّف على الدكتورة وفاء الإنسان في بياض زيوريخ السويسرية في آذار 2007، كنت قد قرأت الكثير من الكتابات والكتابات المضادة عنها. زيوريخئذٍ عندما كنا نتبادل أطراف الحديث عن "سقوط الإنسان في الشرق المسلم"، وما حواليه من همومٍ ومحن وعقلٍ منكسر، لا أخفيكم بأني كنت أحن، عقلئذٍ، إلى الشيطان وأقف إلى جانبه، في عقله الذي أراد للسماء، يوماً، أن تكون كثيرةً، كالإنسان. كنت زيوريخئذٍ، أحبّ الشيطان أكثر. كنت أحترمه أكثر. كنت أميل لعقله الكثير ضد العقل الواحد أكثر. كنت أميل لرأيه المتعدد ضد الرأي الواحد الأحد أكثر. كنت أحترم عقل وفاء سلطان أكثر وأكثر.
فمن كثرة وصف وفاء الإنسانة، في المقروءات والمسموعات والمرئيات الإسلاموية المضادة لعقلها، ب"الشيطان" وتوابعه، صرتُ أحبّ الشيطان الذي في عقلها، ليس كرهاً ب"المؤمنين"، وإنما حباً بالعقل وشيطانه. شيطان المؤمنين الذين يريدون للعقل(كل العقل) أن يسقط فيه إلى الأبد، هو غير شيطان العقل. فإذا كان عقلٌ خارجٌ على الشرق التابو و"الله التابو"، كعقل وفاء سلطان، في عرف "عقلاء المؤمنين"، "شيطاناً"، يساوي الرجم حتى القتل، فأهلاً ومرحباً به.. لماذا؟ لأنه شيطان عاقل؛ شيطانٌ يريد للعقل أن يكون نفسه لا ظله؛ شيطانٌ يريد للإنسان أن يكون حراً لا عبداً؛ وشيطانٌ يريد أن يكون ما في السماء لله، وما في الأرض للإنسان. أنه شيطان مدني جداً، شيطانٌ يفكّر، لا يكفّر؛ شيطانٌ يريد الدنيا لا الآخرة؛ يهتدي إلى العقل لا إلى النقل؛ يقول العقل ولا يقوّله؛ يهرب إلى الحرية لا إلى العبودية. أنه شيطان محترم جداً؛ يحترم الإنسان ويُحترم؛ وعاشقٌ جداً، يحب الإنسان ويُحَبّ؛ ومحاورٌ جداً، يحاور الإنسان ويُحاوَر؛ ويحب الحياة جداً، إذ يريد للإنسان أن يعيش ويترك الآخرين يعيشون.
ليقل "عقلاء المؤمنين" في عقل وفاء سلطان وفي شيطانها ما يشاؤون، وليكيل "الميّتون على الآخرة" لهذه الإنسانة ولدنياها، ما يشاؤون من شتائم(وما أكثرها في قاموس النقل)، ولكن العقل يبقى عقلاً، والنقل لن يصبح إلا كذاته نقلاً. هذا هو الفرق، بين "العقل الشيطان"، و"النقل الرحمن". هذا هو الفرق، بين "كتاب العقل"، و"كتاب النقل". هذا هو الفرق، بين "العقل الكافر"، و"العقل الناقل". هذا هو الفرق، بين "الكافر العاقل"، و"المؤمن الناقل". هذا هو الفرق، بين "أهل الغرب الكثير"، و"أهل الشرق الواحد". هذا هو الفرق، بين "العقل الفوق" هناك، و"العقل التحت"، تحت "النقل الفوق" ههنا. هذا هو الفرق، بين "أهل العقل" هناك، و"أهل النقل" ههنا. هذا هو الفرق، بين "عقل وفاء" وشياطينها، و"نقل الأعداء" ومؤمنيهم. هذا هو الفرق، بين "أهل التفكير" و"أهل التكفير". هذا هو الفرق، بين " أنا أفكر إذن أنا موجود" و"أنا أكفّر إذن أنا موجود".
ويبقى باب سؤال مصطفى جحا، مفتوحاً على مصراعيه: "لماذا محنة العقل في الإسلام؟" "هل يعترف المسلمون، بأن عقلهم في محنة؟" بالطبع كلا؟ والجواب بسيط جداً، وهو: لأن النقل المستغرق في المسلمين، منذ 1431 سنة، هو عين العقل، في سنتهم، لا بل العقل كله. والعقل، كما يخبرنا تاريخه، هو عقلٌ، والنقل نقلٌ، ولن يلتقيا مهما امتدا.
#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومات أبادير واقفاً..
-
كل عام وأنا أكرهكَ!
-
الحريري بين لبنانَين
-
تركيا من الإنفتاح إلى الإنغلاق
-
العلم السوري قاتلاً ومقتولاً
-
القذافي فاتحاً للجنّة
-
ما وراء منع المآذن
-
نوبل أوباما -الشاعر-
-
-فوضى- نوال السعدواي الخلاقة
-
أكراد الشمال: بين فرضية الدولة والدولة المفترضة
-
سوريا: تقتل العراق وتمشي في جنازته
-
جلببة العلم على -سنّة- حماس
-
عاشت سوريا -الضرورة-..يسقط لبنان!
-
خروج أبطحي على -المخمل-
-
ما لن يتغيّر في كردستان!
-
كُتاب -التربية الوطنية-
-
عندما يصبح الفكر -زبالة-: دفاعاً عن عقل القمني
-
سلوك سوريا -الثابت-
-
أمريكا المتحوّلة والمسلمون الثابتون
-
صدام مات..فيما العراق بسلوكه حيٌّ يرزق
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|