عبدالكريم عمر
الحوار المتمدن-العدد: 903 - 2004 / 7 / 23 - 12:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في مقالة , له, بعنوان “ من أجل المقاومة العراقية الشاملة”, منشورة في الصحيفة إلكترونية الحوار المتمدن , يحاول سلامة كيلة, وهو كاتب ماركسي عربي , استعمال لغة أيديولوجية تستعير مفرداتها من أد بيات الحرب الباردة. وتبني مضمونها على أساس نفي كل ما هو قادم من الدول الرأسمالية واعتباره شر مطلق يهدف إلى تدمير الاقتصاد والثقافة الوطنية. وعلى أساس ذلك يعطي تصوره لما يجري في العراق وكأنه ذروة صراع دار مطولا بين قوتين متناقضتين المنشأ والمبتغى. الأولى هي الإمبريالية العالمية الدائرة وراء الربح واستغلال الشعوب متمثلة بالقوات الأمريكية وحلفائها. أما الثانية فهي قوى التحرر في العراق . المؤلفة, حسب قراءة س.كيلة نفسه ,من أعوان صدام حسين والقوى الأصولية إضافة إلى القوى الماركسية التي يريد س.كيلة ادخلها كقوة حاسمة في هذا الصراع. وعلى أساس إعلانه بالانتماء إلى قوى التحرر. فانه يريد تحويل الصراع إلى حرب قومية و طبقية طويلة الأمد لن تنتهي إلا بهزيمة الإمبريالية!!
تقوم استراتيجية الحرب الشاملة التي يعلنها سلامة كيلة في العراق, نيابة عن العراقيين.!!, على الأسس التالية:
إن هذه الحرب ضرورية وشرعية في آن واحد . فشرعيتها تنبثق من أهدافها. فهي ممارسة نضالية يخوضها شعب احتلت أرضه ضد قوات إمبريالية غازية. أما ضرورتها, فقد استمدت برهان حتميتها من تاريخ الشعوب التي تعرضت للاحتلال, لذا فأنها كانت “الخيار الوحيد القادر على إزالة الاحتلال ”. وعلى نتائجها توقفت, دائما, إمكانيات الشعوب على وضع أسس دولها الحرة و الديمقراطية.
ب, أما قوى المقاومة التي يعتمد عليها, سلامة كيلة, في حربه الطويلة الأمد هذه فهي, رغم اتسامها بالغموض والفوضى, على حد تعبيره, تتشكل فعليا من القوى التالية :
ا-("قوى النظام السابق" و التي تشمل حزب البعث و قوى النظام في الجيش و المخابرات. 2- الصدريين الذين يمثلون اتجاها في الشيعة رغم أنه لا يقوم على أساس طائفي. 3- المجموعات الأصولية المحدَّدة لكن الغامضة ( أنصار الإسلام و القاعدة ...).4 - ثم تشكيلات من أفراد و مجموعات وطنية أتت من الجيش السابق ( ضباط و جنود) و من قطاعات شعبية ( بعضها متديِّن)، وهي موزَّعة و ربما مشتَّتة و أيضاً ربما دون أفق سياسي)*.
ورغم انتقاداته اللفظية لهذه القوى فانه في “ ممكناتها يرى ممكنات تشكُّل المقاومة الشاملة التي هي , على حد تعبيره ,ضرورة من أجل هزيمة الاحتلال الأميركي. ولا يرضى إلا بالهزيمة للأمريكيين!!.ولكنه يريد ضم الحركة الشيوعية العراقية,أيضا, إلى جيوشه الجرارة هذه, منطلقا من قناعة ماركسي يضع التناقض الأساسي فوق التناقضات الثانوية.”فهزيمة الاحتلال عنده باتت هي المهمة الراهنة، التي يجب أن تُبنى عليها كل المهمات الأخرى”.
هكذا حدد سلامة كيلة موقعه وموقفه من الصراع الجاري في العراق.
ربما كان أكبر الأخطاء التي ارتكبها سلامة كيلة يكمن في فهمه لطبيعة التغيير الحاصل في العراق, وفصل هذا التغيير عن تاريخه الخاص به من جهة, ومن جهة أخرى, فصله عن مجمل التغييرات الحاصلة في العلاقة بين الدول والشعوب في العالم. وإظهار هذا الصراع وكأنه بدأ أصلا كي يخضع العراق للاحتلال.
إن إزالة الديكتاتورية, وإنهاء سيطرة دولة القمع والاستبداد, وبناء العراق الديمقراطي التعددي, كانت اهدفا عراقية قبل أن تصبح أهدافا أمريكية ودولية. وكان الآلاف من العراقيين في نضالهم من اجل تحقيق هذه الأهداف قد قضوا نحبهم على يد أجهزة القمع و الإرهاب التابعة للنظام العراقي السابق. تلك الأجهزة التي مع بقاياها, جنبا إلى جنب, يريد سلامة كيلة خوض حربه المقدسة الطويلة الأمد.
أما توافق رغبة الشعوب العراقية التاريخية في التحرر من دولة القمع , و تماثلها مع التحولات الليبرالية العميقة في مواقف الدول الرأسمالية الكبرى في العالم, كان يجب أن يكون مفهوما من قبل ماركسي, مثل سلام كيلة, يدعي تمسكه بتفاضل التناقض الأساسي على التناقضات الثانوية.
فالعولمة الاقتصادية, هي بالتأكيد, كما يفهمه س. كيلة, الدافع الأساس وراء مشاركة الدول الرأسمالية في تحرير العراق من الديكتاتورية. ولكن ما لم يرد س.كيلة فهمه هو : إن الركائز الأساسية لنجاح وتطور العولمة الاقتصادية الحديثة , هي الحرية الشخصية على مستوى علاقة الفرد بالمجتمع, و الديمقراطية التمثيلية على صعيد علاقة الأفراد والجماعات بمؤسسات وإدارات الدولة الوطنية. وعند هذا البعد التحرري للعولمة جاء الاتفاق في مواقف أمريكا وحلفائها مع مواقف قوى التحرر في العراق. وكان من الضروري على قوى التحرر في العراق أن ترى في الدول الرأسمالية حليفة لها في صراعها ضد دولة القمع البعثية, خاصة بعد أن أثبتت تلك الدول جديتها وتصميمها ,في تجارب أخرى سبقت تجربة العراق, على العمل من اجل محاربة الاستبداد وانتشار الديمقراطية على الصعيد العالمي. كتجربة أفغانستان مثلا. ولولا استهتار نظام صدام حسين بالمتغيرات الحاصلة في الفكر والسياسة الدولية كان يمكن للتغيير الحاصل في العراق , والذي كان ضروريا, أن يأخذ منحى آخر وأقل مأساوية.
لذا, فان وجود القوات المتحالفة في العراق ,وتنسيقها العسكري والأمني مع أحزاب و مؤسسات الدولة العراقية الحديثة, لا يهدف فقط إلى حماية مصالح و عقود الشركات المتعددة الجنسيات في العراق, رغم أهمية و ضرورة دور مثل هذه الشركات في إعادة بناء البلد, بل انه يهدف ,بالدرجة الأولى, إلى منع عودة دولة القمع والإرهاب إلى الحكم ثانية, ويضمن أيضا إنجاح التجربة الديمقراطية في العراق .وان هذا النجاح هو الذي سينفي أية ضرورة لوجود القوات المتحالفة ويضمن خروجها من الأراضي العراقية وليست حرب س.كيلة الطويلة الأمد. ومن الأمور التي يلاحظها المرء بجلاء: إن حجم الوجود العسكري الغربي في العراق يتناسب عكسا مع زيادة قدرة العراقيين على بناء وإدارة مؤسسات دولتهم الديمقراطية.
و الشيوعيون والماركسيون العراقيون , الذين يريد س.كيلة إرشادهم إلى الطريق القويم. كانوا أوعى من أن ينجروا, سواء وراء الطروحات القومية الشعبوية للكثير من المثقفين القوميين العرب أمثال سلامة كيلة, أو لفتاوى شيوخ الإرهاب والأصولية ,الذين ينشطون لإنهاء المدنية والحضارة في العالم قاطبة, والآخذين من العراق مسرحا لأعمالهم الإرهابية. فهم, أي الشيوعيون العراقيون, لطالما كانوا جزءا بارزا من القوى السياسية والاجتماعية المحورية ,في المجتمع العراقي, نعني بها تلك القوى التي ناهضت الديكتاتورية لسنوات طويلة ,سواء تلك الداخلة حاليا في تركيبة الحكومة العراقية, أو تلك المساهمة بأشكال أخرى في بناء العراق الجديد. فانهم امتنعوا عن المشاركة في هذه “الحرب الشاملة” التي يدعو لها س.كيلة. واشتراكهم منذ البداية في عملية تحرير العراق, وتعاملهم الإيجابي مع دور الدول الرأسمالية المتحالفة في تلك العملية, لهو دليل على تطور أيدلوجي و سياسي عميق لدى الشيوعيين العراقيين باتجاه فهم أهمية دور المجتمعات الديمقراطية المتطورة في عملية تحرير الشعوب العربية والشرق أوسطية من الديكتاتورية والحكومات الاستبدادية. والغريب إن س.كيلة يتهم الحزب الشيوعي العراقي بالانجرار وراء الطائفية, لان اشتراكه في مجلس الحكم كان ممثلا بشخص امينه العام الشيعي الأصل. ولكنه يعطي وسام الوطنية واللاطائفية لجماعة أصولية مثل اتباع وأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
وأخيرا لابد من القول إن إبداء المواقف العدائية الرافضة للتغييرات الديمقراطية الحاصلة في العراق, بحجة إن هذه التغييرات هي صنيع الإمبريالية العالمية, من قبل س.كيلة , و الكثير من أمثاله من المثقفين العرب , أمر قد يمكن فهمه على أساس انه امتداد لمنظورات أيدلوجية قديمة, لا يمكن التخلص منها بسهولة. ولكن أن يعلن هؤلاء حنينهم إلى الديكتاتورية الصدامية, وأن يدعوا الطبقة العاملة العراقية وبقية فئات الشعب إلى التحالف مع فلول النظام السابق ما هو إلا استهتار بإرادة الشعب
العراقي و تضحياته من اجل الخلاص من الاستبداد وبناء دولتهم القائم على أساس الديمقراطية والتعددية.
#عبدالكريم_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟