|
إعلان شيعة العراق.. المعني في قلب الشاعر - مَن يسعفنا بإعلان علي مقاس الوطن لا علي مقاسات الطوائف؟
سعد عباس
الحوار المتمدن-العدد: 187 - 2002 / 7 / 12 - 06:45
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
|
لا أدعي في هذه السطور أنني أكثر توقاً الي إعلان وطني لجميع العراقيين ممن تصدي لوضع (إعلان شيعة العراق) أو ممن تصدي لرفضه .. وليس لي أن أصادر حق مؤيديه في التأييد أو رافضيه في الرفض, لكن لي أن أعرض قراءة لذلك الاعلان، ومن خلاله تتضح أسباب امتناعي عن تلبية دعوة التوقيع. في مقدمة الإصدار الأول للإعلان نقرأ (... حيث كان الاهتمام بمستقبل العراق ووحدته الوطنية وضرورة ترسيم مستقبله بشكل صحيح هو القاعدة المشتركة....)، وقد وردت مفردة (المستقبل) مرتين في هذه العبارة، في الأولي بصيغة المضاف وفي الثانية بصيغة المضاف اليه، وجاء المستقبل في المرتين مجروراً، وهي محض مصادفة، لكنها ليست سارة لأن مستقبلاً مجروراً لن ينبيء عن تحرر من عُقد الماضي بقدر ما يثير المخاوف من استسلامه لها، وإذن نكون كمن يسعي الي الخلاص من القيد بقطع اليد.. أفهذا ما نسعي اليه؟. أسطورة الأغلبية ونقرأ (إن هذا الإعلان يسعي لمعالجة سياسة التمييز الطائفي في العراق، وهذا الموضوع هو من الحساسية بحيث يستدعي تعاملاً دقيقاً ونظرة موضوعية متجردة ورؤية علمية واقعية لأن الهدف منه هو بناء عراق جديد يعيش الجميع فيه بحرية ومساواة ويتمتع الشيعة فيه وهم غالبية الشعب العراقي بحقوقهم المدنية الدستورية التي تم مصادرتها عن تعمد مقصود من قبل السلطات الحاكمة منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة).. ثمة تناقض وارتباك جليان في بنية هذه الفقرة، فأولا: ليس في مقدور إعلان معالجة سياسة التمييز الطائفي، بل يقتضي الأمر سياسة عدم تمييز، وأما الإعلان فليس سوي صياغة نظرية لهذه السياسة.. ويقتضي الحال أن تكون هذه الصياغة النظرية لسان حال جميع الأطراف، وكان من الموضوعي القول إن هذا الإعلان خطوة علي طريق إعلان وطني شامل يقطع الطريق علي أي تنظير للتمييز طائفياً كان أم قومياً أم دينياً كان أم عرقياً.. وثانياً: إذا كان الهدف (بناء عراق جديد يعيش الجميع فيه بحرية ومساواة) فما الحكمة من الاستطراد: (ويتمتع الشيعة...) أفليس الشيعة من بين (الجميع؟).. ثم ما حاجة الشيعة الي اقرار دستوري بأنهم الأغلبية في (عراق يعيش الجميع فيه بحرية ومساواة؟).
كيان قبلي أم دولة؟ إن عراقاً جديداً بهذه المواصفات يعني الخروج من دائرة (الكيان) الي فضاء (الوطن) و(الدولة)، الأمر الذي تنتفي ــ وتتقاطع ــ معه فكرة (الأقلية) و(الأغلبية)، وليس خافياً أن الكيانات القبلية ظلت عبر التاريخ تجمعات انعزالية لم يحظ أفرادها بتذوق مفهوم المواطنة، ومن هنا عرفت القبيلة فكرة (الحِمي( ولم تكتشف معني الوطن أو الدولة التي يتقرر مفهومها في الفقه المعاصر من خلال الكيفية التي تدير بها السلطة السياسية شؤون الناس المشمولين بتراتيبها التنظيمية. وبهذا يغدو مبرراً التجاوز حتي عن معايير الأرض والدم والثقافة كمصادر لتحديد مفهوم الدولة، بل تتنوع الدول وتتميز عن بعضها بعضاً من حيث نظام الإدارة العامة لشؤون الشعب.. ويستعين الفقهاء الدستوريون بمصطلحين لتفسير الرؤية الحديثة في معني الدولة: الوظيفية ((Functional حيث تأكيد الوظائف التي تؤديها الدولة لمواطنيها.. والعملياتية ((Operational حيث تأكيد العمليات التي تنفذ بها الدولة الوظائف التي تلتزم بها أمام مواطنيها.. وفي الحالين تنتفي الحاجة الي البحث في أصول الناس والأشياء، وينصب جهد الدولة علي تشخيص المشاكل القائمة في المجتمع والتماس الحلول لتلافيها وتجاوزها، وهكذا تستطيع الدولة أن تتحرر وتحرر شعبها من عُقد التاريخ وأمراضه وتكرس جهدها لمشاكل الواقع المعاش، بمعني نقل الدولة اهتمامها من الأزمات التاريخية الي تحليل النظم القائمة في المجتمع ودراسة أعراضها وإعادة توجيه الاهتمام الي التنظيمات الاجتماعية الغائبة عن الجدل السياسي ـــ أي المستجدات السياسية والاجتماعية ـــ وتأكيد النسبية الثقافية للعمل السياسي.. أفلهذا نسعي أم ترانا نعود القهقري الي حيث ابتلاع مفهوم الدولة ومسخه؟.. وكيف يستقيم توقنا الي (عراق جديد يعيش الجميع فيه بحرية ومساواة) مع شغفنا بعُقد التاريخ وأمراضه.. وكيف نعيش بحرية، بل كيف ندرك الحرية أصلاً إن لم نتحرر من عُقد التاريخ وأمراضه.
بيئة للاستبداد والمظالم والقهر إن الدولة هي الشعب وليس الحاكم، فإذا كنا نسعي الي دولة، فلا أغلبية ولا أقلية ولا هم يحزنون، بل مساواة في الحقوق والواجبات.. يحق لي أن انتخب أو أرشح أو أتقلد أي وظيفة أو منصب كما يحق لأي عراقي آخر عربياً كان أم كردياً أم تركمانياً أم آشورياً، مسلماً كان أم مسيحياً أم صابئياً أم يزيدياً أم يهودياً، شيعياً كان أم سنياً، أياً كان لون بشرته، وأياً كان معتقده السياسي أو الفكري، متديناً ملتزماً كان أم علمانياً, مولوداً لأبوين عراقيين أم لا، فهذه ليست معايير التفاضل لا بحكم الشرائع السماوية التي نصت علي أنه (لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي. إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا بحكم الشرائع الوضعية التي نصت علي أن الناس سواسية.. وعليه فإن لي أن أحظي بحقوقي في العراق الجديد لأنني عراقي، فهذه هي الهوية التي يعرفني بها موظفو المطارات في أي بلد من بلدان العالم إذا تشرفت بتمثيل بلدي في مؤتمر أدبي أو علمي أو اقتصادي أو سياسي أو فكري أو طبي أو هندسي أو بطولة رياضية أو مهرجان فني، فهل أقول لهم أنا عراقي أم أقول لهم أنا من الأغلبية الشيعية؟. ولن أتساءل عن المعيار المعتمد في تحديد الأغلبية والأقلية، لأنني ممن تحرروا من هذه الأسطورة, ولأنني وصلت الي قناعة مفادها أن حكم الأغلبية كما حكم الأقلية بيئة للاستبداد والمظالم والقهر، ودوامة لمسلسل من الضغائن والأحقاد وتناوب علي موقع المضطَهد والمضطِهد والظالم والمظلوم، ولأنني أومن أن الله تبارك وتعالي هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في الكون وكل الحقائق الأخري نسبية.
متاهات التمييز وفي مقدوري أن أحاجج أيضاً ــ أنا الشيعي ــ :عن أي شيعة يتحدث (إعلان شيعة العراق؟).. أعن مقلدي المراجع أم عن غير المقلدين؟ عن الشيعة المسيسين أم عن غير المسيسين؟ عن الشيعة الشيوعيين والناصريين والقوميين والبعثيين أم عن الشيعة الإسلاميين )الدعوة، كوادر الدعوة وغيرهما، المجلس الأعلي بتفرعاته وأجنحته؟، منظمة العمل الإسلامي؟ و...) أم عن الشيعة الليبراليين؟. نعم.. عاني الشيعة من الاضطهاد، ونعم أيضاً.. عاني غير الشيعة من الاضطهاد أيضاً.. ونعم عاني شيعة من اضطهاد شيعة، أم أن (ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب؟).. والاضطهاد ألوان، منها التمييز.. فمن ينكر التمييز في فيلق بدر بين الشيعة المتحدرين من كربلاء والمتحدرين من النجف، والشيعة المتحدرين من البصرة والمتحدرين من العمارة, وهكذا.. بل من ينكر التمييز علي أساس المرجع المقلَد؟.. ومثل هذا التمييز شهدته بين أخوتي السنة أيضاً، بين السنة المتحدرين من الرمادي والمتحدرين من الموصل, وهكذا.. وشهدته بين أخوتي الأكراد، مثلما شهدته بين أخوتي التركمان، وشهدته في صفوف المعارضين بين من غادر العراق قبل عام 1990 وبعده.. وإذا ظللنا في هذه الحلقة المفرغة فلسوف نضيع في متاهات تمييز لا حصر لها.. فما الذي ينقذنا من هذه المتاهة سوي دولة للشعب كله، السلطة فيها جماعية لشعب ذي سيادة علي أفراده الداخلين في عضويته، بحيث يتعذر التمييز بين الدولة ومواطنيها الذين تمارس باسمهم السلطة وتستمد منهم شرعيتها. وهكذا أضمن أنا الشيعي أن أقيم في السليمانية عراقياً و(ابن بيت) وليس ضيفأ أو زائراً غريباً، وتكون تكريت والموصل وهيت والعمارة والكوت والنجف مُدُني لا يمنعني أحد من تملك بيت فيها أو اختيار أي منها لإقامتي أو العمل أو الدراسة، فأنا لا أريد كربلاء لوحدها، بل أريد العراق كله لي وللعراقيين كلهم.
إعلان العراقيين لست ضد (إعلان شيعة العراق).. لكنني لست معه، لأنني عراقي الهوية، وأتوق الي (إعلان العراقيين).. إعلان صريح في تحديد العلاقة بين الفرد والسلطة السياسية، ينجلي فيه غموض هذه العلاقة الذي كان بيئة للاستبداد تحت قناع الشرعية أو القانونية الممثلة لشخصية الأمة أو المصلحة العليا للوطن، وهو القناع الذي ارتداه الديكتاتور بالأمس وهو يمارس عملية تدمير الوطن واستلاب المواطن وقهره وإبادته، ولكي لا نقع في فخاخ الاستبداد لا بد من قطع الطريق علي السلطة السياسية التي تجد إغراء غير مقيد بتعتيم العلاقة بينها وبين الفرد والإسراف في تجريدها أو تضبيبها لتعطي لنفسها مزيداً من القوة والقدرة علي الاستبداد بالأفراد الذين هم المصدر الأخلاقي لشرعيتها.. نعم: علينا أن نقطع الطريق علي هذه الآفة التي تسمي في الفقه القانوني (قوة الطغيان الباهتة)، لأنها قوة غير مرسمة حدودها، يسهل استخدامها للإجهاز علي الناس وإدانتهم بجرائم خيالية من قبيل (عدم التعاون مع السلطة)، (تهديد القيم الاجتماعية)، (إضعاف معنويات الشعب)، وغير ذلك من تهم فضفاضة غامضة، وكلام حق يُراد به باطل، وتلاعب خبيث بمفردات اللغة تحول من خلاله السلطة المستبدة مفهوم الالتزام الي إلزام قسري وتجعل مفهوم الإخلاص طريقاً باتجاه واحد لمصلحتها، وتُفرغ مفهوم الولاء من مضمونه فتجعله ولاءً لها وليس للوطن.. نريد دولة ندين بالولاء لها لا سلطة تختزل الدولة أياً كانت هذه السلطة. أترون أن عبد العزيز البدري لم تذبحه سكاكين التمايز الطائفي بل خناجر السلطة التي مسخت مفهوم الدولة، ومحمد باقر الصدر لم تذبحه هو الآخر سكاكين التمايز الطائفي بل خناجر السلطة ذاتها.. واسألوا أبناء حلبجة والرمادي وكربلاء أبسكاكين يُذبحون أم بخناجر؟.. معضلة العراق ليست طائفية، حتي إذا بدا ذلك في بعض تفرعاتها.. المعضلة في غياب مفهوم الدولة وحضور مفهوم السلطة، في غياب حرية الشعب وحضور حرية الحاكم .. ولا حظوا أن الحاكم يتحدث عن الحرية كثيراً لأنه يتحدث عن حريته هو وليس عن حرية الشعب.
جريدة (الزمان) العدد 1258 التاريخ 2002 - 7 - 12
|
#سعد_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|