|
تطييف السياسة والإعلام في سورية
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 21:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ظلت السياسة في التاريخ السوري الحديث ، رديفة للإعلام ، كما ظل الأخير معبراً عنها ، وفي بعض الأحيان راسماً لها ، نظراً للتداخل والتشابك بين سلطتيهما اللتان لا تفترقان البتة عن سلطة النظام الحاكم . ولأن سلاح الإعلام يسهم في صناعة الرأي العام ، وينقل ما يدور في ذهن الساسة والأفراد ، فإنه ظل على الدوام أمضى سلاح في يد سلطة ما بعد انقلاب 8 مارس 1963 ، كما أنه أخطر سلاح عليها ، فالكثير من الأنظمة الديكتاتورية ، ارتبط مصيرها السياسي ، بمدى تأثيرها على الإعلام وقدرتها على التحكم فيه ، بل أن بعض تلك النظم لاقت حتفها ونهايتها بفعل تأثير الإعلام ودوره في صنع التغيير ، فما بالنا إن كانت تلك النظم طائفية ، كما في الحالة السورية ، أي أنها أبعد من أن تكون ديكتاتورية . لهذا ، كله جرت قولبت الإعلام في إطار السياسية ، ليبقى على الدوام تحت الأنظار ، ولكي يكون مفعولاً به في صنع الدعاية الرمادية والترويج لصورة النظام داخلاً وخارجاً ، فضلاً عن تلميع صورته الطائفية ، بإضفاء المزيد من الصبغة الوطنية على ثوبه الطائفي الذي يتدثر به ، لا أن يكون فاعلاً في فرض الرقابة المجتمعية ، والمساهمة في بسط سلطة القانون ، ولفت الأنظار إلى مواطن الخلل والقصور . فالأساس الذي تتم فيه عملية تطييف الإعلام والسياسة في سورية ، تختلف أشد الاختلاف ، عما يقوم به أي نظام ديكتاتوري ، وذلك لأن الفروق كثيرة وكبيرة من نظام لآخر . فأولى هذه الفروق، أن الإعلام والسياسة كسلطتين تكملان بعضهما البعض ، ففي ظل النظم الديكتاتورية المستبدة يصار إلى ارتهانهما بمعنى التقييد والتأميم ، أي وضع اليد عليهما وحجرهما حتى إشعار آخر. أما في ظل النظم الطائفية - سورية كمثال - فبدلاً من ارتهانهما ، فإنه تتم مصادرتهما إلى ما لا نهاية ، وبشكل أبدي ، بما يشبه التمليك الشخصي لأدواتهما وأجهزتهما ، وهذا ما يجري التعبير عنه صراحة في لهجة الإعلام وخطاب السياسة السورية ، الذي ينضح بمفردات لا تخلو من الشخصنة والفردية التي تصل إلى حد القداسة الإلهية . وثانيها ، أنهما ( الإعلام والسياسة ) في ظل النظم الديكتاتورية ، يتم العمل بهما تبعاً لمبدأ الولاء المطلق ، بغض النظر عن لون أو عرق أو دين الشخص الموالي ، فيكفي أن يبرهن الشخص عن ولائه في تقديم فروض الطاعة العمياء ، والالتزام الكامل بقرارات السلطة ، حتى لو كانت خاطئة وفيها الكثير من الطيش والتهور ، من دون أن يفسح لنفسه أو لغيره أي مجال للنقاش والجدال . بينما يختلف الحال كثيراً من النظام الطائفي عنه في النظام الديكتاتوري ، فالمبدأ المعمول به في قطاعي السياسة عامة والإعلام خاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 ، يقوم على الصفاء والنقاء الطائفي ، نظراً لطبيعة النظام وتركيبته الطائفية ، ولا تكفي البرهنة بالولاء وحده ، فليس هناك ما يضمن عدم الطعن بهذا الولاء ، وهو ما أضفى طيفاً طائفياً ذا لون واحد على كل العاملين في حقلي السياسة والإعلام ، حتى وإن لم يكونوا من نفس الطائفة ( العلوية ) التي ينحدر منها النظام ، رغم أقلية حضورهم ومحدودية دورهم لصالح تنامي ذلك الدور وحصره بشخوص الطائفة أولاً ، وليس بشخوص الولاء كما في الأنظمة الديكتاتورية ، أو بشخوص الكفاءة كما في الأنظمة الديمقراطية . تلك الأسس تبين بوضوح ، بما لا يقبل الشك ، مدى استغراق النظام السوري وغرقه في بركة الطائفية ، فهي الشرنقة التي أوجد نفسه فيها ، ومع ذلك يأبى الخروج منها أو التخلي عنها ، فمصيره مرتبط بها ، كما أن مصيرها ( الطائفية ) مرتبط به ، فالارتباط بينهما على أشده ، والمجتمع والدولة ، هما الخاسر الأكبر ، وضحية ذلك الغرق في وحول الطائفية . والدلائل على تطييف منظومتي السياسة والإعلام ، مستوحاة من الشخوص القائمين عليها ، خصوصاً في منظومة الإعلام التي تعد بمثابة المتراس الذي يقف خلفه النظام لصد الرياح العاتية وتغيير الحقائق وقلب الوقائع بمزاجية طائفية تدعي الوطنية وتدافع عنها ظاهراً ، في حين تمثل السياسة بشخوصها المتعددة الانتماء الطائفي ، الواجهة الزجاجية ( الجام ) لكيانه الطائفي الفاقد للشرعية الدستورية ، والذي يتمظهر في صورة الكيان الوطني الباحث عن تلك الشرعية . وكما أن الاستبداد هو الوجه الآخر للديكتاتورية ، فأنهما ( الاستبداد والديكتاتورية ) ديدن الطائفية التي تعتاش عليهما وتبرر وجودها الأبدي في السلطة من خلالهما ، وأنها ( الطائفية ) ديدن الأقليات المذهبية في سورية ، ومنها الطائفة العلوية التي أفصحت عن طائفيتها السياسية في سبيل الحفاظ على مكتسبات السلطة بأي ثمن ، والتي تدر عليها النفوذ المتعدد الوجوه . وقد يختلف معنا البعض في توصيف تلك الطائفية التي تهرب من واقع الأمس إلى واقع اليوم ، بالقول بعلمانية النظام وحزبيته الكاملة ( البعث) وما يبقى لا يعدو كونه ممارسات استبدادية لدى الكثير من الأنظمة الديكتاتورية . من هنا ، لا بد من التأكيد على حقيقة أن العلمانية والطائفية نقيضان ، لكنهما في حالة النظام السوري يلتقيان بل ويتصاهران على أرضية السلطة ، فمثلما يصاهر الإسلام السياسي ، الدين بالسياسة ، يصاهر النظام السوري بين طائفيته السياسية ( المبطنة ) وعلمانيته ( الظاهرة) في صورة النظام القومي تارة ، والنظام العروبي تارة أخرى ، إلا أن ارتباطاته الإقليمية ( إيران ) التي هي على خصومة تاريخية شديدة مع النظام ( القومي - العروبي ) الذي يدعيه ، تنسف كل ادعاءاته ، وتعيده إلى المربع الأول الذي انطلق منه ، مربع الطائفية .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|