علي الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 01:38
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
((اليسار العراقي تراجع ام كبوه))
الحلقة الاولى/منذ نشوء الدولة العراقية الى سنة 2003م
كثيرا من الكتاب والمثقفين من تطرق الى موضوع تراجع اليسار في المنطقة العربية منذ أتفاقية يالطا وما نتج عنها من تقاسم للنفوذ بين محورين رئيسين ,والكل قد أدلى بدلوه موعزين أسباب التراجع الى عوامل سياسية واخرى أقتصادية أوثقافية أوأجتماعية أودينيةأو قومية, او ما يفرضه نظام الحكم من تنكيل وقسوة بالتيارات اليسارية ودرجة قمعه لها, وقد يكون الكل مصيب حسب رأيه ومنظوره لظروف بلده ونمط تفكير مجتمعه ان هو لديه الالمام بحضارة وتاريخ شعبه.
رغم انه لا يمكن عزل اليسار عن بعضه البعض في عالمنا العربي لان الجميع مر بنفس الدرجة تقريبا من الانتعاش والانكسار للتشابة الكبير بين ستراتيجيات النظم العربية والمتفقة مبديأ على ما يبدو لتحجيم اليساروبالاتفاق مع القوى الامبرياليةالعالمية وعدم السماح له بالانتشار بين أوساط مجتمعاتهم بمختلف الوسائل ,حيث اوجد الاستعمار الكيان الصهيوني في عالمنا العربي كنقطة صراع واختلاف ايدولوجي بين النظريات القومية والدينية المتطرفة وبين النظريات اليساريةالمستقاة مبادئها من الثورة البلشفية الروسية والتي تدعوا الى أزالة التمايز الطبقي والقضاء على الاستغلال والاقطاع والقضاء على الملكية الخاصةوتحرير الشعوب من نير الاحتلال والاستعمار بكل أشكاله, والمساواة بين المراة والرجل ,وتحريك الصراع الطبقي لصالح الطبقات المحرومة وغيرها من المبادئ السامية التي لا تزال اغلب شعوب العالم في حاجة ماسة اليها.,كنظام أقتصادي أجتماعي متجدد يحقق العدالة الاجتماعية...
ان ما أريد أن أصل اليه بالتحديد هو مسالة اليسار في بلدي العراق ومراحل نشؤوه وتطوره ومن ثم بداية العد العكسي.
بعد أنتصار روسيا في الحرب الثانية ,ووقوع جميع الدول العربية تحت هيمنة الاستعمار والنفوذ,بدات تتنامى الحركات اليسارية في عالمنا العربي رافعة شعار التحررومكافحة الاستعمار بكل أشكاله ومن ضمنها الحركة اليسارية في العراق مستغلة النظام الاقطاعي السائد أنذاك في العراق وما تعانيةالطبقة الفلاحية من ظلم وجور وأستغلال,فعمدت الى تحريك الصراع الطبقي بين الفلاحين وأسيادهم الاقطاعيين,وفي نفس الوقت أستقطبت الشباب الواعي وزجتهم في الصراع من اجل تحرير بلدهم المحتل من قبل الانكليز..في ذلك العهد لم تكن للصناعة الوطنية أي وجود ,حيث ان من سمات الاستعمار أن لا ينمي الصناعة الوطنية في البلد الذي يحتله لسبيين : أولهما جعل البلد سوقا لتصريف سلعهم الصناعية ومنتجا زراعيا لموادهم الاولية الداخلة في التصنيع,وثانيهما تخوف الاستعمار من خلق طبقة عمالية صناعية يتنامى عندها الحس الطبقي والوطني وتطالب بتحرير بلدها وثروتها,.لذلك عمدت القوى اليسارية في الاعتماد على التنظيمات العمالية لعمال سكك الحديد والموانئ التي أوجدها المحتل لمنافعه الخاصةأصلا وليس لخدمة العراقيين,,,,وعلى الرغم من قلة الوعي الاجتماعي والثقافي في ذلك الوقت لكن قوى اليسار أستطاعت ان تقوم باعمال كبيرة للتصدي لمخططات ومشاريع الاحتلال من خلال قيامها باضرابات وتظاهرات واسعة في مختلف مدن العراق ضد أي خطوة يخطوها المحتل لا تتوافق مع مصالح الشعب العراقي,الى ان توجتها بثورة الرابع عشر من تموز 1958.مستفيدة من الدعم المعنوي الذي كان يقدمه لها الاتحاد السوفيتي السابق في المحافل الدولية والمنظمات الاممية ,وكذلك الدعم المادي والتنظيمي لهياكل نقاباتها ومنظماتها المهنية الاخرى.وأرسال ألالاف البعثات الدراسية من الطلبة العراقيين الى الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكيةلخلق طبقة مثقفة وواعيةتؤمن بالمبادئ الاشتراكية وتكون سند قوي لليسار العراقي.
أن وجود تيار ديني ومؤسسات خاصة لمكافحة الشيوعية في الشرق الاوسط مدعومة من مرجعياتها الدينية في ذلك الوقت, ورغم كل توجهاته لفرض نفسه كبديل لكافة التيارات الاخرى لم يفلح في وقف المد اليساري وشبابه المتعطش للحرية والتواق لمستقبل رغيد ينعم فيه الجميع بالامن والاستقرار والعيش الكريم.
أن من أهم منجزات ثورة الرابع عشر من تموز والتي اغضبت كثيرا التيار الديني الظلامي والقوى الرجعية المتمثلة بالخط القومي المتحالف مع الاستعمار في حينها هو قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية ,والخروج من حلف بغداد....فاخذت تعد العدة وتتحين الفرص للانقضاض على ثورة تموز ومكاسبها التي حققتها للشعب من خلال التأمر المستمر وأنضمت الى تلك القوى دول عربية وأقليمية أستطاعت ان تجهض الثورة وتقبر احلام العراقيين في انقلاب 8 شباط الشوؤم وما رافقه من حمامات دم وتصفيلت جسدية طالت كل القوى الوطنية والتقدمية,وما بيان رقم واحد ألا هو المعلوم فقط من مخططات الانقلابيين بحق الشيوعيين ورفاقهم وما خفي كان اعظم,حيث تم تصفية قيادة وكادر الحزب جسديا والقسم الاخر تم أيداعه السجون والمعتقلات والمنافي..,بعد زوال حكم البعث تم أعادة تنظيمات الحزب الشيوعي خلال فترة حكم الاخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف,وعند مجئ البعث ثانية الى الحكم عام 1968بقطار امريكي ,تم أستدراج الحزب الى مصيدة الجبهة الوطنية والتي تم خلالها التعرف على قيادات الحزب وكوادره ومن ثم الانقاض عليه ثانية في حملة لم يشهد لها التاريخ مثيلا من الاعدامات والتغييب في السجون والقسم الاخر ترك العراق وذهب الى دول الشتات ,والقسم الاخر استقر في قمم جبال كردستان العراق في شمال الوطن ,ليبدأو مرحلة جديدة من النضال المسلح لاسقاط النظام واعادة الحياة الديمقراطيةللعراقيين رافعين شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) ,وقد ألتحق معهم كل المضطهدين من قبل النظام السابق ومن الحركات القومية ذات التوجه اليساري وفصائل من الاخوة الاكرادبعد فشل مشروع الحكم الذاتي المقر من قبل النظام السابق وتنكيله بالاكراد وأساليبه الوحشية في قمعهم وابادتهم,من خلال قصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي وعمليات الانفال التي تم بموجبها ابادة أكثر من 5000 قرية كرديةبسكانها وممتلكاتها...
بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي,فقدت القوى اليسارية أهم حليف وداعم لها الا وهو المعسكر الاشتراكي الشرقي,وسقوط النظرية الاشتراكية بكل معانيها بنظر الكثير من التيارات القومية والدينية التي قفزت لتملئ الفراغ الذي حدث بتراجع قوى اليسار وفرض نفسها كبديل لكل الحركات الاخرى رافعة شعار (الاسلام هو الحل) مدعية بأن الاشتراكية وعلى مدى اكثر من 72 عام لم تصل الى مراحلها النهائية (الشيوعية)و لم تقدم الحلول الناجعة للبشرية كعقيدة ونظام أقتصادي ...بل نجد العكس تماما حيث برز القطب الاخر االرأسمالي كقطب وحيد في العالم ووصل الى مراحله الاخيرة(الامبريالية).وبدأت ببسط نفوذها عسكريا على كثير من بلدان العالم دون منافس لها او رادع.
أن على قوى اليسار في عالمنا العربي وفي العراق خصوصا,أن لا تعتبرأنهيار الدول الاشتراكيةالتي كانت من نتاج الفكر الستاليني الشمولي هوموت الشيوعية ونظرياتها,ويجب الاعتراف بانها هي التي فشلت في أستيعاب المتغيرات وحركة الواقع وفشلها في تغييره.
أن على قوى اليسار أن تفكر في أيجاد البديل الملائم لواقع مجتمعنا أذا ارادت أن تديم التواصل مع جماهيرها من خلال طرح الديمقراطية الاشتراكية كبديل للديمقراطية السياسية,والتي تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي كانت مفقودة لدى دول المعسكر الاشتراكي.
أن قوى اليسار لم تستغل تطور النظام الاقتصادي العالمي (العولمة)الذي خلق نوعا من الحراك الاجتماعي والسياسي الجديد على مستوى العالم ,ولم تستغل ارهاصات الشارع الذي يريد التخلص من الانظمة الديكتاتوريةوالقمعية,لضعف امكانياته المادية وأنعدام الدعم المعنوي الذي كان يقدم له من المنظومة الاشتراكية,وبقي معتمدا على قدراته الذاتية والمساعدات من أصدقاءه ومناصريه المتواجدين في دول المهجر ويتلقون الدعم المادي واللوجستي بالدرجة الاساس من أحمد الجلبي وجلال الطالباني وهو مجبرين غير مخيرين على ذلك وكانوا في موقف حرج لا يحسد عليه بعد فقدهم حليفهم بأنهيار منظومته الاشتراكية,يقاوم الالة الحربية الصدامية بسلاح بسيط,وتحمل عناء الكثير من المؤامرات والاغتيالات والمذابح التي كان يسهم فيها المتواجدين معه في سوح النضال في شمال الوطن(مذبحة بشتاشان نموذجا) ,,لا يستطيعون ان يتخذوا أي موقف مبدئي حيث كثيرا ما كانت تفرض عليهم أمور لا يؤمنون بها ولكن ما الحل ؟؟فأن خالفوا فسوف يتعرضون الى الطرد من شمال العراق او تسليمهم الى نظام صدام مقابل صفقة مقايضة تقتضيها المصلحة الخاصة,,لهذا نجد الكثيرين من قيادات وكوادر القوى اليسارية هاجرت الى دول الشتات طالبة اللجوء تخلصا من الوضع المزري الذي كانوا يعيشونه... ما بين المخابرات الامريكية المتسيدة وأطلاعات الايرانية وقوى دينية موالية للولي الفقيه والقوى العملية لصدام ,كل هذه عملت الى تحجيم دورهم وتشويه صورتهم النضالية,حيث كثيرا ما تعرضوا الى ضغوطات ومساومات من أطراف متعددة متواجدة معهم في شمال العراق ..الى أن حانت ساعة سقوط النظام على أيدي قوات التحالف عام 2003
وللحديث بقية في الحلقة الثانية
#علي_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟