أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كريم عامر - المكتبة والمستشفى وسفن - مارك انطونيو -..... هل يعيد التاريخ نفسة ؟















المزيد.....

المكتبة والمستشفى وسفن - مارك انطونيو -..... هل يعيد التاريخ نفسة ؟


كريم عامر

الحوار المتمدن-العدد: 902 - 2004 / 7 / 22 - 04:52
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


منذ عشرين عاما ، شهدت مستشفى الشاطبى التابع لكلية الطب جامعة الاسكندرية اهم حدث فى حياتى ، وهو خروجى الى هذة الدنيا فى عملية ولادة انتهت بخروجى الى العالم الكبير من العالم الصغير الذى شهد بدء تكونى من خليتين احاديتا المجموعة الصبغية ، الى خلية واحدة ثنائية المجموعة الصبغية ، الى تجمع من الخلايا التى كونت الجسد الصغير الذى خرج من عالمة الصغير الى العالم الكبير الأشبة بمغارة سحرية ، مليئة بالمفارقات والعجائب ، والغرائب
منذ ان وعيت ماحولى ، وشاهدت الدنيا بعينى رأسى ، وحملقت بشدة فى طبائع اهلها التى كانت غريبة على مثلى ، كنت عندما أمر على هذة المستشفى برفقة والدى وهما يشيران اليها معلماننى اياها بأنها كانت مسقط رأسى ، كنت عندها أشعر بزهو بالغ ، وسعادة غامرة ، ورغبة عارمة فى احتضان المكان الذى شهد اللحظات الاولى من حياتى التى كانت تبدو لى فى سنى عمرى الأولى اشبة بجنة وارفة الظلال ، فسيحة الأركان ، مليئة بلحظات الفرح الجارف والسعادة الغامرة ، الأمر الذى تغير فيما بعد لأسباب لا داعى لذكرها الان
كنت عندما أمر على المستشفى وأشاهد حديقتها الخضراء الزاهية الالوان ، ومبانيها العالية ، اشعر بالفرح والسعادة اللذان سرعان مايزولا بعدما ينتهى المرور من جوارها ، وتظهر بعدها أرض فضاء واسعة توحى بالقفر والخراب وتبعث فى النفس التشاؤم من مرأى المناظر الكريهة للأراضى المقفرة التى تشبة الصحارى الجرداء بلونها الأصفر العدو اللدود للون الحياة الأخضر
كنت ارى التناقض واضحا فى مكانين متلاصقين ، فالمكان الأول يرمز الى الحياة بلون الحديقة المحيطة بالمستشفى وهو اللون الأخضر ، وصراخ الاطفال الرضع اللذين جاءوا للتو واللحظة الة هذة الدنيا ، معلنين بصراخهم هذا بداية حياتهم التى تبدء بصرخة وتنتهى بشهقة ، تتخللهما رحلة شاقة وطويلة بحثا عن ضحكة صافية تشفى القلب فى ظل الأزمات العاصفة التى تقف فى طريق هذة الضحكة مانعة اياها من الظهور على قسمات الوجة لتحل محلها عبسة او تكشيرة تبعث على الخوف والتشاؤم
بينما المكان الثانى يرمز الى القفر والخراب باللون الأصفر المميز لتربتة التى لم يكن يبدو عليها انه قد سبق لها الارتواء بماء يبعث الحياة فيها
وبينما كنت اعيش هذة اللحظات التى احترت فيها ولم أكن اعرف السبب الحقيقى وراء جعل هذين المكانين المتفاوتين فى الشكل ، والمتضادين فى المعانى والصفات ، متجاورين الى حد التلاصق بهذة الصورة الحميمية ، وجدت من يهمس فى أذنى بشىء اخرجنى قليلا من حيرتى ، وجعلنى أؤمن أن تقاربا ما سيحدث بين هذين المكانين فى وقت من الاوقات ، وكان هذا الشىء الذى همس بة فى أذنى هو ان هذا المكان سوف يقام علية اعظم مشروع لاحياء التراث الانسانى والحضارى لمدينة الاسكندرية عن طريق اعادة واجهتها التقافية والعلمية التى كانت قد فقدتها قبل اكثر من الف عام عندما احترقت مكتبة الاسكندرية على يد احد المتنافسين على قلب الملكة كليوباترا عندما حاول أحدهم احراق الاسطول البحرى للاخر ليفوز بقلب صاحبتة دونة ، فامتد الحريق عن طريق الخطأ الى مخازن القمح على الشاطىء ، ومنها الى مخازن الكتب فى المكتبة ، الأمر الذى ترتب علية احتراق مكتبة الاسكندرية ومجمعها العلمى مع صراخ صاحبتها كليوباترا الذى ضاع فى الهواء " مكتبتى ...مكتبتى "
بدأت بعد ذالك اتعود على المنظر الذى كنت اراة سابقا وقد تغير قليلا ، فبعد انتهاء السير بجوار مبانى المستشفى بدأت تظهر بعض الحواجز الحديدية محيطة بالمكان المقفر وتعلوها مصابيح صغيرة تومض بشعاع ملون ، وبجانبها لوحات ارشادية تعبر عن المشروع الذى سيقام فى هذا المكان " احياء مكتبة الاسكندرية "
بعد ذالك ، بدأت ارى الات الحفر والبناء العملاقة تعرف طريقها الى المكان ، وبدأت تقف فى شموخ وكبرياء مصدرة الأصوات العالية المزعجة فى المكان الذى لم يكن يعرف قبل ذالك سوى صراخ الأطفال الرضع فى المستشفى المجاور الى جانب الهتافات الطلابية التى كانت تخرج من حناجر الطلبة فى جامعة الاسكندرية اثناء المظاهرات
وبدأت اسمع الاصوات الغريبة على هذا المكان تعلو لتبلغ عنان السماء ، وبدأ يظهر للعيان بعض الأحجار الخرسانية الوليدة التى بدأت تكبر يوما بعد يوم الى ان اكتملت الابنية المكونة للمشروع وخرجت الى سطح الماء الغواصة العملاقة ، او قرص الشمس الغارق فى البحيرة الاصطناعية المحيطة بالمبنى
واستمرت التجديدات والتشطيبات واللمسات النهائية توضع على المبانى يوما بعد يوم ، حتى اكتمل البناء ، وانتهى العمل ، وبدأت الأرفف تعمر بالكتب ، والأجهزة الحديثة تقتحم المكان الذى كان قبل خمسة عشر عاما مضت لا يعرف سوى الفئران التى كانت تأوى الية هربا من اضطهاد البشر والادميين لها
وبدأت الدعوات ترسل الى ملوك ورؤساء وأمراء وعلماء وعظماء العالم لحضور الافتتاح العالمى للمكتبة الجديدة الذى خرج الى الضوء اخيرا ليسجل احد اهم انجازات الحضارة المصرية فى القرنين العشرين والحادى والعشرين
واستعد الجميع للافتتاح المهيب وبدأت انظار العالم تصوب نحو الاسكندرية ، وبدأت الوفود تملا غرف الفنادق والنزل السياحية كى تشهد هذا الافتتاح الكبير
فى خضم هذة الاحداث ، ولاعتبارات امنية ، تحولت مدينة الاسكندرية الى ثكنة عسكرية ، واغلقت فى الوقت ذاتة مستشفى الشاطبى لفترة مؤقتة ، ثم انتشرت عدة اشاعات عن احتمالات هدم المستشفى الأمر الذى لم يلق اى اهتمام من احد لعد تأكيدة من مصادر حكومية
ثم افتتحت المكتبة أخيرا ، وعادت الوفود أدراجها الى بلادها ، وبدأت المكتبة تفتح ابوابها لاستقبال زوارها من المصريين والاجانب ، وفى الوقت ذاتة ، بدأنا نرى الترميمات والتجديدات تحل على مستشفى الشاطبى الامر الذى اطمأن بة البعض الى كذب الاشاعات التى انتشرت عند افتتاح المكتبة
بعد ذالك بدأنا نسمع همسا حكوميا خفيفا عن امكانية هدم المستشفى بغرض تجميل المحيط العام للمكتبة ، وازالة المناظر الغير حضارية كانتظار الأهالى لمرضاهم خارج المستشفى ، مستبدلين بالمستشفى حديقة عامة أو فندق سياحى لاستقبال الشخصيات الهامة من زوار المكتبة
بعد ذالك رأينا الجدل يحتد ، والخلاف بين الحكومة والمعارضة حول هذا الموضوع يقوى ويشتد ، وبدأنا نسمع بعض المبررات والحلول الحكومية لهذة الأزمة ببناء مستشفى اخر فى منطقة نائية
ذكرتنى هذة الاحداث وتلك الخلافات بحادثة تاريخية شهيرة كانت مكتبة الاسكندرية القديمة محورا فيها ، ولكن كان الجانب الاخر لهذا الخلاف شىء اخر غير المستشفى
فلقد تنازع مارك انطونيو مع اغسطس قيصر على قلب الملكة كليوباترا اخر حكام مصر من البطالمة ، وحاول كل منهما التخلص من غريمة فى الحب كى يفوز بقلب صاحبتة دونة ، فأقدم اغسطس قيصر على حرق سفن اسطول مارك انطونيو الرابضة على مشارف ميناء الاسكندرية ، فأضرم النار فيها ، وانتقل الحريق الى مخازن الثمح على الشاطىء ، ومنها الى مخازن الكتب فى المكتبة
فقد حاول قيصر ارضاء كليوباترا بالتخلص من منافسة فى حبها "انطونيو" ، فنجم عن محاولتة تلك فقدانة لقلب محبوبتة التى غضبت منة لاحراق مكتبتها عن غير قصد وانتحرت بعد ذالك بوضع حية سامة بين نهديها لتموت متأثرة بسمها
اما فى حالتنا تلك ، فقد حاولت حكومتنا مغازلة وارضاء الأجانب الذين يشمئزون من روية أبناء مصر وهم ينتظرون مرضاهم خارج مستشفاهم المجاور للمكتبة ، فقررت هدم المستشفى الذى يمتلكة ابناء الشعب المصرى وبناء فندق سياحى مكانة ليستخدة الاجانب من زوار المكتبة
اننا نجد فى هاتين الحادثتين عدة مترادفات معنوية شديدة الصلة ببعضها الاخر ، فالمكتبة القديمة تقابلها المكتبة القديمة وكلاهما يرمز الى الاشعاع العلمى والثقافى الذى تدل علية مكانة الاسكندرية كمركز اشعاع حضارى وثقافى على مر العصور ، والحرق يقابلة الهدم وكلاهما افعال دالة على التخريب والافساد والتدمير ، والمستشفى تترادف مع السفن من كون الأولى منقذ لحياة الانسان المريض من الموت والثانية منقذة لحياة الانسان فى البحر من الغرق
ترى ، هل يعيد الدهر صياغة الأحداث بمنظارة الخاص فيمتد الهدم من المستشفى الى المكتبة ، كما امتد الحريق من سفن انطونيو الى المكتبة ؟
ترى ، هل تتسبب هذة المحاولة العاطفية منا لارضاء الاخر الى خسارة كلتا الحسنيين ، المستشفى ...والمكتبة ؟
نحن لانتعجل الأحداث ، ولا نترقب الشر ، ولكن كما ان لكل بداية نهاية ، أيضا ، لكل حادث حديث



#كريم_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخيانة الزوجية ....والاكتشافات العلمية
- المرأة وشبح الأمية
- الانسان والهروب من الحقيقة
- الاسلاميون والمرأة
- وداعا أعوامى العشرينا
- البكارة ...وجرائم الشرف
- تعليم الفتاة بين الرفض والقبول
- الاسلام ونظرتة الدونية للمرأة
- الكفن الأسود
- ختان الاناث عمل اجرامى
- لا للزواج المبكر
- هكذا حمى الاسلام المرأة


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كريم عامر - المكتبة والمستشفى وسفن - مارك انطونيو -..... هل يعيد التاريخ نفسة ؟