أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة















المزيد.....

لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 21:01
المحور: المجتمع المدني
    


(1/2)
كلّما هَبَّ سَلَفيٌّ ليثيرَ زوابعَ وضوضاءَ سخيفةً حول عمل إبداعيّ ما، زاعمًا أنه خادشٌ حياء، أو مُزدرٍ مقدّسًا، أو مخترقٌ تابو، إلى آخر تلك التُّهم البليدة التي غدت "شُغلة مَن لا شُغلة له"، كلما حدث ذلك، استقرَّ في يقيني، أكثرَ وأكثر، أنَّ القراءةَ فنٌّ عسير، لا يقلُّ صعوبةً عن فنّ الكتابة ذاته!
ويثبُ في ذهني سؤالٌ موجع: أتُراهم، مثيرو الزوابعَ أولئك، قد حرمهم اللهُ تلك النعمةَ النبيلة، (نعمة حُسن القراءة وعمقها)، ثم حَرموا هُم أنفسَهم محاولة اكتسابها، عن طريق الخضوع لبرامج قراءة مكثفة وجادة، والتزوّد بكل ما من شأنه أن يرفعَ لديهم مَلَكةَ الاستيعاب؟ أم تُراهم مُغرمون بالشهرة صعودًا على أكتاف المبدعين، وكاهل الإبداع؟ أم تُراهم امتلكوا الرذيلتيّن معًا: فقرَ القراءة، وهَوَسَ الشهرة؟ أم عساهم أغرتهم موضةُ الارتزاق على دمِ المبدعين! كما يفعل أحدُ الشيوخ "المشهورين"، إذْ يرفع، كلَّ يوم، قضايا حِسْبة على المبدع ليقبض منه عدة آلاف، والاسمُ: حامي حِمى الدين! والدينُ ليس يحتاجُ لمن يَزوْدُ عنه، ويزايد عليه! إنْ الدينُ إلا كيانٌ قويّ في ذاته، له ربٌّ يحميه؛ ومَن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
وبالأمس، "استيقظ"(!) النائبُ الإخوانيّ حمدي زهران. ليتقدم بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الشعب، يطالبه فيه بعرض رواية "لهو الأبالسة"، للأديبة د. سهير المصادفة، على مجمع البحوث الإسلامية، للوقوف على ما جاء بها من فسوق، ومصادرتها! وأقولُ "استيقظ"، لأن الرواية صدرت منذ سبع سنوات، عن دار ميريت، قبل صدور طبعتها الثانية عن مكتبة الأسرة منذ خمس أعوام! فأين كان النائبُ طوال هذه السنوات؟ الإجابةُ: "النائب لا يقرأ"! وقد اعترف بهذا في الحوار الذي أجراه معه الزميل وائل السمري على صفحات "اليوم السابع". قال: لا أقرأ الأدب إلا قليلا. ولما سأله السمري عن هذا القليل، عجزَ عن تسميه رواية واحدة قرأها طيلة حياته! وهنا تسقط دهشتُنا من فقر تأويله الرواية. لأن قراءةَ الأدب فنٌّ ودُربةٌ، يتكون مع مرِّ السنوات بتراكُم مخزوننا القرائيّ لكافة ألوان الأدب المحليّ والعالميّ، الآنيّ والتراثي! فأنّى للسيد زهران بكلّ هذا، وقد اعترف بأنه لا يقرأ الأدب؟ أما كيف عرف عن "لهو الأبالسة"، فالإجابةُ أنه اتّبع المبدأ السائدَ في ثقافتنا العربية. مبدأ: "قالولو"! فقد أخطره أحدهم بأن بالرواية مشاهدَ قبيحةً يندَى لها الجبين! "فاستيقظَ النائمُ"، "مضطرًا"، وقرأ!
وبما إن السيد زهران لا يقرأ، فأدعوه إلى مراجعة كتاب:The Meaning of Beauty ، الذي كتبه الفيلسوفُ البريطانيّ وولتر تيرينس ستيس Walter Terence Stace العام 1929، وإنْ لم يستطع فليطالعْ نسخته العربية: "معنى الجمال، نظرية الاستاطيقا" الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة، العام 2000، بترجمة د. إمام عبد الفتاح.
يذهبُ الكتابُ إلى أن للفنّ معاييرَ مختلفةً عن تلك التي نحاكمُ بها الأخلاقَ والسلوك. وأن الجميلَ والقبيحَ في الفنّ، لهما دلالاتٌ مختلفة عنهما في منظومة القِيَم. بل ذهب الكتابُ إلى القبيحَ ليس ضدًّا للجميل، حال الكلام عن الفنّ، بل لونٌ من ألوانه، لأن الجمالَ والقبحَ، كليهما، ينتميان إلى حقل الاستاطيقا، وهي علم الجمال Aesthetics. وهذا لا يتناقضُ مطلقًا مع قولنا إن الهدفَ الوحيدَ للفن هو الجمال. ينشأ التناقضُ حين نظنُّ، خطأً، أن الجمالَ والقبحَ في الاستاطيقا، هما الخيرُ والشرُّ في الأخلاق، هما الصدقُ والكذبُ في قضايا المنطق! فالقبح في الفن كثيرًا ما يكون قوّةً إضافية للعمل الإبداعي، لأنه المحفّز لصنع الجمال.
ونكمل الأسبوع القادم

(2/2)
مازلنا بصدد قضية الجمال والقبح في الفنِّ، كما ذهب "وولتر ت. ستيس" W.T.Stace ، في كتابه "معنى الجمال". يقول الكتابُ إن الجمالَ والقبحَ في الفنّ، ليسا ضدّين، بل رافدان من روافد الاستاطيقا، يشكّلان معًا منظومةَ الإبداع. فالقبحُ نوعٌ من الانطباع الاستاطيقي. وكلُّ انطباع استاطيقيّ جميلٌ في ذاته. فإذا كان الجميلُ يؤدي إلى المتعة، والقبيحُ يؤدي إلى الاستياء، وبما أن المتعةَ والاستياءَ ضدّان، يظنُّ الناسُ أن القبحَ ضدُّ الجمال. وخطأ هذه النظرة ينبعُ من أن الشعورَ بالاستياء الذي ولّده القبحُ، ليس شعورًا استاطيقيًّا. بينما الشعورُ الاستاطيقيّ الذي أنتجه القبحُ هو، على العكس، شعورٌ "فنيّ" بالمتعة. ودليل ذلك أن بعض الأعمال الفنية، السينمائية والتشكيلية والموسيقية والأدبية، تستقي فنيّتَها من الرعب، مثلا. مثلما أدخل أرسطو العواصفَ الوحشيةَ ضمن عناصر الدراما. ومثلما نرى بعض جمال الطبيعة في شراستها وقسوتها. تلك المشاهِدُ تُشعرنا بمتعةٍ، منبعها الرعبُ والاستياء، وبالتالي ندرجها مدارجَ الفنِّ، ليس برغم قبحها، بل بسبب ذلك القبح. ويضربُ لنا الفيلسوفُ إدوارد بولو مثلا فيقول: إن الشخصَ الذي يذهب لمشاهدة مسرحية "عطيل"، وبدلاً تركيزه في العمل الفنيّ، يذهبُ بفكره لتحليل التشابه بين موقف عطيل مع ديدمونه، وموقفه الشخصيّ مع زوجته، فإنه في الواقع لا يشاهدُ المسرحية من منظور استاطيقيّ (جماليّ)، بل من منظور شخصيّ، وهذا خطأ جوهري في تعاطي الفن.
وعَودٌ لرواية "لهو الأبالسة" التي رفضها السيد النائب حمدي زهران، يتبيّن لنا أنه يحتاج إلى التمرين على تعاطي الأعمال الإبداعية من منظور مغاير لتعامله مع منظومة القيم والأخلاق. فالمشهد الذي رفضه، في الرواية، يتلخص في امرأة "شاذة" تضاجع حمارًا! فقال: هذا يطيحُ بسُلّم القيم في المجتمع المصريّ! كأنما الشواذُ يترقبون صدور الرواية ليشذّوا، أولاً! وثانيًا كأنما لا يعرفُ أن تلك السلوكات الشاذة تُمارس من قديم الأزل في كافة أنحاء الأرض قبل الرواية، وبعدها! والأخطرُ أنه ينسى أن الفنَّ من رسائله أن يعرض القبيحَ لكي نمقته، نشدانًا للجمال. ومن هنا، فالمشهد الذي لفظه النائبُ، هو ذاته لصالح الجمال، لا ضدّه. فكأنما النائب يودّ أن يحصرَ الفنّ داخل صندوق الجمال، بمعناه الطفوليّ الساذج، من كونه: الوردةَ والقمرَ والفراشةَ والعصفور! فيما أرى أن السيد زهران تعوزّه القراءةُ سنواتٍ طوالاً ليدركَ المعنى العميقَ لقضية الجمال والقبح في الأدب.
يقول في بيانه العجيب: "تضمنتِ الروايةُ عباراتٍ خادشةً للحياء، وتخالفُ الشريعة الإسلامية، مما يروِّج للإباحية ونشر الرذيلة في المجتمع المصري"! وأسأله بدوري: ألا يتضمن القرآنُ الكريم عباراتٍ تناقش، بصراحة مطلقة، طبيعةَ العلاقة البيولوجية الحميمة بين الرجل والمرأة؟ ألا يتضمن البخاريُّ تفسيراتٍ شديدةَ الانفتاح والوضوح؟ فهل يخالف هذان الكتابان الكريمان الشريعةَ الإسلامية؟! هل يروّجان للإباحية؟! ثم أسأله: حينما رسم بيكاسو لوحة "الجورنيكا" مصوِّرًا أهوالَ الحرب الأهلية في أسبانيا، أكان يروّج للحرب والاقتتال؟ أم العكس؟ وهل كافة أعمال أجاثا كريستي وألفريد هيتشكوك وموريس لوبلان تروّج للجريمة؟ أم العكس؟ وهل رواية "1984" التي صوّر فيها جورج أوريل بشاعة الحكم الشموليّ، لو قُدِّر ودخل انجلترا، أكان يروّج لوجود حاكم فاشيّ هو "الأخ الأكبر"؟! أم العكس؟ كيف لم ينتبه النائب الموقر أن رسمَ القبح في الإبداع هو لونٌ من كشفه وفضحه لكي يتجنبه الناس، فينتصرون للجمال؟! إجابة سؤالي ببساطة: لأن السيد زهران لا يقرأ! ومن ثم لديه فقرٌ فادح في القدرة على ولوج الأعمال الإبداعية، التي يلزمها موهبةٌ عظيمة اسمها: "فنُّ القراءة".



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا الحُسْنُ قد أمَر!
- ساعةُ الحائط
- سهير المصادفة
- ولكنْ، كلُّنا في الهَمِّ مِصرُ! (2)
- الجنوب كمان وكمان (3)
- أطفالٌ من بلادي
- رسالةٌ من الجنوب (1)
- معرض الجنايني بالأقصر، يمزجُ الشعرَ بالتشكيل
- اطلبوا العِلمَ، ولو في التسعين!
- عِمتَ صباحًا يا -شجيّ-!
- مَحو الأميّة المصرية
- الشاعرة فاطمة ناعوت: أنا اندهش إذًا أنا إنسان
- أكبرُ طفلٍ في التاريخ
- الكرةُ... وعَلَمُ مصر!
- كتابٌ يبحثُ عن مؤلف
- كلّ سنة وأنت طيّب يا عالِم!
- شمعةٌ مصريةٌ ضد القبح
- شابّان من بلادي
- آثارُ مصرَ في مزاد الأثرياء
- ما لن تتعلّموه في المدارس


المزيد.....




- أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج ...
- بين لهيب الحرب وصقيع الشتاء.. الجزيرة نت ترصد مآسي خيام النا ...
- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة