|
قِمَّة -الإسراء- من سرت إلى القدس!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 15:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما وجه الشبه بين "القمم العربية" و"الانتخابات العربية"؟
الشبه كثيرٌ؛ ولكنَّ أهمه نراه في "النتائج"، لجهة كونها معروفة سَلَفَاً، ومكرَّرة، فجديدها غير مفيد، ومفيدها غير جديد؛ وفي "صفتها التمثيلية"، فإنَّ "الأمَّة"، والشعوب، والمجتمعات، هي الغائبة دائماً (بمصالحها وحقوقها وقضاياها..) عن "القمم" و"الانتخابات" معاً.
ما وجه الشبه بين "الأمَّة" و"قادتها" في "القرار السياسي" الذي يخصُّ قضية قومية كبرى، كمثل "القضية الفلسطينية"، و"قضية القدس (الشرقية)"، المتفرِّعة منها، والتي تداعوا، انتصاراً لها ضدَّ إصرار حكومة نتنياهو على الإمعان في تهويدها، ديمغرافياً وثقافياً وسياسياً؟
الشبه قليلٌ، ولكنَّ أهمه نراه في العجز عن اقتحام عالَم السياسة الحقيقي، ومزاولة السياسة بما يسمح للعالم بأن يعترف بمُزاوِلها على أنَّه "صاحب (وصانع) قرار"، فإنَّ كل ما نسميه، زوراً وبهتاناً، "قراراً" اتَّخذته "قمَّة عربية" لا يعدو كونه "رأياً" يرتئيه "القادة"، أو "وجهة نظر" يعبَّرون عنها، فلا يختلفون في ذلك عمَّا يسمَّى "الشارع العربي".
في كلِّ "قرارٍ" يَصْدُر عن "قمة عربية" نَقِف على كل ما يؤكِّد ويُثْبِت أنْ ليس في هذا "القرار" شيء من معاني القرار، فهُم في "قرارهم" يقولون بما يَجْعَل قولهم أقرب إلى "الرأي" منه إلى "القرار".
إنَّهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، "يرفضون" ما تقوم به إسرائيل، أو ما تعتزم القيام به، في القدس والضفة الغربية، وكأنَّهم جاءوا واجتمعوا ليجيبوا عن سؤال "هل تقبلون أم ترفضون..؟"!
أمَّا إذا قرَّروا زيادة درجة الحرارة في "قرارهم" فإنَّهم، عندئذٍ، يشجبون، ويستنكرون، ويدينون!
وحتى لا يَسْتَسْهِل المعترضون والمنتقدون وصف "قرارهم" بأنَّه "غير عملي"، قرَّروا تزيينه بشيء من المال والصناديق، فها هُم يقرِّرون في سرت نُصْرة القدس، وحمايتها، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، وتثبيته على أرضه، بنحو 500 مليون دولار.
وبين "قرار" و"قرار" يمكن أن يجادلوا بعضهم بعضاً في "جَدَل العلاقة بين المقاومة والسلام"، فينتهي جدالهم دائماً إلى ما يقيم الدليل على أنَّ "الجدل البيزنطي" أصبح جزءاً لا يتجزأ من القمم العربية.
إنَّه لحديث إفكٍ، ولكذبةٍ كبرى، أنْ يُعْلِنوا دائماً أنَّ "السلام" هو "خيارهم"، و"خيارهم الإستراتيجي"، فإنَّ "الحقيقة"، كل الحقيقة، هي أنَّ "النأي بأنفسهم عن كل صراعٍ حقيقي ضدَّ عدوِّنا القومي الأوَّل، خشية أنْ ينتهي هذا المسار بحربٍ، أو بما هو أسوأ منها" هو "خيارهم الحقيقي والإستراتيجي"، فكلَّما تحدَّتهم إسرائيل أن يكونوا، أو يصبحوا، أهلاً لصراعٍ حقيقي ضدَّها، يبادلونها عداءً بعداء، ويدرأون عن "الأمَّة"، ولو نزراً من مخاطرها، هربوا إلى الأمام، مزيِّنين هذا الهروب بعبارة "السلام خيارنا الإستراتيجي"!
إنَّهم يعرفون أنَّ "التزامهم" هذا لا يَزِن أكثر ممَّا تَزِن صلاة كاهِن في مواجهة صاعقة انقضت، أو توشِك أن تنقض عليه، من السماء؛ ولكن، هل يملكون غير ذلك حتى يكون موقفهم هذا مستوفياً معنى "الخيار"؟!
وإنَّهم يعرفون، أيضاً، أنَّ هذا "السلام"، الذي من أجله يُصلُّون في كل "قِمَة"، ليس فيه شيء من معنى السلام، فهو أقرب إلى "الراية البيضاء" منه إلى "الحمامة البيضاء".
ما يَحِزُّ في نفوسهم، ويثير حفيظتهم، هو أنَّ إسرائيل لم تُعْطِهم شيئاً وهُم الذين أعطوها حتى فرغت أياديهم؛ أمَّا ما يكبح غضبهم عليها، ومنها، ويَحْمِلهم على أن يلبسوا لبوس العقل والحكمة، فهو خشيتهم الحقيقية من عواقب وتبعات الأخذ بكل خيارٍ، يقوم على نبذ الأوهام التي منها، ومنها فحسب، ابتنوا ذلك الخيار (الإستراتيجي) مُسْتَحْدثين له "مبادرة"، بادرتها إسرائيل، وهي في المهد، بضربة سيف.
نصرةً للقدس، وانتصاراً للحقوق العربية فيها، جاءوا إلى سرت من كل فجٍّ عميق، فهي إمَّا أن تكون للسلام مهداً، وإمَّا أن تصبح له لحداً.
ولكن، هل للحقيقة من وجود يُذْكَر في زعمهم؟
إنَّ لنا مع إسرائيل اتفاقيات عدة، هي جميعاً اتفاقيات لصون سلامٍ تحقَّق، أو لتحقيق سلام لم يتحقَّق بعد.
أعْطوني اتفاقية واحدة تُلْزِم موقِّعها العربي أن يصبح في حلٍّ منها، إذا ما تبيَّن له أنَّ إسرائيل عازمة على المضي قُدُماً في تهويد القدس الشرقية، أو على الإبقاء عليها جزءاً لا يتجزأ من عاصمتها الأبدية.
إذا قرَّرت حكومة نتنياهو بناء عشرات، أو مئات، أو آلاف، المنازل للمستوطنين في القدس الشرقية، فإنَّ القادة العرب يمكن أن يجتمعوا للتنديد والاستنكار، ولتوضيح أنَّ هذا التوسُّع في النشاط الاستيطاني في المدينة المقدَّسة يُفْسِد الجهود والمساعي المبذولة لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؛ أمَّا ما تحقَّق من سلامٍ بينها وبين العرب فلا يُفْسِده شيء، ويظلُّ في الحفظ والصون، وكأن ليس للقدس (ذات الأهمية الدينية والثقافية الكبرى) من أهمية سياسية تُذْكَر!
في كل الاتفاقيات لم أرَ ما يشير إلى أنَّ إسرائيل يمكن أن تغدو منتهِكةً لها، أو لبندٍ منها، إذا ما قامت بما قامت به في القدس الشرقية، أو إذا ما قامت بما تعتزم القيام به، أو ترغب في القيام به.
وإنِّي لأتساءل، في دهشة واستغراب، كيف لنتنياهو، أو ليبرمان، أن يجنح للسلم، وأن يتحوَّل إلى "حمامة سلام"، وأن يَعْدِل عن إصراره على مفاوضات مع الفلسطينيين، تأتي بمزيدٍ من الاستيطان والتهويد، وتَسْتَهْدِف "حلاًّ نهائياً"، يُبْقي على ما يفيد إسرائيل من بقاء احتلالها، وينهي ما يضرها منه، إذا ما كان العرب على فئتين اثنتين: فئة تقول إنَّنا لحافظون لِمَا نُزِّل علينا من اتفاقيات، وفئة تقول إنَّنا نلتزم السلام خياراً إستراتيجياً، لا نُشْرِك به خياراً آخر، مهما تمادت إسرائيل في عدائها للسلام؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في عقر دارك يا أوباما!
-
أنا المالك الحقيقي لكنيس -الخراب-!
-
الذهنية التلمودية.. ليبرمان مثالاً!
-
مفاوضات صديقة للاستيطان!
-
-أزمة الفهم والتفسير- في عالَم السياسة!
-
متى تتحرَّر المرأة من -يوم المرأة العالمي-؟!
-
-فساد الانتخابات- يكمن في -فساد الدَّافِع الانتخابي-!
-
موعدنا الجديد في تموز المقبل!
-
فتوى الشيخ البراك!
-
الحاسَّة الصحافية
-
بيان اليأس!
-
قانون -ولكن-!
-
المواقع الأثرية اليهودية.. قائمة تطول!
-
حَلٌّ يقوم على -تصغير الضفة وتكبير القطاع-!
-
حكومات مرعوبة تَلِدُ إعلاماً مرعوباً!
-
-تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!
-
صناعة التوريط في قضايا فساد!
-
-فالنتياين-.. عيدٌ للتُّجار أم للعشَّاق؟!
-
الأمين العام!
-
عصبية -الدَّاليْن-!
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|