|
الطائفية الحزبية في سورية
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 10:42
المحور:
المجتمع المدني
تعد الحياة الحزبية في سورية ، جزءاً أصيلاً لا ينفصل عن الحياة السياسية وحراكها العام ، فطالما وجدت الأحزاب ، تحركت عجلة السياسة ، وارتقى مستوى حراكها إلى أعلى درجات التعدد والتداول للسلطة وتمثيل المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه ، والعكس بالعكس ، كلما اضمحلت الأحزاب واختزلت بحزبٍ واحد ، تعطلت الحياة السياسية والحزبية في آن معاً . لم تكن الأحزاب في التاريخ السوري المعاصر، ذات صبغة طائفية، وهو ما يميزها عن غيرها من الأحزاب في دول الجوار العربي ( لبنان كمثال ) فالأحزاب السياسية تشكلت عبر ثلاث مراحل متتالية. المرحلة الأولى : قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها ، حيث كانت سورية آنذاك خاضعة لسلطة الدولة العثمانية ( الباب العالي ) والتي وصفت في أواخر عهدها بالرجل المريض ، وذلك قبل حلول مرحلة الأفول ، فقد كانت السمة الغالبة على الأحزاب في تلك الفترة ، أنها متأثرة أشد التأثر ، بتنامي الظاهرة القومية ، والتي انطلقت بالتزامن مع انطلاق عصر الأيديولوجيات ، والذي تحركت على إثره القارة الأوروبية نحو تحصيل مصالحها السياسية والاقتصادية في دول المشرق العربي . فالأحزاب التي سادت في تلك المرحلة بوجه عام ، نستطيع أن ندرجها في خانة الحركات القومية التحررية (الجمعية العربية الفتاة)،أي القومية السياسية ذات التوجه العروبي المضاد للتوجه القومي التركي ، الذي ما فتئ يستعيد هويته القومية بعد انغماسه العميق في مشروع الخلافة الإسلامية ، وذلك على خلفية انكفائه الاستراتيجي ، ونمو الروح القومية التي تأثرت بمحيطها الأوروبي . وبالإضافة إلى تنامي الظاهرة القومية في تلك المرحلة، ظهرت اللامركزية السياسية كتيار حزبي عريض ( حزب الحرية والائتلاف ) دعا أنصاره (عبد الرحمن الشهبندر ،شكري العسلي ) صراحة إلى قيام حكم لا مركزي ( ذاتي ) للولايات التابعة للسلطنة العثمانية، فالتململ السياسي والاجتماعي، كان من أبرز الأسباب التي دفعت إلى المطالبة باللامركزية السياسية. المرحلة الثانية : تلي المرحلة الأولى مباشرة ، أي عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ومع دخول سورية في طور الانتداب الفرنسي ، الذي استمر حتى نهايات الحرب العالمية الثانية ، فخلال هذه المرحلة التي اتسمت بضراوة الكفاح الشعبي بشقيه السياسي والعسكري بغرض جلاء الاحتلال ، تشكلت العديد من الأحزاب السياسية في مرحلة الثلاثينات والأربعينات ، نستطيع أن نصفها بالأحزاب الوطنية ، ذات التوجه المحلي (حزب العهد الوطني 1931 برئاسة سعيد الجزائري ، حزب الائتلاف 1932برئاسة حقي العظم ) من دون أن يعني ذلك تراجع الحركات القومية التي امتازت بها المرحلة الأولى ، بل أن العديد من الأحزاب الوطنية ( الحزب الوطني السوري1920) اشتقت من نظيرتها القومية ( الجمعية العربية الفتاة) إن على المستوى النظري العقائدي أو على مستوى العملي . ففي هذه المرحلة بدأت تتبلور معالم الدولة الوطنية السوري بجميع مؤسساتها السياسية والدستورية ، وذلك قبل بلوغ عهد الاستقلال في 17 ابريل عام 1946 ، الذي جرت تهيئته والتمهيد له من خلال حراك الأحزاب الوطنية ، التي مافتئت تطالب دولة الانتداب الفرنسي ، بجلاء قواتها ، بموجب قرارات عصبة الأمم والبنود الواردة في اتفاقية العام 1936 المبرمة مع الحكومة الفرنسية . والجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية في هذه المرحلة ، لم تتسم قط بالطائفية ( الكتلة الوطنية 1925) كما ولم تتشكل على أساس المناطقية ( حزب الشعب ، حزب الاتحاد ) فالانغماس في العمل السياسي الهادف إلى استقلال البلاد أولاً ، ظل الهدف الوحيد الذي سارت وعملت لأجله كل الأحزاب الوطنية ، وغيرها من التيارات السياسية . المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي شهدت استقلال سورية عن دولة الانتداب الفرنسي عام 1946 ، والتي توالى فيها ظهور الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية بمختلف توجهاتها الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية ، ففي هذه المرحلة ، يمكن رصد التنافس الديمقراطي بين الظاهرتين الوطنية ( حزب الشعب ) والقومية ( حزب البعث) طيلة عقد الخمسينات ، وهو تنافس سياسي لا تشوبه شائبة ، ودائماً ما كانت الكفة فيه تميل لصالح التيار الوطني في أجواء ملؤها الانفتاح والشفافية والنزاهة والعدالة ، وإن كانت تعكرها بين الحين والآخر انقلابات العسكريين ، إلا أنها لا تعدو كونها مجرد تدخلات إقليمية في الشأن السوري ، سرعان ما تنتهي ، كلما تجددت الصراعات الإقليمية ، وكلما ضخت دماء جديدة في شرايين الحياة الحزبية والسياسية في سورية . وفي نهاية عقد الخمسينات ، الذي شهد قيام دولة الوحدة بين سورية ومصر ، بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، غابت الحياتين السياسية والحزبية لصالح دعم قيام دولة الوحدة في سبيل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية ، فالكثير من الأحزاب حلت نفسها ومن بينها حزب البعث ، وجماعة الإخوان المسلمين ، دعماً منها لانطلاقة الوحدة العربية ، إلا أن تعثر مشروع الوحدة ، واصطدامه بأخطاء العسكر والساسة الذين تعجلوا في خيار السير نحو الوحدة الاندماجية ، أدى فيما بعد ، أي بعد الانفصال عن مصر إلى حشر العسكر في تفاصيل الحياة الحزبية ( أمين الحافظ ) بتشجيع من السياسيين أنفسهم ( أكرم الحوراني ) على أمل تقوية موقف أولائك السياسيين في مواجهة خصمهم من الأحزاب والتيارات الأخرى ( جماعة الإخوان المسلمين ) . ففي هذه المرحلة ، تراجع دور الأحزاب الوطنية ، لصالح تنامي دور نظيرتها القومية ، والأسباب عديدة ، أولها سطوع شخص الرئيس عبد الناصر ، كحامل لمشروع القومية العربية ، واصطفاف الجماهير العربية الغفيرة خلف رايته ، راية القومية كسبيل لتعويض ما فاتها ( فلسطين ) في حرب النكبة عام 1948 ، أما ثانيها ، فكان بفعل تشجيع السياسيين على تحزيب العسكر ، عوضاً عن تحزيب المجتمع ، كأداة ضغط وورقة للمساومة . إلا أن التحول الكبير الذي شهدته مرحلة الستينات ، تمثل بتفرد حزب البعث بالسلطتين السياسية والعسكرية ، فالتفرد الأول كان في الثامن من آذار / مارس عام 1963 على يد الثلاثي العسكري ( أمين الحافظ ، صلاح جديد ، محمد عمران ) أما التفرد الثاني فكان في 23 شباط / فبراير عام 1966 على يد الثنائي ( صلاح جديد ، حافظ الأسد ) معلناً نهاية الحياة الحزبية والسياسية ، وبداية عهد نظام الحزب الواحد ، والفرد الواحد . حتى ذلك الحين من فترة الستينات والسبعينات ، لم تكن الأحزاب ( حزب البعث) قد اصطبغ بصبغة الطائفية السياسية ، فبالرغم من وحدانية وفردانية البعث ، ممثلاً بشخص الأسد الأب ، الذي تخلى في لحظة القفز الانفرادي إلى السلطة ، عن اقرب رفاق دربه ( صلاح جديد) بداعي الاختلاف الحزبي والعقائدي وتقييم مدى حاجة الحزب للدولة وحاجة الدولة للحزب ، غير أن الطائفية الحزبية - السياسية لم تطل برأسها إلا في فترة الثمانينات على ضوء الصراع الدامي مع جماعة الإخوان المسلمين ( كصراع طائفي ) ومع التيار اليساري ممثلاً بحزب العمل الشيوعي ( كصراع سياسي ) . لكن ظهورها الأول ( الطائفية الحزبية ) جرى التعبير عنه بصمت في حركة 23 فبراير عام 1966 ، حينما شرع عسكر الطائفة ( العلوية ) بقيادة الضابطين الحزبيين حافظ الأسد وصلاح جديد ، بكنس رفاقهم العسكريين ( أمين الحافظ ) والسياسيين ( أكرم الحوراني ، ميشيل عفلق ، صلاح البيطار ) بتهمة خيانتهم لمبادئ البعث وانحرافهم عن جادة الصواب وتشويههم لثوابته "القومية" ، إلا أن هذا الظهور الصامت ، تبدى علانية في الصراع بين الإخوان المسلمين والسلطة ممثلة بشخص الأسد الأب ، وهو صراع استهدف مختلف شرائح المجتمع دون أن يوفر أحداً ، ودون أن يقتصر على فئة بعينها ( الإخوان ) وانتقل تالياً بين الأسدين ( حافظ ورفعت ) وما أحدثه ذاك الصراع العائلي عام 1984 من اصطفاف طائفي قصم ظهر الحياة الحزبية والمجتمعية في سورية . وما نشهده اليوم في عهد النجل بشار الأسد ، من طائفية حزبية لا تخفي نفسها في تقاسم المهام والمسؤوليات في دوائر الدولة ومؤسساتها المتعددة على أساس حزبي مشفوع بانتماء طائفي وتالياً بولاء شخصي مطلق ، في سبيل الالتفاف أكثر فأكثر على حركة التاريخ وتقيد دور الدولة والمجتمع .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
المزيد.....
-
ترامب يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.. ماهي؟
-
ترامب:إجراءاتنا ضد المحكمة الجنائية الدولية قد تشمل حظر المم
...
-
ترامب يوقع مرسومًا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
...
-
ترامب يعاقب المحكمة الجنائية الدولية ويعلن الطوارئ الوطنية ض
...
-
غزة.. دمارٌ وركامٌ ورياحٌ عاتية أجهزت على ما تبقى من ملاجئ و
...
-
ليبيا.. ترحيل طوعي لمهاجرين مصريين غير شرعيين
-
الاحتلال الإسرائيلي يفرض تدابير تحول دون الانجاب في قطاع غزة
...
-
بسبب إسرائيل.. ترامب يقر عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
...
-
جالانت: أعطينا أوامر للجيش بقتل الأسرى مع آسريهم
-
البنتاغون ينشر فيديو لترحيل أول دفعة من المهاجرين إلى غوانتا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|