احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 02:54
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بعيدا عن دائرة الحياة
سؤال سجين من زنزانة القاص محسن الخفاجي
عقب انتهاء الحرب ، وفي لحظة تحوّل عنيف ، في صباح أو مساء أو ظهيرة … أعتقل القاص العراقي محسن الخفاجي في مدينة الناصرية .
في غفلة من الزمن وبشكل غريب وسريع ومفاجئ ..كان الرجل بعيدا ، وحيدا ، مأزوما ، هناك غاب ( محسن ) عن أهله وأصدقائه . مفاجأة الحدث لم تبق للسؤال عن ( كيف ) و ( لماذا ) أي معنى يذكر . لكنه السؤال الحرج وحده هو من بقي معلقا ومؤبدا إلى الآن .
عام مضى وهو في السجن ، وربما اكثر من ذلك ، ولم تستكن بعد شهوة السؤال والبحث عن حكاية مقنعة عند محبيه وأصدقائه ، كما لم تفتأ حراجة الموقف الإنساني تتغير من حين إلى آخر ، رغم عديد الأقاويل والتكهنات التي تحيط بنا من كل حدب وصوب . ربما لان القاص الحبيس لم يُسمع صوته للآخرين ، شارحا اللغز أو مدافعا عن قضية ، أو معترضا على سوء وضعه حتى .
إن ذكراه اليوم تساوي استعادة غياب شبه تام عن دائرة الحياة .
فينا من يرى أن معسكرات الاعتقال الصحراوية للتحالف تجاور الفوضى في المشهد العراقي منذ انتهاء الحرب ، وتتجاوزها قسوة وعشوائية ولامبالاة أحيانا . قد يصح تسميتها بالقسوة الدولية التي يغيب عنك مركز قرارها الحقيقي ، لتبدو أشبه بطغيان السلطة الكونية الغامضة . لكنها بكل الأحوال ليست وهما لسلطة أو طيف لمحكمة عملاقة ببوابة سوداء مجهولة يخطها قلم (كافكا ) .
وبسبب أن امتدادات العسكرة الأميركية وأثرها النافذ على الوضع الاجتماعي خلقت للانتلجنسيا العراقية حرجا أخلاقيا واسع النطاق ، اصبح مغزى اعتقال الأديب العراقي عاملا ضاغطا على مشروع إحلال حقوق الإنسان في العراق الجديد ، وحديثا مؤرقا لتطلعات الغد . فإعاقة الحرية تتصف بكونها خدش لصورة الحياة الديمقراطية في أي بلد محرر . لكن واقع الحال يبدو انه يسير باتجاه آخر مغاير . خاصة وان ( محسن الخفاجي ) لم يعتقل بوصفه أديبا ارتبط بالسلطة أو حسب عليها في فترة ما ، بل لأن ظروفا معقدة كانت قد قادت قدميه في لحظة التباس ساخرة إلى شرك التحالف الكبير .
هكذا تداخلت معطيات السجين بشكل مأساوي جعل منه مجرد رقم محلي آخر في معادلة كبيرة واسعة يديرها تحالف القوى العسكرية في العراق . ربما لهذا السبب يعد التذكير بهوية المعتقل ( الأدبية ) نوع من التماس العفو أو محاولة تقدير الهوية الإنسانية للسجين الأعزل .
كل من يعرف القاص محسن الخفاجي يدرك بيقين لا يقبل الشك إن الأزمة هذه اكبر من قدرته على تحملها أو التعامل معها ، حتى وان فاز القاص مع نفسه بلحظة صفاء خاطفة ، تضعه على طريق كتابة المحنة بذاكرته أو بأوراق صفر ، هي عزاءه الأخير .
هول الجدار الذي يواجه السجين العراقي ويلقي بظله على طيف أحبابه ، يصيبنا بحزن خجول ، ويرسخ عدم معرفتنا وعدم يقيننا من هوية ( من نخاطب هنا ) .. لكن أملنا اليوم مرهون بتوسيع فسحة المطالبة بحياة إنسان عراقي قبل يلفه سواد غياب تام .
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟