إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 02:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أسئلة المواطن ..
أسئلة الوطن ...
إبراهيم اليوسف
ثمة دراسات كثيرة تناولت الواقع السوري – مؤخراً – تحت سطوة رؤى أحادية , عرجاء , لوقوفها أمام مفردات الداخل في البلاد , تستقرؤها , و تجري من خلالها محاكمات ما , بهذا القدر أو ذاك من المسؤولية , متذرعة بأن كل ما تناولته عبارة عن وقائع، و حقائق. مقابل قراءة أخرى– يمكن اعتبارها قراءة الخارج – حيث تتكئ – بدورها – على مفردات خاصة، تقتنصها , هي الأخرى – سلباً أو ايجاباً – كي تبني عبرها رؤيتها . و تسوغ مشروعيتها .
و لعل من الضروري الإشارة –هنا- إلى انه لا يمكن تناول الحالة السورية , إلا ضمن لوحة الواقع من شتى جوانبها , بل و نقاط الرؤية , دون الاستغراق في أي بعد على حساب تجاهل الأبعاد الأخرى.
ضمن مثل هذا الفهم , تحديداً , لا بدّ من اعتبار أن آلة الفساد، و كحامل استبدادي لهذه الآلة , التي بات الحديث عنها يدور على نطاق واسع , بعد أن كان أسير دوائر ضيقة , غير رسمية , و أقرب إلى الهمس غير المجدي , بيد انه – الآن – تحول إلى محور أحاديث علنية , رسمية , يتم مناقشتها على أعلى المستويات , لا سيما حيث يتم الحديث عن الإصلاح – الذي بات يراه المواطن السوري أشبه بغودوت تماماً.
و بدهي , ان استشراء الفساد , قادر – على خلق خلخلة، بيّنة , من شأنها نخر البنيان المجتمعي , لنكون بالتالي أمام واقع مزر، حيث ازدياد الهوة- يوماً بعد يوم – بين انموذجين من المواطنين : قلة قليلة ناهبة , متحكمة بأرزاق الناس , و كثرة بائسة تعيش دون خطّ الفقر , تكاد لا تجد ثمن رغيفها , أو ثمن دوائها , و ليس الحدود الدنيا من سبل الحياة الكريمة !.
و تأسيساً على مثل هذه المعطيات , في ظل مثل هذا الآفة الفتاكة التي ستفرض بالتالي – انموذج – تفكير , لديمومة مصالحها في مواجهة مصالح العامة , سواد الجماهير – (الغلابة )فهي ستسعى – إذاً- لخلق آلة – تصون عبرها مثل هذه المصالح , و ذلك من خلال اعتبار أي مساس بها، مساساً بقضايا كبرى , و هو تماماً ما سيفرز الأدوات التي ستحقق معادلتها الخاصة , ضمن المعادلة الوطنية , بل و على حساب قوتها , و سيادتها , و على حساب الأسئلة الوطنية الكبرى،المؤجلة.
و من هنا , فإننا نشهد و على الدوام من يسعى إلى مصادرة رأي المواطن , بل و الإساءة إليه، ومن خلال أمثلة غير مفهومةالتسويغ , كالاستعداء على أصحاب الرأي , و ممارسة الضغوط عليهم , بل و اللجوء إلى مواجهته بأساليب اقمع المعروفة، و هو ما يجد مسوغاته في ظل حالة سريان الأحكام العرفية , و الطوارئ , و غياب قانون الأحزاب – و عدم وجود حرية الصحافة،وعدم تعديل القانون الانتخابي ، و هي عموماً بعض العلامات المعروفة التي تنال من الديمقراطية , كممارسة , بل تغيبها نهائياً , رغم الاتفاق على أهميتها في ظل كل ما نشهده من تحديات مختلفة !
و لقد جاءت أحداث 12 – آذار – في القامشلي، كي تؤكّد رداءة معالجة الأمور حتى الآن في سوريا , لا سيما إذا وضعنا بعين الاعتبار – الحالة الكردية – كما هي – ضمن إطارها الوطني السوري , حيث المواطن الكردي، يعيش في ظل سياسة إنكار وجوده , رغم وجود أكثر من مليونين و نصف كردي في سوريا , حيث ان الأكراد هم ثاني أكبر قومية في البلاد , و لا توجد أية إشارة دستورية لوجودهم , بل إنه , ومنذ عقود – نلحظ سياسات شوفينية واضحة لطمس هوية الكردي : إذ لا مدارس يتعلم فيها الأكراد بلغتهم الأم – وهناك عشرات الآلاف من المواطنين الأجانب رغم أنهم سوريون أباً عن جد، و دافعوا عن تراب سوريا , و صنعوا استقلالها , جنباً إلى جنب، مع سائر أخوتهم الوطنيين في البلاد ( و هي المشكلة التي يبدو أنها ستحل أخيراً و بعد مرور اثنين و أربعين عاماً على خلقها دونما مسوغ ) .....
كذلك، إن الكرد محرومون مجمل حقوقهم : الثقافية – و السياسية – كمواطنين سوريين أصلاء, لا كضيوف طارئين على الفضاء السوري، كما راحت بعض الأقلام المغرضة تروج لذلك، مؤخراً ....!
و من أبرزالأمثلة على تهميش الكردي من الحياة السياسية للبلاد , انه لايوجد محافظ واحد كردي في سوريا منذ عقود , بل انه لم يعين وزير واحد على انه كردي ...!
و لا أريد الإشارة إلى القراءة الأولى الخاطئة – لهذه الأحداث – التي جاءت لتخون الكردي , و تدفعه ضريبة باهظة، أدت إلى الاعتقال العشوائي لآلاف المواطنين الأكراد السوريين الأبرياء ،في المدن السورية،وتعذيبهم الى درجة الموت، لمجرد أنهم أكراد فحسب – ناهيك عن انه لم تتم حتى الآن محاسبة من قام بإطلاق الرصاص على عشرات الأكراد في : القامشلي – و ديريك - و من ثم حلب – و عفرين – و كوبانى ( عين العرب ) .....
لاسيما بعد أن أكدت التحقيقات – زيف – الادعاءات المغرضة بحق الكرد انطلاقاً من الذهنية التفليقية التخوينية , فحسب، و هو ما أكده د. بشار الأسد في حديثه إلى فضائية الجزيرة 1 -5- 2004 حيث تبقى الترجمة الفورية – لموقف السيد الرئيس – تجاه الأكرادالسوريين عملا وطنيا ملحاً لا بد من تنفيذه , لا سيما في هذه الظروف العصيبة التي نحن أحوج فيها إلى الإجماع الوطني.
ان محاولة رصد – الأمثلة – في هذا الميدان صعبة – بكل تأكيد، خاصة، في وقفة كهذه. اذ ا نه إزاء مجمل ما سبق , تبرز أهمية الحوار الوطني – سورياً – بأكثر من أي وقت مضى في رأس قائمة الأولويات , لا سيما إذا وضعنا - قانون محاسبة سوريا – بعين الاعتبار , حيث ثمة أخطار واقعية محدقة , هي ليست في مصلحة كافة السوريين , عرباً و كرداً و سريان و أرمن و آشوريين و تركمان و شركس و شاشان .....ممن يشكلون الطيف السوري المائز ....! .
إن قراءة – أبعاد – قانون محاسبة سوريا , تستدعي قبل كل شيئ اعتبار مناقشة – الشأن الوطني – حالة وطنية عامة , غير مقتصرة على نخب بحد ذاتها, مخولة للتفكير عن الجميع , و بدلاً عنهم، و هو ما يجب أن يدفع الجهات العليا للعمل الجدي في حل إشكالات المواطنة القائمة , بكل استحقاقاتها , لا القفز عليها , تحت ذريعة وجود أولويات .
كما انه – و بتصور هذه الورقة – لا بد من تكوين المناخ المطلوب لتفعيل أي مناقشة , سواء داخل البلاد أو خارجها عبر( الغيارى الوطنيين) ممن كان ينظر إليهم شزراً لمدة طويلة , للأسف , بحكم ظروف، و دواع باتت معروفة , ما دام , أن الحرص على الوطن هو النقطة المجمع عليها من قبلهم جميعاً , دون أي حكم مسبق على طريقة التفكير , كما كان يتم – و للأسف , لا سيما في ظل التواشجية بين الداخل و الخارج كعوامل تهديد للسيادة الوطنية ,مقابل اعتبار الداخلي خارجيا ، والخارجي داخليا ،ضمن لعبة غيرمفهومة البتة ..
و إذا كان الحوار مهمة وطنية أولى , في هذه المرحلة الأكثر حرصاً في تاريخ سوريا , فهو في هذا الإطار ليس ترفاً، و لا يمكن أن يحقق مستواه الوطني دون مشاركة سائر الوطنيين السوريين على اختلاف مشاربهم , و رؤاهم , ما داموا ضمن البيت الوطني السوري : انتماءً و روحاً ...... !....., و هو ما يلغي أية مرتبة مفترضة بين متحاور و آخر، ما دام تجسيد الوطنية علامة و مرتبة أي من هؤلاء ....
أجل , و إذا كان الحوار – كفيلاً – ضمن جملة شروطه الوطنية أن يجيب عن أسئلة كثيرة , ظلت معلقة منذ معلقة منذ عقود , فهو قادر في الوقت نفسه أن يرسخ المفهوم الديمقراطي , كممارسة , لا شعار محنط , صوري , لاسيما و انه لا يقبل تقزيمه إلى مستويات دنيا , و مجرد حريات سياسية ذات محتوى اجتماعي , بل متكاملة , مركبة , ضمن دورة تؤصل آلية توزيع الثروة بشكل عادل , من خلال الإجابة عن أسئلة المواطن الصميمية دون أي إبطاء .... !.
و حقاً , إننا سمعنا – في الآونة الأخيرة دعوات كثيرة إلى تأسيس عقد ,اجتماعي , أو مجلس وطني , و إن كان بعض قوى الفساد يرى في مثل ذلك – حلاً – لديمومتها،عبر شرعنة السلوك النهبوي ، بمعزل عن دائرة الوطنية الواسعة ! , لا تعالج أية مسألة من هذا النوع إلا في ضوء مصالحها المعرقلة للمصلحة الوطنية العامة , لنكون أمام مصالحة السارق مع الضحية ، والناهب مع المنهوب في أقل توصيف ....!
ألقيت في باريس في ملتقى الحوار الوطني في باريس 28/29-5-2004
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟