عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 21:59
المحور:
الادارة و الاقتصاد
المقدمة
ورد في ديباجة اتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق ان الهدف الرئيسي منها هو:
"التعاون في مجالات الامن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق ونظامه الاتحادي الدستوري" , وبالتالي فليس هناك ثمة اشارة الى ان هذه الاتفاقية معنية (بشكل مباشر) بتحقيق اهداف اقتصادية معينة , أو المساعدة على تحقيقها.
وثمة اشارة اخرى في ديباجة الاتفاقية تؤكد على رغبة طرفيها في التوصل الى تفاهم مشترك يعزز التعاون بينهما. والتعاون هنا لا يشير صراحة ً الى شكل آخر من أشكال التعاون الثنائي غير التعاون في مجال الامن والدفاع آنف الذكر. غير ان بعض مواد الاتفاقية تشير الى مضامين اخرى لها غير الامن والدفاع. ويتضح ذلك من خلال المواد الاتية :
المادة العاشرة : اجراءات التعاقد
المادة الخامسة عشرة : الاستيراد والتصدير
المادة السادسة عشرة : الضرائب
المادة العشرون : العملة والصرف الاجنبي
المادة الخامسة والعشرون : الاجراءات ذات الصلة بانهاء تطبيق الفصل السابع على العراق
المادة السادسة والعشرون : الاصول العراقية
واذ نعتقد بان المادتين الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون من الاتفاقية هما من أهم المواد واكثرها خطورة وحساسية بالنسبة للاقتصاد العراقي ( بشكل عام ) , و التزاماته الاقتصادية الدولية , وتداعيات هذه الالتزامات على اداءه الاقتصادي المستقبلي (بشكل خاص), فاننا لن نمنح بقية مواد الاتفاقية اكثر مما تستحق , ولن نحمـّلها اكثر مما تحتمل. ونأمل في ان ننجح ( من خلال هذه الورقة ) في تقديم مقاربة موضوعية لأهم الابعاد الاقتصادية لهذه الاتفاقية خاصة وان الكثير من المختصين في شؤون القانون والسياسة والاقتصاد ( او من المهتمين بهذه الشؤون كلها) , قد تطرقوا قبلنا اليها , وذلك في حمى مراحل طرحها ومناقشتها ومن ثم التوقيع عليها من قبل الاطراف ذات الصلة.
تأسيسا ً على ما تقدم , فاننا سنقوم بتناول هذا الموضوع من خلال البحث في مضامين العناوين الفرعية للمواد ذات الصلة بالشأن الاقتصادي ( على وفق مسمياتها وتسلسلها الرقمي في نص الاتفاقية ) ومن خلال المحاور الرئيسية الآتية :
اولا ً : اجراءات التعاقد
على وفق المادة العاشرة من الاتفاقية فان قوات الولايات المتحدة تختار المتعاقدين وتبرم عقود شراء المواد والخدمات (بما في ذلك خدمات اعمال البناء والتشييد ) بموجب القانون الامريكي. اما بالنسبة للموردين العراقيين للمواد والخدمات فان قوات الولايات المتحدة ستتعاقد معهم "عندما تكون عطاءاتهم تنافسية وتمثل افضل قيمة". وهذا يعني ان فرصة المتعاقدين العراقيين لتوريد السلع والخدمات لقوات الولايات المتحدة ستكون ضئيلة جدا ً.
فالمورد العراقي لا يمتلك امكانيات المنافسين الاخرين , ولن تكون عطاءاته افضل قيمة (لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا). وافضل ما يستطيع المورد العراقي الحصول عليه هو التعاقد من الباطن مع الموردين الاجانب الذين سترسوا عليهم (حتما ً) عقود التجهيز.
وترد في هذه المادة عبارات مبهمه مثل التعاقد "ما امكن مع موردين عراقيين" و "عندما تكون عطاءاتهم تمثل افضل قيمة" . ولا تتضح من هذه الصياغات " حدود الامكانية " المشار اليها اعلاه , ولا معايير محددة لما هو " افضل قيمة " من بين العروض المقدمة من مختلف الموردين. وهذا سيجعل عملية احالة العقود على الموردين وقفا ً على قرار القائم بالاحالة (أي الطرف الامريكي حصرا ً) .. وسيكون الخاسر الاكبر في هذه العملية برمتها هو المورد العراقي (ممثلا ً بحكومته كطرف ثان في هذه الاتفاقية) .
وعلى وفق احكام هذه المادة فان قوات الولايات المتحدة ستحترم القانون العراقي "عند ابرامها عقودا ً مع موردين ومتعاقدين عراقيين" , (وهو احتمال ضئيل للغاية كما اسلفنا) , كما انها ستقوم " بتزويد السلطات العراقية باسماء الموردين والمتعاقدين العراقيين ومبالغ العقود ذات الصلة ". ومع ايجابيات افصاح قوات الولايات المتحدة عن اسماء الموردين والمتعاقدين العراقيين للسلطات العراقية , فان الافصاح عن "مبالغ العقود ذات الصلة ليس له أية قيمة اقتصادية (أو مالية) طالما ان هذه المبالغ معفاة من الضرائب والرسوم (كما سيتضح لنا لاحقاً).
ثانيا ً : الاستيراد والتصدير
بموجب المادة الخامسة عشرة ( الفقرة 1) من الاتفاقية , فان المواد المستوردة الى العراق , او المواد المشتراة في العراق ( من قبل قوات الولايات المتحدة والمتعاقدين معها ) , يمكن ايضا ً ان يعاد تصديرها. وفي جميع الاحوال فان "عمليات استيراد مثل هذه المواد واعادة تصديرها ونقلها واستخدامها لا تخضع للتفتيش , ولا تخضع كذلك لمتطلبات الاجازات او لأية قيود اخرى او ضرائب او رسوم كمركية او اي رسوم اخرى تفرض في العراق" . "كما لا يخضع تصدير البضائع العراقية من قبل قوات الولايات المتحدة والمتعاقدين معها لاي تفتيش او اية قيود عدا متطلبات الاجازة".
وهذه النصوص لا تحتاج الى جهد تحليلي لايضاح ضررها المباشر على الاقتصاد العراقي. وأيا ً ما كان حجم هذا الضرر , فان دلالاته (غير المباشرة) هي الاكثر ضررا ً. فالطرف الامريكي يمنح المتعاقدين معه الامتيازات التي يقررها , دون مبررات مالية او محاسبية منطقية. وهو يقرر هنا امتيازات تتجاوز الامتيازات الممنوحه للمستثمرين الاجانب (على وفق احكام قانون الاستثمار العراقي النافذ وتعديلاته). ومع الاقرار بان جميع تعاقدات الموردين (عراقيين كانوا ام اجانب) هي عقود خدمة لقوات اجنبية طيلة مدة بقاءها في العراق , فليس لهذه العقود في نهاية المطاف اي مردود استثماري طويل الأجل لكي تحظى بكل هذه الامتيازات.
وبموجب المادة الخامسة عشرة (الفقرة 2) فان " لأفراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني الاستيراد الى العراق واعادة تصدير واستخدام المواد والاجهزة الشخصية الخاصة بهم لغرض الاستهلاك او الاستخدام الشخصي. ولا يخضع استيراد او اعادة تصدير ونقل واستخدام مثل هذه المواد المستوردة في العراق الى اجازات او قيود او ضرائب او جبايات او أية رسوم اخرى تفرض في العراق".
ولأن هذا النص عائم , ويفتقد الى معيار محدد لضبط عمليات الاستيراد والاستخدام واعادة التصدير "لغرض الاستهلاك او الاستخدام الشخصي" , فان التقييد اللاحق في ذات النص لا يقل غموضا ً عن سابقه. فالكميات المستوردة وفق هذه الفقرة يجب ان تكون "معقولة ومتناسبة مع الاستعمال الشخصي" ولا أحد يعرف ما هي معايير "المعقولية" في هذا النص.
اما حين يتعلق الامر باحتمال ان يقوم افراد قوات الولايات المتحدة وافرادالعنصر المدني العامل معها , بتهريب مواد ذات اهمية ثقافية او تاريخية بالنسبة للعراق (وهو أمر واقع فعلا وليس مجرد احتمال) , فان سلطات قوات الولايات المتحدة "ستتخذ اجراءات" (غير محددة في النص) "لضمان عدم تصدير اية بنود أو مواد ذات أهمية ثقافية او تاريخية بالنسبة للعراق"...
اما في حال طلب السلطات العراقية اجراء تفتيش للمواد المشار اليها في الفقرة (2) , فان هذا التفتيش "يجب ان يتم بصورة عاجلة في مكان متفق عليه , و وفقا ً للأجراءات التي تضعها اللجنة المشتركة" .
ثالثا ً : الضرائـــب
بموجب المادة السادسة عشرة (الفقرة 2) فان افراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني لا يتحملون "مسؤولية دفع اية ضريبة او رسم او جباية تحدد قيمتها وتفرض في اراضي العراق , ما لم تكن مقابل خدمات طلبوها وحصلوا عليها". وعلى وفق الاعفاءات الواردة في المادة الخامسة عشر (الفقرة 2) فان العوائد الضريبية المترتبة على تقديم هذه الخدمات (على افتراض قيام الافراد المذكورين بطلبها , والحصول عليها فعلا ً) ستكون ضئيلة جدا ً, وفي اضيق وعاء ضريبي يمكن تخيله. ناهيك عن امكانية اخضاع هذا الوعاء للملاحقة الضريبية بفعل ظروف وسياقات عمل هؤلاء الافراد في اراضي العراق .
اما السلع والخدمات التي يتم شراؤها في العراق من قبل قوات الولايات المتحدة او بالنيابة عنها فلا تـُفرض عليها أية ضرائب او رسوم او جبايات (نص الفقرة 1- من المادة السادسة عشر). والمقصود بهذا هو : "الاعفاء من كل الضرائب والرسوم (بما في ذلك الرسوم الجمركية), و الجبايات من اي نوع كان , التي ستفرضها حكومة العراق او اجهزتها او محافظاتها بموجب القوانين والانظمة العراقية" (نص الفقرة 10- من المادة الثانية من الاتفاقية).
واذا تغاضينا عن خسارة العائد الضريبي المحتمل من هذه الانشطة ; وعن مدى حجمه ونطاق اهميته , فان ما لا يمكن التغاضي عنه هو اعفاء من يعمل نيابة عن الولايات والمتحدة , (وفي جميع الانشطة المحددة بهذه الفقرة) من جميع الضرائب والرسوم والجبايات التي ستفرضها حكومة العراق (حتى وان كان عراقيا ً).
وفي هذا امتياز كبير لمن يتعامل مع الولايات المتحدة الامريكية دون غيرها من دول العالم , واستقطاع لعائد سيادي من دورة الدخل القومي في العراق ليس له ما يبرره (حتى من الناحية السياسية).
رابعا ً : العملة والصرف الاجنبي
يمكن عد المادة العشرون من الاتفاقية على انها الاكثر وضوحا ً في دلالاتها الفكرية , والاكثر ايجابية في تداعياتها (الكلية) على الاقتصاد العراقي. فالفقرة (1) من هذه المادة تلزم قوات الولايات المتحدة باستخدام العملة العراقية والمصارف الخاصة وفقا ً للقوانين العراقية. وتحصر هذه المادة حق استخدام اي مبلغ من النقد (بالعملة الامريكية) او المستندات المحددة قيمتها (بالعملة الامريكية) لاغراض هذا الاتفاق حصرا ً. وخلافا ً للحرية التي منحتها الاتفاقية لأفراد قوات الولايات المتحدة والعناصر المدنية والمتعاقدين والموردين المتعاملين معها في مجالات الاستيراد والاستخدام واعادة التصدير فان الفقرة (2) من المادة العشرون من الاتفاقية لاتجيز لقوات الولايات المتحدة تصدير العملة العراقية من العراق.كما ستفرض على هذه القوات اتخاذ الاجراءات الكفيلة لتأمين عدم قيام افراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني و المتعاقدين ومستخدمي المتعاقدين , مع هذه القوات , بتصدير العملة العراقية من العراق.
خامسا ً : اشكالية الخروج من الفصل السابع , وحماية الاصول العراقية في الخارج
يمكن ايجاز هذه الاشكالية وتداعياتها الانية والمستقبلية على الاقتصاد العراقي من خلال الفقرات الاساسية الآتية :
1- في 2 آب/اغسطس 1990 دخلت القوات العراقية الى اراضي دولة الكويت. وفي
3 آب/اغسطس اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 660 لسنة 1990 , الذي تمت الاشارة فيه بوضوح الى ان حكومة العراق اصبحت تشكل خطرا ً على السلام والامن الدوليين.
2- في 6 آب/اغسطس 1990 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 661 لسنة 1990 وهذا القرار هو الذي وضع العراق تحت احكام الفصل السابع استنادا ً الى احكام المادة 51 من ميثاق المم المتحدة.
3- بعد هذا القرار خضع العراق لاحكام سلسلة طويلة من قرارات مجلس الامن كان أهمها القرار رقم 687 لسنة 1991 الذي وضع آليات محددة لترسيم الحدود ودفع التعويضات, ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.
4- جميع هذه القرارات كانت تؤكد (بشكل مباشر وغير مباشر) على ان العراق "لا يزال يشكل تهديدا ً للسلام والامن الدوليين" ولهذا السبب فانه سيبقى خاضعا ً لأحكام الفصل السابع من الميثاق.
5- وبقدر تعلق الامر بموضوع هذه الورقة , فان احكام هذا الفصل تجعل حكومة العراق عاجزة تماما ً عن التصرف بمواردها النفطية الهائلة في الداخل وعن ادارة اموالها واصولها في الخارج , او عن حمايتها من مطالبات التجميد والمصادرة المقدمة من قبل جميع الاطراف التي تعتقد انها قد تضررت بشكل أو بآخر من دخول القرات العراقية الى الكويت في 2 آب 1990 , مع جميع ما يترتب على ذلك من تبعات اقتصادية وسياسية و(قانونية).
6- بعد دخول القوات الامريكية الى اراضي العراق واحتلاله في عام 2003 صدرت مجموعة اخرى من قرارات مجلس الامن , وجميعها تؤكد بشكل او بآخر على بقاء العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. ومن اهم هذه القرارات القرار رقم 1482 لسنة 2003 الذي أكد على ان العراق بلد محتل وان القوات الاجنبية فيه هي قوات محتلة. ويعني هذا (من جملة ما يعنيه) ان الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها قوة محتلة ستكون هي المسؤولة عن حماية موارد واموال واصول البلد الذي تقوم باحتلاله , في الداخل والخارج.
7- وتضمن هذا القرار ترتيبات محددة بشأن ايداع العائدات من مبيعات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق التنمية للعراق (الفقرة 20 من القرار) , كما تضمن ترتيبات اخرى بشان قيام المجلس الدولي للمشورة والمراقبة برصد صندوق التنمية للعراق ومساعدة حكومة العراق على كفالة توخي الشفافية والعدل في استخدام موارد العراق لما فيه منفعة الشعب العراقي (الفقرة 22 من القرار).
8- في هذا السياق صدر القرار 1790 لسنة 2007 متضمنا ً ما يأتي:
ــ التسليم بالدور المهم لصندوق التنمية للعراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة على وفق احكام القرار 1483 (المشار اليها في الفقرة 7- أعلاه).
ــ تمديد هذه الترتيبات حتى 31 كانون الاول/ديسمبر 2008 . وهذا يعني بقاء احكام الفقرة 22 من القرار 1483 سارية (حتى ذلك التاريخ) على كل ما يتعلق بالاموال والاصول والموارد الاقتصادية العائدة للعراق.
ــ تمديد ولاية القوة متعددة الجنسيات (على نحو ما حددت بالقرار 1546 لسنة 2004) حتى 31 كانون الاول/ ديسمبر 2008 , والاعلان عن الاستعداد لانهاء هذه الولاية في وقت اقرب اذا طلبت حكومة العراق ذلك.
ويشير هذا القرار (كـسابقاته) الى "ان الحالة في العراق لا تزال تشكل تهديدا ً للسلام والامن الدوليين" . وهذا يعني (بداهة ً) استمرار وضع العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
9- في 7كانون الاول/ديسمبر 2007 وجه رئيس وزراء العراق رسالة الى مجلس الامن الدولي يؤكد فيها على ما ياتي:
ــ طلب الحكومة العراقية "تمديد تفويض القوة متعددة الجنسيات طبقا ً لقرارات مجلس الامن 1546 (2004) و 1637 (2005) و 1723 (2006) والرسائل الملحقة لها لمدة 12 شهرا ً ابتداءا ً من 31 كانون الاول/ديسمبر 2007" (اي لغاية 31/12/2008).
ــ ان طلب التمديد هذا سيكون "هو الطلب الاخير" للحكومة العراقية بهذا الصدد.
ــ ولهذا فان الحكومة العراقية "تتوقع ان يكون مجلس الامن قادرا ً على التعامل مع الحالة في العراق بدون اتخاذ اجراء مستقبلي بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة".
ــ وادراكا ً من الحكومة العراقية لأهمية احكام الفقرة 22 من القرار 1483 , فان العراق يطلب من مجلس الامن بان يستمر في تطبيق احكام هذه المادة حتى 31 كانون الاول/ديسمبر 2008 , بما في ذلك ما يتعلق بالاموال والاصول والموارد الاقتصادية المذكورة في الفقرة 23 من القرار 1483 .
ــ تؤكد حكومة العراق على اهمية استعادة الاموال والاصول العراقية المودعة في الخارج. وتطلب من مجلس الامن مراجعة قراراته الخاصة بايداع نسبة خمسة في المائة من عائدات العراق النفطية في صندوق التعويضات (على وفق احكام القرارات ذات الصلة) باتجاه تخفيض النسبة الى اقل حد ممكن بسبب ما تشكله هذه النسبة المرتفعة من اعباء مالية ثقيلة على العراق (خاصة في ظل ظروف العراق القائمة من جهة وارتفاع اسعار النفط من جهة اخرى) .
10- وتأسيساً على ما تقدم فان حصانة موارد صندوق تنمية العراق ستنتهي بنهاية مدة صلاحية القرار رقم 1790 لسنة 2007 , اي في 31/12/2008 , وان طلب الحكومة العراقية عدم تجديد هذه الصلاحية (من اجل انهاء وضع العراق تحت احكام الفصل السابع من الميثاق) يعني رفع الحصانة عن الاموال والموارد والاصول العراقية في الخارج وتركها عرضة لمطالبة الدول الاخرى بالتعويضات.
11- وهكذا وضعت الحكومة العراقية نفسها امام خيارات معقدة للخروج من هذا المأزق من بينها (على سبيل المثال) الطلب من مجلس الامن اصدار قانون خاص لحماية الموال والاصول العراقية في الخارج. ولكن هذا الطلب ينطوي على مفارقة مفادها انه اذا كان العراق مصرا ً على سيادته فان عليه مواجهة معارضة الدول الاخرى لهذا القرار باعتباره "دولة سيادية خاضعة للمحاسبة". وهذه المحاسبة تمتد لعقود من تجاوزات الدولة العراقية على الآخرين (افرادا ً ودولا ً ومؤسسات). ولا يمكن اعفاء الحكومة الحالية من هذه الالتزامات الا بموجب قرار جديد من مجلس الامن يحظى بموافقة جميع الاطراف (وخاصة الدائنة منها).
والخيار الآخر هو" تشكيل لجان ثنائية خاصة " مع الدول التي تطالب العراق بدفع التعويضات (على غرار التسويات الخاصة بالتزامات الاتحاد السوفيتي السابق) .
ويعتقد ساترفيلد (منسق الشؤون العراقية في وزارة الخارجية الامريكية) بان هذا الخيار ينطوي على اجراءات وعمليات طويلة ومعقدة قد لا تاتي بالنتائج المتوخاة منها مع جميع الاطراف.
12- وهكذا جاءت اتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق لتضع حدا ً لهذا المأزق بدخولها حيز التنفيذ اعتبارا ً من 1/1/2009 , على ان تكون سارية المفعول لمدة ثلاث سنوات (ما لم يتم انهاء العمل بها بعد مرور سنة واحدة من استلام احد الطرفين اخطارا ً خطيا ً بذلك من الطرف الآخر) .
فما الذي تضمنته بنود هذه الاتفاقية من اجراءات لاخراج العراق من احكام الفصل السابع ; وحماية اصوله في الخارج (وغيرها من المطالب الواردة في رسالة رئيس الوزراء الى مجلس الامن في 7 كانون الاول/ديسمبر 2007 المشار اليها آنفا ً) ؟
ان المادة الخامسة والعشرون من هذه الاتفاقية تعترف:
ــ "بالتطورات الكبيرة والايجابية في العراق"
ــ وبان "الوضع في العراق يختلف اساسيا ً عن الوضع الذي كان قائما ً عندما تبنى مجلس الامن الدولي القرار رقم 661 (1990).
ــ "وان الخطر الذي كانت تشكله حكومة العراق على السلام والامن الدوليين قد زال".
ــ وان الطرفين يؤكدان في هذا الصدد انه مع انهاء العمل (يوم 31/12/2008) بالولاية والتفويض الممنوحين للقوات متعددة الجنسية بمقتضى الفصل السابع (المتضمن بقرار مجلس الامن الدولي رقم 1790) فان العراق ينبغي ان يسترد مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل تبني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 (1990).
13- والتساؤل المهم هنا هو كيف يمكن للولايات المتحدة ان تعمل على تنفيذ كل ذلك من خلال احكام هذه الاتفاقية؟ والاجابة وردت في نص الاتفاقية وهي: "ان الولايات المتحدة سوف تبذل افضل جهودها لمساعدة العراق على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك بحلول يوم 31/كانون الاول عام 2008".
14- ولا يقف الامر عند هذا الحد. فالعصى الامريكية السحرية متجسدة في النص العجائبي حول "بذل افضل الجهود" لأنهاء خضوع العراق لاحكام الفصل السابع (كما وردت نصا ً في المادة الخامسة والعشرون من الاتفاقية) تحولت الى ضمان الولايات المتحدة "بذل اقصى الجهود" في سبيل تمكين العراق من تحقيق اهداف غاية في الاهمية لاستقراره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويمكن ايجازها بما ياتي (كما وردت في نص المادة السادسة والعشرون من الاتفاقية) :
ــ تمكين العراق من الاستمرار في تنمية اقتصاده الوطني عن طريق اعادة تأهيل البنى التحتية.
ــ توفير الخدمات الحيوية الاساسية للشعب العراقي.
ــ الاستمرار في الحفاظ على موارد العراق من البترول والغاز وموارده الاخرى والحفاظ كذلك على اصوله المالية والاقتصادية في الخارج , بما في ذلك موارد صندوق تنمية العراق.
ــ دعم العراق لاعفائه من الديون الدولية الناتجة عن سياسات نظام الحكم السابق.
ــ دعم العراق للتوصل الى قرار شامل ونهائي بشأن مطالبات التعويض التي ورثها العراق عن نظام الحكم السابق ولم يتم البت فيها بعد , بما في ذلك متطلبات التعويض المفروضة على العراق من قبل مجلس الامن الدولي.
ــ يمارس رئيس الولايات المتحدة سلطاته لتوفير الحماية لصندوق تنمية العراق ولممتلكات اخرى معينة , يملك العراق نصيباً فيها, من العمليات القضائية الامريكية. وستبقى الولايات المتحدة ملتزمة بشكل كامل وفعال مع الحكومة العراقية فيما يتعلق باستمرار هذه الحماية , وبخصوص تلك المطالبات.
الخاتمة
لقد مر عام وثلاثة اشهر تقريبا ً على دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ ...
• وقد تكون حكومة الولايات المتحدة الامريكية قد بذلت "افضل جهودها" و "اقصى الجهود" الممكنة في سبيل مساعدة العراق على تنفيذ حزمة الاهداف الواردة في بنود الاتفاقية.
• وربما مارس رئيس الولايات المتحدة الامريكية سلطاته لتوفير الحماية لايرادات صندوق تنمية العراق , وغيره من الممتلكات والموارد العراقية (في الداخل والخارج) ..
ربما كان ذلك صحيحا ً , وربما كان (ايضا ً) غير دقيق ...
• فما هو "افضل واقصى" جهد يمكن للولايات المتحدة ان تبذله من اجل العراق, انما يتوقف على معايير الولايات المتحدة الامريكية (وحدها) بهذا الصدد , ومدى ملائمة هذه المعايير للحفاظ على مصالحها الستراتيجية وتأمين متطلبات أمنها القومي , على امتداد العالم , وليس في العراق وحده.
• لهذا لم يتقدم العراق خطوة واحدة باتجاه الخروج من احكام الفصل السابع , بعد دخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق .
• ولا زالت عملية تنمية الاقتصاد صعبة ومتعثرة.
• ولا زال العراق يدفع تعويضات حرب الخليج الثانية. وربما سيدفع مستقبلا ً تعويضات حروب الخليج الاخرى (والاولى منها تحديداً).
• والعراق في نهاية المطاف لم يعد يشكل فقط خطراً "لا يزول" على السلام والامن الدوليين , وانما اصبح (مع تعثر اداءه الاقتصادي , وحجم الفساد المستشري فيه , وعدم توفر الارادة السياسية اللازمة لاعادة بناء الاطر المؤسسية - القانونية لدولته) يشكل ايضا ً خطرا ً داهما ً على ذاته.
• وهكذا تحول العراق من "دولة مارقة" قبل الاحتلال , الى "دولة هشـّة" بعده.
• وهذه الهشاشة المرتبطة اساساً باشتراطات وخصائص المراحل الانتقالية (خاصة اذا كان هذا الانتقال قسرياً) جعل الدولة العراقية الجديدة تتخبط في سيل جارف من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , بكل ما يتضمنه هذا التخبط من فشل في ايجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها (المزمنة والمستعصية هذه) في الداخل – ومع الخارج.
• وواحدة من اسوأ كوابيس الحكومات العراقية المتعاقبة (بعد الاحتلال الامريكي) هو اجبار او قسر "الدولة الهشة الجديدة" على احترام التزامات وديون "الدولة المارقة" السابقة عليها (رغم كل ما فيها من جور وتعسف) .. وعلى نحو يُرضي المجتمع الدولي (الدائن لها) .. و ذلك مادامت (هذه الدولة الجديدة) مصّرة على كونها "دولة ذات سيادة".
• وحتى الآن لم تتمكن حكومات العراق المتعاقبة من كسر اشتراطات واستدامة هذه الحلقة المفرغة ; ان لم تكن تؤسس احيانا ً (وعن وعي او دون وعي) لديمومتها العبثية , وما ينتج عن ذلك من خراب عميم.
• ربما كانت للاتفاقية فضائل لا نعرفها. غير ان محصلتها (حتى الآن) تتلخص في ان الخطر الذي تشكله حكومة العراق على السلام والامن الدوليين لا زال احتمالاً قائماً, وذلك على الرغم من مرور سبع سنوات على احتلاله وتدمير مؤسساته بل ودولته بالكامل , واستباحة شعبه ومياهه وارضه (شبراً بعد آخر).
وبعد مرور عام وثلاثة اشهر (حتى الآن) فان العراق لا زال (منكسراً ووحيداً وعارياً) يواجه فخاخ الدائنين المتربصين (من جميع الجنسيات والاقوام والملل) وكلهم يمتشقون حراب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
العراق
22/3/2010
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟