احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 900 - 2004 / 7 / 20 - 06:51
المحور:
القضية الفلسطينية
يجري رئيس الحكومة ارئيل شارون وطاقم مكلف من قبله ومن حزبه الليكودي مفاوضات مع حزب "العمل" ومع الأحزاب الدينية اليهودية الأصولية ( الحراديم) لتوسيع دائرة الائتلاف الحكومي وذلك بهدف إخراج حكومة الكوارث اليمينية من أزمتها ومن كونها حكومة أقلية. وعلى ضوء المساعي التي يبذلها شارون فلا بد من إبداء ملاحظتين أساسيتين:
* الأولى: ان توجه شارون الليكود للتغيير في بنية الائتلاف الحكومي بادخال قوى جديدة من "العمل" "والحراديم" بعد اقالة وخروج وزراء "هئيحود هليئومي" وبعض وزراء "المفدال" (جماعة ارض إسرائيل الكبرى) من الحكومة، لا يعني ابدا، ولا يستهدف ابدا، تغييرا جديا في استراتيجية الاحتلال الاستيطاني التي ينتهجها شارون. فبتوسيع الائتلاف يريد شارون ضمان قاعدة حكومية راسخة ومستقرة نسبيا تساعده على تنفيذ برنامجه المنهجي للانتقاص من ثوابت حقوق السيادة الفلسطينية من خلال ضم اجزاء واسعة من اراضي الضفة الغربية الى إسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية ذات مقومات طبيعية.
* والثانية: ان ما يعزز تقييمنا في "الأولى" حول المدلول السياسي للمفاوضات التي يجريها شارون وحزبه، انه يستثنى من ساحة التفاوض كتل الجبهة الدمقراطية والعربية للتغيير "والتجمع" "والقائمة العربية الموحدة" وقائمة اليسار الصهيوني "ياحد" التي في مركزها "ميريتس" بكلمات اخرى يستثني القوى التي في جوهر ومدلول موقفها، وبشكل متفاوت، طرح سياسة بديلة جذريا لسياسة حكومة الكوارث اليمينية الشارونية. فشارون الليكود يعتبر الجماهير العربية وممثليها خارج سياج الشرعية السياسية ولا مكان لها بالمشاركة في صياغة القرار السياسي والاقتصادي – الاجتماعي المتعلق بالمجتمع الاسرائيلي ومصيره، وحتى المتعلق بحياة وتطور الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل. ونحن نؤكد هذا الامر ليس من "باب العتب" على شارون والليكود لانه لم يفاوض الجبهة او غيرها في مساعيه لتوسيع ائتلافه، بل لتأكيد أمرين أساسيين:
الأول: إبراز الطابع العنصري واليميني لسياسة شارون وحزبه وحكومته المعادي للجماهير العربية وللسلام والدمقراطية.
والثاني: للتأكيد ان موقف الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة السياسي من حكومة برئاسة شارون لم يتغير حتى لو انضم الى حظيرة ائتلافها "العمل" "والحراديم". موقفنا هو تصعيد الكفاح وتجنيد اوسع قوى السلام والدمقراطية والتقدم الاجتماعي لتقصير اجل حكومة "الوحدة" المرتقبة المعادية للسلام العادل وللمساواة وللدمقراطية، والنضال لبلورة سلطة حكومية بديلة بسياستها لحكومة شارون وسياستها الكارثية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بكل قوة: ما العمل لتحويل هذا الموقف من خانة الأمل المنشود، والحلم المنشود، الى خانة الواقع الملموس؟ ما العمل لزيادة الوزن النوعي السياسي للجماهير العربية وقوى السلام والدمقراطية اليهودية المؤثر على صياغة القرار السياسي والاقتصادي – الاجتماعي، على السياسة الرسمية المنتهجة حتى لا تبقى الجماهير العربية وقضاياها صفراً على الشمال في ظل سياسة تمييز قومي وعنصري منهجية وفاشية عنصرية أنيابها الصفراء مشحوذة!!
اجابة على هذا السؤال وعلى هذه التساؤلات وغيرها بدأنا نسمع ونقرأ العديد من المواقف والتعليقات من هويات سياسية مختلفة. وعادت مقولة " وحدة الجماهير العربية" تطرح على جدول النقاش. وكلما لاح في الافق احتمال تقريب موعد الانتخابات للكنيست كلما ارتفعت الأصوات أكثر من رافعي شعار وحدة الجماهير العربية، وتعود "حليمة لعادتها القديمة" بخلط الأوراق بين مفهوم "وحدة الجماهير العربية الكفاحية" وبين مفهوم "كتلة عربية واحدة". وبعد قرار الكنيست برفع نسبة الحسم الى اثنين في المئة وقد يقر برفع النسبة الى اثنين ونصف بالمئة. هذا القرار المعادي للدمقراطية الذي يهدد بنسف احتمالات الأحزاب الصغيرة في التمثيل البرلماني ومنها الأحزاب التي تمثل الجماهير العربية وتصل بأصواتها الى الكنيست، بعد هذا القرار عدنا لسماع شعار قائمة عربية واحدة من رئيس الحزب الدمقراطي العربي عبد الوهاب دراوشة وغيره.
ما نود تأكيده ان المصلحة الحقيقية للجماهير العربية في إسرائيل، مصلحة الدفاع عن حقوقها في مواجهة سياسة التمييز القومي السلطوية ومن اجل تعزيز موقعها ودورها في المعركة من اجل السلام العادل والدمقراطية والتقدم الاجتماعي، المصلحة الحقيقية تستدعي عدم خلط الأوراق بين وحدة الجماهير العربية الكفاحية وبين قائمة عربية واحدة. فوحدة الجماهير العربية الكفاحية ضرورة موضوعية لمواجهة ممارسات سياسة القهر القومي والتمييز العنصري السلطوية التي لا تفرق بين عربي وعربي وبغض النظر عن هوية انتمائه العقائدي او السياسي، او الديني في ممارساتها الاضطهادية. وكان لحزبنا الشيوعي والجبهة ولا يزال الدور الريادي في صقل وبلورة المواعين الكفاحية لوحدة الصف الوطنية القطرية والمحلية، من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في اسرائيل الى لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الى اللجان الشعبية ضد الدمج التي دفنت بوحدة صفها الكفاحية المخطط الكارثي في القرى الخمس – يركا وابو سنان وجولس ويانوح- جث. ولكن شتان ما بين الدفاع عن القضايا العينية للجماهير العربية التي تحتم الضرورة الموضوعية والذاتية اقامة آليات وحدة الصف الوطنية لجماهيرنا، وبين الآليات المطلوبة للبرلمان (الكنيست) حيث القضايا اشمل واوسع، قضايا تستدعي تحديد الموقف ليس فقط من قضايا الجماهير العربية بل من قضايا المجتمع برمته، الموقف من قضايا الصراع والخروج من دائرته الدامية، تحديد الموقف من قضايا الدمقراطية والفاشية العنصرية، الموقف من السياسة الاقتصادية – الاجتماعية المعادية للعاملين والطبقات والشرائح الاجتماعية العربية واليهودية المسحوقة، الموقف من حقوق المرأة وغيرها. قضايا مبنية اكثر على الفرز الايديولوجي – السياسي الطبقي الاجتماعي اكثر منها على الفرز القومي بين اليهود والعرب. قضايا تستدعي موضوعيا تحديد الموقف منها وفق برنامج واضح المعالم. وهل يمكن وضع كل التيارات العقائدية والسياسية العربية والفاعلة بينها في جبهة موقف واحد!! حسب رأيي ان شعار قائمة عربية واحدة غير واقعي وليس اكثر من شعار للسمسرة السياسية ولا يخرج من اطار "وحدة الكرسيلوجيا" الانتهازية وابعد ما يكون عن وحدة سياسية بين قوى تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة تخدم في نهاية المطاف المصالح الحقيقية لجماهيرنا العربية.
برأيي، كشيوعي وكجبهوي، ان المصلحة الحقيقية لخدمة قضايا جماهيرنا العربية وقضايا المجتمع الذي نعيش بين ظهرانيه تستدعي النضال لبلورة تحالف واسع ليس احادي القومية، بل تحالفا يهوديا، عربيا، عربيا يهوديا وفق برنامج سياسي – اقتصادي – اجتماعي متفق عليه. ففي اكثر من تعليق وتحليل سابق اكدت بان نضالنا من اجل مساواة جماهيرنا القومية والمدنية، الجماعية والفردية، من اجل المواطنة الكاملة في هذا الوطن المشترك تستدعي الكفاح المشترك اليهودي العربي، وان قضية المساواة للعرب هي قضية الجماهير اليهودية والمواطنين اليهود لانها احد محكات الدمقراطية وطابع المجتمع، فنظام يميز ضد اقلية قومية لا يمكن ان يكون دمقراطيا.
واليوم في ظل ما يختمر على الخارطة السياسية والحزبية من مؤشرات لتغيرات مرتقبة في ظل اسوأ حكومة يمينية في تاريخ اسرائيل، سياسيا واجتماعيا، فان الحاجة الموضوعية تستدعي التفتيش عن حلفاء في الناحية اليهودية من ضحايا سياسة العدوان والاحتلال والجرائم والافقار السلطوية. ففي ظل حكومة الكوارث اليمينية برزت على ساحة النشاط السياسي والاجتماعي المنظم العديد من المنظمات والتنظيمات السلامية والاحتجاجية اليهودية – واليهودية العربية امثال "تعايش" و"ائتلاف حركات النساء من اجل السلام" وغيرهما. كما ان تحديد الموقف من القضايا السياسية والاجتماعية قد أدخل مختلف الاحزاب والتيارات اليمينية واليسارية الصهيونية في تناقضات تناحرية داخلية قد تقود الى انقسامات مرتقبة فيها.
ما نسعى اليه ونناضل من اجله نحن الشيوعيين والجبهويين ان نوسع اطار بيدرنا الجبهوي بقوى تحالفية جديدة، عربية ويهودية، وبكتلة تحالفية يهودية – عربية لخوض الانتخابات البرلمانية يكون لها وزنها الكمي والنوعي في المعركة من اجل السلام العادل ونصرة الحق الفلسطيني المشروع بالدولة والقدس والعودة، وفي المعركة من اجل المساواة التامة والمواطنة الكاملة لجماهيرنا، في المعركة دفاعا عن حقوق العاملين ولمواجهة مآسي البطالة والفقر والتمييز ضد المرأة.
فتعزيز ورفع مستوى الوحدة الوطنية الكفاحية لجماهيرنا العربية من خلال تحسين اداء آلياتها القطرية من جهة، وتعزيز اواصر التعاون والتحالف الكفاحي المشترك بين الجماهير العربية وقوى السلام والدمقراطية اليهودية يعتبران كلا واحدا متداخلا عضويا وجدليا لا غنى عنه موضوعيا لمواجهة سياسة القهر القومي والعدوان والافقار ولدفن السياسة الرسمية المنهجية ومخططات الترانسفير وبرامج مصادرة الشرعية السياسية عن المواطنين العرب وممثليهم وابقاء العرب وقضاياهم صفرا على الشمال في حياة وتطور المجتمع.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟