|
هذا مايدعونه حقوق إنسان
محمد صبرى أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 900 - 2004 / 7 / 20 - 06:36
المحور:
حقوق الانسان
الموقف يحتاج لـ "هوميروس" كى يصفه بدقة.. إن القلم ليرتعش حائرًا بين أصابعى.. إنه يأبى أن يكتب حرفًا… حتى أفكارى تحلق بعيدًا في اجواء الشرود الإنسانى… الموجودات كلها من حولى تخشى أو تخجل أو لعلها تتقزز و تشمئز. أما قلبى فلم يعد كما كان… صار شيئًا كريهًا مفتتًا عاجزًا عن الاستمرار في حياته الكئيبة المملة.. حياة رتيبة لا تملك سوى نبضات مزعجة.. نبضات لا تفعل أكثر من أن تظل نبضات .. والأيدى مكتوفة.. والأرجل مشلولة… والسماء ذاتها قد صارت قاتمة اللون وقد توارت نجومها للأبد.. ثم هذا الهدير.. إنه يتعالى.. الطائرة الهليوكوبتر تلوح في الأفق.. ننظر إليها في رعب .. أخى الصغير يتشبث بكم قميصى وهو لا يكف عن الارتجاف.. إننا نعرف معنى ذلك جيدًا.. هذا نذير ولا شك .. نذير بالويل القادم حتماً.. لكن .. فيم الرعب والارتجاف؟ ما شأننا نحن بكل هذا؟ هذا من شأن الاخرين بالتأكيد.. إنهم سيفعلون شيئًا ما.. سيحجبون عنا الأعداء.. نحن هنا في مأمن.. أشعر بذلك.. بل أكاد أراه وأتحسسه!!. ها هى الطائرات المقاتلة.. طائرات الأعداء المألوفة... بضعة قنابل ولا بأس ببعض الصواريخ تم ينتهى الأمر سريعاً ... ينتهى مخلفًا وراءه سحابه عظيمة هائلة من الدخان الأسود.. لا تنقشع بسهولة.. سحابة العبودية المهينة لا تختلف كثيرًا عن سحابة الدخان هذه .. ثم أنها هناك منذ الأزل .. ويبدوا أنها ستبقى للأبد .. لا يمكننى أبدًا تخيل ذلك اليوم الذي سنصير فيه أحرارًا.. لا يمكن أن يوجد هذا اليوم.. وإن وجد فلن يكون لنا.. ستكون هناك بضعة منظمات .. عدسات التليفزيون المتحمسة.. كاميرات الصحافة اللزجة.. ثم بضعة فلاشات تنتهى بفلاش آخر أكبر وأعظم تأثيرًا : فلاش من الحياة الاستهلاكية وأنماطها الرائعة.. تمامًا كقطعة من الفحم الأسود الكريه وقد غلفها أحدهم بغلاف حريرى لامع أنيق… ثم يذهبون إلى بلداناً أخرى ( ربما سوريا او الاردن او اى بلداً آخر ) كى يمنحونها غلافا مماثلاً إسمه : الحرية والديموقراطية ! وكأن نواميس الكون تأبى منح الحرية للشعوب قبل تقديم بعض المذابح على سبيل القرابين.. أى نواميس هذه ؟! اللعنة عليها ان كانت موجودة حقاً .. فليأخذها الشيطان ( كما يقول الروسيون ) !. لو كانت هناك حقًا لقدمت نفسى على مذبحها منذ دهر طالبًا الحرية.. لكن كيف؟! حتى لو اتت الحرية فسوف ينعم بها الآخرون أما أنا فمجرد قربان لا يعبأ به أحد.. إذن نحن شعب من القرابين!!. من المستفيد إذن؟! من يبغى الحرية والرخاء.. ولم إختارنا نحن بالذات كى نكون الضحية؟! سمعت أحدهم يقول أن القوة تخلق الحق وتحميه ويصير هذا الحق ناموسًا كونيًا لا يزهق أبدًا.. ويبدو أن تلك القوة في ذلك الزمان هى ما يسمونه (الولايات المتحدة الأمريكية) ويبدو أيضًا أنها قد خلقت هذا الحق بالفعل وجعلته ناموسًا من نواميس الكون العتيدة !!. وهى لا تدخر جهدًا في حمايته كما هو واضح.. مزيد من الدماء .. مزيد من المذابح .. مزيد من الديمقراطية!!. لو كان "ديستيوفسكى" هنا الآن لكتب قصة بعنوان "المعتوهون" على غرار "المجانين" قصته الشهيرة… حقًا كانت سحابة ثقيلة.. هناك بعض الصراخ.. لكن من يهتم؟! إننا نصرخ دوماً.. نصرخ بلا جدوى.. نصرخ وقد صار صراخنا أسلوب حياتنا!!. صار رؤية شقيقتك أو حبيبتك بثقب أحمر في جبهتها وملقاة أمام عتبة دارك ممزقة الأوصال , بزعم أنها إرهابية تستحق العقاب ، شيئًا مألوفًا ... صار مشهد أحدهم راقدًا في ثلاجة الموتى وقد كان يداعب طفله منذ لحظات شيئًا مألوفا.. فقط لأن طفله سيلحق به بعد لحظات قصار حتماً !. إنها إذن الرصاصات العائلية! رصاصات تنتقى أعز أقاربنا بكل دقة !!. وأصدقائنا كذلك ايضاً.. كان لى صديقًا في مدرستى لا يكف أبدًا عن الضحك! برغم ما نلقاه كل يوم.. كان هادئًا مسالمًا يريد أن تنتهى حياته كما يحلو لها وليس كما يحلو له… وحقًا تحقق ما أراده .. في المساء وبينما كنا نبتاع شيئًا ما من الحانوت المجاور لمنزله .. سمعنا صوتًا مميزًا لما يبدو وأنه صاروخًا (فوووووووووت) وقد انفجر بجانبنا.. فقط ليسحق كل شئ .. أعمدة الإضاءة.. الحانوت الصغير والعامل الذى بداخله و..... ورأس صديقى أما أنا فقد كانت الأقدار كريمة معى للغاية ..... فقط بضعة جروح غائرة.. كسور بسيطة.. كدمات عديدة على سبيل التنويع ودفع الملل عن الأطباء! ثم فقد إحدى عيناى.. يبدو أنها اليمنى .. بتر بعض الأطراف التي لم يعد لها قيمة! تفحم شعرى الناعم حتى يضعه جدى في نارجيلته العتيقة !! لابأس بذلك كما ترون .. حقًا كنت محظوظًا.. يالسعادتي.. إن "عمرو دياب" – ذلك المطرب المصرى-ينفق أموالاً طائلة كى يبدل من هيئته أو يصبغ شعره أو كما يقولون (نيو لوك)! اما أنا فقد مارست معى الشظايا ذات الشئ والتكلفة يتحملها الأعداء طبعًا!. ياللسخاء !. غدًا تأتي إحدى المنظمات الإنسانية وقد قررت مبعوثتها ذات الشعر الأشقر أن العراقيين لا يشربون الحليب الطازج وأن هذا من شأنه أن يضعف أسنانهم على المدى البعيد!! يا للكارثة .. إننا سوف نحتاج الاسنان بشدة خاصة فى ذلك المدى البعيد , إذ كيف سنقضم سواعدنا من شدة الجوع ونحن لانملك اسنانا قوية ؟؟! يجب أن نشرب الحليب الطازج إذن .. تذكروا هذا في المرة القادمة.. وعلى سبيل التحية والشهامة تزأر دبابات العدو وتقذف على رؤسنا زجاجات الحليب! ثم يعودوا ليلاً ليأخذوا الزجاجات الفارغة حتى لا نلقيها عليهم فى اليوم التالى .. فنحن – كما ترون – شعباً همجياً لايقدر مساعدات الآخرين .. البارحة كنت بصحبة أحد المجاهدين.. أخبرنى أنه سوف يكون شهيدًا بعد دقائق قليلة .. يبدو أنه قد تنكر في هيئة أحد جنود المارينز بمنظرهم المثير للتقيؤ.. يركب إحدى الحافلات .. يتقدم ببطء كأنه الموت يمشى على قدمان.. ويهبط بجانب تلك الشاحنة الامريكية .. يبتسم واصعبه يضغط زرًا ما.. ثم.. ثم ينتهى كل شئ… عرفت أنه قد نجح في مهمته حين فرضوا حظر التجول على مدينتنا البائسة وحاصروا بضعة منازل وهدموا البعض الآخر وقتلوا عدداً بأس به من الأطفال لأنهم يضعون أصابعهم في أفواههم وهذا يثير التقزز لدى قوات العدو .. إنها فلسطين اخرى إذن !!. ثم تنهض الولايات المتحدة الأمريكية والجميع ممسكًا بذيلها الطويل لتعلن أن ما يحدث فى فلسطين والعراق من شأنه تدمير كل سبل المفاوضات ( السلمية جداً الديموقراطية جدا ) ًوتصعيد أعمال الانتقام الوحشية.. وهذا كله بسبب المقاومة ... آسف اقصد الارهاب ... العنف والإرهاب ( لمزيد من الانصاف) . يجب أن يكف الفلسطينيون والعراقيون عن عملياتهم الإرهابية المقيته.. يجب أن يتعاونوا مع أعدائهم كى يبحثوا كيفية العيش في سلام!!. يجب أن تنزع أسلحة الميليشيات العسكرية العراقية .. يجب أن تتقدم السلطة الفلسطينية باعتذارًا رسميًا عن العمليات الاخيرة المتصاعدة يبلغ فحواه العالم كله.. يجب .. يجب.. يجب .. اللوم كله يقع على عاتقنا… نحن فقط.. سبوا نسائنا واغتصبوهن امام اعيننا واعتقلوا ابنائنا واهدروا كرامتنا وخربوا عقولنا وحضارتنا ومع ذلك لا يزالوا خائفين مذعورين.. كيف نطمئنهم إذن ؟!. * * * * السحابة السوداء تنقشع ببطء … ببطء… ثم… يبدو أنه كان يكتب حين انفجر الصاروخ… يده لا تزال ممسكه بالقلم - هل احترقت أوراقه؟ - لا .. ليس تمامًا.- إذن يجب إدانته على الفور!.- لاتكن سخيفاً .. إنه جثة الآن !.- لا بأس .. لا بأس .. إذن سنهدم منزله ومنزل كل من يعرفهم !. - حسنًا .. هكذا نكون أكثر رقه!.-
#محمد_صبرى_أبو_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكفر بقداسة الفكر
المزيد.....
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|