|
تحالفات الأضداد والطريق الشائك الى الغد
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 23:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ احداث 11 ايلول ، غيـّر حلف الناتو استراتيجيته ، من منظومة غربيه تواجه اشكالات الشرق القديم ، الى منظومة تنفتح على مواجهة التشدد والأرهاب وتهديد المصالح المشتركه في العالم ، وصار من الممكن اليوم لدول الخليج ، جراء تحديات اقليميه ودوليه جديده ، ان تحتل عضويتها فيه بعد ان جرى توقيع سلسلة من الأتفاقيات الأمنيه والعسكريه والتقاء المصالح والأهداف في البيئه الأستراتيجيه الجديده التي يتبناها الحلف من افغانستان الى الجزائر . وتتدحرج كرة الثلج الأمريكيه على رمال المنطقه ايضا ، وتتغير الأهداف مع كل عارض جديد ، حيث لم تعد هناك حتميات وثوابت نهائيه في الفكر السياسي ، فقد غير احتلال العراق فكرة الأدارة السياسيه والعسكريه ، كما خلخل ثقافة جيل سياسي عاش على زبد الخطابات والبيانات القوميه واللغه الفضفاضه وعرّض الكثير من ثوابت الخطاب السياسي الى جدليات التغيير ، فهل يتغير السياسي الذي مايزال يحمل نفس الثقافه الحزبيه الشموليه الضيقه وان تغير الواقع . الأدارة السياسيه الأكثر واقعيةً اليوم هي التي تتعايش مع القوى السياسيه الدوليه في شراكه متوازنه قائمة على تبادل التنازلات والمنافع . والسياسات التي كانت تقوم على مشاكسة القوى السياسيه الدوليه ، مثلا ، بحجة الأستقلاليه ، اوتساوي الأحجام في مقاييس الوطنيه اثبتت انها قصيرة نظر وتقوم على فهم قديم للمعادله السياسيه ، فلم يعد مفهوم المواطنه يتعرض الى اي معنى من معاني مفردات الولاء للأجنبي حين تتطلب مصالح الوطن، وضمان حياة الشعوب ، انماطا من التسويات الصعبه في مشروعات ذات طبيعه كونيه مشتركه يقوم بها السياسي ويتحمل مسؤوليتها التاريخيه . * لقد كان مقررا ان يلتئم مؤتمرٌ مهم للناتو على ضفاف الخليج يومي 7و8آذار 2010 دعيت اليه اكثر من 400 شخصيه عالميه وعربيه ، لكن توافق ذلك مع بدء الأنتخابات العراقيه قد جعل الطرف المنظم والدولة المضيفه يؤجل المؤتمر الى وقت آخر لكي لاتخبو اهمية الحدثين ؛ مؤتمر الناتو على ضفاف الخليج ..والأنتخابات العراقيه بكل تفصيل حي لتأثيرها الأقليمي والدولي . لقد انتخب العراقيون الشيعه احزابهم الدينيه تحت وطأة الخشية من عودة البعث مرة اخرى واسهمت في التثقيف ازاء هذه المخاوف شبكة مهمة من العلاقات الدينيه ووكلاء الحوزه في المدن الصغرى وممثلي الأحزاب الدينيه ووسائل الأعلام الرسميه والمطبوعا ت والمواقع بغية تكريس صوت الأغلبيه لصالح تلك الأحزاب ، وانتخب من جهة أخرى العراقيون الحالمون قوى سياسيه وعلمانيه بأمل بناء دوله عصريه ذات طبيعه مستقبليه تتفوّق على كل كارثه من اجل توفير فرصة الحياة والغد في بلد اكلته الحروب وهدر الثروات وغياب الفرص ، وتداعيات الحرب الأهليه المقنّعه .. كما عانى العراقيون خلال سنوات من مخاوف دولة دكتاتورية الأغلبية التي انبنت على عنف المواجهة وتلاحق المحن والأزمات في ظل الأحتلال الأمريكي والتغلغل الأيراني وغياب الأراده الوطنيه .. وظل حلم الذين انتخبوا الأحزاب الدينيه ان تظل تلك الأحزاب تدير شأن الدوله درءا لمخاوف الماضي .. برغم كل الخيبات التي واجهها الشعب والمشاكل الحياتيه خلال الدورة السابقه ..فيما ظل هم المجموعات الأخرى يتجه نحو حكومة عراقيه وطنيه لاتعتمد المحاصصه الطائفيه او المناطقيه وتكرس روح البلاد وشعبها وتحمل سمات الغد وهمومه جاعلة العراق فعالا بين جيرانه ودول العالم . * وكانت كاترين آشتون الممثله العليا للسياسة الخارجيه للأتحاد الأوربي قد عبرت عن قلق المجموعه الأوربيه ازاء مستقبل العراق في ظل حكومة محتمله تسحب العراق الى مزيد من التراجع نحو الماضي ( نحن في الأتحاد الأوربي حذرون من حكومة لاتلتفت الى ان المستقبل هو الهم الأكثر تأثيرا على ستراتيجياتنا الدوليه . نحن نرجو من العراقيين ان ينظروا ابعد من مشاكلهم الداخليه فنحن نظن ان اي هروب الى الخلف انما يقود الى حكم الفرد والى تهديد الدكتاتوريات الجديده اما تحت غطاء الدين او تحت مسوغات الأمساك بالسلطه ،والأتحاد الأوربي يحاول جاهدا ان يقدم الخبرات والدعم كلما وجد ضوءا في توجهات العراق المستقبليه ) .. ويكثر الجدل في اوربا حول مستقبل العراق في ظل الرغبات المعلنه للسيطرة على السلطه او تكريس التوجهات الدينيه المتشدده ، وقد استضاف التلفزيون الأوربي والسويدي على مدى ساعتين خبراء اوربيين متخصصين بشؤون الشرق الأوسط لمناقشة الشأن العراقي ، وقال خبير شؤون الشرق الأوسط لارش اندرسون : ( السياسيون العراقيون ، يعتقدون انهم يديرين المؤسسة السياسيه من منازلهم وكلما اجرينا تحليلا للأحتمالات برزت امامنا احقية واولويه لشراكه سياسية .. شراكة اغلبيه تنطوي على تمثيل لمكونات الشعب العراقي ، شراكة التفاهم التي تريدها المنظومه الدوليه ايضا ) . ان اقتراحات الترجيح في التوجه الأوربي والدولي هو ان تكون التشكيله القادمة تمثل نمطا من التوافقيه الديموقراطيه كما اسمتها هيلينا باركر ، محررة الشؤون السياسيه في نيوزويك الطبعه الأوربيه مؤكدة : ( ان سحب القضيه السياسيه في العراق الى جهة الأنغلاق الداخلي تشكل اضرارا بتأثيراتها الأقليميه والدوليه ، وهم مايزالون يظنون انهم تحت سطوة الدكتاتوريه السياسيه القديمه وكأن العراق لم يخرج الى فضاء العلاقات الدوليه ) .. ومع غياب الوجوه العراقيه التقليديه من الحوارات الأوربيه ، فان اوسكار فلينباخ خبيرالشؤون الدوليه في الأتحاد الأوربي يرى : ( ان الولاءات الضيقه لاتخلق حوارا وكلما التقينا بالعراقيين وجدنا انحيازا اما طائفيا ضيقا او عراقيا يبتعد كثيرا عن الهم الدولي وهذا ماجعلنا نفكر بمزيد من استيضاح الصورة مااذا كنا نتحمل نحن مسؤولية الأبتعاد عن الحقائق .. ام انغلاقهم هم ) . ويتفق الرأي السياسي هنا على الحساسيه العاليه التي تشير اليها ارتباط القضيه السياسيه العراقيه بالمكون الأقليمي ، وهو هم السياسة الدوليه ازاء الملف الأيراني وقضايا الطاقه والتوازنات الأستراتيجيه والسياسيه هناك . وترى كاترين آشتون ان العراق سيحدد مستقبل الشرق الأوسط ، والعلاقات مع اسرائيل تشكل مفتاحا اساسيا لهذه القضيه وانها تظن ان السياسي العراقي اكثر واقعية في النظر الى قضايا الصراع الأسرائلي العربي ، وتشير الحوارات الأوربيه ايضا الى تحولات مهمة في العلاقات السياسيه من خلال نموذج الأنفتاح السوري الحذر مع المنظومه الدوليه في اطار انفتاح المنطقه على حوارات السلام والأستقرار في المنطقه .. * ازاء ذلك يتساءل الخبراء مااذا كان السياسي العراقي في وارد التفكير في ان الشأن الأنتخابي العراقي بأعتباره عنصرا مؤثرا في البيئة الجيوسياسيه للمنطقه ودول العالم . ولذلك يهتم هؤلاء بالأشاره الى قلقهم من افتقاد القوى الدوليه التأثير على حركة السياسة في العراق بسبب الأنسحاب الأمريكي وطبيعة العلاقات السياسية المتردده التي تطبع العراق مع المنظومه الدوليه والتي لم يحاول السياسيون العراقيون الخروج اليها منشغلين بشؤونهم الحزبيه وترتيب اوضاعهم الداخليه وكأنهم راحلون كما اشار بعض المتحاورين الأوربيين ويتساءل البعض مااذا كان العراقيون يحملون التأثيرات النفسيه التي يمثلها ارث النظام السابق والأنغلاق الدولي الذي اختاره خلال مسيرته السياسيه .. والبعض يرى انه نمط من تأثيرات ايرانية تستهدف الأستحواذ على كل تأثير اقليمي على السياسه العراقيه ، فيما يرى آخرون انها توجهات حزبيه داخليه لقوى تريد الأستئثار بالسلطة وتكريس توجهات طائفيه ومناطقيه داخليه والأبتعاد عن اية تأثيرات دوليه وفي الحالين يرى هؤلاء الخبراء ان العراق يظل في ظل هذين الأتجاهين عرضة الى الأزمات والصراعات الداخليه باعتباره بين دول الأزمات الرخوة في الشرق الأوسط . وقد اشارت كاترين آشتون في مداخلتها الأخيره الى ان الدول الأقليميه ستتدخل في بنية الحكومه المقبله وهذا قد يؤخر انتاج الحكومه وربما يؤجج العنف ويثير موجه مواجهات وتصفيات بسب ان الرغبه الداخليه ماتزال غير مستقره ازاء الديموقراطيه وانهم اكثر ميلا الى حكومة اغلبيه مركزيه تمسك بيد حديديه شؤون العراق ، وقد اشار محرر الأندبيندنت باتريك كوبيرن في حواره الى( ان ثمة شهور من الحقد ستلي العمليه الأنتخابيه وبخاصه ان خارطة التغييرات السياسية ابتدأت اثر فشل الأحزاب الدينيه في حل اشكالات الأرض ) ، لكن الأستنتاج الأكثر واقعية كان يشير في الحوارات الأوربيه المطوله الى ان مستقبل العراق ، يعني دائما ان لاخيار آخر غير التقاء الأضداد من القوى السياسيه التي افرزها الأحتلال والأنتخابات الأخيره وان هذه القوى مطالبة بالكثير من التسويات السياسيه والأتفاق على صيغة الحكومه التوافقيه التي تخرج بالوعي السياسي الى منطقة وطنيه مشتركه .. ذلك ان طريق المستقبل شائك وصعب لكنه هو الأكثر اهمية من الماضي ..
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخروج من المنطقه الزمرديه .. الى فضاء العراق
-
الأصبع الذي يمحو الأختزال
-
دليل الناخب النجيب
-
مِنْخَل الأخطاء العراقيه
-
الدوله الرخوه
-
اسمنت
-
منسيات التاريخ .. نحو كتابه مغايره
-
ارض أ ُخرى
-
بساط المنزل .. يوميات زهرة الثلج
-
نافذة على عتمة المنزل
-
ابقار
-
كريم رسن : الكرافيتيّه من اثر حرائق المدينه .. الى شيفرات ال
...
-
دائما ..ثمة امرأة تكرر اخطاءها
-
يداك تشيران الى جهتي
-
طارق ابراهيم : الحروفية ليست تزيينا لكتلة الخزف
-
نساء قيس السندي .. الفكرة حين تكتسح الرسم
-
بلاسم محمد : يوميات الخروج من الرسم
-
عامر العبيدي : الهجرة .. تأويل لفكرة البقاء
-
هيثم فتح الله : عدسة واحدة لاتكفي لأكتشاف اللامرئي
-
شنيار عبدالله ..غواية النحت ام غواية الخزف
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|