|
العراق: لماذا من جمهورية الخوف الى جمهورية الفساد؟!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2955 - 2010 / 3 / 25 - 00:52
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
العراق: لماذا من جمهورية الخوف، الى جمهورية الفساد؟! -1- كنّا قد بيّنا من خلال عدة مقالات كتبناها سابقاً، أن الفساد المالي في العراق قد بلغ حده الأقصى بعد 2003، وأن ثروات العراق الكبيرة والنادرة، أصبحت نهباً للسياسيين وأزلامهم للأسف الشديد، دون حسيب أو رقيب. واستعرضنا عدة تقارير أصدرتها "منظمة الشفافية الدولية"، تقول على لسان ديفيد نوسبوم، المدير التنفيذي لـهذه المنظمة، أن الفساد في العراق متفاقم. وأن العراق أكثر دول العالم فساداً! وتضيف تقارير "منظمة الشفافية الدولية" في مجملها، إلى أن أمريكا لعبت دوراً لا يُغتفر في انتشار الفساد المالي والسياسي في العراق بعد ثورة 2003. فقد انتقد تقرير "منظمة الشفافية الدولية" لعام 2007 – مثلاً - بصراحة ووضوح، سياسة الولايات المتحدة، في منح عقود الاستثمار في العراق، ووصفها بأنها سرية، وبأنها منحازة لبعض الشركات الكبرى. وتتفق "منظمة الشفافية الدولية"، مع بعض هيئات الأمم المتحدة، مثل "الهيئة الاستشارية الدولية للأمم المتحدة"، التي قالت في تقرير لها صدر في كانون الثاني 2005، إن الولايات المتحدة أعطت عقوداً للاستثمار في مجال النفط لشركة هاليبورتون، وشركات أخرى بدون إجراء مناقصة. وهذه واحدة من جنايات سياسة الإدارة الأمريكية على العراق، والتي تجبُّ ما قبلها من حسنات وإيجابيات. ولكن وسائل الإعلام الأمريكي، لم تترك مثل هذه الفضائح تمرُّ بسلام، وكتمان، وسرية، دون أن تُعلنه، وتفضحه.
-2- كنعان مكيّة، البروفسور العراقي في الهندسة المعمارية، ورئيس قسم الشرق الأوسط بجاجمعة "براندايس" الأمريكية في بوسطن، وصاحب مشروع وثيقة "ميثاق 1991" الذي يمثل دعوة لبناء عراق جديد، وأكبر مالك لوثائق رسمية من عهد صدام (7ملايين وثيقة)، وأحد أقطاب "الانتجلنسيا العراقية" التي أقنعت إدارة بوش بغزو العراق، والإطاحة بصدام حسين، والذي سبق له، وأصدر كتابه الشهير "جمهورية الخوف، 1989" الذي كشف فيه عن جمهورية القمع والطغيان في عهد صدام حسين، قال في لقاء صحافي قبل أيام، أن العراق قد انتقل من تحت الدلف إلى تحت المزراب. ومن "جمهورية الخوف" السابقة إلى "جمهورية الفساد" اللاحقة. وبناءً عليه، فهو غير متفائل بمستقبل الديمقراطية العراقية القريب، نتيجة لذلك. وأنا أتفق مع صديقي - الذي التقيته في إحدى الفعاليات الثقافية - كل الاتفاق، بل إنني في بعض الأحيان، وفي الفترة الأخيرة خاصة، أصبحت متشائماً وغير متفائل من مستقبل العراق القريب، نتيجة للفساد المستشري فيه، والنهب والسلب العام لثروات العراق، دون حسيب أو رقيب. وكأن من يحكم العراق الآن هم المغول الذين غزوه عام 1258م، وليس نخبة من أبنائه السياسيين، الذين كانوا يحلمون أحلاماً عصيّة التحقيق، لما هم فيه الآن. -3- لقد سقطت "جمهورية الخوف"، بفعل الإرادة الشعبية العراقية، وبمساعدة الأصدقاء الغربيين، وعلى رأسهم أمريكا (وريثة الاستعمار البريطاني في العالم العربي ومنطقة الخليج والعراق خاصة) وبريطانيا (الاستعمار التقليدي لمنطقة الخليج والعراق في النصف الأول من القرن العشرين). في حين أن العرب – كعادتهم ودورهم الآن كمتفرج فقط على العالم، دون أية مساهمة أو دور - ظلوا يتفرجون على "جمهورية الخوف" من بعيد، دون أن يحركوا ساكناً. ولكن هذا "الساكن" تحرك بعد سقوط "جمهورية الخوف"، أملاً في استرجاع "جمهورية الخوف" وإقامتها ثانية، لكي لا تسقط "أنظمة الخوف" الأخرى في العالم العربي. وبدا قسمٌ من الحكّام العرب والعجم الآن، فرحين لاستبدال "جمهورية الخوف" بـ "جمهورية الفساد" في العراق، للتدليل على أن البديل للظلم والطغيان، هو الفساد والتشرذم، كما هو حال العراق الجديد الآن. -4- ردَّ المفكر السياسي العراقي كنعان مكيّة، في تحليله للوضع العراقي القائم الآن، أسباب الفساد، الذي وصفته "منظمة الشفافية الدولية"، بأنه أكبر فضيحة في التاريخ، إلى عوامل كثيرة، منها: 1- افتقاد روح المواطنة في النخب السياسية العراقية. فقد أظهرت الانتخابات التشريعية الأخيرة أن المصالح الشخصية، والنفع الذاتي، هو الهدف الأول من السعي إلى الأكثرية النيابية. فالدولة العراقية – كما قال مكيّة – من المستحيل أن تُبنى بدون وجود "روح المواطنة". فروح المواطنة كانت موجودة من قبل. ولكن - كما قال مكية في كتابه "جمهورية الخوف" - جمهورية الخوف قتلت فكرة المواطنة، واستبدلتها بفكرة "عبادة الفرد" الأحد الصمد، وتطويع العبيد لعبادة الفرد، بالحديد والنار. 2- ظهرت في العراق شريحة سياسية جديدة بعد 2003، وهي التي تتحرك على الساحة العراقية الآن. والقاسم المشترك بينها، هو أن أفرادها لا يعرفون ماذا يريدون. وغير واثقين من أنفسهم، ولا يشعرون بأن دولة العراق دولتهم. بل العكس. فالمرادف العراقي لهذا هو النهب. وللأسف، فهذا ما تورَّط فيه غالبية السياسيين. فعندما سقطت "جمهورية الخوف"، صارت هناك عملية نهب هائلة، دون خوف! ويقول مكيّة أن هذه الظاهرة غير مسبوقة. وعلى كثرة ما كتب العالم الاجتماعي العراقي علي الوردي عن ظاهرة النهب، فإنه لن يستطيع أن يتخيّل ما حدث بعد عام 2003. وهذه الظاهرة بدأت عام 1991، وكانت بسيطة قياساً بما حدث بعد 2003. وهذا يدلنا على صورة العلاقة بين المواطن والدولة في الماضي والحاضر. ويعزو مكيّة هذه الظاهرة إلى 35 عاماً من القمع ونظام البعث، التي أثرت كثيراً على علاقة المواطن بالدولة. 3- عدم احترام الدستور. وتاريخنا العربي مخجل مع الدساتير، حيث اعتُبرت الدساتير مجرد أوراق، يمكن تمزيقها ودوسها كما قال صدام حسين. وفي العراق الجديد، لا احترام للدستور الحالي كما يجب، رغم الاستفتاء الشعبي عليه. -5- فهل يتخلص العراق من جمهورية الفساد"، كما سبق وتخلص من "جمهورية الخوف"؟ أم أن الأمر يحتاج إلى حملة عسكرية وسياسية أمريكية جديدة؟ نأمل أن يتم ذلك، من خلال وعي الشعب العراقي كافة، بأهمية دورهم التاريخي الآن تجاه وطنهم، وتجاه الآخرين، ممن ينتظرون مآل العراق الجديد.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق ونتائج الامتحان العسير
-
أدلة التنوير للخروج من -اللعنة-
-
أسئلة الانتخابات التشريعية العراقية
-
صوت صادح من أصوات التنوير الحديث
-
العراق: من انتخابات 1923 إلى 2010
-
العراق أمام استحقاقات الديمقراطية الصعبة
-
العراق: بين سردين الطائفية وحوت البعث
-
العراق: المثال العربي للعدل السياسي
-
العراق: من اللاهوت السياسي إلى الفلسفة السياسية
-
الائتلاف والاختلاف بين الثورة الفرنسية و-الثورة- العراقية
-
بين الثورة الفرنسية و -الثورة- العراقية
-
لماذا تتعثر الديمقراطية في العالم العربي؟
-
هل سيكون 2010 عام خروج فلسطين من الأنفاق؟
-
أيها الفقهاء: كما اختلفتم اتفقوا حقناً لدمائنا؟
-
لو سلكت أوروبا مسلك السُنَّة والشيعة لما توحَّدت!
-
الإنجاز الأعظم للمسلمين: توحيد السُنَّة والشيعة
-
الغول نصر حامد أبو زيد!
-
كُلفة الديمقراطية العراقية -الباهظة-
-
من هم المعارضون لقيام الدولة الفلسطينية؟
-
الولادة المُتعسِّرة للدولة الفلسطينية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|