|
موسم القمة العربية والخيار العسير
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 18:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ قمة انشاص العام 1946 ومروراً بمحطة قمة القاهرة العام ،1964 ووصولاً إلى قمة سرت التي ستنعقد بعد أيام، مرّت مياه كثيرة تحت الجسور، كما يقال، فقد انقلبت أنظمة وتغيّرت دول وتعاقبت حكومات وحصلت حروب ونزاعات داخلية وحدودية وإقليمية، لا على المستوى العربي فحسب، بل على المستوى العالمي، الذي شهد تطورات ومتغيّرات دولية في الاستراتيجيات والصراعات الدولية، لكن مؤسسة القمة ما زالت تراوح في مكانها على أقل تقدير، وإن كانت المراوحة تعني التراجع في عالم اتّسم بالتغيير والعواصف والثورة العلمية التقنية وثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والثورة الرقمية الهائلة .
إن مراجعة موضوعية لتجارب العمل العربي المشترك، لا تؤكد تراجعه فحسب، بل نكوصه عن أداء دوره المنشود، والذي انعكس على مؤسسة القمة وعلى جامعة الدول العربية التي تأسست في 22 مارس/ آذار 1945 كمنظمة إقليمية واعدة، لاسيما في حلّ الازمات التي واجهت الأمة العربية، ناهيكم عن الصراعات والتنابزات التي عاشتها وأثّرت سلباً في دورها وأدائها .
ولعل آخر مظهر للتراجع ما رافق انعقاد قمة الدوحة الطارئة العام 2009 من انقسامات، بدلاً من أن تكون عامل وحدة وتضامن بوجه العدوان “الإسرائيلي” على غزة، لدرجة أن المواطن العربي تعاظم شعوره بالإحباط واللاجدوى، خصوصاً إزاء موضوع مصيري مثل العدوان “الإسرائيلي” على غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام .
ستواجه القمة الجديدة العديد من الاشكالات والتحدّيات والكثير من العقد والتقاطعات، لعل أبرزها هو ما يتعلق بالهوية التي تصدّعت على نحو شديد في الكثير من البلدان العربية، خصوصاً احتدام نزاعات كثيرة داخلية وإقليمية، فالصومال كدولة أصبح من الماضي وتحكمه وتتحكم به نزاعات ما قبل الدولة، ناهيكم عن قراصنة يجوبون البحر بحثاً عن صيد لسفينة أو باخرة يقودها حظها العاثر إلى الاقتراب من السواحل الصومالية، والسودان ما زالت الاسئلة مفتوحة بشأن مصيره ووحدته ومستقبله، لاسيما بالارتباط مع قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن أزمة دارفور، والعراق لا يزال يعاني من الاحتلال والتشظي الطائفي والإثني والإرهاب والعنف، وما زال نزيف الدم يسيل يومياً، واليمن عاشت شهوراً من النزاع الداخلي، لاسيما الحرب مع الحوثيين وانتقالها إلى جارة اليمن، المملكة العربية السعودية، فضلاً عن تصاعد الحراك الجنوبي المهدِد بالتشطير .
كما ان الموقف اللبناني رغم قيام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري وتحسّن الوضع الداخلي، الاّ أنه ما زال منقسماً بخصوص القمة العربية بين المشاركة والمقاطعة لأسباب تتعلق بالاختفاء القسري للسيد موسى الصدر العام ،1979 حيث هدد رئيس مجلس النواب نبيه بري بعرقلة المشاركة، والعلاقات المغاربية لا تزال تتقدّم خطوة وتتراجع خطوتين .
أما الوضع الفلسطيني فما زال يثير الشجون، وهو متوزع بين حكومة غزة “المُقالة” وسلطة الضفة الغربية “المعيّنة”، والمصالحة الوطنية ما زالت في رحم الغيب، خصوصاً إذا ما تكرّس الامر الواقع، فأصبح واقعاً، فضلاً عن نشوء حالة من التباعد المؤسسي والمجتمعي والنفسي . ومع تلك الأوضاع فإن “إسرائيل” تهدد فعلياً ويومياً بالحرب، وتقضم القدس تدريجياً بعد أن ضمتها اليها العام 1980 (بقرار من الكنيست) خلافاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعمليات القمع تتصاعد ومعها العدوانية والسادية الصهيونية إزاء زوار المسجد الأقصى، وقد أقدمت “إسرائيل” مؤخراً على تغيير خريطة بعض الأماكن المقدسة تمهيداً لضمّها اليها، ناهيكم عن الحفريات التي تجريها لدعاوى زائفة، وتهدد يومياً لبنان بشن الحرب والعدوان، مثلما حصل العام ،2006 خصوصاً وأنها في كل مرّة تفلت من العقاب وتكون بعيدة عن يد العدالة، بل تحاول أن تفرض شروطاً جديدة على الارض، حيث تستكمل بناء جدار الفصل العنصري ضاربة بعرض الحائط قرار محكمة العدل الدولية ورأيها الاستشاري بعدم شرعية بناء الجدار وبطلانه، وممتنعة عن تفكيكه .
وإذا كانت الموافقة الفلسطينية والعربية في إطار قرار جامعة الدول العربية مع بعض التحفظات، على مفاوضات غير مباشرة، فإن هذا الأمر سيكون مطروحاً أمام القمة العربية، لاسيما وأن هناك مبادرة عربية مهمة تم اتخاذها في مؤتمر قمة بيروت العام ،2002 فأين وصلت وكيف يُصار إلى التوفيق بين المفاوضات غير المباشرة والمشروع العربي للسلام المستند إلى قرارات القمة؟
لعل هذه القضايا السياسية الساخنة ستكون الأكثر احتداماً في القمة العربية القادمة، وقد لا تبعث كثيراً على التفاؤل في ظل الوضع العربي الراهن، وإذا ما أضفنا اليها قضية اغتيال محمود المبحوح في دولة الإمارات العربية من جانب الموساد “الإسرائيلي”، الذي أخذ يستهتر لا بالعالم العربي فحسب، بل بالعالم أجمع من خلال استخدام جوازات سفر أوروبية وغربية، فإن الأمر سيترك تداعياته على الكثير من القضايا .
إن جدول عمل القمة العربية القادمة مثل القمم التي سبقتها مملوء بالتحدّيات، لاسيما في ظل الصراعات المحتدمة الداخلية والخارجية، وغياب رؤية جامعة لمشروع إقليمي عربي يقوم على أساس المصالح المشتركة لشعوب الأمة العربية، التي يمكن أن تبحث في قضايا الصحة والتعليم والمواطنة وانتقال العمالة والقوانين والسياحة والتجارة والصناعة والحدود والرياضة والنفط وتوزيع فرص العمل والتعاون والتبادل فيما بينها وغيرها، إذا افترضنا استعصاء حل الخلافات السياسية .
لقد سبقتنا أوروبا إلى الاتحاد رغم أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يجمعها، كاللغة والدين والتاريخ المشترك كعناصر اساسية للهوية العربية مع احترام الهويات الفرعية الخاصة، في حين أن الوحدة الاوروبية ضمّت أكثر من 20 لغة وشملت أعراقاً متنوعة ومختلفة وتاريخاً مملوءاً بالصراع والحروب والذكريات الأليمة، لكنها تصرفت بروح العقلانية والمصالح المشتركة، التي من خلالها وعبرها وفيها، واجهت الاحقاد الموروثة وتجاوزت العقبات والتحدّيات التي اعترضت طريقها .
هل لموسم القمة العربية الجديد ورئاستها القادمة أن تبحث في ما هو مشترك ويضمن المصالح الجماعية، بعيداً عن الاختلافات التي هي أمر طبيعي، يمكن “تقنينه” في إطار المشترك الإنساني والمنافع المتبادلة للعمل العربي الموحد؟
لعله سيكون خياراً عسيراً، لكنه اختيار صحيح وصادق ومستقبلي وينسجم مع طموح المواطن العربي . باحث ومفكر عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (21) «الشبح» والأسطورة: هل اختلط
...
-
ليس لأي تيار شمولي مستقبل في العراق؟
-
الموساد والجريمة والعقاب
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (20) القبعات الخضر والصيد الثمين!
-
الصوت والصدى
-
المعرفة من أجل الحق
-
ثقافة حقوق الإنسان في ندوة تخصصية في لاهاي/هولندا
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (19) نزيف بصمت!
-
أين سترسو سفينة الانتخابات العراقية؟!
-
“إسرائيل” والإفلات من العقاب
-
كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (18) كاسترو- أبوعمار- حبش: رومانس
...
-
البحث العلمي ووليمة التفكير
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (17) همنغواي والجواهري: الشيخان وا
...
-
الخليج وصورة المجتمع المدني
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! -16 -أرنستو همنغواي: حانة بودغيت
...
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين -15- حروب سبعة آخرها الحرية والحدا
...
-
جدلية القانون والنزاهة
-
ماراثون الانتخابات العراقية.. من العزل إلى العزل!
-
قيم التسامح في الفكر العربي الاسلامي المعاصر
-
تحية الحرف والحق والمعرفة الى منبر الحوار المتمدن،
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|