|
تجربة الحركة الاسلامية في السودان , 1958 - 1989
جوزيف شلال
(Schale Uoseif)
الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 18:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قيل عن الحركة الاسلامية في السودان بانها اتسمت بمميزات ادت الى اختراق النظام الحاكم وحققت
بعض من اهدافها , ثقافة الحركة تنوعت مابين الفكر الاسلامي للاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية
الباكستانية , اضافة الى انتفاعها بالفكر التنظيمي الاوربي وبالحركة الشيوعية انذاك .
من اسباب قوتها وحيويتها قد اتى من فلسفتها على خدمة المقصد والتضحية متى استوجب ذلك .
الحركة كانت تؤدي رسالتها في الالتحام بالشعب لتوسيع قاعدتها وانصارها وهو يخدمها في النهاية .
كانت الحركة الاسلامية في السودان تؤمن بمبدا وفكر التوازن ما بين المبادرة والالتزام بتشجيعها
للخطاب الداخلي لدفع اعضاء الحركة بالاجتهاد والجهاد . اعطت الحركة حرية الثقافة والتعليم لانصارها
ومؤيديها وبعدم الالتزام باي مذهب او فكر معين , كما تبنت الحركة النظام اللا مركزي الذي قسم
الحركة الى عدة تقسيمات ومناطق واعطاء الصلاحيات لتلك الفروع في عدة مجالات منها /
في الادارة المالية والتربوية وغيرها , اضافة الى اهتمامها بالمجالس الاستشارية الفكرية لمناقشة
وطرح الرؤى وتجاوز الاخطاء والسلبيات .
الحركة الاسلامية في السودان اندمجت مع المجتمع وتم تقديم منهاج وبرنامج اسلامي مرن وسهل
يفهم من قبل جميع قطاعات مجتمع الشعب السوداني , كما ان الحركة عقدت عدة صفقات مع اطراف
المعارضة السودانية غير الاسلامية التي تعادي النظام السوداني القائم في حينها وبناء علاقات بين
الحركات الاسلامية في الداخل وخارج السودان .
الحركة الاسلامية السودانية استهدفت عدة شرائح ومكونات الشعب مثل /
الطلاب في المدارس والجامعات وكما رايناها بفوزها في انتخابات 1986 بفوز الاخوان المسلمين بعدد
مقاعد المخصصة للخريجين وكانت النسبة 23 من اصل 28 مقعدا .
الجيش ايضا كان له نصيب كبير من خلال بناء تحالفات سياسية لوضع الجيش وجها لوجه امام الشعب
لكي لا يجد خيارا غير الانسحاب من السياسة ويسلم السلطة والقيادة للمدنيين .
الزمن في التجربة السودانية الاسلامية مر في عدة مراحل زمنية بحيث جربت الحركة منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي بحيث استطاعت الاطاحة بالجنرال عبود بعد 6 سنوات
من الخصام السياسي اي منذ عام 1958 لغاية عام 1964 بحيث اصبح لها ممثل في الحكومتين
الانتقاليتين ما بعد حكم الجنرال عبود , اصبح للحركة الاسلامية السوداني 7 ممثلين في البرلمان في
انتخابات 1965 .
مع بدايات السبعينات اختارت الحركة خيار الغزو للمؤسسة العسكرية من الخارج بقيامها بتحالفات مع
الانصار في ثورتهم المسلحة ضد جعفر النميري في اذار 1970 وتحالفها مع الجبهة الوطنية الموجودة
في ليبيا .
في بداية مرحلة الثمانينات اهتمت الحركة في الاختراق الداخلي للمؤسسة العسكرية والجيش , فجاءت
ثورة الانقاذ في صباح يوم 30 / 06 / 1989 التي كانت محصلة - استراتيجية التمكين - التي كانت قد
اعتمدتها الحركة الاسلامية السودانية لاكثر من 10 سنوات .
للحركة الاسلامية محطات في مسار علاقاتها بالسلطة والنظام , بدا اول تحرك لها عام 1959 حينما
كشفت اول محاولة انقلابية فاشلة خطط لها المرشد العام للحركة الاسلامية السيد الرشيد الطاهر ضد
الجنرال عبود .
عام 1964 شاركت الحركة بفعالية في الانتفاضة الشعبية التي تخلصت من حكم عبود وتم تمثيلها باول
تشكيلة حكومية عام 1965 في احدى الوزارات غيرالمهمة . شاركت الحركة الاسلامية بمنازلة كبرى
مع قوات الانصار المتمركزة في جزيرة ابا معقل الانصار عام 1970 التي ادت الى مجازر رهيبة
ارتكبتها قوات النميري وتم مقتل الامام الهادي قائد الانصار والدكتور محمد صالح عمر قائد الحركة
الاسلامية في الجزيرة .
بعد تلك المرحلة انطلقت محاولات عديدة من معسكرات في ليبيا واثيوبيا لم يتكلل اي منها باي نجاح
يذكر بما فيها محاولة 02 / 07 / 1976 المعروفة .
انتهجت الحركة الاسلامية بعد تلك الفترة عملا سلميا لها منذ عام 1977 ومع المصالحة الوطنية التي انتهت بتحالف مع نظام الرئيس نميري .
بداية من عام 1978 لغاية عام 1985 التي انتهت الفترة بانقلاب النميري على الاسلاميين والزج بهم
في السجون والمعتقلات , الحركة الاسلامية السودانية استخلصت العبر من الفشل الشيوعي في
السودان الذي ادى الى نجاح الانقلاب العسكري في 30 / 06 / 1989 ضمن استراتيجية الاسلاميين
التي بنيت على تامين الثورة قبل التمكين لبرنامجهم السياسي بعكس الشيوعيون الذين اعلنوا برنامجهم
على الملا وهم يعانون في انقلابهم مخاضا صعبا .
من اهم عوامل النجاح كانت في دقة اختيار القيادات البديلة وملامسة الخطاب السياسي لقضايا الشعب
وعدم خلق فراغ في السلطة من جراء استلام الحكم والسلطة واستحكام الازمة السياسية في التوقيت
الملائم مع كسر شوكة النظام القديم .
الحركة الاسلامية السودانية تحولت بذكاء الى التعاون مع النظام والعمل معه وداخل مؤسساته بعد ان
شعرت بالضرر والعديد منهم اصبح في السجون , لجات الحركة الى استراتيجية الاختراق من الداخل
وابقاء الرئيس النميري الى ان يكونوا قادرين على خلافته او المشاركة الفعالة في السلطة الى ان تاتي
الفرصة المناسبة للتغيير باستخدام مبدا / تقوية الحركة واختراق السلطة / .
بعد الفضائح التي ارتكبها النظام النميري ومن اجل تمييز خطاب الحركة الاسلامية في السودان عن
غيرها وعن النظام تم تعيين الدكتور حسن الترابي مسؤولا عن المنهجية والفكر في الاتحاد الاشتراكي ,
وبهذا استطاعت الحركة الاسلامية ان تدبر امرها وتخفف عنها , وبهذا كشفت الحركة الاسلامية عن
مهارة سياسية عالية باختيارها التوقيت المناسب لتمييز نفسها عن نظام النميري .
حافظت الحركة الاسلامية وكانت حذرة من التذويب السياسي والاندماج حفاظا على المصداقية
والخيارات والاهداف الخاصة بعيدا عن توجهات حلفائها , وبهذا قد تكون الحركة الاسلامية السودانية
اول حركة قد نجحت في المعادلة التي تجمع بين اسلوب العمل المتاح مع اسلوب العمل الرافض لاساس
الانظمة .
كسبت الحركة الاسلامية معركةالمصالحة مع النظام والتحالف معه , كما نجحت جنت عدة مكاسب منها على سبيل المثال / الامتداد والنمو السريع بفضل الحرية المعطاة لها في العمل من خلال الهدنة
والمصالحة , واتسعت علاقاتها الخارجية والداخلية الضرورية للحركة والمهمة , اكتساب الخبرة بامور
الدولة والحكم كتعيين الترابي مستشارا للنظام والرئيس بحيث مكنت الحركة من اختراق الجيش والامن
والشرطة والتعرف على البناء الداخلي التنظيمي لها مع استمالة بعض القيادات لها , اخيرا تمكنت
الحركة الاسلامية من بناء ثروة مالية كبيرة عبر المؤسسات الاقتصادية وبرامج تطبيق الشريعة
الاسلامية مثل البنوك الاسلامية وغيرها .
بهذا نجح الانقلاب العسكري يوم 30 / 06 / 1989 ضد النميري الذي زج كما قلنا بحلفائه الاسلاميين
في السجون , وكانت الحركة قد وصلت الى مرحلة قطف الثمار ونتائج المصالحة وبعد ان رسخت
اقدامها في المجتمع والدولة بشكل محكم .
استخدمت الحركة اهم شرائح التغيير التي برزت في التجربة السودانية هي شريحة البدء وشريحة
التغيير وثم شريحة البناء , تم الاستخدام دون الخلط بينهما في تلك المرحلة التي مرت بها الحركة وعدم
القفز عليها , لان الخلط والمزج بينهما يؤدي الى الكارثة والاخفاق والفشل .
كما ان الصراع كان صفريا تقريبا منذ اليوم الاول مع النظام القائم , كان يصل ايضا الى صراع حاد
والمتعلق بالقضايا المصيرية اي احيانا بالعنف وتارة باللاعنف اي السلمي , وراينا حسب علمي ان
الصراع لم يصل الى كارثي صفري حاد , تميزت التجربة الاسلامية السودانية بالنضج الفكري للقادة
والتحرك الغير متجمد ومرن في اغلب الاحيان والحالات اي الاستفاد من تجارب الاخرين وافكارهم
كخبرة الشيوعيون كما قلنا في البداية في التنظيم والفكر والادارة استفادت منه الحركة من اوربا .
وجود قادة مثل الترابي الذي دخل لعبة الصراع السياسي وتعامله مع الانفتاح والمصالحة مما نجح في
تحقيق الاهداف المرحلية .
الحركة تميزت ايضا بالمرونة والتعاطي السياسي وحب المغامرة والجراءة في التصرفات والتحركات
كاعتقال الترابي عام 1989 للتشويش والتنويه على الانقلاب خوفا من الفشل .
تحرك القيادات في عدة مسارات ووسائل متنوعة تميزت بعدم الجمود على خيار واحد , واراداتها
القوية برغم الضربات اتي تلقتها , والاستفادة من عامل الزمن والوقت , ولهذا كان هدف الحركة
الاسلامية السودانية لم ينخفض سقف مطالبها لانها كانت مصرة على استلام السلطة والدولة وبناء
بنية
قوية وعلاقات من خلال دخولها في مصالحه مع الدولة الى ان تنتصر على نظام دكتاتوري فاشل
باستخدام اهم قواعد الممارسة السياسية كرجل السياسة مغامر وليس مقامر ونظرة رجل السياسة الى
افعال الاطراف الاخرى ولكنه يهتم اكثر بمنطق هذه الافعال , والقاعدة الاخرى في الممارسة السياسية
كانت بفكرة الفاعل السياسي المحنك عادة لا يتشتت في الاهداف ويحدد اهدافه بدقة , وهكذا نستطيع
القول بنجاح التجربة الاسلامية في السودان في تلك المرحلة . المصادر /
الحركة الاسلامية في السودان – مدخل الى فكرها التنظيمي والاستراتيجي – محمد بن المختار
الشنقيطي .
قواعد في الممارسة السياسية – دكتور جاسم سلطان – 2009 .
#جوزيف_شلال (هاشتاغ)
Schale_Uoseif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق السكان الاصليين في بلاد وادي الرافدين
-
مفهوم الثورة
-
الانظمة الاستبدادية , الواقع والتغيير .
-
العراق بحاجة الى عملية اصلاح وتغيير
-
الاصلاح والتغيير في النظام العراقي , نموذجا .
-
شيوخ الاسلام احد اهم مصادر مروجي للفكر النازي والفاشستي والع
...
-
ملاحقة المالكي وحكومته بجرائم التطهير العرقي والفساد والارها
...
-
لماذا سارعت حكومة اللطم والزناجيل والقامات والمسيرات المليون
...
-
حكومة المالكي حكومة الكوارث !
-
الطوفان بدا يضرب في عقر دارهم !
-
الكويت والفساد وانهيار الدولة !
-
من يقف وراء الاقصاء والتهميش وفزاعة عودة البعثيين في العراق
...
-
الداعية الاسلامي وقذافيات الهروب من الداخل !
-
مضايقة ركاب بعض الدول في المطارات , من المسؤول ?
-
لا يحتمل التاجيل والشرذمة المسيحية في العراق الى اين !
-
الحقوق الوطنيه المشروعه للشعب المسيحي في المنطقه والعراق خاص
...
-
اضطهاد الاقليات الدينيه من الجرائم الكبرى , العراق نموذجا ال
...
-
الاقليات الدينيه في العراق والمنطقه ما بين التهميش والاضطهاد
...
-
الى متى تبقى الاحزاب الاسلاميه الدينيه في دولة الفرهود , تكذ
...
-
العراق الى مفترق طرق بعد 2003 , من المسؤول ?
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|