|
الإنسان وإلهه الداخلي
: عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 14:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من البديهي إن الإنسان يقوم ببناء تصورات عن الشيء الذي يسمع عنه ولا يراه ، وإن هذه التصورات يتم إمتصاصها من المحتوى السايكولوجي الداخلي ، وتبنى هذه التصورات بفعل اجزاء صورية يستمدها الإنسان من الطبيعة والواقع إبتداءا من مرحلة الطفولة التي تستهوى التفكير الصوري وحتى الكبر والتفكير المجرد ، فكل الخبرات الحسية عند الإنسان هي في الإساس صور مادية مستمدة من العالم الخراجي ، وهذه العملية تتم بصورة تدريجية كما يقول العالم السويسري "بياجيه" عن طريق التمثيل والمواءمة ، إذ يقول بياجيه : إن هناك بنية عقلية تحدد كيفية إدراك وفهم البيانات والمعلومات فإذا كانت البيانات الجديدة من المحسوسات الذهنية للفرد فإن المعلومات الجديدة تدمج ضمن تلك البنية وهذه هي (المواءمة) حسب تعبير بياجيه ، وإذا كانت المعلومات الجديدة غير متوافقة مع البنية المعرفية للفرد فإنها تعدل او تدمج في تلك البنية . وإذا كانت المعلومات مختلفة تماما مع البنية المعرفية للفرد فإنها لا تعد محسوسة لتلك البنية لكي تدمج فيها ، وبالتالي فإن المعلومات الجديدة أما يتم رفضها او تمثيلها أو تحويلها لكي تلائم تلك البنية . فالإنسان عندما يرى فراشة بيضاء لأول مرة يدمجها في بنيته الذهنية بمخطط خاص يطلق عليه إسم فراشة وهذا معنى التمثيل ، ولكنه عندما يرى فراشة حمراء في المرة التالية فإنه أما ان يضعها ضمن مخطط الفراشة البيضاء (مواءمة) ، او يمثلها في مخطط جديد يطلق عليه اسم فراشة حمراء ، وإنه على الأرجح سيصنفها ضمن مخطط الفراشة البيضاء ، وسيتفرع مخطط الفراشة إلى مخططين هما البيضاء والحمراء ، وهكذا كلما مر الإنسان بخبرة جديدة يقوم أما بدمجها ضمن أقرب مخطط لها في بناءه المعرفي او يمثلها بمخطط جديد . إن أهم العوامل التي تؤثر على وظائف الدماغ هي (الوراثة - البيئة - الحالة الإجتماعية) وهذه العوامل تحكمها ضروف متغيرة ومتطورة من زمن إلى آخر ، فإذا ما قارنا الأدمغة في الوقت الحالي مع الادمغة البشرية قبل الف عام فمن البديهي إننا نجدها أكثر تطورا في الوقت الحالي ، أي إن كمية المعلومات المطلوب التعامل معها في الوقت الحالي هي بالتأكيد أكثر من قبل الف عام . إن العملية العقلية التي نعرف بواسطتها العالم الخارجي وندركه هي الإدراك الحسي وتتم عن طريق المثيرات الحسية المختلفة ، ولا يقتصر الإدراك على مجرد ادراك الخصائص الطبيعية للأشياء المدركة ، ولكنه يشمل إدراك المعنى والرموز التي لها دلالة بالنسبة للمثيرات الحسية . يشترط الإدراك الحسي وجود ( المثير - الإحساس بالمثير - التعرف على المثير- الإستجابة) وتكون إستجابة الفرد من خلال خبراته الحسية السابقة وما مر به من تجارب. يكاد يجمع علماء النفس على القول بأننا كبشر عندما نتجول في العالم المحيط بنا نبني نموذجنا الخاص عن كيفية سير هذا العالم . وأحد الأمثلة على هذه الحالة هي الصورة الملتبسة التي تمتلك اكثر من تفسير على المستوى الإدراكي للأفراد . وإن هذا التفسير مؤقت إلى أن يتم الإدراك بصورة كاملة ، والإدراك الكلي الحقيقي يشترط الأحساس بالشيء . يحدث الإدراك الحسي بفعل نبضة كهربائية ترسل من الحواس إلى الخلية العصبية الملائمة في الدماغ ، ويقال إن جسم الإنسان يحتوي على 100 بليون خلية عصبية ، عشرة بليون منها توجد في القشرة الدماغية ، وتقول العديد من البحوث العلمية : إذا ما تم تفعيل خلية عصبية ، فإن مادة غامضة تؤثر في الخلايا القريبة والمسؤولة عن تحفيز الخلية العصبية ، وهذه الخلايا بدورها تنتج مادة كيميائية يظهر إنها تحمي الخلية من التدمير والهلاك ، وتموت الخلية العصبية إذا لم تحصل على هذه المادة الكيميائية ولا تعمل الخلايا العصبية عشوائيا بل تعمل على شكل شبكة وهي تنزع لتنظيم نفسها في مجموعات لتتخصص في معالجة انواع مختلفة من المعلومات. بعد أن اوضحنا عملية الإدراك الحسي بصورة مبسطة ، أصبح من اللازم أن نعترف بأختلاف مدركات الناس تبعا لأختلاف خبراتهم الحسية التي أستمدوها من واقعهم الخاص لأن شروط الإدراك معتمدة على الواقع الخاص للفرد وذهنيته وما تحمله من صور مدركة . إن الناس يختلفون في تصوراتهم عن الأشياء التي لا يتم الإحساس بها ، ولا يمكن ان تتشابه تصورات شخصين بكل نواحيها ، فالصورة الكلية التي يضفيها الإنسان على شيءٍ ما ، لا تشبه الصورة الكلية عند إنسان آخر بغض النظر عن معنى الشيء ، فلو وصفنا لمجموعة من الناس مكان لم يروه مسبقا فكل واحد منهم سيتصور المكان حسب خبراته الحسية السابقة ، وإن السبب في إختلاف التصورات هو الإحساس الناقص ، ولا تكتمل الصورة إلأ عند الإحساس الكلي . وهذا لا يعني أن إختلاف التصورات عن الشيء تلغي معناه الحقيقي أو تغير محتواه ، فمحتواه ثابت ومعناه ثابت ، ولكن الإختلاف في تصوراتنا التي لم تعزز بالإحساس الكلي والحقيقي . فمثلا تصوراتنا عن القمر متشابه تقريبا من ناحية الرؤية ، ولكن الأختلاف يكون في تصوراتنا عن سطح سطح القمر ، فالقمر موجود فعلا لأننا نراه ، وسطحه ثابت الوجود فمادام هناك قمر هناك سطح . والدليل إن الإنسان قد وضع عليه قدميه . إذن كيف يكمننا أن نتصور شيء لا نحس به وخارج عن إدراكنا الحسي ، أي لمجرد أن نسمع عنه ؟ سيكون تصورنا عنه متفاوت حتما من شخص لآخر، وستبنى تصوراتنا عنه بناءا على ما استخلصناه من صور الطبيعة والوقع والخبرات الحسية السابقة . فمثلا فكرة الإله المعبود تفرض علينا التصديق ، وهذا التصديق لا يتم بصورة حسية ، أي إن الإنسان عندما يصدق بشيء يحتاج أن يحس به ، وإذا لم يحس إحساس كامل ، سيتصوره تصورا بدون إحساس ، والتصور الذي يفقد الإحساس بالشيء المتصور سيكون مجبر على إمتصاص إحساس من الطبيعة والجسد ، فالإنسان يضفي شيء من ملاكاته الحسية على التصور الخالي من الإحساس او الإدراك الحسي الحقيقي ، وكل إنسان يختلف عن الآخر في تصوراته عن الشيء ، وبكمية الأحساس التي ينتزعها عليه . إذن تصور الناس عن الإله مختلف من إنسان إلى آخر وهذا يعني ان كل واحد منا يعبد إلهه الذي تصوره هو ، وكل إنسان يتوقع العقاب والثواب من إلهه بناءا على ماورثه من صور عن العقاب والثواب ، فبما إن زيدا يتصور الإله بطريقة تختلف عن عمرو ، وإن الإله لا يدرك حسيا ً ، فبوسعي أن أقر بتعدد الآلهه المتصورة !! إذن عبادة إله واحد لا يمكن أن تتم بصورة متتطابقة بين البشر ، إلا عند الإدراك الحسي الجماعي ، وبما إن الإله لا يدرك حسيا ، فستكون التصورات عنه مختلفة ، وتكون النتيجة آلهة عديدة بعدد البشر ، وعدم إدراك الإله حسيا يجعل الإنسان هو الإله ، لإن صورة الإله الذي تصوره ، نابعة من سايكولوجيته التي أضفاها على إلهه الشخصي ، لإنها من عنديات نفسه ، فالإنسان يصنع إلهه بطريقته الخاصة وبإحساساته وتصوراته وأمزجته ، إذن في كل إنسان إله داخلي !!
#:_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|