|
ضحايا جرائم التطهير العرقي، الكورد الفيليون نموذجاً ! ـ 2 ـ
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:51
المحور:
القضية الكردية
وفي خضم اثارة الأحقاد والدعوة للأستعلاء القومي التي حرّض عليها البعث العفلقي وبدأ بتطبيقها للقضاء النهائي ضد من دعائهم وحددهم باعدائه، من القوى السياسية والقوميات والطوائف، كما مرّ . . اصطدم وحاول انهاء الكورد الفيليين واقتلاعهم من الجذور، لتحقيق مادعاه باهدافه في اقامة (مجتمعه العربي الموحد) . ورغم ما بحث وقيل واثبت ويقال، فان كلّ الجهود الجادة المبذولة للتوصل الى اسباب قيام مشكلة الكورد الفيليين الذين يشكّلون أحد اقوام وادي الرافدين منذ القدم ، تشير الى انها نشأت بسبب تقسيم واعادة تقسيم المنطقة وفق مصالح الكبار اثر نتائج الحرب العالمية الأولى ، دون الأخذ بنظر الأعتبار آراء اقوامها وسكانها، وحقوقهم التي نصّت عليها المواثيق والعهود الدولية، ودون الأخذ بنظر الأعتبار درجة تطوّرهم الأجتماعي ووعيهم لحقوقهم آنذاك. بل بالعكس جرى تحديد الدولة العراقية وتقسيم المنطقة بما يضمن (تهدئتها) وفصل التجمعات السكانية المؤثرة المطالبة بحقوق اكثر مما كان مخططاً، بعضها عن بعض . وشق وتقسيم التجمعات الكبيرة الأخرى وعزل اقسامها بعضها عن بعض، واستخدام الجنسية كسلاح لمعاقبة من (تمرّد) وتهديده باسقاطها عنه كي لايتمرّد مستقبلاً، وايجاد مختلف الصيغ والذرائع القانونية والتعديلات المتكررة التي كانت نتائجها: تحديد حدود الدول الناشئة ومحاولة ضمان ثباتها على اساس توازن قوى محلي واقليمي اوكل لحكومات المنطقة الجديدة امر القيام به، وتحديد الجنسية في العراق على درجتين، الدرجة الأولى لحاملي الجنسية العثمانية (كمواطنين اصليين)، والدرجة الثانية (مواطنين تبعية لدول أخرى) للعشائر والتجمعات البشرية التي عصت على العثمانيين وقاومت المخططات الأولى، اضافة الى التجمعات ان صح التعبير، التي يتعارض وجودها ككيان بشري مع المخطط الرامي لتقسيم وتوزيع الثروات على الدول العظمى المنتصرة . ضمن تلك الأوضاع تقسّم الأكراد الفيليون الى جزء صار في العراق وجزء في ايران على طول المنطقة الجبلية الشرقية للعراق التي تتدرّج نحو السهول الجنوبية، التي مرّ بها خط رسم الحدود العراقية ـ الأيرانية، وصاروا في الدولة العراقية مواطنين من الدرجة الثانية (ضمن حملة وثائق التبعية)، الأمر الذي شكّل احدى الصور الخبيثة للنشاط في شق وحدة العراقيين، التي هدفت الى تكريس التباعد القومي العشائري وفرقة البيت الشيعي من جهة، وتمزيق وتدمير آصرة وصل وحجر زاوية (حجر التفاعل الكردي ـ الشيعي وتآخيهما الشعبي الذي شكّله الكورد الفيليون) لوحدة البيت العراقي ذي الطيف المتنوّع العربي الكردي القومي المتعدد، المسلم (السني الشيعي) المسيحي اليهودي وبطوائفه المتنوّعه . والذي عاش قروناً طويلة في ظل حضارات وادي الرافدين المتعاقبة، متواصلاً بكلّ ابنائه حين لم تكن الحدود كما هي الآن، وحين كان الصراع العثماني ـ الصفوي هو الطاغي في المنطقة التي حاول ابنائها العيش بسلام متجنبين الوقوع وقوداً في طاحونة الحروب الوحشية، وطلباً للحماية من اجل الحياة والحفاظ على الأهل والكرامة والمُلك، وتجنباً للوقوع فريسة للكواسر الكبيرة، وفق تقديرات ابرز الخبراء والمحللين . واذا كان البعض (يعيب) على الكورد الفيليين عدم استنكافهم من ممارسة وامتهان انواع العمل الشريف مهما تواضع بعيداً عن الجريمة، فأنه لايستطيع ان يحجب حقيقة ان الكورد الفيليين استطاعوا بجهودهم الدؤوبة ان يكونوا في قلب المجتمع العراقي ويبرزوا في قطّاع التجارة والخدمات خاصة، وان يكونوا جزءاً من اسياد السوق في العاصمة بغداد تحديداً، وجزءاً اساسياً من نبض الحياة العراقية في محلات بغداد الفاعلة، في الشورجة، الخلاني وباب الشيخ، عقد الأكراد، الصدرية، ابوسيفين، ابودَوْدَوْ . . وغيرها من الأحياء البغدادية التي شاركت بفاعلية في العمل والكفاح من اجل الحقوق ورسم الطموح والخيال والأمل والحكاية الشعبية. وان يكونوا جزءاً اصيلاً من الروح والثقافة الوطنية العراقية العربية الكردية الأسلامية السنية الشيعية مع الأديان والطوائف الأخرى، في مدن خانقين، نفطخانة وجلولاء، السعدية، بدرة وجصان وغيرها. ومثلما لاينسى البغداديون دور الكورد الفيليين في النضال الوطني التحرري ومن اجل حقوق الفقير ويذكرون باعتزاز عدداً من العوائل المناضلة كعائلة الحاج علي حيدر وابنائه، الحاج ميرزا، الحاج رضا، حاجي باراني، عائلة الشيخ وعائلة الكوردي في الكاظمية ومئات العوائل الأخرى غيرها، فانهم لاينسون موكب عزاء الفيلية الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر في المواكب الحسينية، الى جانب موكب الصفّارين. من ناحية أخرى فأن اهتمام الكورد الفيليين المبكر بارسال ابنائهم وبناتهم الى المدارس، وتكاتف بيوتاتهم في فتح (والمساهمة المالية السخية في فتح) المدارس الأهلية، متجاوزين صعوبات قوانين التعليم (الحُصَرية) ومساعدتهم فقراء وابناء احيائهم المتنوعين كما في المدارس الفيلية والجعفرية وجمعية بيوت الأمة، قد دفع بابناء وبنات الكورد الفيليين ـ الى جانب بنات وابناء العراق الآخرين ـ الى لعب ادوارلايمكن ان تمحى في تشكيل الوعي الوطني والقومي التحرري في العراق . ولكل الأسباب المذكورة وغيرها، استطاع الكورد الفيليون ان يتفاعلوا ويتعايشوا بسلام وفاعلية مع ابناء الطيف العراقي المتنوّع. وبانتصار ثورة 14 تموز 1958 ، انطلق الكورد الفيليون كجزء من انطلاقة عموم الشعب العراقي بكل مكونات طيفه وفقراءه وكادحيه خاصة، الذين انطلقوا الى رحاب الحياة الجديدة الواعدة بالحرية والتآخي القومي والمساواة، معانقين ـ كالآخرين ـ الأحبة الذين تحرروا من السجون السعيدية سيئة الصيت، والعائدين الى الوطن بعد ليل النفي والهجرة والهروب، وقد برز العديد من اسماء بنات وابناء الكورد الفيليين في الأحزاب التقدمية كالحزب الدمقراطي الكردستاني، الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي، والنقابات، واتحادات الطلبة والشباب والنساء، وروابط وجمعيات الكتاب والخريجين والصحفيين. وحاز العديد من الكورد الفيلية على الجنسية العراقية بعد ان قدموا طلبات بذلك على ضوء الأصلاحات القانونية ودستور الجمهورية العراقية الأولى الذي ثبّت وللمرة الأولى في تأريخ العراق، ان الوطن العراقي شركة للعرب والكورد ولكل العراقيين، وسط حقد وكره غلاة القوى المحافظة التي كانت تعمل بشكل محموم لأثارة الفتن القومية والنزعات الطائفية والدفع باتجاه حل المطالب بالعنف، في ظل جهاز دولة كان يعجّ بهم ويسعى لتشويه وعرقلة سن وتطبيق القوانين التحررية الجديدة، مستغلاً الثغرات الجدية في قمة السلطة آنذاك، اضافة الى حداثة التجربة، والسعي الأقليمي لوأدها، اضافة للمصالح النفطية . الأمرالذي تسبب بحدوث انقلاب شباط الدموي 1963، الذي اطاح بحكم ثورة 14 تموز وزعيمها المحبوب الشهيد عبد الكريم قاسم، وتسبب في اندلاع مقاومة الأحياء الشعبية دفاعاً عن الحكم الوطني، التي واجهت الأنقلاب وحاولت الحيلولة دون نجاحه. وقد شملت المقاومة في بغدادالعاصمة التي كانت ستقرر مآل الأحداث ؛ الكاظمية، عقد الأكراد الفيلية، الفضل، مدينة الثورة والشاكرية وغيرها، الأمر الذي تسبب بصدامات عنيفة كان اعنفها واطولها زمنياً في عقد الأكراد الفيلية في شارع الكفاح، الأمر الذي اوقع خسائر كبيرة بين الأنقلابيين الذين لم يستطيعوا انهائها الاّ بمذبحة رهيبة بعد قطع الماء والكهرباء عن العقد ومحاصرته تماماً وبعد نفاذ العتاد وانتهاء المقاومة في بقية الأحياء. واذا ما اعتبر البعض ان سبب تلك المقاومة الضارية لكون ان والدة الزعيم كانت فيلية ـ كما انتشر آنذاك بين صفوف الكادحين ـ الاّ ان غالبية المحللين ترى ان ضراوة المقاومة جاءت لتوقّع اوسع الأوساط ان الأنقلاب لم يأتِ الاّ لؤد الحقوق والحريات التي تمتعت بها الشرائح الأجتماعية الفقيرة والقوميات والأقليات القومية والدينية، من شخصيات وتجمعات الأنقلابيين وطبيعة الأنقلاب العسكري وبديله الذي اعلنه، وذلك ماحصل فعلاً كما سيأتي . (يتبع)
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ـ 1 ـ ضحايا جرائم التطهير العرقي، الكورد الفيليون نموذجاً
...
-
الدكتاتور الأسطورة امام العدالة !
-
ملازم جمال ومضيق الموت في شاندري ! 2 من 2
-
ملازم جمال ومضيق الموت في شاندري ! 1 من 2
-
رغد، الرئاسة، مصير القرارات المتخذة والآفاق؟! 2 من 2
-
رغد، الرئاسة، مصير القرارات المتخذة والآفاق؟! 1 من 2
-
محاكمة صدام خطوة حاسمة نحو تحقيق الأمن!
-
من أجل درء خطر الدكتاتورية والحرب الأهلية ! 2 من 2
-
من أجل درء خطر الدكتاتورية والحرب الأهلية ! 1 من 2
-
حول الخصخصة في الحروب 2 من 2
-
حول الخصخصة في الحروب 1 من 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 3
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 1
-
الديمقراطية . . ونزيف الدم ؟
-
كي لايكون العراق غنياً للعالم، فقيراً لأبنائه !
-
لمناسبة عامه السبعين سلامٌ حزب الكادحين !
-
لم ينلْ (الكيمياوي) من شعلة النوروز !
-
المصالحة الوطنية كبديل للدكتاتورية
-
حازم جواد لايتذكّر 2 من 2 الزعامة مهما كان الثمن ؟!
المزيد.....
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
-
مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري
...
-
جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة
...
-
الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
-
السعودية تنفذ حكم الإعدام بحق 3 أشخاص بعد إدانتهم بجرائم -إر
...
-
ماذا سيحدث الآن بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت
...
-
ماذا قال الأعداء والأصدقاء و-الحياديون- في مذكرات اعتقال نتن
...
-
بايدن يدين بشدة مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت
-
رئيس وزراء ايرلندا: اوامر الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين ا
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|