|
يومياتٌ عراقيةٌ - 2
سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:52
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كتابة : باترِك كوكبورْن Patrick Cockburn ترجمة وإعداد: سـعـــدي يــوسـف
من الـمُغري النظر إلى تسليم السلطة من الولايات المتحدة إلى الحكومة العراقية الإنتقالية في الثامن والعشرين من حزيران ، باعتباره كذبةً فاضحةً . القلائل الذين حضروا مراسيم تسليم السيادة قانونياً كان عليهم المرور عبر أربع نقاط تفتيش أميركية . رئيس الوزراء الجديد إياد علاّوي ، اشتغل ســنينَ في خدمة الـMI6 ( البريطاني ) والـCIA ، وهو باقٍ في السلطة بسبب 138 ألف جنديّ أميركي . وزراء الحكومة الجديدة يسكنون داراتٍ فاخرةً داخل منطقة آمنة . والكثير منهم قضى معظم حياته خارج العراق . مثول صدام حسين وزمرة جلاّديه أمام القضاء يتّسِـمُ باصطناعٍ مماثلٍ – لم تخفف منه الرقابة الأميركية التي حذفت مشاهد صدام حسين مغلولاً مع أصحابه الأحد عشر . حاول الرقباءُ حذف ادِّعاء صدام حسين بأن " بوش هو المجرم الحقيقي " فأخفقوا لسبب بسيط هو أنهم يجهلون كيف تعمل الأجهزة الصوتية . لم ينكر الأميركيون حقيقة أنهم يديرون المحاكمة ، وأن المشاهِدين المقصودين ليسوا عراقيين . المراسلون الأجانب الوحيدون الذين سُمِح لهم بالدخول ومتابعة جلسة الإستماع كانوا أميركيين ، كما أن موعد الجلسة رُتِّبَ ليكون مع موعد تلفزيون الفطور الأميركي . لو استطاع جورج بوش التظاهرَ لمدة أربعة شهور بأن العراق كان تحت السيطرة فلسوف يعاد انتخابه . وإن ملأت الكوارثُ العراقيةُ الصفحات الأولى فقد يخســر . في نيسان قُـتِلَ 125 جندياً : البيت الأبيض يريد أن يُظهِـر للناخبين أن الخسائر البشرية في طريقها إلى انخفاض . تعيين علاّوي نفسه هو بحد ذاته دليلٌ على مدى تحوُّلِ الموازين ضد الولايات المتحدة . قبل اثني عشر شهراً كان نائب الملَك ، بول بريمر ، يتحدث بحبورٍ عن الإستمرار في الإحتلال عامينِ مقبلينِ . كان أول ما فعله حين مجيئه إلى العراق حلّ الجيش والأمن . فُكِكَتْ آلةُ الدولة . وبدا أن الحكم الإمبريالي المباشر هو الأنسب للولايات المتحدة . وأُرسلَ الجمهوريون الشبّــان ليحكموا العراق شأنهم شأن النبلاء البريطانيين الشبّــان الذين أُرسِــلوا لينهبوا الهند في القرن الثامن عشـــر . تقدمَ شابٌّ جمهوريّ يبلغ من العمر أربعاً وعشرين سنةً ، إلى البيت الأبيض ، يطلب العمل هناك ، فأُرسِــلَ بدلاً من ذلك إلى العراق ليفتحَ بورصة بغداد . ظلت البورصة مغلقةً . وفي بداية الأمر لم يكن لمنظمة مروَّضةٍ مثل مجلس الحكم سوى دورٍ استشاري . داخل المنطقة الخضراء ، الجيب الأميركي ذي الحراسة المشددة ، في قلب بغداد ، كان بريمر والضباط الأميركيون منقطعين عمّـا كان يجري على الأرض . كان الجنرالون الأميركيون في إيجازاتهم الصحافية يتحدثون عن انخفاض العمليات العدائية . صرتُ أتساءلُ كيف؟ كان هناك بين 15 إلى 16 هجوماً ضد الجنود الأميركيين يومياً ، وبدا لي أنني كنت أشهدُ رُبعَ هذه الهجمات في الأقل وأنا أجوب بغداد . ثم أخبرني الجنود الأميركيون الميدانيون أنهم لم يعودوا يبلغون عن الهجمات إن لم يكن فيها خسائر في الأرواح . إنها مضايقاتٌ مكتبية ، والآمرون يريدون أن يسمعوا أن المقاومة تتلاشـــى . في تشرين ثاني كان من المستحيل إخفاء الأخبار السيئة . كنتُ في موقف السيارات المترب في الفلوجة ، غربيّ بغداد ، حين سمعنا أن طائرة هليكوبتر ضخمة من طراز شينوك قد أُسقِطتْ . انطلقنا عابرينَ جسرَ حديد عتيقاً على الفرات لنشاهد الحطام . وفي طريقنا رأينا سيارةً محترقة كانت أصيبت بصاروخ ؛ المقاولون الأميركيون داخلها كانوا قُـتِـلوا . في الجانب البعيد من الضفة كان المزارعون يتداولون بأيديهم قطعاً معدنية معوجّــة من حطام الهليكوبتر : ستة عشر جندياً قُـتِــلوا . بعد تلك الحادثة بزمن قليل بدأ البيت الأبيض يخطط لتخفيف الحكم الإمبريالي الكامل ، وإقامة حكومة مؤقتة . لقد خلق الأميركيون لأنفسهم مشكلاتٍ غير ضرورية . السياسة العراقية تدور حول العلائق بين الطوائف الرئيسة الثلاث : المسلمين السنّـة العرب ، الشيعة العرب ، والأكراد . بريمر بحلِّـه الجيشَ واضطهاده أعضاء حزب البعث أبعَـدَ السنّـة الذين يشكلون عشرين بالمائة من السكان . كان يمكن للأميركيين الإستغناء عن تأييد السنّــة لو كانوا مستعدين لمنح الشيعة الذين يشكلون ستين بالمائة من السكّـان ، السلطة . أمّـا الأكراد ( 20% من السكان ) فهم في الركن الأميركي منذ الآن . لكن الولايات المتحدة ، لا تريد ، حقّـاً ، أن يشاركها أحدٌ السلطة . بريمر ، وسلطة التحالف المؤقتة ، لم يكن يبدو أنهم يرون قوتهم السياسية تتضاءل شهراً بعد شهرٍ . في نيسان اتخذت الولايات المتحدة قرارَينِ مدمِّــرَينِ قادا في آنٍ إلى مواجهاتٍ مع السنّـة والشيعة . أربعة مقاولين أميركيين للأمن الشخصي كانوا قُـتِـلوا ، وأُحرقتْ جثثهم ، وعُـلِّقت من جسرٍ في الفلوجة . مشاة البحرية طوّقوا البلدة وحاصروها سريعاً . قُـتِلَ ستمائة من أهالي البلدة . وفي وقتٍ غير ملائمٍ تماماً قرر بريمر ملاحقة مقتدى الصدر ، رجل الدين الشابّ الراديكالي الذي استُـشهِـدَ أبوه زمن صدام حسين ، سنة 1999 . مغامرتا بريمر الإثنتان كانتا خائبتين . مشاة البحرية لم يجرؤوا على اقتحام الفلوجة خوفاً من انتفاضة سنّـيةٍ عامّــة . الصدر تراجعَ إلىالمدينتين الشيعيتين المقدستين ، الكوفة والنجف ، لكن الولايات المتحدة لم تستطع إرسال دباباتها إلى العتبات الشيعية المقدسة . وفي الفلوجة والنجف ، كلتيهما ، اضطرَّ الجنود الأميركيون إلى الإنسحاب . كانت السلطة تتسرّب من بين أيدي الولايات المتحدة قبل تسليمها ، اسميّـاً ، إلى علاّوي . بعد عامٍ من إعلان بوش انتهاء العمليات الرئيسة ، صار للمتمردين عاصمتهم في الفلوجة . . في نيسان وقعتُ في كمينٍ نُصِبَ لسيارات صهاريج البترول الأميركية عند أبو غرَيب . لم يُرِد القادة العسكريون الأميركيون الإعترافَ بأنهم فقدوا السيطرة على الطريق فظلوا يرسلون قوافلهم عليه . في أوائل حزيران صار الطريق المؤدي إلى المطار ، القاعدة الأميركية الرئيسة في بغداد ، غير آمنٍ . أربعة حراس أمنٍ كانوا يسكنون طابقين أعلى مني في فندق الحمرا ، قُتِـلوا ، وهم متجهون إلى المطار ، بنيران رجالٍ مسلحين بالرشاشات وقواذف القنابل . غالباً ما كنت أسافر مع دان ويليامز من الواشنطن بوست ، الذي كاد يُقتَــلُ على الطريق بين الفلوجة وأبو غرَيب ، حين هاجمَ سيارتَــه ، مسلّحون في سيارة أخرى ، بصليات كلاشينكوفات قريبة . ولم ينقذه إلا كون سيارته مصفّحةً ، ذات زجاجٍ ضد الرصاص ، واستمرار السيارة في الإنطلاق بالرغم من تعطل إطارَي عجلتيها الخلفيتين . الإنتحاريون ، والسيارات المفخخة ، والهجمات بالصواريخ ، شـلّتْ بغداد . القواعد الأميركية صارت تُحمى بتحصينات أكثر ظهوراً . جسر 14 تموز على نهر دجلة الـمؤدي إلى المنطقة الخضراء أُغلِقَ بأكياس الرمل والأسلاك الشائكة ، وعُـلِّقت لوحةٌ تقول : لا تدخلْ ، وإلاّ أُطلِقَ عليكَ الرصاص . الجنود الأميركيون في بغداد مغرَمون بإطلاق النار ، وحريصون على أن يعرف العراقيون ذلك . على امتداد المدينة ، الشوارع تغلَق ، لتعزل أحياناً أحياءَ كاملةً ، بالكتل الكونكريتية المقصود بها حماية المباني التي تؤوي جنوداً أميركيين ، وأجانبَ ، وشرطة عراقيين ، وموظفين عراقيين . قبل عشرين عاماً ، اعتدتُ أن أغشى المطاعمَ المفتوحة على امتداد شارع أبو نواس ، وأتناول " السمك المسقوف " ، سمك نهر دجلة المشويّ على نار الأعواد . المطاعم تضررت كثيراً ، أيام الحملة الإيمانية لصدام حسين ، التي حظرت تناول الكحول في الأماكن العامة. بعد سقوط صدام كان أصحاب المطاعم يأملون في عودة الزبائن . شارع أبو نواس ، هذه الأيام ، مهجورٌ حتى في عز النهار ، ومستخدَمٌ عادةً من قِـبَل السيارات العسكرية . لا يمكن دخول الشارع إلا من مدخلٍ واحدٍ ، وهناك نقطة تفتيش تتولى حماية فندقَي فلسطين وشيراتون ، الغاصَّينِ ، كليهما ، بالأجانب العارفين أن أبو نواس خطرٌ جداً عليهم . تحدثتُ مع شهاب العبيدي ، صاحب مطعم " شط العرب " على ضفة نهر دجلة . سمكٌ أسودُ يسبح في بُركةٍ مزيّنةٍ بالكاشي الأزرق ( النهر ملوّثٌ الآن ، والأسماك مصدرها المزارع ) . قال شهاب إن العمل ليس جيداً . ثلاثة أرباع الزبائن اعتادوا القدوم في المساء ، أمّـا الآن ، فعليه أن يغلق في الساعة السادسة عصراً ، لأن الليل غير آمنٍ . مرةً ظل المطعم مفتوحاً لأن مائدة كانت عامرةً بأناسٍ يستمتعون بوقتهم ، ويقول شهاب : " وعندما قدمتُ لهم قائمة الحساب ، ضحكوا ، وأخرجوا مسدساتهم ، وشرعوا يطلقون النار نحو السقف ومن خلال النوافذ " ، وأشارَ إلى ثقوب رصاصٍ عدةٍ . الأجانب في بغداد والمدن الأخرى ، جميعاً ، يسكنون المنطقة الخضراء ، أو مناطق خضراء أخرى مماثلة . الكتل الكونكريتية والأسلاك الشائكة والحراس ، تملأ كل مكان ، وفي كل اتجاه . وأنا لم أعد أحمل آلة تصوير في بغداد ، لأن أي شخص يلتقط صوراً فوتوغرافية هو موضع شكٍّ في أنه يقوم بعمل استطلاعٍ من أجل عملية هجومية . أحد أعضاء فريقٍ سينمائي فرنسي حديث الوصول ، متوقفٍ في اختناق مروريٍّ ، التقط صوراً لحاجزٍ كونكريتي ضخمٍ يحمي الشارع المؤدي إلى فندق بغداد الذي هو ، كما يعتقد العراقيون ، مقر الـCIA . الحراس العراقيون اعتقلوا أعضاءَ الفريق فوراً ، وأبقوهم خلف القضبان ليلتين . فندق بغداد قريبٌ من شارع صدّام ، أحد شرايين المدينة الرئيسة . قبل أسابيع قليلة ، ضُـيِّـقَ الشارع من أربعة مسارب إلى مسربين اثنين في القسم القريب من الفندق . والآن ، هناك اختناقٌ مروريّ دائم ، كما أن ثلاثين دكاناً في محيط الفندق مهددةٌ بالإغلاق . قال نديم ( ناظم ؟ ) الحسيني ، وهو جالسٌ خارج دكانه الفارغ: "شُغلي كله انتهى تماماً . في البداية انتهى 30% إلى 40% حين أقاموا الحاجز الكونكريتي ، و انتهى 100% حين أغلقوا الشارع " لِصقَ المكان ، كان الزبائن الدائمون في مقهى زهير طعمة ( لستُ متأكداً من دقّة الإسم _ المترجِم ) ، لا يزالون يأتون ليدخنوا الأرجيلة ويلعبوا الدومنة . يقول الرجل: " أنا ، مثل الأميركيين ، لا أريد أن يقتلني تفجيرٌ . لكن الحل الحقيقي ، هو ، ببساطة ، أن يرحل الأميركيون الذين يسكنون الفندق " . لا الإنتحاريون ، ولا الجيش الأميركي ، معْـنيّـونَ كثيراً بعدد العراقيين الذين يُـقتَــلون . مَـداخل المنطقة الخضراء لا تقدم أي حماية للعراقيين المصطفِّـين للحصول على عمل ، أو لتدقيق هويّـاتهم . وهكذا ، غالباً ما يكونون في دائرة التفجيرات . في السابع عشر من أيّـار ، قتَـلَ انتحاريٌّ ، رئيسَ مجلس الحكم ( مجلس المحكومين ، بتعبيري – المترجِـم ) ، بينما كانت قافلة سياراته تنتظر دخول المنطقة الخضراء . أخبرَني وزيرٌ عراقيٌّ أن السيد سليم كان يمكن له أن يتفادى القتل لو أن الجنود الأميركيين في البوابة لم يؤخروا دخول الموكب بدعوى أن وثائق معينةً لم تكن مستكملةً . ثمّتَ نظريةٌ عراقيةٌ للمؤامرة ترى أن الإنتحاريين الأجانب والولايات المتحدة يعملون معاً لمنع العراقِ استعادةَ استقلاله . الإنتحاريون ، أضرّوا ، نوعاً ما ، بالمقاومة . العراقيون متلهفون إلى عودة أمنٍ . الموسرون ينتابهم خوفٌ عميمٌ من الإختطاف. وخلال العام الماضي صار الإختطاف تجارةً محليةً ، مألوفةً ، حتى لقد أضيفَ مصطلحٌ جديدٌ إلى قاموس اللصوص العراقيين ؛ فالضحيةُ المختطَف صار اسمه : الـطِــلِــي ( يعني الخروف بالدارجة العراقية مع استخفافٍ معيّنٍ – المترجِم ) زرتُ قاسم سبتي ، وهو رسامٌ ونحّـاتٌ يملك معرضه الخاصّ ، لأستفسر منه عن معرضٍ مزمعٍ له عن التعذيب في أبو غرَيب . لكن أول ما تحدّث عنه كان عن الإختطاف . قال : " كثيرٌ من أقاربي اختُطِــفوا . وأخشى أن أكون أنا التالي " . أشار إلى صاحبة معرضٍ آخر كانت دفعت للتوّ مبلغ مائة ألف دولار لاستعادة ابنها . رجل أعمالٍ يعيش في الأردن دفع ستين ألف دولار كي يستردّ صهره . الأطباء هدفٌ مفضّلٌ . عملياتٌ جراحيةٌ تؤجَّل لأن الجرّاحينَ فرّوا من البلاد . مالك مطعم شط العرب المتداعي اختفى هارباً إلى سوريا بعد أن اختُطِفَ ابنه . سألتُ الرائد فاروق محمد ، مساعد آمر قوّة الاختطاف ، عن أفضل السبل لتفادي الاختطاف ، فقال ضاحكاً بين زملائه الضباط : " ســافِـرْ إلى الخارج ! " . الإحساس بالتهديد ليس من نصيب الميسورين فقط . زُمَــرٌ من اللصوص تصعد وتنزل في حافلات شارع الرشيد بوسط المدينة وتسلب الركاب تحت تهديد السلاح أو السلاح الأبيض . علي عبد الجبار سائق حافلةٍ ، سُلِبَ ثلاثاً . قال : " في آخر مرة دخل اللصوص لأن الأبواب يجب أن تُفتَح بسبب الحرّ الشديد . اثنان منهم انتصبا للحراسة في الخلف بينما تحرك الإثنان الآخران في الحافلة مفتشين حقائب الناس ومستولين على النقود والحليّ " . عبد الجبّـار لم يجرؤ على أن يلتفتْ : اعتقدَ أن اللصوص سوف يقتلونه لو عرفوا أنه تعرّف عليهم . لم يذهب أحدٌ إلى الشرطة . " لم يناقش الركابُ الأمر حتى بين أنفسهم ، لأن هذا جزءٌ من الحياة اليومية في بغداد " . معظمهم ظنوا أنه متفقٌ مع العصابة . الكوارثُ والنتائج ــــــــ بعد كوارث العام الماضي صار الأميركيون يعرفون أنهم لا يستطيعون احتلال العراق ، حتى للمدى القصير ، بدون دعمٍ من حلفاء محليين . المشكلة هي أن معظم العراقيين يريدون من علاوي والحكومة الإنتقالية الخلاص من الإنتحاريين والخاطفين – وكذلك من الإحتلال الأميركي . لكن الولايات المتحدة لم تُبْـدِ أي إشارةٍ إلى أنها تخلّت عن خطّـتها في إبقاء العراق دولةً دائرةً في فلكها . سيكون لهذه الدولة جيشٌ ضعيفٌ ، مكرّسٌ بالكامل ضد التمرّد . لن يكون للعراق دبابات ، أو طيران ، أو صواريخ ، أو مدفعية ، ولسوف يشبه أحد بلدان أميركا اللاتينية في الستينيات ، بجيش وشرطة تتحكم فيهما واشنطن . كانت هذه هي الرسالة التي جاء بها بول وولفوفيتز حين ظهر فجأةً في بغداد ، شهر حزيران ، برفقة كيفن تبِّتْ ، نائب السكرتير الدائم في وزارة الدفاع- تماماً ، قُبَـيلَ تسليم السلطة . الولايات المتحدة سوف تسمح للعراق بالتسلُّح ، شريطةَ أن يكون ذلك ضد شعبه . كانت الزيارة تتّـسـِمُ بالتكتُّـم . تجنّب وولفوفيتز وحاشيته الأبنيةَ العالية . حين زار المدينة قبل تسعة أشهرٍ أقامَ في فندق الرشيد ، وهو مبنىً عالٍ يحتلّ السماء . أفسدَ المقاوِمون على وولفوفيتز نومه بإطلاقهم عدة صواريخ على الطوابق العليا ، فقتلوا عقيداً أميركياً ، وجعلوا وولفوفيتز يهرول هابطاً السلّــمَ إلى زاويةٍ آمنةٍ . ( بالرغم من هذا كتب مزوِّرون أميركيون يرافقونه أن أوضاع الإحتلال تتحسّـن ، وأن قوى المقاومة تتراجع ) . إنْ كان علاّوي يريد البقاء فعليه أن يقْـنِعَ العراقيين بأنه ليس دُمْــيةً أميركيةً . كما أن عليه أيضاً أن يقْنع الولايات المتحدة بالإنسحاب خلال سنةٍ ، بالرغم من أنه ، في الوقت الحاضر على الأقل ، معتمدٌ اعتماداً كاملاً على الجيش الأميركي . الصعوبة التي سيواجهها في الحالَينِ اتّضحتْ أوائل هذا الشهر ( تموز ) حين أعلن الناطقُ باسمه أن المقاوِمين الذين حاربوا الأميركيين قبل نقل السلطة يسري عليهم العفو العام لأن ما فعلوه يندرج تحت إطار المقاومة المشروعة . عضوٌ كرديٌّ في الحكومة ، معروفٌ بعلائقه الأميركية الوثيقة ، وجدَ الأمرَ شنيعاً . في الوقت نفسه ، يتفاوض علاّوي لإصدار عفوٍ عن الصدر ( مقتدى ) ، الزعيم الشيعي ، الذي كانت الولايات المتحدة تحاول قبل أسابيع قليلة ، القبضَ عليه أو قتله . الصراع على العراق ، هو في بدايته فقط . الشيعة يريدون انتخاباتٍ وسلطةً حقيقيةً . السنّـة يريدون خروجَ الولايات المتحدة ، ولن يرضوا بالتهميش . الأكراد يريدون حكماً ذاتياً أوسعَ مما يمكن للعراقيين العرب تقديمه : واقعُ الأمر أنهم يريدون وضعاً أقربَ إلى الإستقلال . الإسلاميون يرون أن الولايات المتحدة قابلةٌ لأن تُهزَم في العراق ، مثل الإتحاد السوفييتي في أفغانستان . والمقاوِمون الوطنيون لن يتوقفوا عن قتل الجنود الأميركيين . لكن الأهمّ من ذلك كله ، هو أن الولايات المتحدة ليست مقتنعةً حتى الآن بأنها خسرت مقامرتَـها الكبرى في السيطرة على العراق ، البلد الذي صيّــرتْــه اختباراً لقوّتها باعتبارها السيد الإمبريالي الأوحد في العالم . ــــــــــــ * كتب باترِك كوكبورن المادة بتاريخ 5/7/2004 ، ونُشِرت في مجلة لندن للكتاب London Review of Books - 22 July 2004
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربـةٌ ناقـصـةٌ
-
- أبو غْـرَيب - تحتَ ضوءٍ فرُويديّ
-
زيارةُ سِـيـجمـونـد فْـرُويد Sigmond Freud
-
لا جُـنـاحَ عليكَ
-
زاويةٌ لـلـنـظــر
-
الأســماء
-
طريقُ الشِّـهابِ ، وصالح بِـشْـتـاوه
-
دمٌ فاســـدٌ
-
ثلاثةُ وجوهٍ منتفخةٍ غباءً
-
كــمْ عدَنٍ ســوف ننســـى !
-
الـمـتَـرَحِّـــلون
-
ســاعاتُ جان جِـيْـنَـيه الأخيرة
-
فَـراشاتُ الأنْــدِيز
-
كلامٌ غيرُ مسؤولٍ …
-
الجرذان تغادِرُ السفينةَ …
-
عطلة الـمصارف
-
غلامٌ سـعوديٌّ رئيساً لأرضِ السّوادِ
-
بيـــن مَــوتَـينِ سلافو جيجيك يكتب عن أبو غْرَيب
-
الليلةَ ، أُقَـــلِّـــدُ بازولــيني
-
لا تقتلوا الشهرستاني !
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|