عمر قشاش
الحوار المتمدن-العدد: 899 - 2004 / 7 / 19 - 06:22
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
- ينبغي البحث لحل الأزمة عن طريق الإصلاح الاقتصادي وإعادة النظر, بمفهوم الدخل الوطني وتوزيعه على الشعب .
- الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات الديمقراطية للشعب هو طريق الإصلاح العام.
- تتحدث الصحافة السورية منذ أكثر من شهرين, عن أن هناك نية وتوجه لدى الدولة من أجل دراسة مشروع قانون جديد للتقاعد المبكر الإلزامي, ويشمل عدداً منها من فئات العاملين لدى قطاع الدولة (فئة المهن الشاقة والخطرة, وفئات أخرى) وقد كلفت الوزارة لجنة خاصة لدراسة مبدأ التقاعد المبكر الإلزامي وتعويض الدفعة الواحدة للعامل كحل لأزمة البطالة في سورية كما تراها الدولة.
وقد أثار هذا الموضوع تساؤلات ومخاوف لدى العمال عن مصيرهم ومستقبلهم, حيث أن المبلغ الذي سيحصل عليه العمال من تعويض الدفعة الواحدة, لا يمكنهم من إقامة مشروع استثماري يؤمن لهم فائدة شهرية تكفيهم لسد حاجاتهم المعاشية المتزايدة.
وبالنتيجة سينفقون هذا المبلغ بعد فترة من الزمن, ويصبحون بلا عمل, وسينضمون إلى جيش العاطلين عن العمل وسيزيد في تفاقم أزمة البطالة التي يعاني منها النظام السياسي.
إن هذا الأمر سيضع أمام الدولة مهام الدور الاجتماعي ملزماً أن تقوم به, لتأمين حياة حرة وكريمة لمواطنيها.
إن مشكلة البطالة وطرق معالجتها مسألة كبيرة جداً لا يجوز الاستهتار بها ومن الخطأ التفكير بأن اللجوء لمؤسسة التأمينات الاجتماعية لإيجاد حل عن طريق إصدار قانون جديد للتقاعد المبكر, وذلك بتعديل سن التقاعد لبعض فئات من العمال خاصة عمال قطاع الدولة, وإلزامهم بالاستقالة ودفع استحقاقاتهم المالية وذلك كإجراء جزئي , يسهم في تأمين فرص عمل لجيل الشباب.
إن تبرير الدولة في البحث عن مثل هذا الحل الجزئي لمعالجة أزمة البطالة المتفاقمة في البلاد, بداعي أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية, الحكومة, أنها سوف تكون غير قادرة على تلبية استحقاقات العمال الذين سيحالون على التقاعد بعد فترة لأن وارداتها تغطي نفقاتها المالية الآن, ذلك أن نفقات المؤسسة قد ازدادت بين عامي /2001ـ2002/ فقط ملياراً وعشرين مليون ليرة هذا مع العلم أن عدد المتقاعدين لغاية /2003/ هو /140 / ألف يتقاضون /560/ مليون ليرة شهرياً, وهذا الرقم سيزداد سنوياً بسبب المزايا التي حصل عليها العمال بموجب القانون /78/ لعام 2001.
إن هذا الادعاء غير صحيح, ذلك لأن المؤسسة لديها واردات سنوية تزيد عن نفقاتها بالمليارات, ومثال على ذلك, كان دخل مؤسسة التأمينات الاجتماعية عام /2002/ 11,427442000/ مليار ليرة سورية .
وأن مجموع نفقات التقاعد وإصابات العمل هي /5,658, 620000/ مليارات والوفر هو /6,549/ مليار ليرة سورية.
هذا مع العلم أن المؤسسة لديها أموال ديون مقدارها /52/ مليار ليرة منها /25/ مليار استولت عليها الدولة وحولتها لصندوق الدين العام وقد تراكم هذا المبلغ خلال سنوات بدون أن تدفع الدولة فائدة عليها خلافاً للقانون .
ولذلك يجب على الدولة أن تدفع كامل استحقاقاتها من الفائدة المترتبة عليها لمؤسسة التأمينات الاجتماعية, وتقدر بمليارات الليرات السورية.
ومما يؤسف له أن لمؤسسة التأمينات الاجتماعية ديون أخرى متراكمة /27/ مليار ليرة سورية على معامل ومؤسسات شركات القطاع العام وينبغي على الدولة كرب عمل إلزام هذه المؤسسات أن تسدد الديون المترتبة عليها مع فوائدها, لأن هذه الأموال تعود للعمال أصلاً وقد اقتطعت من رواتبهم وأجورهم, وعلى الحكومة أن تضمن وتتعهد تسديد هذا الدين للتأمينات الاجتماعية.
إن الخطأ الذي ارتكب في الأصل هو في استيلاء الدولة على أموال التأمينات الاجتماعية وحرمانها من استثمار أموالها خلال عشرات السنين. إن واجب الحكومة أن تدعم مؤسسة التأمينات وأن ترصد لها في ميزانيتها كمساعدة من اجل تعزيز قدرتها المالية واستثمار أموالها بمشاريع رابحة, من أجل تطوير عملها ونشاطاتها وخدماتها للعمال كتشجيع لهم في انتسابهم للمؤسسة.
إن العمل من اجل التكافل الاجتماعي ينبغي أن يكون في مقدمة واجبات الحكومة لأن من أسس المجتمع المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان وحريته وحقه في العمل والضمان الاجتماعي.
وقد صدر أخيراً القانون /78/ تاريخ 30/12/2001 المعدل لقانون التأمينات الاجتماعية, أعطى المؤسسة الحق في استثمار 50% من فائض أموالها في مجالات تضمن ريعيه استثمارية و50% يحول إلى صندوق الدين العام, على أن تدفع الدولة فائدة سنوياً تحدد بقرار من مجلس الوزراء.
الطريق الأفضل والصحيح لمعالجة مشكلة البطالة يكمن في تطوير الاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص .
إن إصلاح وضع قطاع الدولة, وتشجيع القطاع الخاص ومساعدته وتقديم التسهيلات له, وبناء مشاريع صناعية جديدة وجلب أحدث التكنولوجيا, لتعزيز البنية التحتية وزيادة إنتاجية العمل والربح,
كما يوجد لدى الدولة مبالغ كبيرة مجمدة, لم يجر الاستفادة منها في مجال التصنيع, ويمكن إقامة عشرات بل مئات المؤسسات والمعامل من قبل الدولة, ومن قبل القطاع الخاص, ويمكن أيضاً إقامة مؤسسات مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص.
إن مسؤوليات الدولة كبيرة تجاه المجتمع في العمل والسعي المتواصل في كل الميادين, لتأمين حاجات ومتطلبات المجتمع, ومن ضمنها تأمين فرص عمل للمواطنين.
في النظام الرأسمالي البطالة هي قانون موضوعي نتيجة التطور التقني, والتكنولوجي السريع والمستمر الذي أدى إلى تغيير التركيب العضوي في الصناعة والزراعة, وإلى الاستغناء عن قسم من العمل العضلي والذهني, فأزمة البطالة مستمرة ويزداد حجم العاطلين عن العمل سنة بعد أخرى..
ويقدر عدد العاطلين في البلدان الرأسمالية المتطورة /45/ مليون عامل وشغيل, لكن هناك يوجد قوانين للضمان الاجتماعي وللعاطلين عن العمل, يتقاضى العاطل عن العمل راتب حد أدنى لتأمين حياته المعاشية, ويستمر حتى يحصل على العمل.
إن هذه الضمانات الاجتماعية تحققت بفعل نضال العمال ونقاباتهم ودعم وتأييد الأحزاب الشيوعية والاشتراكية.
إن صناديق الضمان الاجتماعي في أوروبا غنية جداً, ولديها مئات المليارات في البنوك وفي مؤسسات استثمارية, وبالإضافة إلى ذلك تقدم الدولة مساعدات مالية سنوياً لدعم صناديق الضمان الاجتماعي.
إن معالجة البطالة يتطلب من الدولة وضع برنامج للتنمية الاقتصادية في المجال الصناعي والتجاري والزراعي, والسعي لتوفير المال لتنفيذ هذا المشروع, وذلك بالاعتماد على موارد الدولة وبالتعاون مع القطاع الخاص, وتقديم التسهيلات والضمانات له.
ومنذ فترة شعرت الحكومة بخطورة قضية البطالة وحجمها الذي أخذت تتفاقم وتنذر بكوارث اجتماعية, وبدأت تبحث وتفكر بإيجاد حل لهذه المشكلة, ولجأت إلى حل جزئي بإصدار القانون رقم /71/ بتاريخ 8/ 12/ 2002, القاضي بإحداث الهيئة العامة للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة, ورصدت لها مليارات الليرات السورية, وأنفقت مبالغ كبيرة, ورغم أن هذا البرنامج حقق بعض النجاحات الجزئية في تأمين فرص عمل لبعض المحتاجين, ورغم مضي سنتين حتى الآن لا تزال الصعوبات والعثرات قائمة, كما أن الحكومة لم تستطع تشغيل العدد الكافي من (العاطلين عن العمل).
إن أحد أهداف الحكومة من مشروع التقاعد المبكر الذي طرحته للمناقشة هو توفير فرص عمل لـ (200 -250) ألف عامل بدلاً من العمال الذين ينطبق عليهم مبدأ التقاعد المبكر, ويقترح البعض أن يطبق مبدأ التقاعد المبكر على من تجاوز ت خدماتهم /30/ سنة, لأن القانون يعطيهم حق الاستفادة من 75% من رواتبهم.
وترى مصادر مطلعة أن إعطاء راتب بطالة هو أقل كلفة حالياً من اعتماد التقاعد المبكر, ويمكن أن تدفع الحكومة لهم راتب مابين /2500/ ليرة للجامعي, و /2000/ ليرة لحملة البكالوريا, ريثما تجد لهم عملاً.
إن مثل هذا التدبير موجود في قانون التأمينات الاجتماعية وإن معظم دول العالم ومنها الدول العربية مثل تونس والجزائر ومصر تدفع تأمين بطالة للعمال الذين لا عمل لهم في مؤسسات الدولة أو لدى القطاع الخاص, ومن المفيد أن تدرس الدولة إمكانية دفع تأمين بطالة للعمالة الفائضة, لأن الدولة عملياً تدفع بالأساس رواتب وأجور لهذه العمالة في المؤسسات والمعامل دون أن تستفيد منها, ومن الرجوع لقانون التأمينات الاجتماعية رقم/92/ لعام 1959, حيث نصت المادة الثالثة على ما يلي:
على وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن يتخذ الإجراءات التي تكفل تطبيق التأمين الصحي خلال سنة, وتأمين البطالة خلال ثلاث سنوات.
وقد أدى هذا التدبير إلى تدني مستوى الأجور والرواتب وإلى انخفاض إنتاجية العمل, وإلى نزيف الخبرات الفنية, والكفاءات من قطاع الدولة, وانتقالها إلى القطاع الخاص حيث الرواتب لديه أعلى, دون أن تستطيع الدولة تأمين خبرات فنية كفوءة بديلة .
إن البطالة المقنعة أو الفائضة في مؤسسات الدولة ترهق بنفقاتها قطاع الدولة, وتزيد تكاليف الإنتاج وتؤدي إلى خسائر.
ويرى البعض أن الدولة تتحمل نفقات العمالة الفائضة في القطاع العام, وتتحمل خسائره, فالأفضل لصالح الاقتصاد الوطني تعديل قانون التأمينات الاجتماعية, وأن تتولى مؤسسة للتأمينات الاجتماعية دفع نفقات التأمين للعاطلين عن العمل, أو أن تدرس الحكومة مشروع قانون لتأمين راتب محدد للعاطلين عن العمل .
إن احد مظاهر أزمة البطالة التي تجلت مؤخراً ناتجة عن الصعوبات التي يعانيها قطاع الدولة ومؤسساته وخسارة بعضها نتيجة الفساد والإفساد, وضعف الإدارة, وعجز الدولة عن إصلاحه وجعله في حالة صحية جيدة, ولجوء الحكومة مؤخراً إلى دمج بعض الشركات, الأمر الذي أدى إلى ظهور آلاف العمال كفائض عن الحاجة لا عمل لهم.
لذلك ليس صحيحاً أن التقاعد المبكر سيسهم في تخفيف هذه البطالة بل العكس, سوف يعمق الأزمة لأن معظم العاملين لدى قطاع الدولة يبحثون عن عمل إضافي لدى القطاع الخاص, لأن راتبهم الضعيف لا يكفي لسد متطلبات الحياة المعيشية لهم ـ والدولة لا تبحث وليس لديها إمكانية لتأمين عمل ودخل إضافي للعامل المتقاعد, بل يزداد الوضع المأزوم تعقيداً.
لا شك أن العمال بصورة عامة الذين عملوا ولا يزالون سنوات طويلة لدى معامل ومؤسسات الدولة, أو لدى القطاع الخاص وخاصة لدى معامل ومؤسسات الدولة, أو لدى القطاع الخاص وخاصة العمال اللذين يعملون في ظروف صعبة أو أعمال شاقة وخطرة على الصحة محددة في قانون التأمينات الاجتماعية, يستحقون أن ينصفوا وتقدم لهم المساعدة في التخفيف من مشقتهم ومعاناتهم, وتخفيض ساعات عملهم المحددة قانوناً من /7/ إلى /6/ ساعات في اليوم وجعل أجازاتهم السنوية شهراً بدلاً من أسبوعين .
ونحن نطرح السؤال التالي:
لماذا أثير موضوع التقاعد المبكر, والتمهل في تطبيق تقاعد المهن الشاقة والخطرة في هذا الظرف ؟
إن قانون التأمينات الاجتماعية والقرارات والمراسيم المنفذة له واضحة وصريحة, وقد حدد للعمال طريق التعامل بحرية مع القانون, فالعامل المشترك بالتأمينات يستطيع سحب تأميناته ضمن شروط وزمن محدد, وله الحق أن يستمر بالاشتراك حتى زمن وسن محددة,يستحق بعدها راتباً تقاعدياً حسب أحكام القانون.
ويبدو أنه توجد تمثيلية يخطط لها لتمر تحت ما يسمى مشروع التقاعد المبكر, أحد أهدافها التخلص من قسم من عمال معامل وشركات قطاع الدولة, ويقف وراءها البرجوازية البيروقراطية الفاسدة في الدولة المتحالفة مع برجوازية المرحلة التي نمت وترعرعت في أحضان النظام الحالي وأصبح بعضها يملك المليارات من الليرات السورية.
ولا يستبعد أن يكون هذا المخطط ضمن مشروع خصخصة بعض المعامل والمؤسسات الخاسرة أو المخسرة, ليكون الرأسمالي الذي يشتري هذا المعمل أو ذاك, متحرراً من التزاماته القانونية تجاه العمال.
إن الأزمة التي ظهرت مؤخراً وتجلت في البطالة المستفحلة, هي أزمة مركبة, وهي جزء من الأزمة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها سورية, ولا تحل عن طريق اللجوء إلى الاستفادة من التأمينات الاجتماعية, وإصدار قانون أو مرسوم للتقاعد المبكر لتوفير فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل, فالمسألة أكبر من مثل هذه الحلول الجزئية.
هذا مع العلم أنه يدخل إلى سوق العمل في سورية من /200ـ250/ ألف عامل سنوياً.
إن الحل الصحيح والعلمي لمعالجة أسباب الأزمة العامة التي أوصلت النظام إلى هذا المأزق هو في السياسة.
إن إصلاح وضع قطاع الدولة وجعله في حالة صحية جيدة, وفعال والسعي لإقامة مشاريع إنمائية في قطاعي الدولة والقطاع الخاص لتعزيز المقدرة الاقتصادية للبلاد, وزيادة الرواتب والأجور للشغيلة وتحسين المستوى المعاشي لهم, ومحاربة الفساد والمفسدين, وإعادة النظر بمفهوم الدخل الوطني وتوزيعه وإعادة النظر ببعض القرارات والمراسيم التي أصدرتها الدولة وأعطت بموجبها امتيازات لبعض المواطنين يحققون دخلاً سنوياً يعادل مليارات الليرات السورية ويساوي دخل عشرات الألوف من العمال والموظفين.
إن الدولة هي أحق بهذه الامتيازات العامة والمشاريع, لأن هذه الأرباح تعود بالفائدة بصورة عامة على الخدمات العامة للشعب.
إن معالجة الأزمة العامة ومنها أزمة البطالة, يبدأ بالسياسة وذلك بإطلاق الحريات الديمقراطية للشعب, ووقف العمل بقانون الطوارئ, وإصدار قانون ديمقراطي للأحزاب وقانون ديمقراطي للصحافة, والإفراج عن المعتقلين السياسيين, معتقلي الرأي, إن تحقيق هذه المطالب والاستحقاقات هو في مصلحة الوطن ويساهم في تعزيز الوحدة الوطنية للتصدي لأهداف الإمبريالية الأمريكية والصهيونية ضد شعبنا ووطننا .
#عمر_قشاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟