|
مفاوضات صديقة للاستيطان!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 15:59
المحور:
القضية الفلسطينية
لولا "الاستيطان" لحلَّ "السلام"، فالطريق إلى السلام، والتي هي المفاوضات، المباشِرة وغير المباشِرة، كان ممكناً أن تكون سالكة وقصيرة لو التزمت إسرائيل الوقف التام لنشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية، ولا سيما في القدس الشرقية.
في هذا القول، أو الحُكْم، شيء من الحقيقة؛ ولكنَّ "تضخيم" ما ينطوي عليه من حقيقة (وهو تضخيم مُغْرِض) يَبُثُّ ويَنْشُر مزيداً من الأوهام السياسية.
إنَّها تجربة 16 سنة من المفاوضات المباشِرة (بين إسرائيل والفلسطينيين) ومن الاستيطان الموازي لها؛ فهل أتت هذه التجربة بما يقيم الدليل على أنَّ الاستيطان (لجهة وجوده واستمراره ونموِّه) كان العقبة التي تَمْنَع بدء، أو استئناف، أو استمرار، المفاوضات المباشِرة بين الطرفين؟!
التجربة نفسها إنَّما أقامت الدليل على أنَّ الاستيطان والتفاوض "متصالحان" أكثر من كونهما "متضادين"، فإنَّ مزيداً من التفاوض كان يأتي بمزيدٍ من الاستيطان، وإنَّ مزيداً من الاستيطان كان يأتي بمزيدٍ من التفاوض، فلا الاستيطان مَنَع التفاوض، ولا التفاوض مَنَع الاستيطان!
وأحسبُ أنَّني لا أجافي، ولا أُجانِب، حقيقةً موضوعية، إذا ما قُلْت "لولا المفاوضات لَمَا عمَّ وازدهر الاستيطان"، فالمفاوضات (أكانت مباشِرة أم غير مباشِرة) هي، على ما أثبتت وأكَّدت التجربة، المناخ الذي فيه يزدهر الاستيطان؛ أمَّا التعليل أو التفسير فهو افتقار تلك المفاوضات لمنطق ولمقوِّمات المفاوضات "الحقيقية"، التي لن تكون كذلك، أي لن تكون "حقيقية"، إذا لم يتسلَّح فيها المفاوِض الفلسطيني (والعربي) بفنَّي "الإقناع" و"الإكراه" معاً.
وحتى لا يُساء فهم أوجه العلاقة بين "الاستيطان" و"المفاوضات"، التي هي في "حقيقتها الفلسطينية (والعربية)" تشبه "المفاوضات" شكلاً، وتخالفها حتى التضاد، محتوى، أقول توضيحاً إنَّ الاستيطان لم يزدهر "في أثناء" المفاوضات فحسب، وإنَّما "بفضلها"، و"بسببها"، فلو نطقت القيادة الفلسطينية بالحقيقة، أي بحقيقة أنَّ التفاوض مع إسرائيل "الآن" يضر ولا ينفع (فلسطينياً) لأنَّ الفلسطينيين والعرب لم يستوفوا بعد شروط الدخول في "مفاوضات حقيقية" مع عدوهم القومي، لحرَّرت شعبها من أوهام، ينبغي له التحرُّر منها قبل، ومن أجل، التحرُّر من الاحتلال الإسرائيلي، ولساهمت، بالتالي، في التأسيس لحالٍ من المقاوَمة الشعبية القومية، التي في مناخها يغدو ازدهار الاستيطان من الصعوبة، أو الاستعصاء، بمكان.
في السياسة، التي لأصحابها مصلحة "حقيقية" في بثِّ الأوهام، وبَسْط سلطانها على أبصار وبصائر الفلسطينيين، يمكن ويجب القول بالمفاوضات (التي فيها وبها يتأكَّد أنَّ إسرائيل تُفاوِض الفلسطينيين وكأنَّها تُحاوِر نفسها ليس إلاَّ) طريقاً (وطريقاً وحيدةً) إلى السلام؛ أمَّا في السياسة المضادة، التي حان لها أن تَخْرُج من رحم 16 سنة من المفاوضات المباشِرة، فلا بدَّ من الإقرار بحقيقة أنَّ المفاوضات هي الطريق (والطريق الأقصر) إلى مزيدٍ من الاستيطان.
العقبة الحقيقية، في طريق "المفاوضات المباشِرة"، وفي طريق "المفاوضات غير المباشِرة"، لا تكمن، على ما أرى، في "الاستيطان ذاته"، وإنَّما في هذا الاستمساك الإسرائيلي، الرسمي أو الإعلامي، بمبدأ "إعلان وكشف وفضح" كل نشاط استيطاني جديد، وكأنَّ الغاية (الإسرائيلية) هي جَعْل "المفاوِض الفلسطيني" يُسْرِع في العدول عن طريق المفاوضات التي سار فيها، أو عاود السير فيها، أو همَّ بمعاودة السير فيها، بعد معاناة، تشبه المخاض العسير.
وحكومة نتنياهو على وجه الخصوص تَفْهَم الاستيطان "السرِّي"، غير المُعْلَن، والبعيد عن الأضواء الإعلامية، على أنَّه شيء لا يمت بصلة إلى الاستيطان الذي تريد، أي الاستيطان الذي يستفزُّ مشاعر "المفاوِض الفلسطيني" بما يكفي لإكراهه على كشف "أوراقه"، التي بكشفه لها إنَّما يكشف ما يعانيه من ضعف تفاوضي، يكفي أن يعتري أي مفاوِض حتى يَفْقِد صفة المفاوِض.
تلك الحكومة كان في مقدورها، لو كان لديها ما تعطيه بما يفي بالغرض الذي من أجله أُريد للمفاوضات غير المباشِرة أن تكون، أن تستعين على قضاء حوائجها بالكتمان، فتُقرِّر، وتُنفِّذ، سِرَّاً، وبعيداً عن الأضواء الإعلامية، بناء نحو 1600 منزل للمستوطنين في القدس الشرقية، فالاستيطان بصفة كونه "عقبة في طريق المفاوضات" إنَّما هو "الاستيطان المُعْلَن على رؤوس الأشهاد"، فالاستيطان "الموجود" هو الذي تُعْلِن إسرائيل وجوده، وتعترف الحكومة الإسرائيلية بوجوده؛ و"غير الموجود" هو "غير المُعْلَن"، والذي تُنْكِر الحكومة الإسرائيلية وجوده!
وهذا إنَّما يؤكِّد أنَّ "الاستيطان المُعْلَن"، ولو أصبح حقيقة واقعة بعد سنوات عدة، هو ما تحتاج إليه حكومة نتنياهو أكثر من أيِّ شيء آخر.
لوسُئِل "المفاوِض الفلسطيني" لماذا رفض الذهاب إلى مفاوضات مباشِرة مع حكومة نتنياهو لأجاب قائلاً "لأنَّها قرَّرت الاستمرار في شيء من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية مع تحرير نشاطها الاستيطاني في القدس الشرقية من كل قيد". وهذا السبب هو نفسه السبب الذي حَمَلَه على أن يَقْبَل (على مضض) أربعة أشهر (لا غير) من المفاوضات غير المباشِرة، أي من المفاوضات التي لا يتعارَض بدؤها، أو استمرارها، مع أيِّ إعلان إسرائيلي يُظْهِر عزم حكومة نتنياهو على المضي قُدُماً في نشاطها الاستيطاني في القدس الشرقية.
الاستيطان، لجهة استمراره، هو الشيء المشترَك بين "قبل" المفاوضات، و"في أثنائها"، و"بعدها"؛ فَلِمَ لا تقرِّر القيادة الفلسطينية، ومعها الدول العربية، أنْ تجرى "المفاوضات غير المباشِرة" وكأنْ لا وجود لشيء يسمَّى "عقبة الاستيطان"، على أنْ تنتهي مهلة الأربعة أشهر بقول (فلسطيني وعربي) فَصْل، فإنَّ أربعة أشهر من مفاوضات غير مباشِرة، ومِمَّا يوازيها من استيطان، يمكن ويجب أن تكون كافية لاختبار أهلية الوسيط ميتشل لجَعْل الطرفين متَّفقين على حلول مبدئية للمشكلات الكبرى، وفي مقدَّمها مشكلة الحدود، فإذا نجح في ذلك، انتقل الطرفان إلى مفاوضات مباشِرة، تنتهي بعد سنتين (على الأكثر) إلى اتفاق على حلٍّ نهائي للنزاع؛ أمَّا إذا فشل فلا يبقى لدى القيادة الفلسطينية، والدول العربية، من عذر للامتناع عن إعلان نهاية خيار "الحل عبر التفاوض".
إنَّ "القوَّة"، في تعريفها الفلسطيني الآني، هي أن تنتهي المفاضلة بين المفاوضات العبثية وبين عواقب وتبعات نبذها إلى تفضيل هذه العواقب والتبعات على تلك المفاوضات.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-أزمة الفهم والتفسير- في عالَم السياسة!
-
متى تتحرَّر المرأة من -يوم المرأة العالمي-؟!
-
-فساد الانتخابات- يكمن في -فساد الدَّافِع الانتخابي-!
-
موعدنا الجديد في تموز المقبل!
-
فتوى الشيخ البراك!
-
الحاسَّة الصحافية
-
بيان اليأس!
-
قانون -ولكن-!
-
المواقع الأثرية اليهودية.. قائمة تطول!
-
حَلٌّ يقوم على -تصغير الضفة وتكبير القطاع-!
-
حكومات مرعوبة تَلِدُ إعلاماً مرعوباً!
-
-تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!
-
صناعة التوريط في قضايا فساد!
-
-فالنتياين-.. عيدٌ للتُّجار أم للعشَّاق؟!
-
الأمين العام!
-
عصبية -الدَّاليْن-!
-
مجتمعٌ يُعسِّر الزواج ويُيسِّر الطلاق!
-
العدوُّ الإيراني!
-
-التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
-
قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|