|
هل ينتحر صدام ؟؟
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 898 - 2004 / 7 / 18 - 08:19
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
تعتري الحيرة بعض من لايعرف الواقع المرير في العراق من عدم معرفة اسباب تشبث الدكتاتور العراقي بالحياة ، بعد الهزائم والأنكسارات والفشل المرير الذي لحقه في السياسة وبناء الشخصية القيادية العروبية والعراقية أو سلوك القادة الذين يذكرهم التاريخ بعز وشرف ومجد ، وحتى في قيادته لأسرته وأهله التي تميزت بالفشل الذريع والتفكيك المريع . والبعيدين عن معرفة الحقائق في الشأن العراقي لم يتعرفوا لحد الان أسباب عشق صدام للحياة ومحاولته تعويض مالم يستطع ان يحصل عليه في حياته ونشأته الأولى ، ولكن عن طريق سلوك الطريق غير السوي والصحيح وغير السليم وعلى حساب الام ودماء الناس في العراق ومستقبلهم ، وحتى أضاع على الأجيال العراقية فرصة الحياة الطبيعية واللحاق بركب المدنية من خلال انانيته ونزواته الشخصية ورغبات العائلة المريضة . ويخطيء من يظن أن الطاغية العراقي يملك جزء ولو صغير مما يمتلكه الرجال من الشجاعة أو الشهامة ، أو أن الرجل قادر على أتخاذ مواقف تتخذها الرجال في أيام المحنة ، فالرجل يفصل مواقفه من خلال مصالحه الآنية والعائلية والذاتية ورغباته الكامنة المريضة التي ابتلي بها اهل العراق ، ولايمكن له أن يفكر أو يعتقد أن حياة الأنسان محدودة ومقدرة ، فهو يعتقد بما أمتلك من وسائل يستطيع أن يمد بحياته ويحمي عمره ليطول به الأمد لأستغلال مايمكن أستغلاله من البشر والمال ، وتوفير كل الأسباب والوسائل التي تحميه وبنفس الوقت ترد أعداءه عنه ، والأعداء في العرف الصدامي هم الشعب العراقي . وفي مقدمة لافتة للنظر كتبها الأستاذ مهدي دخل الله رئيس تحرير صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم في سورية متسائلاً حول أسباب عدم لجوء صدام حسين على الانتحار اسوة بمصير «قادة ورؤساء وزعماء»، شكلوا «أمثلة كثيرة قدمها التاريخ القديم والحديث حيث كان الموت أخف وطأً من المهانة»والتي نشرتها (( ايلاف )) . (( وفي اشارة منه الى الفصول التي نقلتها محطات التلفزة من جلسات محاكمة صدام حسين قال دخل الله: «عندما يعييك فهم الحاضر فلا بأس في العودة إلى الماضي بعيده وقريبه تبحث في كتابه عن حوادث وتجارب وتساعدك المقارنة على تفسير أمور قد تراها صعبة التفسير»، واضاف: «لعل الكثيرين شعروا، هذه الأيام، بضرورة استحضار مصير قادة ورؤساء وزعماء وتفحص الطريقة التي تعاملوا بها مع ذواتهم عندما انتهت مشاريعهم بنكسة تاريخية كبرى». وقال دخل الله ان «الحديث هنا يقتصر على الناحية السيكولوجية للشخص المعني أما المضمون الفكري أو السياسي للمشروع فليس مهماً في هذه العجالة مادام الإنسان يقابل مصيره في النهاية وحيداً، سواء كان مشروعه جيداً أم لم يكن كذلك، وسواء كان المعني شخصاً عادياً أم مسؤولاً كبيرا». وضرب دخل الله امثلة عديدة عن كيف انهى العديد من القادة التاريخيين حياتهم مثل «الملكة المصرية الشهيرة كليوباترا (,,,) التي رفضت تسليم نفسها للقطب المنتصر روما ووجدت الحل في صحبة الأفاعي السامة، والمصير ذاته اختارته زنوبيا، ملكة تدمر». ومن العصر الحديث ضرب امثلة: «آدولف هتلر، الزعيم النازي، الذي طلب من حارسه وهو يشاهد برلين تقع في قبضة أعدائه، أن يحرق جثته تماماً بعد أن يتجرع (مع إيفا براون) السم، وأن ينفخ في رمادهما كي لا يحصل أعداؤه على ذرة واحدة من هذا الرماد» كما استشهد بالطريقة التي انهى فيها الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور ألندي حياته مدافعا عن قصره امام تمرد الجنرال بينوتشيه وايضا كيف «انتحر عبد الحكيم عامر، في سجنه عندما شعر أنه لم يبق أمامه سوى التعرض للمهانة». وختم دخل الله افتتاحية «البعث» التي نقلتها الراي العام الكويتية بالقول: «أسماء أخرى وأمثلة كثيرة يقدمها التاريخ القديم والحديث حيث كان الموت أخف وطأّ من المهانة )) . وأذ يتصور الكاتب الفاضل أن شخصية مثل صدام يستطيع أن يقنع نفسه بأن دوره انتهى وفشله في جميع المحاور وبما ولده من فشل وخسائر وأحباطات تجاه شعبه ووطنه كفيل بأن يجعله يفكر أن يطفي حياته بيده ، لإان هذا التصور قاصر عن فهم الشخصية التي كانت تلقب الرئيس حافظ الأسد بأرنب الجولان وهو الذي لم يمتلك الشجاعة التي يملكها الرجال ، وهو نفسه من كان يقوم بأعدام البعثيين الموالين لجناح البعث السوري دون محاكمة ، وهو نفسه من كان يضع الأجهزة التي تفتش عن الأسلحة والسكاكين وخردة النقود المعدنية وقاضمات الأظافر والساعات ليجردها ممن يقابله ، وهو نفسه من يضع المعقمات والمطهرات التي تمنع أنتقال المكروبات من يد الشعب الى يده الملوثة بدماء العراقيين . وهو نفسه من صنع له ولعائلته قصوراً وقلاع ظنهن مانعات عنه الناس ، فعاث في هذه القصور وعزل نفسه بدائرة من الحماية الخاصة المدججة بأرقى وأحدث أنواع الأسلحة والتقنيات ، ومن ثم أحاط دائرة الحماية بدائرة أخرى من الحماية الشخصية ، وأحاط هذه بحماية أكبر أسماها الأمن الخاص ، وأحاط الأمن الخاص بحماية قوات الحرس الجمهوري الخاص ، ومن بعده قوات الحرس الجمهوري ، ومن ثم أجهزة المخابرات والأمن والأستخبارات والجيش . كان صدام حسين يعتمد على الأشباه في التمويه ، وكان يعتمد على عنصر المباغتة في عملية التنقل والأختفاء ، بل وأدمن حالة الأختفاء من الجماهير حتى عدها أسلوباً لصيقاً بشخصة وقلده فيها أولاده من بعده في أيجاد أشباه لهم ولايختلف في هذا أي عراقي . صدام لم يكن يملك شيء من شجاعة الرجال في أساليب الغدر والخيانة والتنكر للجميل ورد العرفان بالسوء ، ولو تمعنا في مواقفه بعد الحرب العراقية الآيرانية لوجدنا أن الرجل لايمتلك مواصفات الرجل الشجاع الذي يعرف مواطن الخلل والفشل في معرفة ماصار وماسيصير في العراق وما أسباب ذلك ؟ بل أستمر في تحويل هزيمتة النكراء في موت مروع لملايين البشر بأنتصارات مزعومة نحتفل بها فوق ثرى قبور شبابنا الذين بليت خرق الأعلام التي كانت تغطيها ، وحين أحتل الكويت لم يتصرف كما زعم محرراً أو حتى محتلاً ، انما برهن على خسة وأنحطاط وتدني خلقي في الأساليب والتعامل مع اهل الكويت وظلم في القرارات ليس بينها مثيل . وحين اندحر الجيش وتمزق شر تمزيق أعلن استسلامه الذليل وتوقيعه لمعاهدة صفوان 1991 الذليلة التي فرط بخنوعه لها بها بسماء ومياه وسيادة وارض العراق ، ووقع على الذل والهوان ، والتفت الى الأنتفاضة الشعبية العارمة التي عمت العراق ، ولخسته بدلاً من ان يتعرف على أسباب اندلاع الانتفاضة ، وبدلاً من أن يعي لماذا صار كل ماجرى في العراق ، توجه لقمع الأنتفاضة والمدن التي قامت بها في مواجهات غير عادلة مع الجيش العراقي المنهزم والمنكسر والخائب بقسوة بالغة تنم عن حقد دفين وجبن واضح . وبالرغم من القضاء على الأنتفاضة والسيطرة على العراق مرة أخرى ، ماعدا الشعب الكردي الذي استطاع التمسك بأرض كردستان العراق بكل قوة خارجاً عن سيطرته ، فأن صدام لم يتعرف على مواجع الناس ولا عن رغباتهم في عزله وتطلعاتهم نحو التغيير الديمقراطي بالرغم من مجازر الجيش والمقابر الجماعية التي خلفها ، ولفرط استهانته بالأنسان زعم انه انتصر على العالم وطلب من الناس الأحتفال والرقص في ذكرى هزيمته القصوى في أم المهالك . وبعد احتلال بغداد 2003 من قبل دبابتين عبرتا جسر السنك ، تهاوت معها القوات المسلحة التي لم تكن تعتقد قطعاً بجدوى الدفاع عن سلطة صدام التي وزعت ظلمها وشرها على الجميع ، وبسبب كون القوات المسلحة كانت مستخفاً بها أمام قوات الأمن الخاص والحرس الجمهوري ، ولفرط جبن صدام وعدم قدرته على المواجهة كرجل أو كقائد مهما كان دوره ، لم يستطع الرجل أن يقف كما يقف الرجال وآثر أن يوزع الثروة التي غنمها بطريق غير مشروع من اموال الفقراء والمرضى والمحتاجين من أهل العراق ليوزعها على اولاده وبناته ويطلب منهم أن يهربوا كأي مطلوب للعدالة ، ويلوذ هو نفسه في حفرة لاتليق بالثعالب في منطقة الدور ، ويفر ولدية ومعهما المال الى الموصل ، فيما تتوزع النساء كسبايا بين دول الجوار لمعرفتهم بأن العراقيين يطلبونهم جميعاً ، ولمعرفتهن مدى الكراهية والشرخ الذي صار بين هذه العائلة وشعب العراق . وحين تم القبض على الطاغية ، كان معه من السلاح مايكفي لمقاتلة سرية كاملة ، وأن يقدر على قتل عشرة أنفار من القوات التي داهمت مكانة ، وكان بالأمكان أن يتصدى لها ويقاومها وقد تأتيه المساعدة ، وقد يتمكن من الفرار ، ومعه سلاحين أحدهما مسدس مليء بالعتاد بجامنب رشاش أو توماتيكي مع عدة من العتاد تكفي للقتال عدة أيام ، وكأن بمقدوره أن يقرر في نهاية الأمر القضاء على حياته بيده أما بأن يقوم بتفخيخ جسدة لينتحر مفجراً حاله بمن قبض عليه ، أو على الأقل بطريقة تدلل على أعتزازه بنفسه وشخصيته مادام بعض الأعراب ممن لم يزل مخدوعاً بشخصية مجوفة ومنخورة مثله . أن شخصية مبتلية بعقد كثيرة وأمراض نفسية يعرفها اهل العراق اكثر من غيرهم من الأخوة العرب الذين يشاهدون الجزء البراق والظاهر من الصورة الحقيقية لصدام ، يتسائلون بحرقة عن أسباب عدم انتحار صدام بالرغم من المهانة والأنحطاط الذي صار اليه حاله . ولو تجمعت ضعف هذه الأحوال وتجمعت معها كل أسلحة صدام ، فأن الرجل لاقدره له على التفكير بالقضاء على حياته ، ليس لانه يريد العودة الى السلطة مرة أخرى ، فهو يعرف حقاً أن لامكان له بين العراقيين ، وأن لاسبيل لأعادة مجده بعد أن خذله صانعيه ، المشكلة تكمن في سيطرة النوازع الذاتية المتجسدة في الآنا القاتلة التي تجسد لصدام علوه وقدرته مع كونه ساقطاً ومجوفاً ، وتجسد له شعبيته وشرعيته مع كونه منبوذاً ورأسه مطلوب من اهل العراق ، وتجسد له سطوته وقدرته على القيادة ، مع أن الرجل معزول حتى من اقرب الناس اليه وعدم قدرته على قيادة عائلته وأولاده الذين خرجوا عن تربيته وأخلاق العراقيين ، وتجسد له قوته في مخاطبة العرب وهو المنخور والمجوف من الداخل ، وتصور له قدرته على أن يخدع العراقيين والعرب والعالم ، ولم يعد بأمكانه أن يخدع العراقيين والعالم مع انه لم يزل خادعاً بعض ممن عميت ضمائرهم قبل عيونهم ، فلم يعدوا يرون الحقيقة بأي منظار سوى منظار الطغيان والدكتاتورية والشعارات الكاذبة والرشاوى والمنح غير الشرعية وضرورة أن يبقى العراق فقيراً مفتقراً لأبســــط مستلزمات الحياة ، وأن يبقى القائد (( الضرورة )) قامعاً ومتسلطاً على رأس العراقيين دون غيرهم . لن ينتحر صدام مثلما لايعتقد ان له أمل أمام ما أرتكبه من كبائر بحق الله ومن جنايات بحق العراقيين ومن تفريط بحق الوطن ، لن ينتحر صدام مادامت الأمة العربية الخالدة تلد بهائم مفخخة ورسالة خالدة .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور كمال مظهر احمد
-
هزائمنا وخيباتنا التي نحتفل بها
-
محاكمة المتهم صدام وأعوانه - القسم الأول - من يختص بالتحقيق
...
-
الفيدرالية واللعبة السياسية
-
الجميع مدعو دون أستثناء
-
ابو حمزة المصري يقع في المصيدة
-
أين سيقف السيد حسن نصر الله ؟
-
الأكراد سبب بلاء الدنيا
-
ذكريات عبقة من الديوانية
-
الكلمة حين تقاتل عبد المنعم الأعسم
-
توفير العدالة لضحايا الجريمة
-
المشروع السياسي الخيالي العربي
-
لنحترم حرمة بيوت الله !!
-
التعذيب والقسوة في التحقيق
-
التحريض في جرائم الأرهاب
-
أنتحال أسم الحزب الشيوعي
-
تغيير القومية
-
الأسماءالمستباحة
-
سبايا يزيد العصر
-
اما آن لنا
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|