|
ضيقوا عليهم الطرق .
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2948 - 2010 / 3 / 18 - 19:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتقد المسلمون السلفيون بأن النقد الموجه للإسلام يخفى وراءه أغراض وهوى ..فهم لا ينظرون للنقد بقدر إهتمامهم بالبحث عن هوية فكرية أو عقائدية للناقد تسمح لهم أن يتسللوا ليشككوا فى نواياه الداخلية واصفين إياه بأنه محمل بقدر من الكراهية للإسلام . هم بذلك يصرفون وينصرفون عن النقد الموجه بخلقهم لمعارك ضبابية تعزى النفس العاجزة عن الرد بوجود مؤامرات وأحقاد ليعزوا أنفسهم عن قوة النقد ..إنهم بذلك يمارسون شكل من أشكال تخدير العقل والفكر وتحصين النصوص فى الوقت ذاته .
أعتقد أنه لا توجد أهمية فى نقد التراث الدينى من حيث حجم الخرافات التى تحتويه ..فكل الأديان لديها مايكفى من الغيبيات والخرافات ..والمرء لا يجد غضاضة فى أن يعتقد أى إنسان فيما يراه ..ويعبد ما تشتهيه نفسه حتى ولو ذهب بإرادته لعبادة نملة . ولكن الإشكالية فيما ستحمله من قيم وسلوك بعد عبادتك للنملة ؟!..ماذا ستصدر لنا بعد أن تنتهى من عباداتك وطقوسك ؟ ..ماذا سنجنى من فكرك وإيمانك ؟..هل هو خير وسلام أم عداوة وشر ؟...هل إنسانية وحضارة أم همجية وتخلف .؟
عندما نتأمل الحديث النبوى "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " الراوي: أبو هريرة خلاصة الدرجة: صحيح المحدث: مسلم المصدر: المسند الصحيح
سنجد أنفسنا أمام لغم من الممكن أن ينفجر بوجوهنا فى أى لحظة وإن كانت بوادره حاضرة أمامنا من تعصب وفتن طائفية . هذا الحديث يلقى بمجموعة من الأسئلة علينا .. لماذا لم ندرك هذا الحديث إلا فى الأونة الأخيرة ..ألم يكن موجودا ً فى التراث الإسلامى منذ مئات السنين . لماذا نحس بحضوره الأن على ألسنة الدعاة السلفيين وفى خطب الجمعة . هل نحن نعيش ردة حضارية وزمن ردئ ...الواضح أنه كذلك لأننا لم نعهد هذا الحديث فى أجيال سابقة .
هل هذا الحديث صحيح أم سيقفز علينا من يحاول أن يجعله من الإسرائيليات أوالتايوانيات .؟! هل يمكن للمسلم أن يتعاطى مع هذا الحديث كسلوك مع اليهود والنصارى كتوصية من نبى الإسلام .؟! هل المسلم الذى سيعزف عن هذا الحديث ويتركه جانبا ً ولا يجد غضاضة فى مبادأة اليهودى والنصرانى التحية والسلام ولا يضيق عليه الطريق كما يحدث فى الغالب بعالمنا العربى سيعتبر حينئذ مخالفا ً لتوصيات نبى الإسلام .؟!! هل مسلم القرن الواحد والعشرون تجاوز بحضارته وإنسانيته تعاليم وتوصيات قديمة ؟!
تعالوا نتأمل الجزئية الأولى من الحديث بعدم مبادأة اليهود والنصارى السلام .. لنجد أنفسنا أمام سلوك لا يحمل سوى العدوانية والنفور من الأخر ...ومع كم لا يستهان به من الغرور والتعالى والتمايز . ماذا يحدث للمسلم لو بدأ اليهودى أو النصرانى بالسلام ؟..هل سيصاب بمكروه ؟..هل سيقلل من إيمانه ؟ بالطبع لن ينال منه شئ ...ولكن عدم المبادأة تعنى شئ واحد هو غرس وتصعيد روح التعالى والغطرسة للمسلم وتغذية النظرة الدونية التى ينظر بها للأخر .
وعندما نتأمل الجزء الثانى من الحديث والذى يحتوى على المادة المتفجرة المتمثلة فى تضييق الطريق على اليهودى والنصرانى سنجد أنفسنا أمام تحول الموقف العدائى من الفعل المعنوى إلى الفعل المادى ..فإذا كان عدم مبادأة اليهودى والنصرانى السلام فعلاً معنويا ً .. فإن تضييق الطريق هو ممارسة لفعل مادى عدائى ينم عن قسوة وعنصرية وبشاعة .
أسأل سؤالى : هل يمكن تفعيل هذا الحديث فى واقعنا المعاصر ..أنا أعرف بعض السلفيين الذين لا يبادأون المسيحى السلام ..فماذا نفعل لو طبق الجزء الثانى من الحديث بتضييق ومعاكسة النصرانى فى الطريق ؟!..ماذا سيحدث بالفعل لو مارس الإكراه على المسيحى واليهودى لإجبارهما على السير على أطراف الطريق تاركين له نهر الطريق .؟!! هل سيجد مباركة من قانون بلاده بحكم أنه ينفذ توصية وسلوك للرسول ..أم ستحل به العقوبة لإعتدائه على حرية وكرامة الأخر وممارستة لفعلاً عنصريا ً .؟! ألا يعتبر هذا فعلا ً عدوانيا ً وشكل من أشكال العنصرية المقيتة تجرمه كل الأنظمة الإنسانية ولا تتوانى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان عن إدانته وفضحه . دعونا ننظر لهذا الحديث فى جانبه الأدنى ..أى عدم قدرة المسلم على ممارسة فعل التضييق وإكتفائه بعدم مبادأة السلام ..ألن يتشبع هنا بروح عدائية ضد الأخر ..ألن يتحلى بالقسوة والفظاعة والتعالى ضد الأخر ..ألن يمارس الإعتداء على الأخر لأنه بنى سور أو رمم دورة مياة فى كنيسته .
عندما ننظر لمثل هكذا أحاديث سندرك أسباب الفتن الطائفية وكل مشاعر الكراهية والتعصب التى تمارس ولا نجد لها تعليلا ً ... فرضاعة أحاديث على هذه الشاكلة كفيلة بتعبئة وتصدير الكراهية والتعصب والعنف . وجود هذا الحديث كنص فقط فى عصرنا الراهن يعتبر دعوة واضحة للعنصرية والتمايز ..ولن يكون مقبولا ً أن يتم إستحضاره .
من المفروض أن يتم شطب أو إحجاب مثل هكذا أحاديث ..ولكنى لا أرى إحجابه بالشئ الجيد بحكم أنه تاريخ ولابد أن يبقى فى إطاره التاريخى ..أى أنه وليد زمانه ومكانه ليقف عند هذا الحد فلا يجب إستحضاره وتوسم تطبيقه . حان الوقت أن يدرك أصحاب الدين أن النصوص هى تاريخية وبشرية الفكر والمغزى ..وأنه يستحيل أن يتم إستحضار أفكار بدوية قديمة ومحاولة وضع لها أقدام على أرض الواقع لأن هذا يعنى ببساطة إستحضار العنصرية والوحشية والهمجية وإزالة تاريخ إنسانى طويل من الحضارة والإنسانية .
للأسف الشديد تكون مثل هكذا أحاديث ردة حضارية وترتد بالإنسان إلى حقب زمنية بعيدة ..كما تمحو مسيرة طويلة وشاقة نحو الحرية وحقوق الإنسان لتعيده إلى أول السطر حيث التوحش والعنف والعنصرية . مثل هكذا أحاديث تصعد من نزعات العنف والقسوة الكامنة فى أعماق الإنسان لتجد لها سبيلا ً فتمارس بمظلة شرعية تمنحها اللذة فى الممارسة .
علينا بتجريم من يردد مثل هكذا أحاديث ويستحضرها قبل أن نجرم من تشبع بها ووجدت هوى فى نفسه لتغمره بالكراهية والعداواة والعنصرية ليمارس بشاعته بضمير ميت ودم بارد ...ثم نصرخ بعد كل خراب ودمار لماذا هم متعصبون . ؟!!
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
-
نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .
-
ثقافة الطاعة والإذعان .
-
خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
-
نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
-
خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
-
نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
-
نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
-
إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
-
نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
-
الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
-
إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
-
- رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
-
الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
-
حاجات غريبة .!!
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
المزيد.....
-
عاجل | البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا للقضاء على التح
...
-
ترامب يعتزم إنشاء لجنة للقضاء على التحيز ضد المسيحيين
-
الإعلان عن موعد دفن آغا خان زعيم الطائفة الإسماعيلية في مصر
...
-
ماما جابت بيبي..استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
رئيس بلدية رفح يناشد الدول العربية والاسلامية إغاثة المنكوبي
...
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
-
قائد الثورة الاسلامية في تغريدة: كل فلسطين من النهر الى البح
...
-
الآغا خان الرابع زعيم قاد الطائفة الإسماعيلية النزارية 68 عا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|