الكاتب _ عزيز سباهي . الطبعة الأولى عام 2002 .
عن المقدمة _ 1_
أصدر الكاتب الشيوعي المعروف الأستاذ عزيز سباهي مؤخراً كتابا عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي . والموضوع يهم العراقيين جميعهم شيوعيين وغيرهم وقد أوضح الكاتب الدوافع والأسباب في المقدمة ، بصورة شاملة ، مما يغني عن التكرار .
وبالنظر لأهمية دور الحزب الشيوعي في الحياة السياسية في العراق ، في الوقت الراهن ، وانعكاس سياسته بالضرورة على الأحداث والتطورات القادمة ، تصبح قضية تقييم تجربته بجميع جوانبها الإيجابية والسلبية بصورة واقعية وعلمية بحتة لاستخلاص دروسها وعبرها هي في حكم الفعل من أجل حاضر ومستقبل الشعب والوطن والحزب .
واستناداً إلى هذا المنطق وجدت من واجبي المساهمة ، قدر الإمكان ، في هذا العمل الجليل والذي كان لأستاذي العزيز دوره المتميز في القيام به في دراسات سابقة وفي سفره الأخير خطى خطوة نوعية كبرى للأمام يعكسها الجزء الأول بوضوح .
مسبقاً أود التنويه بالدور المتميز للكتاب في حفز الإنسان على المساهمة ، وتمهيد الطريق له لتقديم خدمة ما لشعبنا العزيز فشكراً وامتنانا للمؤلف الكريم .
ملاحظة لا بد منها _ إن ملاحظاتي وآرائي على الكتاب تتماشى مع سياق الكتاب وحسب تسلسله . ولهذا سيكون بديهياً ، أن ينقضها أو يؤكدها ويصوبها ما سيأتي لاحقاً في الأجزاء الثلاثة ، عندها سأعود مرةً أخرى إلى الموضوع .
وأبدأ من فقرة (1) .
جاء فيها .. " لقد سبق لمؤتمر الحزب الثاني الذي انعقد في عام 1970 أن اتخذ قراراً بشأن العمل على وضع تأريخ الحزب . إلا أن المشروع ظل ينتظر التحقيق .. ".
يبرز السؤال : لماذا لم تنفذ إرادة الحزب ؟ !
إن قرار المؤتمر هو تجسيد لإرادة عامة لجميع أعضاء الحزب قواعد وقيادة . التنفيذ من واجب القيادة . فهل القيادة مقصرة أم أن الإرادة لم تأخذ بالحسبان إمكانية التطبيق ، وبالتالي فهو قرار غير ناضج أو خاطئ أو في غير أوانه ؟ .
بعد المؤتمر الثاني عقدت عدة مؤتمرات .. الثالث والرابع وصولاً إلى السابع . هل تمت مراجعة ذلك القرار أو إعادة صياغته أو إلغاءه أو تأكيده ؟ المقدمة توقفت عند ذلك الحد . ولكنها لجأت إلى تقديم تفسير أو مبررات لذلك التأخير .
وأول التبريرات حسب الفقرة نفسها :
" .. لا سيما وأن ما جرى للحركة الشيوعية العالمية في العقد الماضي دفع ويدفع كل حركة ثورية إلى تأمل أوضاعها من جديد بعيداً عن الروح الدوغماتية التي سادت تحليلاتها في السابق ".
وفي هذا القول جملة من الأحكام التي تتطلب التدقيق ومنها : ما عمق ومدى تأثير الحالة السائدة في الخارج على الحزب الشيوعي العراقي بخصوص موضوع داخلي صرف هو كتابة تاريخ الحزب ؟ [a]
ومن ثَمَّ ما هي مصداقية وجود أثر للعامل الخارجي ، داخل الحزب ، والذي حدده الكاتب بـ
" .. روح الدوغماتية التي سادت تحليلاتها في السابق " ؟!
إن حقيقة وجود قرار من أعلى سلطة حزبية تمثل مجموع مكونات الحزب ـ قيادة وقواعد ـ تدحض وتنفي وجود تأثير ملموس للدوغماتية الخارجية على الحزب .
( الحديث هنا يقتصر فقط على موضوعنا وهو كتابة تاريخ الحزب ) .
من المحتمل أن يكون الكاتب قد قصد بذلك قيادة الحزب حصراً . وإذا صح هذا الاحتمال الذي يوحي به المقتطف فهو يناقض الحقيقة أيضاً . وأسوق حجتي .
من أبرز مظاهر الروح الدوغماتية ، حسب تصوري ، الجمود العقائدي والتزمت والتكلس وعدم الانفتاح على آراء الآخرين والتمسك بالنصوص .. الخ _ هذا في مجال الفكر .
أما في السياسة ، التي تعكس الفكر في التطبيق ، تنعكس الدوغماتية من خلال التطرف والشعارات فوق اليسارية وغير العملية وفي الاستهانة بالقوى السياسية الأخرى والانغلاق في العلاقات معها وغيرها الكثير والمعروف بالجمود العقائدي .
كيف كانت حالة حياة الحزب الفكرية والسياسية بعد المؤتمر الثاني ؟
لقد كانت المظاهر السائدة في تلك الفترة ، وخاصةً خلال السبعينيات ، هي مظاهر لنهج في السياسة والفكر والعمل معاكس للدوغماتية على 180 درجة . وهو النهج اليميني .
ففي المجال الفكري تمًّ التخلي عن شرط قيادة الطبقة العاملة لعملية بناء الاشتراكية واحلَّ المؤتمر الثالث بديلاً له شعار " معاً لبناء الاشتراكية " . وهذا انفتاح فكري وسياسي ما بعده انفتاح !.
وفي التكتيك ساد وطغى على كافة نشاطات وعمل الحزب ومنظماته النهج اليميني كما هو معروف ومعترف به ، وبالأخص في التعامل مع القضية المركزية _ " السلطة ".
ومن كل ذلك يتضح بجلاء أن الدوغماتية كنهج فكري وسياسي لا تصلح تبريراً للتأخير في كتابة تاريخ الحزب ، إلا في حالة واحدة فقط وهي عند اقتصارها على حياة الحزب الداخلية وهذه قضية ليست لها أية علاقة بالعوامل الخارجية المذكورة .
وتؤكد صحة زعمي معطيات أخرى تتضح من خلال مناقشة ما تبقى من الفقرة التي تقول :
" .. إن عشر سنوات على انهيار التجارب الاشتراكية العالمية الأولى (!!) كانت ضرورية لامتصاص الصدمة والسعي إلى تأمل مسيرة الحركة في كل بلد بوعي واضح ، بعيداً عن التطير أو البحث عن التبريرات ، والسعي لتحديد أوجه القصور فيها . " ( علامات التعجب المشددة مضافة مني ) [b].
والسؤال : ماذا جرى خلال عشر سنوات بعد ( الانهيار !) فيما يتعلق بتنفيذ قرار المؤتمر الثاني حول كتابة تأريخ الحزب ؟ .
لقد جرت إعادة النظر في جميع أساليب العمل واتخذت إجراءات تنظيمية جريئة وجذرية منذ المؤتمر الخامس ولحد الآن وهي وراء جميع التصاعد والقفزة النوعية في نشاط منظمات الحزب وقيادته رغم التركة الثقيلة والخسائر الجسيمة التي سببتها السياسة السابقة ، وبالأخص سياسته في التعاون مع سلطة بغداد في السبعينيات وهي بجرائمها المتكررة والمتفاقمة يومياً تنكأ الجرح لدى الناس وتخلق عندهم مشاعر سلبية متعددة تجاه الحزب تخلفها " ذكرى " سياسة التعاون السابقة .
لقد عولجت جميع المظاهر السلبية الرئيسية في حياة الحزب إلا في مجال واحد وهو موضوع حديثنا ، كتابة تأريخ الحزب التي بقيت لحد الآن مقتصرة على المبادرات الفردية وتشجيع قيادة الحزب للباحثين . مع الإقرار بأن هذا التشجيع قد شهد بدوره نقلة نوعية متميزة في فسح المجال أمام نشر جميع المذكرات مهما كانت درجة تعرضها لـ " القضايا المحرمة " سابقاً وبصورة علنية ومنها ما نشر في وسائل إعلام الحزب بجرأة مشهودة وبكرم يفوق الممكن أحياناً ! وأزيلت جميع المظاهر الرئيسية الدوغماتية ، ومع ذلك لم تعالج بعد قضية تنفيذ قرار المؤتمر الثاني بخصوص كتابة تأريخ الحزب وتنفيذ قرارات أول لجنة شكلت بعد المؤتمر الثاني مباشرة لتنفيذ إرادة الحزب . والتي باشرت عملها بخطوة أولى هي الأهم في عملية كتابة التأريخ في عدة توجيهات تمَّ تعميمها على منظمات الحزب كافة لإشراكها في التنفيذ ودعوتها في أول توجيه لها للإفادة من أصدقاء الحزب والقوى الوطنية الأخرى كما حددت سبلاً عملية عديدة لتنفيذ المهمة ترسب منها في الذاكرة الشائخة إحصاء شهداء الحزب وظروف استشهادهم وغيرها من المقترحات العملية والممكنة التنفيذ وهي في نفس الوقت وسيلة من وسائل تنشيط العمل وزيادة التواصل مع الجماهير وفي التنظيم وسيلةً لإعادة الصلة بالمقطوعين ( كلها أرباح ثمَّ أرباح ) !
لماذا التأخير إذن ؟!
خلاصة . توجد عدة مناهج في قراءة وتفسير الأحداث والتاريخ ، منها نهج يعطي الأولوية للعوامل الداخلية على حساب العوامل الخارجية ، بل وأكثر من ذلك يعطيها الدور الحاسم ويترك للعوامل الخارجية الدور المساعد وهذا النهج ، حسب إدراكي ، هو النهج الشيوعي العلمي الماركسي .
وتوجد مناهج عديدة أخرى تعكس الأولويات وجميعها يفصلها ويميزها عن النهج الأول
خط " أحمر " . وفي جانبيّ ذلك الخط توجد اجتهادات عديدة ومتنوعة وراءها تقديرات متباينة ومختلفة عن مدى ونسبة تأثير كل من العوامل الخارجية والداخلية في محصلة القوى النهائية التي تقرر أخيراً شكل ظهور الحدث ومحتواه في الظرف المعين ( الزمان والمكان ) .
إن الفقرة الأولى تعطي مؤشراً واحداً ، ولكنه لوحده قاصر عن تحديد النهج الذي سيختاره المؤلف في كتابة وتفسير أحداث التأريخ . وسيتضح الأمر أكثر من خلال معاينة الفقرات اللاحقة في المقدمة وعندي إليها عودة قريبة . والى اللقاء . مع التحيات .
9/تموز/2002 نزار خالـد .