|
تأثير الحب على العمر البيولوجي
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 898 - 2004 / 7 / 18 - 08:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تأثير الحب على العمر البيولوجي قراءة في كتاب حافظ على نفسك شاباً باستمرار تأليف ديبيك تشوبرا ترجمة كامل السعدون
بمقدورك الحفاظ على شبابٍ دائم من خلال الحب . الحب هو جوهر الحياة ، لأنه ضروريٌ للبشر كالماء والهواء ، وبغير ماءٍ أو هواء ، ليس بمقدورنا أن نعيش . الحب ليس ظاهرة نفسية فقط ، لا بل إنه يؤثر بقوة في التركيب البيولوجي للإنسان . كل الحيوانات اللبونة ، من الأرانب صعوداً لقردة الشمبانزي ، تواجه متاعب حادة في النمو إذا لم تنل حب الأم . بالرغم من إننا غير معتادين على النظر إلى الحب من منظورٍ علميْ ، فإن البحوث العلمية الحديثة ، أوضحت بجلاء أن الحب له تأثير كبير وحيوي على التركيب الفسيولوجي . البحوث العلمية أوضحت أن جهاز المناعة في الجسم يقوى بشكل كبير في حالة إبداء التعاطف والمشاركة الشعورية مع الآخرين . Daived Mc Clland والذي يعمل كأستاذ وباحث في جامعة ( هارفرد ) ، أكتشف ظاهرة لدى طلاب الكلية ، وهي ازدياد إنتاج المواد المضادة في اللعاب حين يرون فلماً للأم تيريسا وهي تعتني بطفل ، بذات الآن ينخفض إنتاج تلك المواد حين يرون مشاهد حربية في الفلم ، كذلك فقد علمتنا بحوث الدكتور Daived Spiegels في جامعة (ستانفورد ) ، أن النساء اللواتي يعانين من انتشار السرطان ، واللواتي يشاركن في أنشطة الرعاية الاجتماعية للمرضى والأطفال ، يتمكنَّ من العيش ضعف أعمار رفيقاتهن المريضات ممن لا يشاركن في مثل تلك الأنشطة . كما ونعرف جميعاً أن الرجال ممن واجهوا نوبات قلبية ، وكانت لديهم قناعة أن زوجاتهم يحببنهم ، فإنهم يتعافون بوقت أبكر ، بل ولوحظ أن اتصال تلفوني من الممرضة العاملة في عيادة أمراض القلب ، خصوصاً إذا كانت من النوع الطيب ذو القلب المليء بالحنان والعاطفة الصادقة ، يمكن أن يضاعف عمر مريض القلب إلى الضعف . وكذلك الأمر في الحيوانات ، فقد لوحظ أن الرعاية والحنان على ما في البيت من حيوانات يؤدي إلى أن تنخفض نسبة حدوث الأمراض وإن حدثت فإن الشفاء يكون أيسر في ظل الرعاية وإظهار الحب للحيوان . في بحثٍ ممتع في جامعة ولاية أوهايو Ohio State University ، أعطي لمجموعتين من الأرانب ، غذاء بكمية كبيرة من الكوليسترول . المجموعة الأولى تلقت عناية وحنان فائق من قبل أناسٌ مهتمون ومحبون للحيوانات ، المجموعة الثانية تركت لوحدها لتعنى بنفسها . عندما انتهى الاختبار ، تبين أن المجموعة التي تلقت رعاية وحنان ، لم يكن كامل الدسم المتخلف في أوعيتها الدموية أكثر من عشرة بالمائة ، قياساً إلى الكمية التي تخلفت في الأوعية الدموية للحيوانات التي حرمت من الحنان والرعاية . في الحقيقة ، مجمل هذه النتائج ، لا تفاجئنا بقوة ، لأننا جميعا خبرنا حجم الحيوية والفتوة والجمال والثقة التي نشعرها في أنفسنا ، حينما نؤمن أننا محبوبون وأن هناك من يعنى ويهتم بنا . كذلك فليس فينا من لم يعش هذا المزيج من الخوف والوحدة واليأس والكآبة ، حينما نكون منفصلين عن الآخرين ومحرومين من الحب والحنان . وقد أظهرت البحوث أيضاً أن أولئك الذين يعانون من النقص في الحب والحنان ، تتغير كيمياءُ المخ عندهم ، وهذا ما ينعكس بالتالي على كل خلية من خلايا أجسامهم ، وتلك المتغيرات تزبد من خطورة الإصابة بأمراضٍ عديدة بينها السرطان ، متاعب القلب ، بعكسه فإن الإحساس بالحب والحنان يؤدي إلى متغيرات إيجابية في كيمياء المخ ، تنعكس لاحقاً على كل أعضاء الجسم بمزيدٍ من الحيوية والحماس والإحساس بمعنى وأهمية أن تكون حياً . فإذن الحب قادر على تغيير التركيب العضوي للجسم ، وبالتالي قادر على تخفيض عمرك البيولوجي وبقوة .
فما هو الحب يا ترى …؟
حيث أننا عرفنا أن الحب يؤثر بل ويغير فيسيولوجيا الكائن الإنساني باتجاه صحةٍ أفضل وحيويةٍ أكبر ، فإن الوقت مناسبٌ إذن لطرح السؤال القديم المتجدد : ما هو الحب ؟ . حاول الشعراء والفلاسفة وفي كل الأزمان ، وبما أوتوا من مواهب ، أن يجدوا سرّ الحب ، وكان لكلٍ منهم رأيه وبقي الحب عصياً على التفسير . هذين الحرفين ، وفي كل لغةٍ من لغات العالم ، لم يعفيا أحداً من التأثر بهما ، وما من كلمةٍ في كل معاجم اللغة ، من ليس هناك ولا حتى فرداً واحداً ، لا يحمل لها عاطفة خاصة ، ويراها تعنيه ويتذوقها بلهفة … إلا وهي كلمة …حب …! إنها تعني كل واحد منّا بشكل شخصي ، وكل واحدٍ منّا يحمل آثارها وبصماتها في قلبه وعقله ، ذكريات ورغبات وشغف وألق . يرى الكثيرون منّا ، إن الحب ما هو إلا شعورٌ أو عاطفة متلفة للفكر والجسم ، وهذا حكمٌ ظالم ، لأن العكس هو الصحيح لأن الحب حالة تسامي في الوعي إلى مستوى راقٍ ينجم عنه رقيٌ في الخيارات وتغيير كبير في المفاهيم والأفكار . عندما تحب ، تختفي كل أنواع التوتر والقلق والخوف وتغدو إنساناً أكثر انفتاحا على الحياة وتجاربها ، بحيث يمكن لوعيك أن يغتني ، وكما إنك تغدو شفافاً حساساً ، فإنك بذات الآن تصبح أقوى من حجمك وكفاءتك وقوتك الحقيقية ، حتى لتبدو أحياناً وكأنك عصيٌ على الهزيمة . في ظلال الحب تلدُ إنساناً جديداً ، ممتلئ بالسعادة والرضا والحماس . الحب يفضي بكٍ إلى أن تقصي متاعبك وقلقك ، بحيث تبدو وكأنها لا تؤثر فيك مهما كانت عسيرةٌ على الحلّ أو التجاوز ، وبذات الآن يتفتح وعيك لسحر الحياة وغموضها الجميل الذي لم يعد يخيفك ، ولم تعد تكتفي من الحياة بالسلامة والأمان . بل وإن الحب يحرضك على أن تفعل أشياء كبيرة . قوة الحب تمنحك القدرة على الدخول إلى عالم كنوزك الإبداعية والمعرفية الداخلية وكنوز الطاقة الحيوية التي كانت تستهلك عبثاً في توافه القول والرخيص من الفعل . في كل ثقافات العالم وأساطيرها ، هناك حكايات حبٍ رهيبْ ترسخ في أعماق العقل الجمعي الباطن للشعوب المختلفة ، حتى إنه صار المهماز المحرض للأجيال لتجربة هذا الحب ومحاولة تكرار إنتاجه بذات القدر وذات المواصفات . قيس وليلى ، روميو وجولييت ، آمور وسيكا ، راما وسيتا ، بل وسبنسر تراسي وكاترين هيبورن . نماذج رومانتيكية لجحيم الانفصال وجنة التواصل والتوحد في الآخر ، عاشها أناس في أفياء الحب ، والحب وحده …! تلك الحكايات الخالدة هي المفاتيح التي تفتح بوابات الحب الكوني الخالد الذي يربط كل عناصر الكون ببعضها في انسجام وتوافقٍ هرموني عذب .
حبٌ فرديٌ كحب كونيٌ مركزْ :
الموروثات الروحية العظمى في كل الثقافات الإنسانية ، تعبر عن أن الوحدة هي الحقيقة العظمى لكل ما هو موجود . الروح الوحيدة التي لم تجزأ من قبل ، تقسم نفسها إلى ما لا يعد من المخلوقات . لكن حين تتم التجزئة تعود تلك الأجزاء للالتقاء والتوحد ببعضها بمساعدة قوى أساسية خالدة في جواهر المفردات ، تنحو بها ثانية منحى الوحدة . الجزيئات الذرية الصغرى تجهد في سبيل أن تتحول إلى أجزاء أكبر ، الكواكب التائهة تسعى لتكوين مجاميع شمسية ، الإنسان يسعى للتوحد مع من يحب . جوهر الحب الخالد ، سعيٌ حثيثٌ لبلوغ الروح ، وشوقٌ ملتهبٌ للتوحد مع نصفه المفقود . الحاجة لإشباع هذا الشوق للتوحد لها في ذاكرتنا الجمعية مكاناً مركزياً ، ومع كل جهدنا والعناء الذي نبذله لغرض التوحد خارج كينونتنا الفردية ، فإننا نعرف وبوعيٍ مسبقٍ أن نبع الحب الخالص الصادق موجودٌ في جوهر ذواتنا ، في أرواحنا . وكلما زاد تواصلنا مع جوهرنا الروحي ( ذاتنا العليا ) كلما امتلأنا حباً وغدونا أكثر تواضعاً وتحناناً وغدت كل تصرفاتنا موسومةٌ بخاتم الحب الصادق . والمدهش أن للطبيعة الذكية حكمتها ورحمتها فينا ، إذ… لأن القلّة منّا يشعرون بتوافقٍ مباشرٍ مع أرواحهم ، لذلك كان من رحمة الطبيعة أنها منحتنا ذلك السعي المتلهف المنبثق من شوقٍ قدسي للبحث عن الحب في الخارج ، ومن ألق الحب تأتلق الروح ، فتشمخ وتزداد جمالاً وإبهاراً وقوة وشفافيةٍ وإنسانية ، وبالتالي يغدو بمقدورنا أن نؤثر في تكويننا الجسماني وأعمارنا ذاتها . الحب الفردي يعطينا قطعةٍ صغيرة من الحب الكوني ، نتذوقها فنعرف بقية ما على مائدة الكون من أطباق الحب الشهية . والمدهش أيضاً ، أننا …ومع كل ما نشعره من عظمةٍ وقوة ونحن في صميم حالة الحب ، فإن هذا ليس بكافٍ ، إذ نشعر ومنذ لحظة الحب الأولى أننا نريد المزيد والمزيد من هذا الحب . مزيد من القرب ، مزيد من التحولات العجيبة التي تحصل في حياتنا ، لماذا ؟ لأن نفوسنا تتوق بقوة للوحدة مع الروح ، ومتى آمنت بأن الحب والروح هما ذات الشيء ، فإنك ستنظر لاشتياقك للحب على إنه جوعٌ لمزيدٍ من الوعي ، مزيد من المشاركة ، مزيد من التواصل مع الذكاء الكوني الخالد الذي هو القوة الأصلية خلف نشوء وتطور هذا العالم واللحمة التي تشد عناصره ببعضها . لقد صدق حكماء العصور القديمة إذ قالوا أن كل الأفعال التي تنبع من الحب هي أفعالٌ إلهية ، والأفعال الإلهية تعبير عن الروح . ومتى تسنى لك أن تؤمن بهذا ، فإنك لا مندوحة ستحيل الإيمان إلى عمل وبالتالي ستصمم مع نفسك على أن تعتبر كل الأفعال الناتجة من الحب تعبيراً صادقاً عن الروح . إن نظرة حنونةٌ مشجعةْ لطفلٍ صغير ، أو نفحة نقودٍ لفقيرٍ أو عونٍ لعجوزٍ في الطريق أو مراعاتك لأبيك أو أمك في الشيخوخة ، شريطة أن يخرج الفعل من القلب لا الخوف أو الطمع ، كما والمشاركة في المؤسسات الخيرية ، ومساعدة المرضى أو المقعدين بغير ثمن ، جميع هذه أفعالٌ روحية تمنحك سعادةٍ كبيرة ، بتوسيع مداركك وإغناء وعيك بكينونتك ، كما وإنها تمنحك ثقةٍ أكبر بأخلاقك وقيمك وتوجهاتك الجادة للتسامي الروحي . الحب يمنحنا القدرة على أن نعيش لحظة الحاضر وكأنها لحظةٍ أبديةٍ خالدةٍ لا تنتهي ، وكلما عشنا الخلود ، كلما غدونا أكثر شباباً وحيويةٍ . وكلما تعمقنا في الاغتراف من كنوز الروح ، كلما غدونا اكثر شفافيةٍ ورقةٍ وعاطفة وحرية ، وكان حبنا للآخر أصدق وأعمق وأقوى . فكر بالحب .تحدث عن الحب . أبحث عن الحب . صمم مع نفسك أن تعبر في كل أفعالك عن الحب . بمثل هذا تذكرّ نفسك دوماً بالكمال الذي تتشوق إليه وترجوه . كل حكمة العصور كانت عن الحب ومن أجل الحب وبحثاً في كنوزه وحضاً للناس على الاستهداء بنوره ، لأن الحب هو هدف الحياة وحقيقتها الأزلية .
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوانين النجاح الورحية السبع The Seven Spirtual Laws
-
قوانين النجاح الروحية السبع -3-
-
تقنيات السيطرة على المخ- 2
-
قوانين النجاح الروحية السبع - القانون الثاني - الإيمان بالعط
...
-
تقنيات السيطرة على المخ
-
الإيمان بالطاقات الكامنة ...الخفية !
-
مهمات بناء الهوية الوطنية المقال الثالث
-
مهمات بناء الهوية الوطنية - المقال الأول والثاني
-
يا علاوي ...لا تدفع لهم ...بل هم من ينبغي أن يدفع ...!
-
فهد ...مسيح العراق ...وآخر الرجال الحقيقيين
-
التعليم الروحي في مدارس الدولة العراقية الوليدة - 2
-
التعليم الروحي في مدارس الدولة العراقية الوليدة - المقالة ال
...
-
عن الإيمان والإصلاح ومستقبل هذه الأمة
-
الإرهاب والحرمان العاطفي والجنسي
-
آراء في المناهج التعليمية في العراق الديموقراطي المنتظر
-
حقوق الكرد العراقيين وتدخلات السيستاني الفظة....!
-
الحفرة - قصة قصيرة
-
وجيهة الحويدر ... بصيصُ نورٍ من داخل الكهف ...!
-
الذي لم أأتلف معه
-
قراءة في حدثٍ إسلامي مجزرة الطائف وحنينْ وما تبعهما إلى يوم
...
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|