|
من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة عشرة) الاممية الشيوعية
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 897 - 2004 / 7 / 17 - 08:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كتب الكاتبان كتابهما بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد فهد. وسلكا سياسة في كتابة الكتاب تختلف شيئا ما عن اغلب الذين كتبوا عن فهد. فقد سلك الاولون سياسة ابراز ميزات فهد السياسية والفكرية والتنظيمية لكي تكون عبرة وهديا للمناضلين الذين يريدون خدمة شعبهم والمثابرة في النضال من اجل تحرير الشعب العراقي من كل اشكال الاستغلال وتحقيق هدفه "وطن حر وشعب سعيد". واختار الباحثان طريقا اخر في بحثهما اذ اضافة الى تكرار ما قدمه غيرهم ممن كتبوا عن فهد وجدا ضرورة الى انتقاد فهد بحجة التخلص من عبودية الفرد فوجدا في كل عمل قام به فهد جانبا سلبيا ينبغي انتقاده. وكان الباحثان يرجعان في كل انتقاد يوجهانه لفهد تقريبا الى الاسباب التي كانت تكمن وراء اخطائه وهي دراسته في جامعة كادحي الشرق وعيشه في الاتحاد السوفييتي والى ستالين والاممية الشيوعية. ولكنهما لم يعرفا على ما يبدو ان القراء يتعرفون على الناقد نتيجة نقدهم اكثر من تعرفهم على المنتقد. ولكن حق انتقاد فهد كانتقاد كل انسان اخر حق مطلق لهما كل الحق في ممارسته. ورغم رجوعهما الى الاممية الشيوعية في كل انتقاد تقريبا وجدا من الضروري كتابة فصل او مبحث عن الاممية الشيوعية من اجل فهم تاثير هذه الاممية على فهد. لكن المبحث نفسه بحث تاريخ الاممية الشيوعية بالشكل الذي رأياه وشرحا للقارئ بايجاز موضوع تاثير الاممية الشيوعية على فهد وتركا الباقي الى قراءة نصوص انتقادهما لفهد في الكتاب. فمبحث الاممية الشيوعية في الحقيقة هو عرض تاريخ الاممية الشيوعية. في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كتب ريزينكوف كتابا ضخما حول الاممية الشيوعية. ومعروف ان هذه الفترة كانت فترة بيريسترويكا غورباشوف، والبيريسترويكا (او الكتاسترويكا كما كانت شعوب الاتحاد السوفييتي تسميها) كانت المرحلة الاخيرة من تحول الاتحاد السوفييتي من دولة راسمالية تتستر وراء عبارات ثورية وماركسية الى دول راسمالية مكشوفة لا حاجة لها في التستر وراء مثل هذه العبارات. وطبيعي ان ريزنيكوف كتب بعقلية المثقفين السوفييت في تلك الفترة. ورغم ان الباحثين اسميا ريزنيكوف مزورا للتاريخ لانه لم يذكر في كتابه الضخم اسم ستالين ولو مرة واحدة وقالا عن ذلك "وفي هذا تجاوز على الماركسية والمنهج المادي الديالكتيكي والمادي التاريخي او المنهج العلمي في التحليل" (هامش ص ١٥٣) فانهما اتخذا من النص العربي من الكتاب الذي ترجمه عزيز سباهي مرجعا اساسيا في بحثهما عن الاممية الشيوعية. بعد وصف اوضاع ما بعد ثورة اكتوبر وحرب التدخل الامبريالي ضد الثورة وموقف احزاب الاممية الثانية من الدولة "الجديدة" يقولان "في هذا الوضع برزت امام لينين امكانية الاستفادة من تلك القوى التي وجدت في نشوء الدولة الجديدة انتصارا للطبقة العاملة لا على صعيد روسيا فحسب، بل وعلى الصعيد العالمي ... وتبلور الموقف عند لينين عندما وجه في كانون الاول من عام ١٩١٨ الدعوة الى شيوعيي العالم للمشاركة في العمل من اجل وحدة شيوعيي العالم" (ص ١٤٤) يبدو من هذا ان الفكرة تبلورت لدى لينين في كانون الاول سنة ١٩١٨. فهل هذا صحيح؟ بالطبع لا. فمن المعروف ان لينين دعا صراحة الى تشكيل اممية جديدة بعد توصله الى ان الاممية الثانية افلست عند انضمام كل حزب من احزابها الى برجوازيته في الحرب العالمية الاولى بحجة الدفاع عن الوطن. ففي مقال كتبه قبل اليوم الاول من تشرين الثاني ١٩١٤ بعنوان "وضع ومهام الاممية الاشتراكية" جاءت في ختام المقال العبارة التالية: "تقع على عاتق الاممية الثالثة مهمة تنظيم القوى البروليتارية من اجل الهجوم الثوري ضد الحكومات الراسمالية، من اجل الحرب الاهلية ضد برجوازية جميع البلدان، من اجل الاستيلاء على السلطة، من اجل انتصار الاشتراكية" كان الحزب الاشتراكي الروسي (البولشفي) في ١٩١٤ حزبا صغيرا يعاني قادته من السجون والمشانق والابعاد بينما كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني يعتبر اقوى وانضج الاحزاب الاشتراكية واكثرها خبرة في النضال وكان قادته يعتبرون قادة معترفا بهم في الماركسية مثل كاوتسكي. ولم يكن لينين والحزب البولشفي الوحيد في ادراكه لخيانة الاحزاب الاممية الثانية وتخليها عن الماركسية وعن قيادة الطبقة العاملة بل كان كل ماركسي حقيقي في احزاب الاممية الثانية مثل لينين في ادراكهم هذه الخيانة. ولذلك انشق هؤلاء الماركسيون في مختلف البلدان عن الاممية الثانية وشرعوا في تأليف احزابهم ومنظماتهم الثورية التي تعارض حرب النهب والسلب التي تمارسها برجوازيتهم بالتعاون مع احزاب الاممية الثانية. وهكذا بدأت تتألف احزاب ومنظمات ثورية حقيقية في مختلف بلدان اوروبا قبل ان يكون للحزب البولشفي مكانته التي تبوأها عن جدارة بعد ثورة اكتوبر. فما الفرق بين الحزب البولشفي والاحزاب الثورية الاخرى التي نشأت منذ خيانة الاممية الثانية؟ ولماذا اصبح الحزب البولشفي اقوى هذه الاحزاب والمنظمات بحيث انه بلغ من القوة انه قاد ثورة اكتوبر الاشتراكية؟ الفرق هو ان الحزب البولشفي خاض منذ مؤتمره الثاني في ١٩٠٣ صراعا دائما ضد المنشفيك والاشتراكيين الثوريين وسائر المنظمات الانتهازية الاخرى فنال تجربة هائلة في هذا المجال بحيث ان الحزب البولشفي كان في ١٩١٤ حزبا يقف بكامله بحزم ضد خيانة الاممية الثانية بينما كانت الاحزاب والمنظمات الاخرى جديدة على مثل هذا النضال لم تنشأ الا بعد افلاس الاممية الثانية وكانت حديثة العهد في خوض هذا النضال الثوري الكبير. من هذا نرى ان الاممية الثالثة رغم ان مؤتمرها الاول جاء في ١٩١٩ لم تنشأ في تلك السنة بل كانت احزابها ومنظماتها تنشأ وتتبلور في خضم النضال الثوري منذ ١٩١٤ وخاضت نضالا ثوريا ضد حكوماتها البرجوازية وضد الحرب وضد الاممية الثانية مما ادى الى تضحيات عدد من قادتها وعلى راسهم كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ. يقول الباحثان في الفقرة المقتبسة جزئيا اعلاه ان "لينين ... وجه في كانون الاول ١٩١٨ الدعوة الى شيوعيي العالم للمشاركة في العمل من اجل وحدة شيوعيي العالم" (ص ١٤٤) وهذا غير صحيح اطلاقا. فان الدعوة الى الاجتماع وجهتها ثمانية احزاب هي الحزب البولشفي، حزب العمال البولوني، الحزب الشيوعي الهنغاري، الحزب الشيوعي النمساوي، الحزب الشيوعي اللاتيفي، الحزب الشيوعي الفنلندي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البلقان، وحزب العمال الاشتراكي الاميركي. وقد اتخذت هذه الاحزاب والمنظمات بيانا تحت عنوان "من اجل المؤتمر الاول للاممية الشيوعية". وحضر الاجتماع في ايامه الاولى ٥٢ وفدا من احزاب ومنظمات ثورية في ارجاء العالم وانضم اليهم عدد اخر في الايام الاخيرة من المؤتمر. فالاممية الثالثة بدأت في النشوء اذن منذ ١٩١٤ قبل ان يصبح الحزب البولشفي حزبا حائزا على السلطة بقيادته لثورة اكتوبر وتأليف اول حكومة اشتراكية ظافرة في تاريخ البشرية. ونشوء هذه الاحزاب والمنظمات الثورية هو الذي جعل بالامكان عقد مؤتمر لها في ١٩١٩ ولولا وجودها لما امكن عقد مؤتمر لها. وطبيعي لم يكن بين اهداف هذه الاحزاب والمنظمات لدى تكوينها هدف الدفاع عن الاتحاد السوفييتي او عن روسيا الاشتراكية. ولم يكن من المعروف انذاك اي من هذه الاحزاب سيفلح في اعلان الثورة وكان من المفروض ان الحزب الالماني يكون في المقدمة نظرا لتاريخ النضال الاشتراكي العريق في المانيا ونظرا لوجود الحركة الالمانية والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني لفترة تحت قيادة وتوجيه ماركس وانجلز وتحول القيادة الى كاوتسكي الذي كان يعتبر الماركسي الاول بعد وفاة انجلز. كان من الطبيعي جدا ان يعقد مؤتمر الاممية الشيوعية الاول وان يكون مقر الاممية الشيوعية في الاتحاد السوفييتي رغم ان الباحثين يجعلان من ذلك احيانا سببا من الاسباب التي اثرت تأثيرا سيئا على الاممية الشيوعية. اذ اين كان يمكن ان تعقد مؤتمرات الاممية الشيوعية وان يكون مقرها في الظروف التي كانت فيها الدول الامبريالية كلها تشن الحرب على هذه الدولة الاشتراكية الجديدة لغرض وأدها وهي في المهد؟ وقد توصل المؤتمر الاول الى بيان يحدد اهداف الاممية الشيوعية يتضمن الامور التالية: 1 حتمية حلول النظام الشيوعي بدلا من النظام الراسمالي 2 ضرورة نضال البروليتاريا الثوري للاطاحة بالحكومات البرجوازية 3 تدمير الدولة البرجوازية واحلال نوع جديد من الدولة، دولة بروليتارية من الطراز السوفييتي، الدولة التي تضمن التحول الى المجتمع الشيوعي نرى من هذا ان الاممية الشيوعية لم تتأسس بالدرجة الاساسية للدفاع عن روسيا كما كتب الباحثان اما حسب رايهما او حسب رأي ريزنيكوف. وكل ما يتعلق بالاتحاد السوفييتي في المؤتمر كان النداء الذي وجهه المؤتمر الذي "حث الطبقة العاملة العالمية على مساندة روسيا السوفييتية وطالب حكومات الحلفاء بالكف عن التدخل في شؤونها الداخلية والانسحاب من اراضيها والاعتراف بالدولة السوفييتية ورفع الحصار الاقتصادي عنها واعادة العلاقات التجارية معها". وطبيعي ان الدولة السوفييتية في ١٩١٩ كانت باشد الحاجة الى مساندة الطبقة العاملة العالمية لانها كانت بمفردها تحارب ١٤ دولة امبريالية اضافة الى القوى المعادية الداخلية. فهل جريمة ان توجه الاممية الشيوعية نداء بطلب المساندة من الطبقة العاملة العالمية؟ في المؤتمر الثاني للاممية الشيوعية الذي انعقد في ١٩٢٠ وضع لينين شروط القبول في الاممية الشيوعية التي تحتوي على ١٩ شرطا وصادق عليها المؤتمر بدون اي تغيير نشرها الباحثان كملحق في نهاية الكتاب بترجمتها العربية. وقد انتقد الباحثان هذه الشروط مرات عديدة بسبب تشددها في قبول المنظمات التي تريد الانتماء اليها. ولا يخفي لينين هذا التشدد في القبول الى الاممية بل يعترف به. وقد القى كلمة عند تقديم هذه الشروط يشرح فيها الاسباب التي دعته الى هذا التشدد كان بودي ان اقتبسها كاملة ولكن هذا يطيل المقال ولذا اقتبس فقرة واحدة فقط: "تزداد على الدوام طلبات عضوية الاممية من احزاب كانت منذ امد قصير منتمية الى الاممية الثانية ولو انها لم تصبح احزابا شيوعية حقا. فالاممية الثانية قد تحطمت بصورة فظيعة. وعلما بان الامل في الاممية الثانية قد تلاشى فان الاحزاب البينية وجماعات "الوسط" تحاول الاستناد الى الاممية الشيوعية التي تزداد قوة باطراد. وفي الوقت ذاته تأمل في استعادة شيء من استقلالها الذاتي الذي يجعل بامكانها اتباع سياساتها الانتهازية او الوسطية السابقة. وفي هذه الحالة تصبح الاممية الشيوعية الموضة الى حد ما" وتشترط المادة الاولى الدعاية والتحريض الشيوعي الدائم للشيوعية ولدكتاتورية البروليتاريا. وتشترط المادة الثانية العمل بطريقة مبرمجة وبلا انقطاع على تنحية الاصلاحيين واتباع الوسط اي الكفاح ضد الانتهازية. وتشترط المادة الثالثة ربط العمل السري بالعمل العلني. وتشترط المادة الرابعة العمل في الجيش. وتشترط المادة الخامسة العمل في الريف وكسب الفلاحين والعمال الزراعيين. وتشترط المادة السادسة تثقيف العمال على انه بدون الاطاحة بالراسمالية لا يمكن تحقيق السلام او نزع السلاح او الديمقراطية الحقيقية للطبقة العاملة. وتشترط المادة السابعة ان تقطع الاحزاب الشيوعية علاقتها مع الاصلاحيين والوسطيين بصورة مطلقة. وتشترط المادة الثامنة ان تلتزم الاحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية بفضح امبريالية دولها في المستعمرات وبمساندة حركات التحرر الوطني فيها. وتشترط المادة التاسعة العمل في النقابات والجمعيات التعاونية والمنظمات الجماهيرية. وتشترط المادة العاشرة ضرورة النضال الدائم ضد الاممية الثانية او اممية امستردام. وتشترط المادة الحادية عشرة ان تخضع الكتلة البرلمانية للحزب بصورة مطلقة للجنة الحزب المركزية. وتشترط المادة الثانية عشرة ان يسيطر الحزب على صحافته سيطرة تامة. وتشترط المادة الثالثة عشرة بناء الاحزاب الشيوعية على اساس المركزية الديمقراطية والانضباط الحديدي واخذ ظروف العمل السري بنظر الاعتبار. وتشترط المادة الخامسة عشرة ان تساند الاحزاب الشيوعية كل دولة سوفييتية حيثما كانت. وتشترط المادة السادسة عشرة ان تلغي الاحزاب الشيوعية برامجها الاشتراكية الديمقراطية القديمة وتضع برامج شيوعية وان تقدم هذه البرامج الى الاممية الشيوعية للمصادقة عليها. وتشترط المادة السابعة عشرة الالتزام بقرارات الاممية الشيوعية. وتشترط المادة الثامنة عشرة تسمية احزاب الاممية الثالثة احزابا شيوعية. وتشترط المادة التاسعة عشرة ان تدعو احزاب الاممية الشيوعية بعد المؤتمر الثاني الى عقد مؤتمرات حزبية تصادق على جميع الالتزامات الواردة في المواد السابقة. نرى من كل هذا ان لينين وجميع الماركسيين شعروا في ١٩١٤ ان الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية، احزاب الاممية الثانية، التي من المفروض انها احزاب تقود الطبقة العاملة في نضالها من اجل التحرر من العبودية الراسمالية، قررت التخلي عن مقرراتها التي اتخذتها في ١٩١٢ بالوقوف ضد اي حرب تشنها البرجوازية من اجل اعادة اقتسام العالم وزيادة نهبه واستغلاله ووقوف كل حزب اشتراكي ديمقراطي الى جانب برجوازيته في حرب النهب والسلب العالمية. شعر الماركسيون في جميع العالم ان الطبقة العاملة وجميع الكادحين يرسلون لذبح بعضهم بعضا لتحقيق مطامع البرجوازية التي لا حدود لها. وشعروا ان الطبقة العاملة لا تستطيع مواصلة النضال ضد الراسمالية الا بالتخلص من نفوذ هؤلاء القادة الذين يقودونهم لا لمصلحتهم بل لمصلحة البرجوازية. ولذلك قرر الماركسيون ان من واجبهم تشكيل احزاب ومنظمات منفصلة كليا عن هذه الاحزاب التي خانت مصالح الطبقة التي تألفت الاممية الثانية لخدمتها. وهذا ما نشاهده في كافة شروط لينين للقبول في الاممية الثالثة او الاممية الشيوعية. يمكن تشبيه الاممية الشيوعية بحزب شيوعي كبير او تشبيه الحزب الشيوعي باممية شيوعية صغيرة لان الاممية الشوعية مبنية على اساس الاحزاب الشيوعية والاممية الشيوعية نشأت للمساعدة على تأسيس وتطوير الاحزاب الشيوعية. فكما ان الحزب الشيوعي منظمة طوعية ينتمي اليها من يؤمن بمبادئه ويكون على استعداد لتحمل مشاق النضال فيه من سجون ومعتقلات واضطهاد واعدامات. فليس بين الاحزاب الشيوعية الحقيقية اي حزب اجبر عاملا او مثقفا او فلاحا على الانتماء الى الحزب بل ان الحزب الشيوعي يضع شروطا شديدة الدقة لقبول اعضائه ويضع طالب الانتماء تحت التجربة لمدة طويلة قبل التأكد من صلاحيته للانتماء الى الحزب. فالاممية الشيوعية هي الاخرى منظمة طوعية لا تجبر اي حزب على الانتماء اليها بل تضع الحزب تحت التجربة قبل ان تقرر قبوله في الاممية الشيوعية. فأنا شخصيا لم يجبرني احد على الانتماء الى الحزب الشيوعي بل انتميت اليه لاني اقتنعت بان هذا الحزب يمثلني ويمثل المبادئ التي احلم بها ولا اعتقد ان الباحثين اجبرا على الانتماء الى الحزب الشيوعي وتحمل المشاق التي لاقياها من جراء ذلك. فلماذا يلومان الاحزاب الشيوعية على اصرارها في انتقاء اعضائها بالنوعية التي تراها مناسبة للسير في النضال الذي تشنه وتؤمن به؟ ولماذا يتهمان الحزب الشيوعي او الاممية الشيوعية باحتكار الماركسية؟ فالباحثان لا يعتقدان اطلاقا بوجود انتهازية او خيانة للطبقة العاملة او عمالة للبرجوازية في صفوف الطبقة العاملة بل يعتبران ان هذه الاتجاهات كلها حركات ماركسية وعمالية ولكنها تختلف احداها عن الاخرى. ولهما كل الحق في اختيار المنظمة التي يعتبرانها اقرب الى ارائهما من غيرها ولكنهما ليسا صالحين في العرف الشيوعي للانضمام الى حزب شيوعي لا يوافق على ارائهما فهل هذا جريمة وهل يجب على الحزب الشيوعي ان يقبلهما في صفوفه رغم اختلافهما في الاراء معه؟ ليعذرني الباحثان عن اتخاذي منهما مثلا ولكن هذا المثل ينطبق على كل انسان. فكل انسان مخير في الانتماء الى المنظمة التي تمثله وتمثل اراءه وطموحاته ولكن لا يمكن اجبار اي حزب او اية منظمة على قبول شخص لا يؤمن باراء تلك المنظمة او الحزب. هذا هو السبب في تشدد الاممية الشيوعية في قبول الاحزاب التي تريد الانتماء اليها. ولا شك ان للمنظمات السياسية الاخرى ايضا قواعدها وشروطها لقبول الاعضاء فيها ولو انها تختلف عن شروط قبول العضوية في الاحزاب الشيوعية او قبول الاحزاب الشيوعية في الاممية الشيوعية. بعد ان يورد الباحثان نبذة عن مقالات كتبها او القاها لينين حول القضية الوطنية في المستعمرات واشباه المستعمرات بدون ان يبديا رايهما في تاييدها او شجبها يمران على المؤتمرات الخمسة التي عقدت في عهد لينين مر الكرام ويكتفيان بالفقرة التالية: "وخلال الفترة الواقعة بين ١٩١٩ – ١٩٢٤، اي الفترة التي كان لينين على رأس الحزب الشيوعي الروسي (البولشفي)، عقدت الاممية الشيوعية خمسة مؤتمرات متتالية لم تتغير فيها الاتجاهات الاساسية وحافظت على مضامينها ازاء حركات التحرر الوطني التي تميزت بالاعتدال عموما، رغم الزخم الثوري الذي تضمنته، الذي ربما تجاوز قدرات حركات التحرر الوطني على تحملها والايفاء بها، ورغم الممارسات اليسارية الانعزالية التي تجلت في كتابات ونشاطات الرواد الاوائل في مختلف البلدان، ومنها العراق. ومنذ ١٩٢٤ حتى حل الكومنترن لم تعقد الاممية الثالثة سوى مؤتمرين هما المؤتمر السادس، الذي عقد في عام ١٩٢٨، والمؤتمر السابع، الذي عقد في عام ١٩٣٥، اي فترة وجود يوسف ستالين على رأس الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية" (ص١٤٩) ففي المؤتمرات الخمسة اذن لم تتغير "الاتجاهات الاساسية وحافظت على مضامينها ازاء حركات التحرر الوطني التي تميزت بالاعتدال عموما". فما هي مضامين الاتجاهات الاساسية ازاء حركات التحرر الوطني وكيف تميزت بالاعتدال عموما؟ لكي نعرف شيئا عن مضامين الاتجاهات الاساسية ازاء الحركات الوطنية علينا ان نعود قليلا الى نظرية لينين في هذا الموضوع خصوصا وان اراء لينين كانت تتحول الى قرارات في مؤتمرات الاممية الشيوعية. في الواقع بدأ معلما الماركسية في بحث هذا الموضوع لانه كان موضوعا عمليا في ثورة ١٨٤٨ في المانيا. فقد بين انجلز منذ ذلك الحين ضرورة مساندة الطبقة العاملة البرجوازية في ثورتها كمقدمة للعمل على اسقاطها. وهو التمييز المالوف بين الثورة البرجوازية الديمقراطية كالثورة الالمانية وبين الثورات البروليتارية التي كانت تجابهها الدول الاوروبية التي اجتازت مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية. وقد بين انجلز في ذلك الحين ان المانيا، بعد نجاح الثورة البرجوازية الديمقراطية وتسلم البرجوازية الحكم تصبح ككل دول اوروبا الاخرى تجابه الثورة البروليتارية. ولكن هذا البحث لم يكن متطورا بالدرجة التي اصبح فيها في عهد لينين. منذ المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي سنة ١٩٠٣ اتخذ المؤتمر قرارا بان الثورة التي تجابه روسيا هي الثورة البرجوازية الديمقراطية وهي لذلك لا تستطيع ان تتجاوزها الى الثورة البروليتارية او الاشتراكية. ولكن لينين اوضح السياسة التي يجب اتباعها من قبل الحزب الاشتراكي الروسي (البولشفي) في هذه الثورة في كتابه الشهير "تكتيكان للاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية". وهناك ناقش قرارات مؤتمر المنشفيك في هذا الموضوع وبين سياسة الحزب البولشفي في هذه الثورة. وملخص نظرية لينين هو ان البرجوازية لم تعد في عهد الامبريالية قادرة على تحقيق ثورتها البرجوازية تحقيقا جذريا بينما من مصلحة البروليتاريا تحقيق هذه الثورة تحقيقا جذريا لان ذلك يقربها من ثورتها الاشتراكية. وفي هذا الكراس اعلن لينين عن وجود قيادتين للثورة البرجوازية، قيادة البرجوازية وقيادة البروليتاريا. وبين ان البروليتاريا قادرة على قيادة الثورة البرجوازية اذا افلحت في اجتذاب جماهير العمال والفلاحين تحت قيادتها. ولكي تستطيع اجتذاب العمال والفلاحين تحت قيادتها كان عليها ان تبعدهم عن قيادة البرجوازية وعن الانتهازيين مطايا البرجوازية في صفوف الطبقة العاملة. واذا اخذنا حقيقة ان اراء لينين كانت تصبح قرارات في الاممية الشيوعية فلابد ان سياسة الاممية الشيوعية حول الحركة الوطنية في المستعمرات واشباه المستعمرات كانت تنسجم مع نظرية لينين حول التكتيك الثوري الصحيح في الحركات الوطنية في هذه البلدان. فهل تميزت هذه السياسة بالاعتدال عموما؟ وما هي صفات هذا الاعتدال؟ لم ينورنا الباحثان في توضيح الاعتدال في سياسة الاممية الشيوعية ازاء الحركات الوطنية. كذلك لم يزودانا بامثلة عن كتابات الرواد اليسارية الانعزالية. يبدو لي ان هدف الباحثين حول الاممية الشيوعية كان يستهدف بالدرجة الاساسية فترة قيادة ستالين للاتحاد السوفييتي. وجاء في الفقرة المقتبسة اعلاه "رغم الزخم الثوري الذي تضمنته، الذي ربما تجاوز قدرات حركات التحرر الوطني على تحملها والايفاء بها". ان من يقرأ هذه العبارة يتصور كأن الاممية الشيوعية شركة تكلف الحزب الشيوعي بمهام كما لو كان عاملا او موظفا لديها. ان العلاقة بين الاممية الشيوعية وبين الاحزاب الشيوعية المنتمية اليها هي علاقة ارشاد ونصح، علاقة صديق كثير الخبرة بصديق قليل الخبرة. فالحزب الشيوعي يحدد برنامجه باهدافه الاستراتيجية والتكتيكية ويقدمه الى الاممية الشيوعية للتأكد من اتجاهه الماركسي الصحيح. فالاهداف الاستراتيجية والتكتيكية يضعها كل حزب حسب ظروفه المحلية والمرحلة التي يمر فيها. والمهام التي يضعها الحزب في شعاره الاستراتيجي للمرحلة هو الشعار الذي ينوي الحزب تطبيقه اذا افلح في تسلم السلطة السياسية. وقضية تحقيق هذا الشعار الاستراتيجي او عدم تحقيقه يتوقف على قدرة الحزب نفسه في تحقيق الظروف التي تحقق له الاستيلاء على السلطة السياسية. والصفة العامة للشعار الاستراتيجي في المستعمرات واشباه المستعمرات كانت في فترة وجود الاممية الشيوعية هي نفس شعارات الثورة الروسية التي وضعها الحزب البولشفي، اي هي وجوب تحقيق الثورة الاشتراكية في مرحلتين وليس في مرحلة واحدة. في المرحلة الاولى تحدث الثورة البرجوازية او الثورة الديمقراطية او الثورة التحررية لان نظم الحكم في هذه المستعمرات واشباه المستعمرات كانت اقطاعية استعمارية بصرف النظر عن درجة تطور المجتمع فيها من حيث الانتاج الراسمالي. وفي المرحلة الاولى من الثورة توجد طبقتان يهمهما تحقيق الثورة، الطبقة الراسمالية التي تريد من الثورة بالدرجة الرئيسية ان تستلم السلطة بدون ان تحقق للطبقة العاملة الا النزر اليسير والطبقة العاملة التي تريد تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا جذريا يقدم للطبقة العاملة والفلاحين الكثير من الفوائد والاهداف. ولذلك وجدت قيادتان للثورة البرجوازية في البلدان المستعمرة واشباه المستعمرات. فظروف تطور المجتمع هي التي قررت ضرورة وجود القيادتين والمنافسة فيما بينهما على قيادة الثورة. ونجاح اي من هاتين الطبقتين في قيادة الثورة يتوقف على مقدار عزل الطبقة المنافسة عن جماهير الثورة. فالثورة لا يقوم بها الحزب الشيوعي بل تقوم بها الجماهير بقيادة الحزب الشيوعي. ونظرا الى انعزال البرجوازية عن الجماهير وخوفها من الشعب المسلح فانها تفضل الثورة على شكل انقلابات عسكرية كما شاهدناه واضحا في اغلب الثورات التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية. واول حزب رفع شعار قيادة البروليتاريا للثورة البرجوازية هو الحزب البولشفي بقيادة لينين. ومع ذلك لم تفلح البروليتاريا الروسية في قيادة الثورة البرجوازية بالشكل الذي اراده لينين بل حدثت الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية وعناصر انتهازية تجعل الطبقة العاملة ذيلا للطبقة البرجوازية. لذلك اصبح في روسيا بعد ثورة شباط ١٩١٧ سلطتان، السلطة البرجوازية وسلطة السوفييتات، فرفع لينين شعار كل السلطة للسوفييتات رغم وجود المنشفيك والاشتراكيين الثوريين في قيادة هذه السوفييتات. ولكن سلوك المنشفيك والاشتراكيين الثوريين المتحالف مع الراسمالية ضد الطبقة العاملة ادى الى انتهاء سلطة السوفييتات وترسخ نظام الحكم الراسمالي مما ادى الى رفع شعار الثورة. نرى من هذا ان الحزب الاشتراكي الروسي هو الاخر لم يفلح في تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة البروليتاريا، اي ان الشعار "تجاوز قدرات الحزب البولشفي على تحمله والايفاء به" ولم يفلح اي حزب في فترة وجود الاممية الثالثة في تحقيق ثورة برجوازية بقيادة البروليتاريا بل لم تتحقق في تلك الفترة ثورات برجوازية في اية مستعمرة حتى تحت قيادة البرجوازية. وكانت اعظم ثورة برجوازية تحققت تحت قيادة البروليتاريا الثورة الصينية التي انتصرت سنة ١٩٤٩. وبدأت المشكلة حسب رأي الباحثين بعد وفاة لينين واستلام ستالين قيادة الحزب والدولة. وهنا ليسمح لي القراء بان اسعفهم باقتباس طويل يشكل وجهة نظر الباحثين في التحولات التي جرت بتأثير ستالين على الاممية الشيوعية في مؤتمرها السادس المنعقد في ١٩٢٨. "وفي اعقاب موت لينين وتفاقم الصراع الداخلي في الاتحاد السوفييتي بين مختلف التيارات في الحزب الشيوعي السوفييتي، اتخذت قيادة الحزب التي كان يوسف ستالين يقف على راسها، قرارات جديدة في مجال تكثيف وتوسيع عمليات التصنيع وتنشيط التجارة الخارجية وتحقيق جملة من المهمات المباشرة، كما قررت تنشيط الكفاح ضد من اتهموا بخيانة الحزب والدولة السوفييتية. وانعكس كل ذلك على الاممية الشيوعية ونشاطها ودورها وما نشرته من كتابات ابتداءا من عام ١٩٢٥. ففي العدد التاسع / السنة الخامسة ١٩٢٥ من صحافة الاممية الدورية Internationale Presse Korrespondenz نشر بحث مطول عن الاسس الايديولوجية للتروتسكية بقلم بيلا كون، كما امتلات الصحافة السوفييتية بدراسات حول هذا الموضوع. واتخذ المؤتمر السادس للاممية الشيوعية في عام ١٩٢٨ جملة من القرارات المتشددة بشأن التكتلات الماركسية غير اللينينية، اذ كان ستالين قد بدأ بتشديد كفاحه باتجاهين ضد احزاب الاممية الثانية، باعتبارها ذات اتجاهات يمينية تساومية مع الراسمالية العالمية، وضد الاتجاهات التروتسكية، باعبارها حركة ذات اتجاهات يسارية متطرفة ومطية من مطايا الامبريالية العالمية في صفوف الطبقة العاملة العالمية. فكانت قرارات المؤتمر السادس للاممية الشيوعية ذات طبيعة انعزالية يسارية ناشئة عن المواقف والقرارات التي اتخذتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين التي تمثلت باجراء التحولات الجذرية في الزراعة الفردية الى الزراعة التعاونية والجماعية الحكومية – الكولخوزات والسوفخوزات – التي عمقت المشكلات السياسية والاقتصادية في البلاد السوفييتية، والتي تلت قرارات التصنيع المكثف والواسع الذي اتخذه الحزب سنة ١٩٢٥ وتجلى في برنامج ١٩٢٦ – ١٩٢٩. وكان لهذه المواقف الجديدة تأثيراتها المباشرة على الحركة الوطنية والديمقراطية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ومنها العراق." (ص ١٤٩) اكتفي بهذا القدر من هذه الفقرة اذ ان القسم التالي منها يعود الى المؤتمر السابع للاممية الذي سيأتي بحثه لاحقا. حقا ان مناقشة هذه الفقرة مناقشة مفصلة يتطلب كتابا وليس فقرة او فقرتين من مقالة عن الاممية الشيوعية. ولا ادري كيف استطيع مناقشة الافكار التي وردت فيها. ولكني سوف اقتطف بعض العبارات واناقشها بايجاز على قدر المستطاع. من المعروف ان الصراع ضد التكتلات داخل الحزب البولشفي تفاقمت في الفترة موضوع البحث. فقد قرر الحزب اكمال الثورة الاشتراكية بالقضاء على بقايا الطبقات الراسمالية اذ لا يمكن تحقيق المجتمع الاشتراكي مع بقاء فئات واسعة من الطبقة الراسمالية. فكيف يمكن ان يتحقق المجتمع الاشتراكي مع وجود فئات تستغل الطبقة العاملة والفلاحين؟ وقد وقفت شتى الفئات التكتلية ضد سياسة الحزب في القضاء على بقايا الراسمالية. ومن المعروف ان اوسع فئة راسمالية بقيت حرة في الاتحاد السوفييتي كانت طبقة الكولاك التي اخذت تقاوم توسيع المزارع التعاونية وتتلف انتاجها الزراعي لكي لا تبيعه للحكومة السوفييتية. حتى سنة ١٩٢٨ تحملت الحكومة السوفييتية ظلم الكولاك وتعسفهم لان الانتاج الزراعي وخصوصا انتاج القمح في الكولخوزات والسوفخوزات لم يكن كافيا لسد حاجات المجتمع السوفييتي. وفي ١٩٢٨ بلغ انتاج القمح في هذه المزارع ما يكفي لسد حاجات المجتمع السوفييتي مما جعل بامكان المجتمع السوفييتي الهجوم على الكولاك من اجل ابادتهم كطبقة. وفي هذا الوضع وقفت التكتلات الموجودة في داخل الحزب ضد سياسة الحزب في القضاء على الكولاك كطبقة. ومن المعروف ان تروتسكي فرض على الحزب استفتاءا ثالثا في ١٨٢٨ حول ارائه وحول نظرية الثورة الدائمة التي كان يدعو لها فصوت الحزب باغلبية ١٨٤٠٠٠مقابل ٤٠٠٠ ضد تروتسكي. واذ ذاك اتخذ الحزب قرارا بطرد هذه العناصر من الحزب. وكان بين المطرودين تروتسكي، بخارين، زينوفييف، كامينيف، وقائمة اخرى طويلة. وطرد العضو من الحزب هو اقصى ما يستطيع الحزب اجراءه لصيانة وحدته. وكان من الطبيعي ان يجري تثقيف مكثف حول التروتسكية واراء المتكتلين الاخرين من اجل السير في سياسة الحزب الرامية الى القضاء على الكولاك كطبقة كخطوة في سبيل تحقيق الاشتراكية. ومن يريد ان يصدر حكمه حول هذه القرارات عليه اولا ان يدرس تاريخ هؤلاء المطرودين منذ ايام لينين الى تاريخ طردهم ليتحقق مما اذا كان طردهم جاء مفاجئا ام كان تراكما لسلسلة نضالات معادية للينين وللحزب السوفييتي. ولكن الحزب بقيادة ستالين اعاد الاغلبية الساحقة من هؤلاء المطرودين بعد ان قدموا للحزب اعترافاتهم بسياساتهم المعادية للحزب والاعتراف بصحة سياسة الحزب تحت قيادة ستالين. وليتهم لم يفعلوا. ولكن الباحثين اوردا في هذا المضمار عبارة "من اتهموا بخيانة الحزب والدولة السوفييتية" وهذا لا يعود الى فترة المؤتمر السادس للاممية الشيوعية ولا حتى المؤتمر السابع. فاتهامات الخيانة والمحاكمات التي جرت بصددها كانت في السنوات ١٩٣٦ – ١٩٣٨. ويستطيع الباحثان ان يتهما الدولة السوفييتية بانها اتهمت هؤلاء بالخيانة. ولكن الحقيقة هي ان هؤلاء حوكموا في محكمة علنية حضرها جميع سفراء الدول الممثلة في الاتحاد السوفييتي وحضرها صحفيون من العالم كله اعترف المتهمون فيها بقيامهم بالتخريبات وبالاغتيالات داخل الاتحاد السوفييتي واعتروفوا كذلك بعقد اتفاقات مع الحكومة النازية لمساعدتهم على اسقاط الحكم السوفييتي مقابل تنازلات واسعة يقدمونها الى الحكومة الالمانية واعترفوا بان هذه المعاهدة قد عقدها تروتسكي نيابة عنهم واعترفوا بانهم انما قاموا بكل ذلك من اجل اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي اي انهم كانوا الرتل الخامس الالماني مثل اخوانهم في بلدان اوروبا الاخرى كالنمسا وفرنسا وغيرها. ومع ذلك يستطيع الباحثان ان يسميا ذلك اتهاما للابرياء فهل في ذلك "تجاوز على الماركسية والمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والتحليل العلمي"؟! ويلوم الباحثان الحزب البولشفي على الخطوات الاقتصادية والسياسية التي اتخذها بقيادة ستالين في هذه السنوات كالتصنيع وتعميم الزراعة التعاونية وغيرها وهي بالذات السياسات التي حققت تحول المجتمع السوفييتي الى مجتمع اشتراكي وحولت الاتحاد السوفييتي من دولة زراعية متاخرة الى ثاني دولة صناعية في العالم وخلقت الظروف التي مكنت الاتحاد السوفييتي من صد وتحطيم اعظم ماكنة حربية في تاريخ البشرية حتى ذلك التاريخ، الحكومة النازية الهتلرية. فالمسألة اذن شجب كل ما قام به الحزب البولشفي وشعوب الاتحاد السوفييتي من انجازات عظمى تحت قيادة ستالن وتأييد جميع الكتل المعارضة التي وقفت حجر عثرة في سبيل تطبيق ذلك وتسميتها ب"التكتلات الماركسية غير اللينينة" (ص ١٤٩). فهل في ذلك "تجاوز على الماركسية والمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والتحليل العلمي"؟! وبصدد المؤتمر السادس للاممية الشيوعية يقول الباحثان "واتخذ المؤتمر السادس للاممية الشيوعية في عام ١٩٢٨ جملة من القرارات المتشددة بشأن التكتلات الماركسية غير اللينينية، اذ كان ستالين قد بدأ بتشديد كفاحه في اتجاهين ضد احزاب الاممية الثانية باعتبارها ذات اتجاهات يمينية تساومية مع الراسمالية العالمية، وضد الاتجاهات التروتسكية، باعتبارها حركة ذات اتجاهات يسارية متطرفة ومطية من مطايا الامبريالية العالمية في صفوف الطبقة العاملة العالمية." (ص ١٤٩- ١٥٠). ان الكفاح ضد جميع انواع الانتهازية فخر لكل انسان مخلص لمصالح الطبقة العاملة ومنهم ومن اعظمهم كان ستالين. ولكن اتهام ستالين بتشديد هذا الصراع ظلم واجحاف بحق لينين الذي لم يكن يماثله في هذا النضال سوى ماركس وانجلز. وابرز مثال على ذلك شروط القبول في الاممية الشيوعية التي وضعها لينين وليس ستالين وكتاب كاوتسكي المرتد الذي كتبه لينين وليس ستالين ولا يوجد في كتابات لينين صفحة واحدة خالية من النضال ضد كافة انواع الانتهازية اليمينية و"اليسارية". ان الادعاء بان ستالين هو الذي تشدد في الكفاح ضد الاممية الثانية وكافة انواع الانتهازية وحتى ضد التروتسكية ادعاء غير صحيح. ففي كتابات لينين الكثير من الانتقادات لسياسات واراء تروتسكي الانتهازية. اما اذا اشتد النضال ضد التروتسكية في ١٩٢٨ فقد جرى لان التروتسكية اصبحت خطرا يهدد كيان الاتحاد السوفييتي فوقعت هذه المهمة على عاتق الحزب البولشفي بقيادة ستالين لان لينين لم يكن حاضرا انذاك. ينتقد الباحثان المؤتمر السادس للاممية الشيوعية على نقاط معينة اتناول ثلاثا منها لانها مهمة وان الانتقادات الاخرى كالعمل بين الشباب والتدخل في شؤون الاحزاب الشيوعية وممارسة الاساليب القديمة ليست مهمة بالنسبة لموضوع هذا المقال. الانتقاد الاول هو الموقف من الاممية الثانية والاحزاب الاشتراكية الديمقراطية وبشكل خاص جماهير هذه الاحزاب مما يعتبرها الباحثان صراعات غير مبررة وعدم التفتيش عن نقاط الالتقاء معها الخ.. وسيجري نقاش هذه النقطة عند بحث التراجع عن هذه السياسة في المؤتمر السابع للاممية الشيوعية. والنقطة الثانية هي "الاعتقاد بان البروليتاريا في المستعمرات واشباه المستعمرات قد احرزت بالفعل قيادة حركة التحرر الوطني وان النضال يفترض ان يتوجه صوب اقامة سلطة العمال والفلاحين ضد البرجوازية الوطنية باعتبارها قوة رجعية مكشوفة والنظر الى جناحها اليساري كقوة خطيرة للغاية يفترض توجيه النضال ضدها" وقد اقتبس الباحثان هذه العبارة من مزور التاريخ ريزنيكوف الانف الذكر بدون وضع الاقتباس بين قويسين كما هو مالوف في الاقتباس. وهذه العبارة تدل على جهل او تشويه متعمد للنظرية اللينينية في موضوع قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية. في المرحلة الامبريالية اصبحت البرجوازية الوطنية في المستعمرات واشباه المستعمرات غير قادرة على انجاز ثورتها البرجوازية انجازا جذريا وتوفرت للبروليتاريا في هذه البلدان امكانية قيادة الثورة البرجوازية وانجازها انجازا جذريا لان ذلك يقربها من هدفها الاساسي اي الثورة الاشتراكية. وهذه النظرية كما راينا كانت من وضع لينين منذ المؤتمر الثاني للحزب البولشفي سنة ١٩٠٣. ولكن مفهوم "الاعتقاد بان البروليتاريا احرزت بالفعل قيادة حركة التحرر الوطني" عبارة لا معنى لها. لان احراز اي من الطبقتين قيادة الحركة لا يمكن ان يحدث الا عند القيام بالثورة. فموضوع قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية هو امكانية وليس اكثر من ذلك. والامكانية تعني امرين فاما ان تحرز البرجوازية قيادة الحركة فتحدث الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية وتأتي نتيجة ذلك دولة برجوازية واما ان تحرز البروليتاريا قيادة الحركة وتحدث الثورة تحت قيادة البروليتاريا واذ ذاك تتألف سلطة اسماها لينين "دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية". ولكن البروليتاريا لا تعتبر البرجوازية الوطنية في هذه البلدان قوة رجعية وانما قوة لم تعد قادرة على قيادة الثورة قيادة جذرية وقيادة البروليتاريا لهذه الثورة لا تعني التخلي عن قدرات البرجوازية الوطنية وانما تعني اجتذاب البرجوازية للتحالف مع البروليتاريا في جبهة وطنية. ومن المعروف ان البرجوازية لا تتحالف مع البروليتاريا في جبهة الا اضطرارا. واكبر دليل على ذلك موقف فهد من البرجوازية الوطنية العراقية ودعوتها الى الجبهة الوطنية رغم ان فهد من اشد الملتزمين بشروط عضوية الاممية الشيوعية وبتعليماتها. والنقطة الثالثة هي "ومما هو جدير بالاشارة الى ان ستالين كان قد طرح ولاول مرة من على منصة المؤتمر السادس للاممية الشيوعية ... اضافة اللينينية الى الماركسية بحيث تصبح مثلا في ضوء الماركسية – اللينينية باعتبارها ماركسية القرن العشرين، ماركسية عصر الامبريالية والثورة الاشتراكية. وكانت هذه الخطوة الاولى على طريق اضافة الستالينية الى اللينينية في المؤتمر السابع... " (ص ١٥١- ١٥٢) وهذه العبارة ايضا مقتبسة من مزور التاريخ ريزنيكوف بدون قويسي الاقتباس. يعرف العالم كله ويعرف الباحثان ايضا ان ستالين القى سنة ١٩٢٤ محاضرات في جامعة سفردلوف وضع فيها اسس اللينينية وصدرت هذه المحاضرات في كتاب ذكره الباحثان في مجرى حديثهما عن وسائل التدريس في جامعة كادحي الشرق. ومنذ ١٩٢٤ اصبح كل شيوعيي العالم يذكرون الماركسية اللينينية بدلا من الماركسية مجردة. والقول بان ستالين فرض ذلك لاول مرة على الاممية الشيوعية مجرد افتراء. فاذا جاء ذكر الماركسية اللينينية في المؤتمر السادس فليس ذلك سوى تعبير عما يجري على لسان كل شيوعيي العالم منذ ١٩٢٤. والنقاش الحقيقي الذي يجب ان يحدث عند التحليل العلمي هو هل توجد لينينية حقا؟ هل هي ماركسية عصر الامبريالية حقا؟ ولكن الباحثين يعتبران مجرد ذكر كلمة اللينينية مؤشرات "على بروز شديد لعبادة ستالين بعد البدء بالتحضير له من خلال عبادة شخص لينين" (ص ١٥٤). فمجرد ذكر كلمة لينينية هو في عرف الباحثين عبادة لينين ومقدمة لعبادة ستالين. وهذا شأنهما. كان المؤتمر السادس اذن، حسب راي الباحثين او حسب راي مزور التاريخ ريزنيكوف، نتيجة لقيادة ستالين، مؤتمرا متزمتا انعزاليا متشددا في النضال ضد الاممية الثانية، تسوده المهاترات واتهامات الابرياء من الماركسيين غير اللينينيين ومنغمسا في عبادة لينين واللينينية. وعقد المؤتمر السابع والاخير للاممية الشيوعية سنة ١٩٣٥. ويقول الباحثان "طرح المؤتمر السابع للاممية الشيوعية خطا جديدا في موضوع التحالفات الطبقية والسياسية في ضوء التحولات الجارية على الصعيد العالمي، وخاصة في اعقاب وصول الحزب النازي الى السلطة في المانيا عام ١٩٣٣... " (ص ١٥٢). ولم يسعفنا الباحثان في هذا الصدد برايهما حول ما اذا كان هذا الخط الجديد بتأثير من ستالين ام تحديا له. يبدو ان ذلك ليس مهما في نظرهما ولكن مستلزمات "الماركسية والمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والتحليل العلمي" تحتم توضيح هذه النقطة خصوصا وان تزمت وانعزالية المؤتمر السادس عزيت الى ستالين. ولكن دعونا من مناقشة هذه النقطة اذ ليس مهما ان كان ستالين راضيا او مؤثرا في اتخاذ الخط السياسي الجديد ام لا. المهم هو ان المؤتمر طرح الخط السياسي الجديد وتخلى عن المهاترات وعن اتهامات الابرياء. فيقول الباحثان "عجز الحزب الشيوعي الالماني والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني عن ايجاد قواسم مشتركة للتعاون في ما بينهما لعرقلة مجيء الهتلرية الى السلطة رغم وجود مهمات وطنية وطبقية كثيرة كانت تستوجب تحقيق مثل هذا التعاون. وكانت الاتهامات والمهاترات المتبادلة تعيق اي شكل من اشكال التعاون بينهما." (ص ١٥٢) في هذه العبارة يبدو الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني متساويان، والحمد لله، في سياسة المهاترات والاتهامات، وليس الذنب ذنب الحزب الشيوعي الالماني وحده او الاممية الشيوعية وستالين وحدهما في ذلك. وما هي الاسباب التي جعلت الاممية الشيوعية تطرح هذه السياسة الجديدة؟ يقول الباحثان "وكانت احداث عام ١٩٣٤ ومحاولات الوصول الى السلطة من جانب الاحزاب الفاشية في عدد من البلدان الاوروبية، ومنها فرنسا والنمسا واسبانيا والبرتغال مثلا، دافعا اضافيا للعمل من اجل تحقيق سياسات الجبهة الشعبية." (ص١٥٣) كانت التقارير الاساسية في المؤتمر السابع ثلاثة هي تقرير ويلهلم بيك قائد الحزب الشيوعي الالماني وتقرير قائد الحزب الشيوعي الايطالي وتقرير قائد الحزب الشيوعي البلغاري ديمتروف الذي كان سكرتير الاممية الشيوعية لدى انعقاد هذا المؤتمر. وطبيعي ان تقرير ديمتروف كان الاهم من حيث تحديد سياسة الاممية الشيوعية. تقرير ديمتروف الذي "برز فيه المهمات العاجلة التي تواجه الحركة الشيوعية العالمية واحزابها مؤكدا على الموضوعة الرئيسية للمؤتمر، وهي اقامة التحالفات الشعبية والوطنية لمواجهة مخاطر الفاشية والحرب العالمية المحتملة. وكان على ديمتروف ان يؤكد بان المهمة ليست في دفاع الشيوعيين عن احزابهم وبلدانهم، بل في شن الهجوم على الفاشية والعدو الطبقي ومنعهما من اكتساح البلدان الاوروبية، اذ ان الهجوم وبهذا المعني خير وسيلة للدفاع عن النفس والوطن" (ص ١٥٣). ولم يشر الباحثان الى المصدر الذي اقتبسا منه هذه العبارة ولكنهما في سياق هذه الفقرة يقتبسان من مقالة للدكتور ماهر شريف في الثقافة الجديدة عن ديمتروف. ولا ادري لماذا يلجأ الباحثان الى الاقتباس من مقال كتبه شخص عن ديمتروف في حين ان تقرير ديمتروف متوفر في جميع لغات العالم. فليسمح لي قرائي الكرام ان اقتبس بعض العبارات من تقرير ديمتروف نفسه وان اقترح على الباحثين ان يتنازلا ويرجعا الى الخطاب نفسه من اجل تحليله. ويبدو من العبارة ان ديمتروف قال ان "المهمة ليست في دفاع الشيوعيين عن احزابهم وبلدانهم، بل في شن الهجوم على الفاشية". نجد في هذه العبارة عرضا غريبا لاراء ديمتروف قائد الاممية الشيوعية التي تقود جميع الاحزاب الشيوعية المنتمية اليها. فديمتروف يميز بهذه العبارة بين الدفاع عن الحزب والوطن وبين الهجوم على الفاشية، وكأن الهجوم على الفاشية ليس دفاعا عن الاحزاب الشيوعية وعن الوطن. ندعو الله ان يغفر لديمتروف هذه الخطيئة بالتخلي عن الدفاع عن الحزب والوطن في سبيل الهجوم على الفاشية. يبدأ تقرير ديمتروف بالعبارة التالية : "ايها الرفاق، منذ وقت مبكر انذر المؤتمر السادس للاممية الشيوعية البروليتاريا العالمية من هجوم فاشي جديد كان مقبلا ودعا الى النضال ضده. وقد اشار المؤتمر الى ان الميول الفاشية قد تطورت نوعا ما وان جرثومة حركة فاشية توجد في كل مكان تقريبا". (الخط المائل اقتبسه ديمتروف من وثائق المؤتمر السادس). فالمؤتمر السادس حسب ديمتروف قد حذر من الحركة الفاشية حين كانت في دور النشوء. ثم يخصص ديمتروف عدة صفحات لشرح الطابع الطبقي للفاشية وطبيعة الدولة الفاشية. ثم يتساءل ديمتروف "لماذا استطاعت الفاشية ان تنتصر، وكيف؟" ويخصص ديمتروف صفحات للاجابة على هذا السؤال اقتبس النزر اليسير منها ادناه وانصح القارئ ان يحاول قراءة نص التقرير لانه يحتوي على الكثير من المعلومات التي تفيدنا حتى اليوم في فهم الاحداث التي تجري حوالينا. "استطاعت الفاشية ان تاتي الى السلطة بالدرجة الرئيسية لان الطبقة العاملة، نظرا لسياسة التعاون الطبقي مع البرجوازية التي اتبعها قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني برهنت على انها منشقة سياسيا وعزلاء تنظيميا تجاه هجوم البرجوازية.ولم تكن الاحزاب الشيوعية، من الناحية الثانية، بالانعزال عن الاشتراكيين الديمقراطيين وبالضد منهم، من القوة بما يكفي لاثارة الجماهير وقيادتها في نضال حازم ضد الفاشية." (التأكيد في الاصل) وفي مكان اخر يقول التقرير "لو ان البروليتاريا الالمانية والنمساوية في ١٩١٨، حين اندلعت الثورة في المانيا والنمسا لم تتبع قيادة اوتو باور وفريدريك ادلر وكارل رينر في النمسا وايبر وشيدمان في المانيا الاشتراكية الديمقراطية بل اتبعت الطريق الروسي البولشفي، طريق لينين، لما وجدت اليوم فاشية في النمسا والمانيا، ولا في ايطاليا وهنغاريا وبولونيا والبلقان. ولما كانت البرجوازية منذ زمن طويل بل الطبقة العاملة سيدة الموقف في اوروبا." ثم يشرح ديمتروف في عدة صفحات كيف ان هذه الثورات في النمسا والمانيا جاءت بالاشتراكيين الديمقرطيين للسلطة وكيف ان تعاون الاشتراكيين الديمقراطيين مع البرجوازية ضد الطبقة العاملة ادى الى تحطيم السلطة العمالية وسيادة البرجوازية. ويشرح نفس الشيء في اسبانيا وغيرها من بلدان اوروبا وياتي الى النتيجة التالية: "بهذه الطريقة التي قام بها الاشتراكيون الديمقراطيون بتحطيم تنظيم الطبقة العاملة وشق صفوفها افسحت الطريق للفاشية في المانيا والنمسا واسبانيا." فانتصار الفاشية اذن لم يكن بسبب انعزالية الاحزاب الشيوعية او المهاترات المتبادلة او عدم الوصول الى قواسم مشتركة بل كان نتيجة للتعاون الطبقي بين الاشتراكيين الديمقراطيين الموجودين في السلطة وبين البرجوازية ضد طبقاتهم العاملة. فالشيوعيون كانوا دائما منذ المؤتمر السادس وحتى المؤتمر السابع اشد المناضلين من اجل تحقيق الجبهات المعادية للفاشية ولتحقيق وحدة العمال والفلاحين من اجل تفادي وقوع الحرب العالمية الثانية ولكن تعاون الاشتراكيين مع البرجوازية والامتناع عن الاستجابة لدعوات الاحزاب الشيوعية الى الوحدة ضد تقدم الفاشية هو السبب الرئيسي لانتصار الفاشية. ولم تكن الدعوة الى التحالفات والجبهات الوطنية والشعبية خطا جديدا على الاممية الشيوعية والاحزاب الشيوعية في المؤتمر السابع بل كانت تاكيدا على ضرورة انصياع الاشتراكيين الديمقراطيين لضرورة وحدة الحركات العمالية والتخلي عن سياسة التعاون مع البرجوازية من اجل منع مجيء الفاشيين الى السلطة في بلدان اوروبا الاخرى مثل فرنسا ومن اجل النضال ضد نشوب حرب عالمية ثانية. وبصدد شروط الاممية الشيوعية لعقد الجبهات الشعبية جاءت العبارة التالية: "هل من الممكن تحقيق وحدة عمل البروليتاريا هذه في بلدان معينة وخلال العالم كله؟ نعم ممكن. وهو ممكن في هذه اللحظة بالذات. ان الاممية الشيوعية لا تضع شروطا من اجل وحدة العمل عدا شرط واحد، وهو على كل حال شرط اولي يقبله جميع العمال، وهو ان تكون وحدة العمل موجهة ضد الفاشية، ضد هجوم الراسمال، ضد التهديد بالحرب، ضد العدو الطبقي. هذا هو شرطنا." وبعد ان يبحث ديمتروف امكانيات تحقيق الجبهة والتحالف في كل بلد من بلدان اوروبا والولايات المتحدة كلا على حدة وبعد ان يشرح طبيعة هذه الجبهات ينهي كلامه بالعبارة التالية: "يجب كذلك ان يكون راسخا في الذهن، عموما، ان العمل المشترك مع الاحزاب او المنظمات الاشتراكية الديمقراطية يتطلب من الشيوعيين انتقادا حادا وواسعا للاشتركية الديمقراطية باعتبارها نظرية وممارسة التعاون الطبقي مع البرجوازية، وتوضيحا رفاقيا لا هوادة فيه للعمال الاشتراكيين الديممقراطيين لبرنامج وشعارات الشيوعية، وفي بلدان الحكومات الاشتراكية الديمقراطية تكون هذه المهمة ذات اهمية استثنائية في النضال من اجل الجبهة الموحدة." اكتفي بهذا النزر اليسير من اقتباس تقرير ديمتروف لان الاكثار من الاقتباس يطيل هذا المقال. ولكن التقرير كله مبني على نفس الاساس الفكري الماركسي اللينيني الذي نستخلصه من هذه الفقرات المقتبسة اعلاه. ونرى من هذا ان ديمتروف يعتقد ان التحذير من تصاعد الفاشية جاء في المؤتمر السادس وان سياسة الاحزاب الشيوعية كانت كل الوقت تعمل وتناضل في سبيل تحقيق جبهة عمالية قوية ضد الفاشية وان السبب الوحيد في عدم التوصل الى الوحدة كان موقف احزاب الاممية الثانية المتعاون مع البرجوازية والمعادي للحركة العمالية الحقيقية. وان اهمية المؤتمر السابع هي انه ركز على ضرورة الوحدة بعد ان ظهرت صحة التحذيرات الشيوعية طيلة الفترة الواقعة بين المؤتمرين وخطورة سياسة الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية وخصوصا منها الموجودة في السلطة منفردة او بالائتلاف في الحكومات البرجوازية في افساح المجال لانتصار الفاشية وتسلمها الحكم والتحضير للحرب العالمية الثانية. وواصل الباحثان تحليلهما للمؤتمر السابع ببحث موضوع عبادة الشخصية. وبعد ان تحدثا عن ابراز ستالين كقائد للحركة الشيوعية العالمية جاءت العبارة التالية: "فقد جاء في قرارات المؤتمر السابع بشان الوضع في الاتحاد السوفييتي فقرة تتضمن ثلاثة مؤشرات عل بروز شديد لعبادة ستالين بعد البدء بالتحضير له من خلال عبادة شخص لينين، وهي • الاشارة الواضحة والصريحة الى اللينينية – السالينية في المسألة القومية، بعد ان كان الحديث يجري منذ عام ١٩٢٨ عن اللينينية فقط، وقبل ذلك عن الماركسية فقط. • التمجيد بالقائد الشيوعي الحكيم والذي ناضل جنبا الى جنب مع لينين العظيم، الرفيق يوسف ستالين وربط انتصار الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي بقيادته الحكيمة، لقد كانت عملية تأليه ملموسة للفرد، لشخص ستالين، التي اتخذت ابعادا جديدة في الحرب الوطنية ضد الفاشية وفي اعقاب الانتصار عليها. • اعتبار القائد الحكيم الرفيق يوسف ستالين ليس قائدا للحزب الشيوعي السوفييتي والشعب السوفييتي فحسب، بل وقائدا للحركة الشيوعية العالمية وللبروليتاريا في العالم." (ص ١٥٤) وعلى الاصول لم يكلف الباحثان نفسيهما اقتباس هذه الفقرة البالغة الاهمية من قرارات المؤتمر السابع. وقد جاء في الملاحظة الاولى امران بالغا الاهمية، اللينينية باعتبارها عبادة لينين واللينينية السالينية في المسألة القومية. هل هناك شيء اسمه اللينينية ايها الباحثان؟ فقد جرى شرح اللينينية بجميع اسسها وصفاتها واذا كان الباحثان يعتبرانها عبادة لينين فعليهما ان يدحضا اولا الاسس المحددة للينينية، وعليهما ان يبرهنا ان ما يدعى اللينينية مجرد اوهام ولا وجود لها لكي يتوصلا بعد ذلك الى ان اللينينية هي عبادة شخص لينين. اترك ذلك لهما. اما اللينينية الستالينية في المسألة القومية فهذا خلط اخر. من المعروف حتى قبل ثورة اكتوبر ان بحث ستالين للمسألة القومية كان معترفا به بانه خير بحث للقضية القومية. وطبيعي ان بحوث ستالين في القضية القومية متوفرة لدى الباحثين ويستطيعان نقدها اذا اعتبراها غير صحيحة. ولكن لينين والحزب الشيوعي السوفييتي وكافة شيوعيي العالم كانوا يعتبرونها مرجعا هاما لهم في موضوع القضية القومية. وهذا هو السبب في تعيين ستالين اول مفوض للشؤون القومية في الدولة السوفييتية وقد كانت اجراءاته في معالجة المسالة القومية الشديدة التعقيد في الدولة التي كانت تضم العديد من القوميات من اروع انجازات الاتحاد السوفييتي. فذكر نظرية لينين ستالين في المسألة القومية كان امرا معترفا به في جميع انحاء العالم وليس في مؤتمر الاممية الشيوعية وحدها. ولكن الخلط هو بين مفهوم نظرية لينين ستالين في المسألة القومية ومفهوم اللينينية الستالينية. انهما مفهومان مختلفان كل الاختلاف. فنظرية لينين ستالين في المسألة القومية هي احد اسس اللينينية وليست اللينينية الستالينية. والاشارة الثانية حول التمجيد بالقائد الشيوعي الحكيم وربط انتصار الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي بقيادته الحكيمة فهذا امر لا يستطيع حتى الباحثان انكاره على ستالين. فستالين كان بحق رفيق لينين في النضال منذ المؤتمر الثاني للحزب سنة ١٩٠٣ وحتى وفاته وكان بحق وبجدارة مهندس الاشتراكية شاء الباحثان ام ابيا. واذا اراد حزب او شعب بناء مجتمع اشتراكي في المستقبل القريب او البعيد فلا بد من اعتماده على نظريات ستالين في هذا البناء والاستفادة من ارشاداته العملية في كيفية هذا البناء. والاشارة الثالثة، اعتبار ستالين قائدا للحركة الشيوعية العالمية. هنا ايضا ينبغي ان نسأل الباحثين هل كان ستالين انذاك فعلا قائدا للحركة الشيوعية العالمية ام لا؟ فاذا كان ستالين فعلا قائدا للحركة الشيوعية العالمية فلا بأس من ذكر ذلك. اما اذا لم يكن ستالين انذاك قائدا للحركة الشيوعية العالمية فمن عبادة الشخصية اتهامه بهذه التهمة الخطيرة. واخيرا اسعفنا الباحثان باقتباس جملة رائعة من قرار المؤتمر السابع بنصها غير المنقول عن شخص اخر وهي : ان انتصار الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي هو انتصار له مغزاه الدولي، فانتصار الاشتراكية، الذي تحقق للشغيلة والفلاحين التعاونيين في الاتحاد السوفييتي، جاء بدعم من البروليتاريا العالمية، وتحت قيادة افضل رفيق نضال للينين العظيم، القائد الحكيم لشغيلة العالم اجمع، الرفيق ستالين، وهو تأكيد على التحول العميق الجاري في وعي شغيلة جميع البلدان ..." ويا لها من عبارة صادقة ورائعة. وفي معرض تأثير مواقف ستالين وسياساته وسياسة الاممية الشيوعية جاءت العبارة التالية: "ولكن هذا الخط اليساري الانعزالي لم يستمر طويلا، اذ سرعان ما أجبرت وقائع الحياة تغييره على صعيد الاممية الشيوعية، رغم انه لم يتغير كثيرا على صعيد الدولة السوفييتية والحزب الشيوعي السوفييتي، وفي حياة ونشاط واساليب عمل يوسف ستالين، قائد الحزب والدولة السوفييتية وقائد الحركة الشيوعية العالمية عمليا." (ص ١٥٠) يلاحظ القارئ ان الباحثين يعترفان هنا ان ستالين كان "قائد الحركة الشيوعية العالمية عمليا" وهو ما اعتبراه احد المؤشرات البارزة على عبادة ستالين في قرارات الاممية الشيوعية فهل ما زالا يعانيان من عبادة ستالين؟. ولكني اقتبس هذه الجملة لغرض اخر هو مناقشة تاثير "وقائع الحياة" على صعيد الدولة السوفييتية. رأينا ان التغيير الذي يلمسانه على سلوك الاممية الشيوعية نتيجة وقائع الحياة هو التركيز على النضال من اجل تحقيق جبهات مع احزاب الاممية الثانية للكفاح ضد الفاشية. فماذا يمكن ان يتحقق بهذا الصدد في الاتحاد السوفييتي؟ في الاتحاد السوفييتي لم تكن هناك احزاب للاممية الثانية وكانت قوى المعارضة عبارة عن تكتلات داخل الحزب تعمل على احباط سياسة الحزب بقيادة ستالين في السير في بناء المجتمع الاشتراكي. فلم تكن في الاتحاد السوفييتي مشكلة العمل على تحقيق جبهة مع احزاب اخرى للنضال ضد الفاشية. بل ان الدولة السوفييتية والحزب الشيوعي البولشفي وشعوب الاتحاد السوفييتي كلها كانت كتلة واحدة معادية للفاشية. ولذلك فان ما يصح على الاممية الشيوعية والاحزاب الشيوعية المنتمية اليها لا يصح على الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي من هذه الناحية. ولكن "وقائع الحياة" فرضت على الاتحاد السوفييتي بقيادة الحزب الشيوعي وستالين واجبات اخرى للنضال ضد الفاشية. فمنذ تسلم هتلر الحكم في المانيا سنة ١٩٣٣ اتخذ الاتحاد السوفييتي سياسة التحذير من ان الفاشية معناها حرب عالمية وان على الدول غير العدوانية ان تتحالف للوقوف في وجه تقدم الفاشية وايقافها عند حدها لمنع وقوع الحرب العالمية. فكانت دعوات الاتحاد السوفييتي الى عقد مثل هذه التحالفات خصوصا مع انجلترا وفرنسا. ومعروف ان المفاوضات بين الاتحاد السوفييتي وهاتين الدولتين كانت مستمرة ولكن بريطانيا وفرنسا كانتا تطالبان الاتحاد السوفييتي بضمانات لهما وللدول الحليفة لهما مثل بولندا وجيكوسلوفاكيا بدون ان يقدما ضمانات مماثلة في حالة تعرض الاتحاد السوفييتي او الدول المجاورة له لعدوان فاشي. وفي الوقت الذي كان تشمبرلين ودالادييه يسافران الى هتلر لتقديم التنازلات المباشرة له مثل جيكوسلوفاكيا في مؤتمر ميونيخ كانت الوفود المفاوضة التي ترسل الى الاتحاد السوفييتي وفودا من درجة واطئة ليست لها صلاحيات التوصل الى عقد محالفات او اتفاقات. وبينما كان تشمبرلين ودالادييه يطيران لمقابلة هتلر كانت وفود التفاوض مع الاتحاد السوفييتي ترسل بالبواخر. فالاتحاد السوفييتي فعل في هذا الاتجاه اكثر من الاممية الشيوعية. فالاممية الشيوعية ركزت على العمل على تحقيق جبهات مع احزاب اشتراكية ديمقراطية بينما الاتحاد السوفييتي عمل على تحقيق جبهات مع الدول الامبريالية ذاتها. ولكن الدول الامبريالية، شانها شأن الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي فضلت التعاون مع البرجوازية، فضلت التعاون مع هتلر ومساعدته وتمويله تحفيزا له على مهاجمة الاتحاد السوفييتي. ويختتم الباحثان فصل الاممية الشيوعية بعدة صفحات يكيلون فيها الاتهامات جزافا على الحزب الشيوعي السوفييتي وعلى الدولة السوفييتية والاممية الشيوعية وخصوصا على ستالين. ويقولان ان فهد في فترة وجوده في الاتحاد السوفييتي درس في جامعة كادحي الشرق، واطلع على الحياة في الاتحاد السوفييتي وحضر المؤتمر السابع للاممية الشيوعية والكونفرنسات التي تلته واستفاد من كل ذلك في حياته السياسية. ولكنهما يضيفان العبارة التالية: "ولا نعرف ان كان يوسف قد تسنى لفهد التعرف على الفوارق بين الافكار والسياسات التي طرحها المؤتمر السابع للاممية الشيوعية وتلك التي كانت تدرس في المدرسة الحزبية، وما كان يجري على الساحة السياسية العملية في الاتحاد السوفييتي، خاصة وان الحملة ضد من اطلق عليهم اعداء البلاد من المخالفين لسياسة قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي وعلى راسها ستالين كانت في تفاقم مستمر." (ص١٥٧) (التاكيد في الاصل وكذلك وجود كلمة يوسف بدون علاقة بالجملة) يستخلص من هذا ان سياسة فهد ربما كانت عن جهل بالاحداث الحقيقية التي كانت تحدث في الاتحاد السوفييتي والتي فهماها هما الان عن طريق التحليل العلمي والدراسة النزيهة للتاريخ. ولا تعليق. وما اشبه اليوم بالبارحة اذا صح ان نذكر اسم كارل ماركس بدون ان نعبده فقد علمنا ان الشعوب هي صانعة التاريخ. اننا ندرس التاريخ لاننا حين ندرس كيف صنع اباؤنا التاريخ دراسة علمية يساعدنا ذلك على صنع تاريخنا نحن والاستفادة من تجاربهم في تقرير سير حياتنا الحالية. وهذا يصدق على دراسة تاريخ الاتحاد السوفييتي وعلى دراسة تاريخ الاممية الشيوعية التي نحن بصددها. فكيف استفاد العالم من تجربة الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين ومن تاريخ الاممية الشيوعية؟ يوم وفاة ستالين وصلت زمرة خروشوف الى قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية. وفي هذا اليوم بالذات اتخذت هذه الزمرة الخطوات الكبرى في سبيل استعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي. ولكن هذه السياسات لم تظهر على النطاق العالمي الا في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي حين شن خروشوف هجومه السيء الصيت على ستالين وعلى عبادة الشخصية. فقد سلكت حكومة خروشوف سلوكا يعد تطبيقا لبرنامج بخارين الاقتصادي لاعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي. فمن المعروف لمن تنازل وقرأ نص محاكمات الرتل الخامس السوفييتي في الثلاثينات ان بخارين طلب من رئاسة المحكمة ان تسمح له في شرح برنامجه السياسي الاقتصادي لاعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي بدون مقاطعة المدعي العام فسمحت له بذلك. وقد سرد بخارين ذلك البرنامج في اربع او خمس صفحات بدون ان يقاطعه احد. واذا تتبعنا الخطوات الاقتصادية التي سلكتها حكومة خروشوف في الاتحاد السوفييتي نجد انها في الواقع طبقت هذا البرنامج بكامله. وفي المؤتمر العشرين سنة ١٩٥٦ فاجأ خروشوف العالم والحركة الشيوعية بهجومه على ستالين بحجة عبادة الشخصية. وبهذا تخلص الخروشوفيون ووراءهم كافة الاحزاب الشيوعية في العالم تقريبا من عبادة شخصية ستالين. وكان التخلص من عبادة ستالين في الواقع خطوة في سبيل التخلص من عبادة لينين، اي اللينينية حسب رأي الباحثين. وكان التخلص من عبادة لينين مقدمة للتخلص من عبادة كارل ماركس، اي الماركسية على نفس طريقة التفكير. فمن المعروف ان كارل ماركس لم يطلق على نظريته اسم الماركسية وانما كان انجلز هو الذي اطلق عليها هذا الاسم لتخليد اسم كارل ماركس، وهذا بالطبع على نسق تفكير الباحثين عبادة شخص ماركس. وهكذا استطاع الخروشوفيون ابتداءا بخروشوف وانتهاءا بغورباشوف القضاء على الاشتراكية واعادة الراسمالية بابشع صورها الى ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، وحطموا الحركة الشيوعية العالمية ووحدتها. وابتداءا من المؤتمر العشرين قرر المؤتمر الخروشوفي انه لم تعد ضرورة للثورة الاشتراكية وان انتصار الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي خلق امكانية التقدم الى الاشتراكية بالطريق السلمي. وعلى هذا الاساس تخلص الشيوعيون من التزمت ومعاداة الشيوعيين غير اللينينيين والمدارس الماركسية المختلفة واصبح النضال يتطلب وصول الاشتراكيين او الشيوعيين الى الحكم بطريق الانتخابات وظهرت في اوروبا حركة سميت الاوروشيوعية او الشيوعية الاوروبية الى اخر ذلك من الشعارات والسياسات الجديدة الخالية من عبادة ستالين ومن عبادة لينين وحتى من عبادة ماركس ومن الالتزام بشروط الاممية الثالثة. فماذا حدث في العالم نتيجة لذلك؟ ليس هنا مجال بحث هذا الموضوع بصورة مفصلة ولكني اقتصر على ذكر مثلين عالميين والمثال العراقي. ففي فرنسا مثلا جاءت حكومة شيوعية اشتراكية عن طريق الانتخابات. فماذا فعلت هذه الحكومة للطبقة العاملة والكادحين وكيف حققت الاشتراكية بدون ثورة؟ تبين ان الحكومة الشيوعية الاشتراكية لم تختلف عن الحكومات الراسمالية الامبريالية بشيء. ونحن نعيش اليوم في ظل حكومة اشتراكية في بريطانيا فماذا فعلت هذه الحكومة تجاه الطبقة العاملة والكادحين؟ انها واصلت كل ما بدأه المحافظون في زيادة استغلال الطبقة العاملة. ولكننا اليوم نشهد ان بريطانيا الاشتراكية هي التي اشتركت في احتلال العراق واستعماره. ولكن عذرا عن هذا الخطأ اذ ان بريطانيا شاركت الولايات المتحدة في تحرير العراق والان بعد ان زال الاحتلال وتسلمت حكومة الياور علاوي السيادة الكاملة غير المنقوصة وتحولت بريطانيا مثل الولايات المتحدة من قوات محتلة يوم ٢٧ حزيران الى قوات متعددة الجنسيات مدعوة من قبل الرئيس الياور صباح ٢٨ حزيران او كما قال المتحدث باسم بريمر بقيت هذه الجيوش ضيوفا على الشعب العراقي. ولا بأس هنا ان نذكر ان اغلب الحروب الاسرائيلية العربية شنتها حكومة عمالية اشتراكية ديمقراطية وعضوة في الاممية الثانية. ولكن الشعب العراقي يبني التاريخ العراقي. فماذا كان مصير الحزب الشيوعي بعد التحرر من عبادة ستالين؟ في ١٩٥٦ تخلى الحزب الشيوعي عن التزمت والسياسة الانعزالية والمهاترات واتهام الغير بالانتهازية واحتكار الماركسية. فتحققت وحدة الشيوعيين بضم المنظمات الانتهازية الى الحزب الشيوعي وما سمي في حينه القضاء على الانتهازية. وفي الكونفرنس الثاني تخلى الحزب عن مفهوم قيادة البروليتاريا للجبهة وعن قيادة البروليتاريا للثورة البرجوازية وعن ذكر مراحل الثورة في العراق فجاءت جبهة ١٩٥٧ وكان الحزب الشيوعي فيها مجرد ذيل للبرجوازية وعند تحقيق الثورة بانقلاب عسكري نبذت البرجوازية الحزب الشيوعي نبذ النواة وتكونت الحكومة من جميع احزاب الجبهة عدا الحزب الشيوعي. وواصل الحزب الشيوعي السياسة الجديدة في اسناد حكومة قاسم ورفع اسمه الى السماء وجاء انقلاب ١٩٦٣ وجرت المذابح ضد الشعب والحزب الشيوعي خصوصا. ثم جاءت حكومة عارف فدفع الاتحاد الحزب الشيوعي الى اعلان حل الحزب والانضمام الى حكومة عارف الوطنية. وجاء انقلاب ١٩٦٨ وتكررت المجازر ضد الشعب والحزب الشيوعي ولكن الاتحاد السوفييتي دفع الحزب الشيوعي الى عقد الجبهة مع حكومة البكر صدام الفاشية. وتخلى الحزب الشيوعي في هذه الفترة عن عبادة ستالين وعبادة لينين وحتى عن عبادة ماركس اذ رجع الحزب الشيوعي ، وقد كان الباحثان من اعضائه وربما من كوادره المتقدمة فان موجز حياة احدهما تظهر انه كان رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة وطببعي ان مركزا كهذا لا يعطى لعضو بسيط، الى الاسم الاصلي الذي اطلقه ماركس على نظرياته، الاشتراكية العلمية، لكي يتهم الحزب الشيوعي صدام باعتناق الاشتراكية العلمية والسير بالطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية. وحين ركل صدام الحزب الشيوعي من الجبهة تحول الحزب مضطرا الى خندق المعارضة وساهم مع جماعات المعارضة الاخرى في تأييد الولايات المتحدة ودفعها الى الهجوم على العراق وهو الان يطبق شعار الحزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيمي. فهو شريك في مجلس الحكم وفي حكومة علاوي ويناضل من اجل تحرير العراق من الداخل عن طريق اقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن احتلالها واستعبادها للعراق وللشعب العراقي بل واعتبار ان الاحتلال قد انتهى بتسلم حكومة الياور العلاوي للحكم من بول بريمر. كل هذا التاريخ يفسر لنا كم كان لينين وستالين على حق ولماذا نضطر اليوم بعد وفاة ستالين باكثر من خمسين عاما ان نواصل الهجوم عليه. واخيرا لابد من الاشارة الى حل الاممية الشيوعية سنة ١٩٤٣. وطبيعي ان يتخذ موضوع حل الاممية الشيوعية وسيلة اخرى للتنديد بستالين باعتباره اصل جميع المصائب التي حلت في الحركة الشيوعية وفي العالم اجمع. ولذا نسمع دائما ان ستالين حل الاممية الشيوعية بجرة قلم. لنفترض جدلا ان هذا الامر صحيح وان ستالين هو الذي حل الاممية الشيوعية او هو الذي امر بحلها. فهل هذا مديح لستالين ام مذمة له؟ لكي نستطيع الاجابة على مثل هذا السؤال علينا ان نجيب على سؤال اخر. هل كانت الاممية الشيوعية سنة ١٩٤٣ عاملا مساعدا على تطور الاحزاب الشيوعية المنتمية اليها كما كانت في السنوات السابقة؟ اذا كانت الاممية الشيوعية في هذه السنة قادرة على تقديم المساعدات للاحزاب الشيوعية المنتمية اليها كما كانت في السابق فان حلها من قبل ستالين يشكل خطأ اخر من اخطائه او جريمة اخرى من جرائمه الكثيرة التي لا حصر لها. اما اذا لم تكن الاممية الشيوعية قادرة على تقديم المساعدات للاحزاب الشيوعية المنتمية اليها كما كانت في السابق واصبحت عاملا معرقلا ومعيقا لتطور هذه الاحزاب في الظروف السائدة في ١٩٤٣ فان حلها او الامر بحلها من قبل ستالين يعتبر مفخرة من مفاخر ستالين لانه بحل الاممية الشيوعية قد انقذ الاحزاب الشيوعية من هذا العامل المعيق لتطورها. وطبيعي ان الاجابة على هذا السؤال هي التي تقرر ما اذا كان ستالين في حالة كونه هو الذي حل الاممية الشيوعية قائدا لينينيا ثوريا ام كان عدوا للشيوعية كما يصوره اعداء الحركة الشيوعية حتى هذا اليوم. لذا فان الاجابة على هذا السؤال تختلف من شخص الى اخر بالضبط كما يختلف تقدير دور ستالين في الحركة الشيوعية العالمية وفي بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي من شخص الى اخر. ولكن هل قام ستالين حقا بحل الاممية الشيوعية بجرة قلم؟ جاء في الموقع الخاص بتاريخ الاممية الشيوعية، رغم ان كاتبيها يميلون ميلا واضحا الى التروتسكية، جواب على هذا السؤال. جاء في الموقع حول قرار الحل: "ان البيان المدرج ادناه قدم الى جميع الاحزاب الشيوعية من جانب اللجنة التنفيذية في اليوم الخامس عشر من ايار ١٩٤٣. ولدى استلام مصادقة هذه الاحزاب جرى حل الاممية الشيوعية". والبيان طويل لا يمكن اقتباسه في هذا المقال ولكنه يبين انه حتى قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية اصبح من المتعذر ان تقوم الاممية الشيوعية بمهامها كمرشد للاحزاب الشيوعية المنتمية اليها نظرا لتطور اعمال هذه الاحزاب ولاختلاف اوضاعها المحلية وغير ذلك وان اندلاع الحرب ووجود عدد كبير من الاحزاب تحت الاحتلال الالماني وبدء حروب الانصار والحروب التحررية قد فاقم هذه الصعوبات واصبح من الضروري حل الاممية الشيوعية وتحرير اعضائها من الالتزامات التي ترتبت على عضويتها فيها. "وقد صدر البيان بتواقيع اعضاء مجلس رئاسة الاممية الشيوعية، غوتوالد، ديمتروف، جدانوف، كولاروف، كوبلونيغ، كوسينين، مانويلسكي، ماري، بييك، توريز، فلورين، اركولي، وصادق على البيان فورا ممثلو الاحزاب الشيوعية التالية الذين كانوا يعيشون في المنفى في موسكو، يبانكو (ايطاليا)، دولوريس ايباروري (اسبانيا)، ليهتنين (فنلندا)، بوكر (رومانيا) راكوزي (هنغاريا)." وعلى السؤال "لماذا اصبح من الضروري اعلان حل الاممية؟" اجاب ماو تسي تونغ: "انه مبدأ من مبادئ الماركسية اللينينية بان اشكال المنظمات الثورية يجب ان تنسجم مع ضرورات النضال الثوري. فاذا لم يعد شكل من اشكال التنظيم منسجما مع ضرورات النضال، فيجب ازالة هذا الشكل من اشكال التنظيم." وأضاف: " ان الشكل الحالي للمنظمة الثورية المعروفة باسم الاممية الشيوعية لم يعد منسجما مع ضرورات النضال واستمرار هذا الشكل يؤدي بالعكس الى اعاقة تطور النضال الثوري في كل قطر." وقد كتب الرفيق فهد في حينه مقالا طويلا حول حل الاممية الشيوعية توصل فيه الى نفس النتائج التي توصل اليها ماو تسي تونغ وجميع قادة الاحزاب الشيوعية في ذلك الحين من كل هذا نرى ان حل الاممية الشيوعية سنة ١٩٤٣ كان ضرورة يتطلبها استمرار وتطور الحركة الشيوعية العالمية ولذا كان حلها سواء، أجرى من قبل ستالين ام جرى بالصورة الاخرى المشار اليها اعلاه، ضرورة ثورية قدمت للاحزاب الشيوعية خدمة ثورية كبيرة. ١٤ تموز ٢٠٠٤
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استشهاد وحيد منصور
-
وجاء الفرج
-
كيف يصبح الانسان ماركسيا
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الرابعة عشرة) مزورو التاريخ
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة عشرة) التطور العقلاني في الص
...
-
النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية
...
-
ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات
...
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
-
الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
-
مرحلة الثورة الاشتراكية وموعد اعلانها
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثامنة) الجبهة الوطنية والنضال ضد ا
...
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السابعة) العقيدة الجامدة
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة) الستالينية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني
-
من وحي كتاب فهد، الحلقة الرابعة - احتكار الماركسية
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر
-
من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|