|
فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2945 - 2010 / 3 / 15 - 22:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يتسلل للمرء الإحساس باليأس فى جدوى ما يكتبه !!..فما الفائدة من الكتابة والتنظير طالما الأمور تظل كما هى دون أى بارقة أمل فى التغيير .. بل على العكس يستمر مسلسل التعصب والفتنة الطائفية متواصلا ً ليطل بفصوله المتلاحقة دون أى تمهل .
كتبت كما كتب الكثيرون عن مذبحة نجع حمادى بصعيد مصر والتى راح ضحيتها ستة من أقباط مصر بدون أى معنى سوى التعصب والوحشية . تلتهب دائما ً أقلامنا وكتاباتنا لتخوض فى كل مشكلة طائفية تطل على وادى مصر ...وتقام كرنفالات التنديد والتحذير ..ثم ما يلبث المثقفون يخمدون ويهدأون مع توارى الأحداث .. لتطل أحداث أخرى متجددة رافضة لهذا المسلسل أن ينتهى ليندفع المثقفون مرة ثانية فى التحليل والتنديد .! وكما تدور الدوائر على المثقفين تدور أيضا ً على رجال السلطة ورجال الدين ليرددوا نغمتهم المشروخة المعتادة بأن وحدة مصر قوية بمسلميها وأقباطها .. ولن توجد أى قوى تستطيع أن تنال من النسيج الوطنى لينتهى المشهد بالصورة الختامية من تقبيل اللحى وعاش الهلال مع الصليب ...ويظل الجرح مستمرا ً.
ما هذه العبثية ؟ ..ولماذا ندفن رؤوسنا فى الرمال ؟ ..ولماذا يتجدد المسلسل دائماً ولا تبدو أى بادرة أمل نحو وقف هذا النزيف المستمر وهذه العروض البشعة .؟
السبب ببساطة لأننا لا نريد أن نعترف بعوراتنا وليس لدينا أى إدراك لثقافة المراجعة والإعتذار .
حدث غريب يطل علينا من أقاصى غرب مصر هذه المرة ..من مرسى مطروح المدينة الهادئة التى غنت لها الرائعة ليلى مراد ..ولكن كان هذا من زمان ولى . إشتباكات دامية بين المسلمين والمسيحيين فى هذه المدينة الهادئة والسبب يدعو للضحك والتباكى فى نفس الوقت . سور فى حارة جانبية يبنيه الأقباط فيثير حمية المسلمين ظناً منهم أنه لتوسيع الكنيسة . هكذا أصبحت علاقة المسلمين والأقباط ..سور أودورة مياه أوباب أو شباك يجعل الأمور تصل إلى العراك والتخريب والتدمير ..ولا مانع أبدا ً من سقوط ضحايا من الجانبين فداء السور المقدس أو دورة المياة المبجلة .
تعالوا نحلل ما الذى يدفع المسلمون البسطاء العاديون إلى ممارسة فعل عنيف فى حق جيرانهم الأقباط .. لا يعنينا بالفعل أن نغرق فى تفاصيل الحدث..لأنه بكل المقاييس لا يوجد ما يبرر كل هذا العنف الجماعى ..فلا سور ولا باب أو شباك أو تنصر مسلم أو إسلام مسيحى يدعو للحرق والتخريب الهمجى . وماهى هذه التوافه إلا وتخبئ تحتها للأسف بركان من الغضب والإحتقان والتعصب .
هناك بالفعل مصائب وبلاوى عظمى تختبىء وراء عمل كهذا نراه همجيا ً ..وما الحدث إلا إنذار بحجم المصائب التى وصلت بحال الإنسان المصرى .
المصيبة الأولى أن المواطن المصرى العادى لم يتسلل إلى عقله وثقافته مفهوم الحرية وحرية العقيدة وحقوق الأخر فى ممارسة معتقداته وأفكاره ...فهو ينزعج من بناء كنيسة أو ترميمها ..!! بالفعل شئ يدعو للإحباط واليأس . نعم هى مصيبة لأننا لسنا أزاء سلطة مستبدة تضيق الخناق على الجماهير بغية تمرير سياسات هى مناهضة لحقوق هذه الجماهير ..ولكن المصيبة أن البسطاء لم يتسلل إلى مفهومهم قيم وثقافة الحرية وحقوق الإنسان .!! فهو رافض لحق الأخر فى ممارسة عبادته وأفكاره وحريته ..هو فى الأساس غير محترم لحرية الأخر فى الفكر والإعتقاد والممارسة . هل نتوقع من الفاقد لهذه الأساسيات أن يعى مفهوم الحرية ويناضل من أجلها !!
المصيبة الثانية .. أن جماهير الشعب المصرى غير معنية بمنظومة المجتمع المدنى ..لم يتسلل إلى ثقافتها حتمية وصيرورة المجتمع المدنى ..فهاهو حدث ليس لأى من شارك فيه أى أهلية لممارسة هذا العنف ..فلو تصورنا جدلا ً أن الأقباط مخطئين بفعلتهم هذه ..فليس معنى هذا أن يمارس العامة فعل الحكم والعقاب ..فأين مؤسسات المجتمع المدنية من الفعل من مجالس محلية ودواوين محافظة والقيادات الحزبية السياسية وحكم القضاء على رأس هذه المجموعة . أننا لو تركنا الأمور تسير هكذا فسنغرق فى طوفان من الفوضى والهمجية والتوحش .
المصيبة الثالثة أن هناك دائما ً من يمسك عود الثقاب من خلال خطبة عصامية فى مسجد أو زاوية ليشعل الأحداث والمشاعر ويحفز على الفعل , متكئا ً على مجموعة من التراث القديم المفعم بالعنصرية ورفض الأخر فتلتهب مشاعر الجماهير المحبطة بالأساس من مجمل حياتها لتمارس التنفيس عن طاقة غضبها فى جارهم المسيحى . والمهذلة تتجلى عندما يتم القبض على مثيرى الشغب والعنف ويتم إهمال من أشعل عود الثقاب .. ليعاود الإشعال مرة تلو الأخرى .!!
المصيبة الرابعة .. أن أمن مصر يتم التلاعب به بل يدخل فى عملية رهان ومقامرة رخيصة .. فمن بداية عصر السادات تم التلاعب بأمن مصر لقاء مكسب سياسى رخيص أراده السادات له ولطبقته الإنتهازية .. كان كل همه أن يحجم قوى اليسار والمشروع الوطنى الناصرى ..فسمح لكل القوى الدينية والظلامية أن يكون لها حضور حتى تحد من القوى اليسارية والوطنية . وبلاشك أن أصحاب المشروع الدينى لا يمتلكوا إلا التراث المفعم بالعنصرية والتمايز ليستحضروه على واقع تجاوزه لتظهر الفتن الطائفية كنتاج طبيعى لمشروعهم السلفى .. كما لا يخبئ رغبتهم فى خلق مشروع حربى وتعبوى وليكن ضد الأخر الدينى لإستقطاب الجماهير واللعب على عواطفهم وأعصابهم المرهقة وإستمالتهم لصفوفهم كمدافعين عن الإسلام ليخلقوا قواعد عريضة لهم . السلطة أيام السادات كانت فجة فى اللعب والمقامرة ..والسلطة الحالية غير مهتمة ..أو قل كأنها تريد أن تمرر أيامها فهى لا تمتلك مشروع قومى يجمع الجماهير كما كان فى العهد الناصرى ..فالعهد الناصرى مهما كانت له من سلبيات إلا أنه كان ينحاز إلى جماهير عريضة فإلتفتت الجماهير حوله ولم تستثار حول قصة سور يبنيه الأقباط لأنها بالفعل لم تكن مرهوبة من نظام لن يسمح بالعبث فى مثل هكذا قضايا ..بقدر كونها لم تحس أنها مغتربة أو مضطهدة لتفرغ طاقة غضبها فى الأقباط .
القضية ليست سور أو باب ..القضية هى قضية وطن ينتهك ويتلاعب بسلامه نتيجة إحباطات كثيرة ..وبوم ناعق بالخراب يختبأ فى أحد الزاويا .
لن ينتهى هذا المسلسل البشع إلا بترسيخ قيم المجتمع المدنى فى نفوس الجماهير ..وأن تتغلغل قيم الحرية وحقوق الإنسان فى شرايين أفراد المجتمع المصرى ..أن تصل إليهم المفاهيم الأولية عن حق الأخر فى حرية فكره ومعتقده وممارسة معتقداته .. أن يتم التعامل بقوة وقسوة مع أصحاب أعواد الثقاب ويتعامل المثقفون مع عيدان الثقاب نفسها لنزع المواد الإشعالية منها بإعتبارها خطر حادق بالمجتمع حال إسقاطها وتفعيلها . أن يتم تفعيل قانون المواطنة بكل جدية وأن تكون القوانين تسرى على الجميع بكل حزم وقسوة بدون أى شكل تمايزى أو إرضاء وشراء الخواطر . أن يكون هناك مشروع قومى حقيقى منحاز للجماهير العريضة فيذوب الجميع داخلهم ويترفعوا عن السور والشباك لنبدل مشاعر الغضب والإغتراب والتهمييش داخلهم ليحل بديلا ً عنها مشروع حلم وأمل ووطن .
فى موضوع سابق لىّ عن مذبحة نجع حمادى علق مواطن مصرى قبطى مذبوح حتى النخاع بعبارة كان لها معنى ودلالة عميقة تفيض تشاؤما ً ومرارة ..قال هذا الزميل : فى ثلاثينيات القرن الماضى كان هناك فيلم مصرى شهير بعنوان " حسن ومرقص وكوهين " لتمر السنون لتنتج السينما المصرية فيلما ً للرائعان عادل إمام و عمر الشريف بعنوان " حسن ومرقص " لقد سقط كوهين من الحدث !..فهل سيأتى اليوم الذى نصنع فيلما ً بعنوان " حسن فقط " .!!!!
عبارة بقدر ماهى تشاؤمية إلا أن الحرائق العظمى تأتى من مستصغر الشرر .. لو حرصنا أن نبحث فى أسرار الشرر سنتجاوزه ..وسنخرج من أزمتنا ..وإذا لم نفعل فسنبقى دائما نكتب بأقلامنا عند كل حدث منددين مستنكرين مرشدين ..ولكن كل الخوف أن يجف مداد الحبر فى أقلامنا لنجد اليوم الذى نكتب فيه بمداد من الدماء !...ونجد المستصغر من الشرر حولنا أصبح نارا ًيحرق وجهوهنا وأقلامنا .!!
فلنناضل أن يظل حسن ومرقص فى المشهد دائماً .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .
-
ثقافة الطاعة والإذعان .
-
خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
-
نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
-
خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
-
نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
-
نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
-
إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
-
نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
-
الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
-
لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
-
إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
-
- رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
-
الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
-
حاجات غريبة .!!
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
-
الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|