يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 02:19
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في تلك الايام ، التي صارت بذمة التأريخ ، نهاية سبعينات القرن الماضي ، أيام العسف والموت و.." انت بعثي وأن لم تنتم " ، أيام كان حق المواطن في الحياة والتعبير عن نفسه ، مصادرا بفرمانات الطاغوت ، أيام كانت ضباع المجرم المقبور "صدام حسين" تطوف شوارع المدن تبحث عن المئات من ابناء العراق من ديمقراطيين ويساريين ، مِن مَن رفضوا الاذعان لسياسة القهر والاذلال ، وارتضوا التشرد والغربة في وطنهم ، حتى تمكن المئات منهم من الصعود الى جبال كردستان، او عبور الحدود بمختلف الطرق نحو منافي اجبارية طالت عقودا ، في تلك الايام البعيدة ، ونحن في بغداد نتخفى ونتستر تحت اسماء ومهن مستعارة ، وصلتنا نسخة من مجلة "الهدف" الفلسطينية ، وتناقلناها سرا لحد اهترأت اوراقها ، وفيها لقاء مع الشاعر العراقي المبدع "سعدي يوسف "، المتواجد ايامها في بيروت ، تحدث فيها وادان بجرأة الديكتاتورية الشوفينية في العراق ، وحين سأله المحرر عن أمنيته ، قال :" ان يضع يوما ورقة في صندوق اقتراع عراقي ، حتى ولو كانت بيضاء " ، بعد ذلك بسنين ، حين سألت شخصيا ذات السؤال من صحيفة أجنبية ، في منفاي عند حافة القطب الشمالي ، استعرت ذات الاجابة !
وها أنا في بغداد ، وها هو العرس الانتخابي قد أنجز بمشاركة جماهيرية واسعة ، رغم الذين حاولوا أجهاضه بالتفجيرات الاجرامية ، وتلونت اصابعنا بالحبر البنفسجي ، في تظاهرة ديمقراطية ، توجهت اليها انظار كل العالم ، وبغض النظر عن الثغرات والتجاوزات التي رافقت العملية الانتخابية ، وبغض النظر عن النتائج النهائية ، والفائزين والخاسرين ، فأن الديمقراطية هي الرابحة ، وان شعبنا الذي اكتوى طويلا بنيران الحكومات الجائرة قد حقق خطوة كبيرة على صعيد تعزيز الممارسة الديمقراطية ، من أجل ان يكون للمواطن الحق في صناعة القرار لبناء مستقبل الوطن ، والاجيال القادمة .
حين وقفت عند صندوق الاقتراع ، وقبل ان اضع المغلف الذي حمل صوتي واختياري للقائمة التي تمثل طموحاتي ، لثوان خطر لي ان أنحني واقبل الصندوق ، ولكني خشيت ان يكون في ذلك خرقا قانونيا ، او يثير اشكالا ما ، فقد يفهمني المراقبون بشكل خاطيء ، فأكتفيت بأن ربت بيدي على طرف الصندوق ، وقلت له بصوت عال : " مرحبا يا صاحبي ، ها نحن نلتقي بعد انتظار ، أأمل ان نراك دائما وانت بصحة طيبة ، نزيها ، نظيفا ومعافى " . وحدجتني الفتاة الجالسة الى الصندوق بأستغراب أولا ، ثم اتسعت غمازيتيها ، لحد تورد وجهها فصار اكثر فتنة ، واشارت الى المحبرة لأغمس أصبعي .
بغداد 10 أذار 2010
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟