|
اشكاليات بناء الدولة
خليل المياح
الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 16:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عندما كان عدد العبيد ينمو، ويزداد العداء تفاقماً بين الطبقتين الاساسيتين في المجتمع -العبيد ومالكي العبيد -كان استثمار العبيد اقسى اشكال الاستثمار ،ولم يكن بوسع مالكي العبيد اخضاع العبيد والمشاعيين البسطاء واكراههم على العمل من اجلهم وزيادة ثرواتهم واشباع جشعهم النامي ، الذي لا يمكن اشباعه ابدا إلا بوجود جهاز دائم للعنف والقسر، وقد تكوّن هذا الجهاز تدريجيا بشكل الدولة ، والدولة هي جهاز الطبقة السائدة، أما في المجتمعات الاستثمارية فهي جهاز الظلم والاستعباد الطبقي ،وكانت مملكة بابل في عهد حمورابي شكلا نموذجيا لدولة الاستبداد العبودي. اثرنا ان نذكر هذه المقدمة التاريخية توطئة للدخول في موضوعة بناء الدولة العراقية ، مع ان البديل الديمقراطي المدني لم يتبلور بعد كما يرى د. هادي محمود، وهذ الامر هو ما تنشده جماهير شعبنا منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الان ، غير ان ذلك البناء ستواجهه وبرأينا اشكاليات متعددة بسبب الطموح في انتقالنا من نظام شمولي الى نظام ديمقراطي، سيما وان عملية الانتقال قد تمت عن طريق الغزو الخارجي. إذن وتاسيساً على ما تقدم تتحتم ضرورة التثقيف بالبديل الديمقراطي، وكون طبيعة الدولة التي انحل قوامها كانت مركزية مفرطة، مما سهل العودة الى المكونات الاجتماعية المتواجدة اصلاً في ما قبل الراسمالية،وهي مبتوتة الصله بمفهوم المجتمع المدني، وبغية البناء الناجز للدولة ينبغي تحقيق السلم الاهلي بتوسط اليات الحوار المتواصل واحتواء الخصوصيات المحلية والثقافية كذلك احترام التنوع الديني والمذهبي. وايضا سوف لن نكتفي بكفالة الدستور للحريات السياسية والمدنية والثقافية وانما بضمان ممارستها واقعيا ، كذلك كفالة حرية المرأة وحقوقها ،ثم الربط الصحيح بين بناء الدولة الديمقراطية وتحقيق التنمية الاجتماعية مع بناء دولة الرفاه ، بعدها تأتي مسألة حل القضية القومية وضمان حقوق الشعب الكردستاني بتطبيق الفيدرالية ارتباطا بالديمقراطية، وهنا قد تأتي توقعات سبق واشار اليها المفكر المغربي ابن خلدون - من ان الدولة الكثيرة العشائر لا يمكن لها ان تستقر ! . ومعروف لدينا ان البرجوازية تعزف على نغمة مفادها ان الدستور يمنح حقوق متساوية للمواطنين ،لكن –لينين- يوضح لنا ان هذا الحق المتساوي غير متساوي اصلاً. وثالثة الاثافي تاتي من الاطراف الاسلامية المشاركة في العملية السياسية الجارية في عراقنا الراهن ، فهي تطرح ايديولوجيا المطابقة بين طاعة الله وطاعة السلطان ، وهذه الرؤية المفارقة للتاريخ تسللت الينا من الماوردي والفكر الاشعري بصورة عامة وهي التي تسيدت الساحة الفكرية الاسلامية لستة قرون خلت! . إذن اطراف كثيرة من المحسوبين على التيار الاسلامي سيطرحون فلسفة الطريق المسدود بوجه بناء الدولة العراقية ، وهم يتخبطون في مطبات الانتقال العنيف من القومي الى الكوني. ايضاً هناك بتصورنا عقبة كأداء تجابهنا جراء هيمنة الاحادية القطبية، فثمة مسرح عالمي يشاد لنموذج الدولة المستقبلية حسب تصور ورؤية الشركات عابرة الحديث ، حيث تروم هاتيك الشركات بناء اطر وبنيات اجتماعية ما قبل الدولتية اذا جاز التعبير ، وهذه المسرحية السوسيولوجية التي بدأت تغزو الافاق وباسلوب كوني جذري ، ومع اننا نرى ان المنطق والتاريخ يعكسان كلاهما التمأزق التاريخي الذي حاق وسيحيق برؤية فوكوياها وهنتنغتون ، سيما الازمة المالية التي حاقت بالولايات المتحدة والتي تذكرنا بأزمة 1929 وكيف صعدت النازية اثرها الى سدة الحكم في المانيا ! والسؤال الاول الذي بات يؤرقنا، هل نصمت فلسفيا، ازاء الكيفية التي سنبقي بها دولتنا الفتية التي قد يراها البعض انها ستفتقد الى التأريخية؟!،بمعنى ان ليس ثمة (صيرورة) تنتظرها الى ماهي المهمات المنوطة بها والتي ستقوم بتنفيذها وتهديدات الخصخصة وعدم تدخل الدولة والاضمحلال التدريجي تلوح نذرها في الأفق العولمي. ولا نأتي بجديد أن قلنا أن البرجوازية جابهت الثيوقراطية بالعلمانية والحقوق الإلهية (الحق الالهي للملوك) بالعقد الأجتماعي ،لكنها تنذرنا الان بنجاحات النيوليبرالية وبتهديد واضح مفاده :اعطِ ما للاسواق للاسواق، وكونهم لا يستشيرون احداً عن اختراق الحدود الوطنية والقومية!! لكننا كماركسين تحدونا اطروحة منطلقة ترى ان الدولة دائماً وابداً كانت أداة الطبقات المسيطرة... لذا تبقي الأشتراكية هي خيارنا الثابت ،ولكوننا نحمل في عقولنا وضمائرنا رؤيا علمية ترى ان المختفي لم يختفْ بعد (نقصد فائض القيمة) إذ هذه الاشكالية تدعوننا وتحفزنا بالعودة الى الماركسية كونها فلسفة العصر النقدية بامتياز ،لنستلهم الدروب التي سارت عليها الشعوب وبرهنت التجربة الاجتماعية ،إن حضوضنا في فهم مسارات الديالكتيك لخوض غمار هذا العصر العولمي الذي تجاوز مفهوم الامبريالية كما يراه –سمير أمين- وغيره ،هي المؤشر على إستلهام ظاهرة الكوكبية ثم تجاوز هذا البحر الطامي نحو شاطيء الامان لبناء دولتنا الوطنية ،وإلا قد ننقلب الى حال من بداوة التفكك الذي حكى لنا عنها –ابن خلدون- مع ادراكنا المسبق من ان الماركسية ترفض حالة البداوة تلك ،إذن أن منهجها ينطلق من العملية الأنتاجية فقط ،وترفض ابستميولوجيات عديدة منها الإيمانية التي توجها هيغل باطروحة- الدولة هي الفكرة المطلقة التي باركها الرب ،وبرهن ماركس وانجلز ان الدولة كيان تاريخي بشري ،وان ثمة شعوب عاشت دون ان تعرف ذلك الكيان ! وبهذا الخصوص تجدر الاشارة الى الباحث الاجتماعي –فالح عبد الجبار – وكون القرن العشرون قد دشن تاريخه باعلاء شان الدولة القومية الى مصاف الضرورة ،لكن في أواخر هذا القرن نفسه بدء خطاب العولمة يعض بقرب زوال الدولة القومية ،بوصفها شكلاً بالياً ،فوجدنا انفسنا في مازق التكيف حتى قبل أن نستكمل الانتقال الاول .. وهذا التضاد الصارخ والقول لازال –لعبد الجبار فالح – أي تجاوز الدولة بل المشروع الفعلي بتجاوزها يكشف ان الدولة القومية هي المعيار الجوهري لتحديد ماهية العالم الجديد الكوني المعولم،ومن جانبنا نرى وكأن الدولة قد تحولت من كينونة الصلابة السابقة الى ماهيات بسيطة (جواهر غير ممتده روحية) حسب المنطق الديكارتي امام مذهب الثنائية في الفلسفة الحديثة! إذن في مصطلح Global نجد مفهومها مركزياً لوجود الدولة القومية تنمحي فيه المعالم لأية حدود سياسية او تخوم ثقافية ،خلافاً للمصطلح الكلاسيكي المتداول ،أي العالمية او الاممية واصبحنا الان وفق هذا السياق الاخير ازاء عالم مؤلف من وحدات هي الدولة وان هذه الدولة هي وحدة تتطابق فيها الحدود الثقافية للجماعة المسماة -امة-مع الحدود السياسية للدولة ،ونجد أن الحركات القومية نزاعة للماثلة الحدود الثقافية مع الحدود السياسية ،برفقة ابتكار تأريخي وماض قومي يمتد الى أزمان سحيقة . وختاماً للفكرة سنجد أن اسواق المال (المجال الاقتصادي) والثورة الالكترونية قد اطلقتا رصاصة الانطلاق نحو تجاوز الدولة القومية ،وهذا التطور يبرز المسألة حول قضم سياسة الدولة (طوعاً او كرها) وهكذا تتضاءل الاهمية المركزية للدولة غب انتهاء الحرب الباردة. ونختتم حديثنا حول الدولة والتي هي تجريد فلسفي حسب المنظور الماركسي ،ليتحلل او يذوب او يتضاءل دوره بعد أن تصبح العدالة في قبضة الواقع الملموس ،وليس في متون الكتب الفلسفية، والمفارقه الفلسفية ان تأتي مسالة انتهاء الدولة ومهماتها من الجانب النيوليبرالي المعادي لكل التطلعات الخيرة التي جسدها المعسكر الاشتراكي ،لا بل وحتى بالضد من التطلعات اليوتوبية التي نادى بها الاسلاف مثل _سان سيمون او فوريية او –روبرت اوين- !
#خليل_المياح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الايديولوجيا في الميزان
-
الماركسية أفق مستقبلي لكل الثقافات
-
المجاز الابن اللغوي المدلل : لعنة ام نعمة
-
اكواخ الواقع وقصور الدولة ضياعا
-
هاملت هل كان رواقيا
-
المرأة 0 هل تنسج عدمها بيدها؟
-
السلفية ومزالق التأريخ
-
قصص قصيرة جدا
-
لا تصبوا النبيذ الجديد في القرب القديمة
-
الدين.. رؤية برانية عند مفكري الغرب
-
لكي لا نحرث البحر ثانية
-
أشكالية هاملت
-
السياب عبقرية بصرية
-
التميمي برومثيوس آخر
-
خواطر حكائية على حافات الفلسفة
-
ضد إلغاء وزارة حقوق الأنسان
-
الذاتوية تجاهل للشرط الانساني وبحث عن فردوس ضائع
-
لوغوس الحداثة أم اختفاء الثنائيات
-
الغيبية عصمة ممشوحة بالزيت الإلهي
-
خليل الغالبي يمتطي الحقيقة
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|