|
بين المادة التاسعة من القانون الأساسي في العهد الملكي و المادة الثالثة للدستور المؤقت الجمهوري
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 895 - 2004 / 7 / 15 - 06:26
المحور:
القضية الكردية
في أواخر العهد العثماني هبت رياح التغيير على منطقتنا بتأثير أفكار التنوير التي اجتاحت اوروبا منذ فترة طويلة ، و كذلك فيما بعد لنرى تأثير أفكار ثورتي المشروطة " الدستورية" في ايران ، و تركيا على السياسة في العراق. وقد ظهر حقا مفكرون وسياسيون في العراق ينادون بالتغيير ، والتحرر و مواكبة العصر الجديث. و صدر القانون الأساسي للعهد الملكي في هذه الطروف لوضع أساس لمجتمع مدني ، ودولة القانون في العراق. ذلك القانون اتسم بروح السماح و التحضر والتمدن في مجتمع متخلف يعاني تناقضات حادة عشائرية و قومية و طائفية . بالأضافة إلى تفشي أمراض الجهل و الفقر . صدر القانون و الفرد في العراق كان يشعر أن القانون يحترمه . و قد رأينا أن أشد المعادين لأسس المجتمع المدني كانوا من القوميين و اليسار الوطني و القومي " الستاليني" . إن ما لفت أنتباهي هو مادتان في الدستورين الملكي " الرجعي العميل" و الجمهوري " التقدمي الوطني" ، جديرتان بالتأمل و الإحتكام إلى الضمير والعقل في تفقييمهما . الأولى هي المادة التاسعة في القانون الأساسي للعهد الملكي و التي نصت على أن " ... المواطنون سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة ولا يجوز التمييز في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.." . و قد صدر الدستور العراقي المؤقت في 27 تموز و نص في مادته الثالثة بعد أن ألغى القانون الأساسي للعراق على أن " .... و يعتبر العرب و الأكراد شركاء في الوطن و يقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية..." و المقصود هنا هو ما كانوا يسمونه بحقوق الأكراد. و و لا أدري إن صدر ما لهذا الدستور المؤقت نظير في بلدان أخرى ، و لا استبعد إن سورية البعث والعروبة .. و يبدو أن هذا الدستور المثير للخلافات و و المؤسس لأسس التمزق و تمجيد الدم في المجتمع العراقي قد صدر تحت تأثير الفكر الفاشي و الإرهابي العروبي المتنامي في العالم العربي مثل الناصرية و العفلقية . لا توضح هذه المادة كيفية هذه الشراكة في الوطن ، و لا تشرح مفهوم الوطن و الوطنية . و هذه المادة تبيح التمييز بين المواطنين بسبب الأصل و القومية ، مما أضفى على هذا الدستور طابعا لاإنسانيا ، و قد كانت هناك شرائح كبيرة في المجتمع العراقي لا تشعر بالانتماء لا إلى العرب و لا الكرد تشعر أنها أهملت وألغيت . و اتسمت هذه المادة " البطولية المجيدة" بالضبابية و مخادعة الكردي و العربي على حد سواء . و من الواضح أن الشراكة تكون عن طريق من يفرضون أنفسهم ممثلين للعرب والأكراد، لم تنتخبهم الجماهير و لا تعرفهم قط ، بل فرضوا أنفسهم بالبلطجة و القتل والسحل حكاما و طغاة و " وطنيين أشداء ما أنزل الله من سلطان" . و إن مجرد التساؤل و الإستفسار عن مغزى الدستور المؤقت و الثورة و منجزاتها ، كان كفيلا بدمغ المرء بالرجعية و العمالة و بالتالي حتى صدور فتوى وطنية بحقه بعدم استحقاقه الحياة . و هذا ما حدث لبعض التركمان ، كما هو معروف للجميع. إنه لعلى خطأ كبير من يفكر أن الدستور المؤقت الجمهوري جاء لصالح الأكراد ، و لو كان كذلك لما نال قبول العنصريين العرب ، بل ابتهاجهم به. هذا الدستور يفرض على الكردي المواطنية من الدرجة الثانية أو أدنى عن طيب خاطر .. و لو كان لصالح الأكراد لما اندلعت الحركة القومية المسلحة بشكل واسع . و قد اشتد العداء بعد صدور هذا الدستور للأكراد الفيلية ، و شرعت الأوساط الشوفينية المتنفذة في الحكم بالتفكير بالتخلص منهم ، و بدأت أيضا التهجير والترحيل إلى خارج العراق. إن هذا الدستور المؤقت " الأبدي" تضمن مادة أخرى تؤكد على أن العراق بعربه و خاصة بأكراده و اللآخرين ، و سماءه وأرضه و هوائه جزء لا يتجزأ مما يسمى بالأمة العربية . و هذه المادة تمسح وجود من لا يشعرون بالأنتماء العربي ، و من ضمنهم عرب أيضا. أعجب من أناس يفرحون و يرقصون على دقات طبول هذه المادة اللاانسانية الممجدة لسفك الدماء . إن كان القائمون على اصداره حريصين حقا على اقرار الحق و المساواة في المجتمع العراقي ، وفن كانوا حقا ينوون حل القضية الكردية التي لم تكن متفاقمة يومذاك ، لأقروا بحق تقرير المصير للكرد ، بالقبول باجراء استفتاء نزيه وعادل باشراف الامم المتحدة ، يخير فيه الشعب الكردي إما بالعيش كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع بقية العراقيين ، او الانفصال عن العراق و تشكيل دولة مستقلة . و بعد سقوط النظام البعثي القومي نحن بأمس الحاجة لمراجعة تاريخنا و التعلم من عبره و دروسه. و أن هاتين المادتين ، الصادرتين في الدستورين الملكي و الجمهوري جديرتان بالتأمل و الدراسة .
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديب السويدي المنتحر ستيغ داغرمان و حفرياته في النفس الإنس
...
-
الحياة مثل العشب
-
صلاح الدين و صدام
-
أحلام خضراء تخضب خطواتي
-
الشرق و الغرب التقيا في اسطنبول قلبيا
-
عربدة مقتدى زوبعة في فنجان
-
في المربد عرس واوية حقيقي
-
العفاف الإسلامي المغلوط
-
مراهنة خاسرة على الأخلاق
-
في الخيال الشعري
-
فوق شاهدة ضريحك اخضرّت أحلامي
-
ثياب الامبراطور بوش
-
لا تقولي في القرآن برأيك ، يا بلقيس !
-
مد وجزر
-
جياد من ريح
-
قصائد معمّدة في زرقة الليل
-
فصل الدين عن الدولة ضرورة لا بد منها لقيام مجتمع مدني حديث ف
...
-
أسباب الحرب الأهلية في العراق متوفرة – هل يمكن تذليلها؟
-
لن تمر جريمة الإعتداء الغاشم على الشيوعيين بدون عقاب
-
في ظلال جناحيك
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: أكثر من نصف مليون نازح في لبنان و285 ألفا غاد
...
-
إيطاليا.. اعتقال 38 شخصا خلال مظاهرة داعمة لفلسطين في روما
-
الأمم المتحدة: أكثر من نصف مليون نازح في لبنان و285 ألفا غاد
...
-
الآلاف يتظاهرون في المجر للمطالبة بمواجهة -الآلة الدعائية- ا
...
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو تخلى عن أسرانا من أجل من
...
-
مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: لبنان يواجه أزمة مروعة بس
...
-
بعض الدول لا يمكنها تحملهم.. هل اللاجئون ظالمون أم مظلومون؟
...
-
بعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة تستنكر بشدة استمرار حرب الإبادة
...
-
من الرقص والاحتفالات إلى مأوى للهاربين من الحرب.. -سكاي بار-
...
-
مفوّض شؤون اللاجئين يندد بأزمة -مروّعة- يواجهها لبنان
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|