|
هزائمنا وخيباتنا التي نحتفل بها
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 895 - 2004 / 7 / 15 - 06:23
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ابتلي العرب ليس فقط بالهزائم والخيبات التي أمتلأ بها تأريخهم ، وأنما بتغييب الحقائق والتنكر للوقائع ومعاكسة المنطق في العصر الحديث ، بالأضافة الى أستعمال الدين كغطاء سياسي في الزام الفرد بالخنوع والقبول والرضا بواقع السلطات التي انتشرت أصابعها كالأميبيا في أنحاء هذا الوطن . ابتلي العرب بمفكرين ابدعوا في تصوير الشخصية العربية منتصرة على الدوام رغم خيباتها وهزائمها المتكررة وصوروها على غير حقيقتها ، وأنها يجب أن تخضع لها بقية القوميات المكونة للنسيج الأثني في بلدانها ، فما يحق للعربي لايحق للكردي وكما لايحق للتركماني ولاللأشوري والكلداني ، وليس للأمازيغي ولاللفرعوني ولغيرهم من القوميات أي حق مقابل حق العربي في قيادتهم وتقرير مالهم من حقوق وماعليهم من واجبات ، والمزاعم التي تدعي بالشراكة السياسية والأنسجام الوطني مجرد كلمات على الورق لامجال لترجمتها عملياً ولايمكن الأعتقاد بها بالنظر للعقلية الشوفينية التي تتلبس عقول البعض . وأبتلي العرب أيضاً بفلسفة الهزائم المتكررة والأنكسارات العسكرية التي خاضتها الجيوش العربية التي هزمت شر هزيمة والتنظيمات السياسية العربية التي فشلت في سلوكها وحكمها المروع ومالحقها من فشل سياسي ، وتحويلها الى أنتصارات وهمية نحتفل بها ونرغم أطفالنا أن يرقصوا لها أبتــهاجاً ويتغنون بهزيمتنا المرة . وأبتلي العرب بعقدة السمو على بقية القوميات والترفع الخاوي والكبرياء المزيف والتباهي بوحدة الأنسان العربي والمصير المشترك ، والتغني البليد بأمجاد الماضي ، والأبتعاد عن حقيقة كون الأمة العربية منخورة ومجوفة تحكمها سلطات لم تعرف غير لغة السيف والمقصلة والكاتم والأغتيالات والقمع ومؤسسات المخابرات حتى أصبح أسماء قادة لهذه المؤسسات أشهر من مدن الوطن العربي ( صلاح نصر من مصر وناظم كزار من العراق و أوفقير من المغرب وثمة أسماء اخرى في كل بلد عربي يزرع الرعب وينشر الخوف والموت في اعماق النفوس العربية ) . وأبتلي العرب ليس فقط بالهزائم المريرة والعديدة بل باقناع انفسهم دون الآخرين بأنتصاراتهم الوهمية في معارك الأقتصاد والتحرير والتعليم والبناء ، وهم لم يزلوا يعيشون على المساعدات الأجنبية ومنح الدول الغربية وقروض البنك الدولي وشعوبهم تعيش تحت خط الفقر وأولادها يفرون الى خارجها طلبا للعمل والحياة والآمان . ولم يزلوا يحتفلون بانتصارات التحرير وهم مستمرين يفقدون اراضيهم وسيادتهم ويناضلون من اجل استرداد نصفها ويقبلوا بعشرها . ولم يزلوا يتباهون بالتعليم وهم من الدول المتخلفة والنامية التي لم تنخرها الأمية والجهل والتخلف أنما زادت نسبة التخلف في زمن العلم والتطور والتكنلوجيا . وتتباهى بالبناء وشعوبها تعيش في المقابر او في المزابل أو في الخيام أو في العراء وتعيش ازمة سكن ليس لها مثيل . وابتلي العرب بعشقهم للشعارات الوهمية الطنانة ومحبتهم للخطابات التي تخرج عن حدود العقل والمنطق .
ملكنا البر حتى ضاق عنا وماء البحر نملأه سفينا
وأبتلي العرب بعقدة قوة الجسد دون العقل ، والتطرف دون التأني والعواطف دون الحكمة ، مثلما صدقوا اكذوبة شعرائهم .
أذا بلغ الفطام لنا صبيا تخر له الجبابرا ساجدينا
وأشتهر العرب بخطاب (( بالروح بالدم نفديك يازعيم )) وحين يأخذ منا الزعيم الروح ويسفك الدم نتباكى ونشتكي ونصرخ اننا كاذبين حين يصدق الزعيم اكذوبتنا .
وابتلي العرب بالتغني بمجد الماضي والسالف من الأيام والعيش في احلامها وخيالها بالرغم من مضي 1500 سنة عليها ، وتأسيس مشاريع خيالية وتخطيطات وهمية اساسها ذلك الماضي السحيق ، فلم نزل نتمسك بقيم الجاهلية وأعراف الزمن المنقرض ، ولم نزل نتمسك بأعراف عافتها حتى مجتمعات الغجر والهمج . وأبتلي العرب بحكام وسلاطين مارسوا القسوة واستعملوا السيف والزنازين والبتر وتخيلوا انهم ليسوا بشراً وصفق لهم الناس ورقصوا امامهم ودبكوا لهم ليفرحوا ، وقالوا لهم كذباً انهم يموتون فداء للسلاطين وكل الشعب فداء للسلطان . وأبتلي العرب بوعود السلطات ووعود الحكام ووعود الأحزاب ، وعاشوا بأنتظار أن تثمر تلك الوعود التي لم تكن مزروعة في الحقيقة فلم تثمر ولم تينع ولم تظهر أوراقها . وابتلي العرب بان ير ضعوا الخوف من السلطان مع حليب الامهات ، وان السلطة دائما على حق ، وأن من يطالب بحقه أما عميل أو انفصالي أو خائن . وابتلي العرب باستعمال القوة والصراخ في الأختلاف بالرأي وأعتماد الصوت العالي والمتشنج في النقاش عند الاختلاف في الرأي ، وحفظ قواميس الكلمات الشتائمية والعبارات المقززة والنابية في تبادل الأتهامات والشتائم . وأبتلي العرب بتقديرهم وأحترامهم لكل ماهو أجنبي ، بل وثقتهم بكل ماهو غير عربي حتى في الصناعة . وابتلي العرب بصناعة الشعارات والأحلام ، فالقومية العربية شعار واسع وكلمة حق يراد بها السلطة الشوفينية ، والحرية تعني السيطرة على الحكم وأن يتفضل الحاكم بالعطايا لبقية القوميات التي بفضله مابقيت هذه القوميات في الحياة ، والأشتراكية تعويد الفرد أن يجوع ويعرى حتى تشبع السلطة ويتخم السلطان . وأبتلي العرب منذ الزمان الأموي على وراثة السلطان والحاكم والوزير والقائد والرئيس ، فمن ولد ووالده رئيس لابد أن يكون رئيس ، وأبن الوزير لابد وأن يصير وزير ، وأبن القائد لابد أن يكون قائد ، وليس ثمة منافس أو مستحق لغير ماكتب من الوارثين بالحق . وأبتليت الأمة بالقادة الكذابين وبالكتاب الكذابين وبالصحف والفضائيات الكذابة ، وابتليت الأمة بالكذب حين ترد أن ترد تهمة كاذبة عن نفسها . كما ابتليت الأمة بتزوير حقائق التاريخ وأخفاء الوقائع عن مسارها الصحيح ، وابتليت الأمة بالخلافات التي نشأت مع وجودها فلم تتفق مرة ولم تتحد مرة ولم تنسجم مرة منذ الفتح الأسلامي لمكة . وابتليت الأمة بأنها تلد أحزاب تتناسل وقيادات تفرخ وتجمعات تنشطر ومجموعات تنشق وجمعيات تتكاثر ومفكرين لايفكرون ومنظرين يحلمون ومحللين لم يحللوا انفسهم . خسائر وهزائم وخيبات متعددة لم تجعل من هذه الأمة تصحو من غفلتها ومن سباتها ، لم تعرف هذه الأمة أن للكرد حقوق ومثلما للتركمان والأشوريين والكلدان حقوق ، وأن لهم الحق في الحياة فقد ولدتهم امهاتهم أحراراً لاسبيل لأستعبادهم والتحكم برقابهم بأية صيغة كانت . تراجع وتخلف وتخبط يعيد الناس عشرات السنين والدنيا تركض الى أمام ، ولامن أحد يسأل لم نركض للخلف ؟ وما أن تحل نازلة أو كارثة بالعرب حتى يرفعوا اصابعهم أشارة لعلامة النصر ، دون أن يدري أحد النصر على من ؟ ومتى ؟؟ وتعود الأطفال منذ رياض الأطفال وفي مدارسهم الأبتدائية أن يحتفلوا بالخيبات والهزائم ، وتلك تربية سيجبل عليها جيل لايعرف الهزيمة ولاالتراجع مع أنه جيل مهزوم وخائب ، وتساهم السلطات في أعماء الفكر لدى الناس فتجبرهم على الأحتفال في الأنكسارات ، والفرح عند الهزيمة ، والأبتهاج عند الفشل ، والأحتفال بذكرى كل هذا سنوياً حتى لايغيب عن البال والذاكرة . وليس اكثر من العرب تمجيداً للماضي وليس ذلك دون سبب ، انما وجدوا في التعكز على الماضي خلاصاً للهزائم والفشل الذي ينخر كل جسد هذه الأمة ودون أن تتم الأشارة اليه يتغنى بالمجد الماضي الزائل البعيد . وليس أكثر من أمة العرب مالحقها من هزائم ليس بسبب عدم كثرتها أو قلة عتادها وعدتها ، انما بسبب قلة وعيها وعدم أحترام الانسان كقيمة علياً في بلدانها وعودتها لعبادة الأصنام الحية بعد أن عافت الصنام الجامدة . فزعيم العرب يتحجر في كرسي السلطة ويصير حكيماً ويتم الأحتفال بمولده وتسلمه الكرسي ، ورئيس الدولة يتوارث الحكم مع سلالته لئلا تضيع منهم الحكمة والقدرة على الفكر الذي يرسم لكل الدنيا ، والقائد تصير مهنته قائداً حين يصير المتبقين قطيعاً يركض امامة ويذبح امامه . وليس أكثر من العرب من دخل الحروب بالأناشيد الثورية الملتهبة فألتهبت شعوبهم منكسره وعادت لاتتذكر حتى الأناشيد الثورية فأستعملها القادة والزعماء في اليوم الأول من الأنقلابات العسكرية .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكمة المتهم صدام وأعوانه - القسم الأول - من يختص بالتحقيق
...
-
الفيدرالية واللعبة السياسية
-
الجميع مدعو دون أستثناء
-
ابو حمزة المصري يقع في المصيدة
-
أين سيقف السيد حسن نصر الله ؟
-
الأكراد سبب بلاء الدنيا
-
ذكريات عبقة من الديوانية
-
الكلمة حين تقاتل عبد المنعم الأعسم
-
توفير العدالة لضحايا الجريمة
-
المشروع السياسي الخيالي العربي
-
لنحترم حرمة بيوت الله !!
-
التعذيب والقسوة في التحقيق
-
التحريض في جرائم الأرهاب
-
أنتحال أسم الحزب الشيوعي
-
تغيير القومية
-
الأسماءالمستباحة
-
سبايا يزيد العصر
-
اما آن لنا
-
المستجير من الرمضاء بالنار
-
سبايا يزيد العصر
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|