بما أن اللغة العربية لم يكن قد اكتمل تطورها عندما جاء محمد بالقرآن، ولما كان كُتاب الوحي يتناوبون في كتابته حسب وجود بعضهم وغياب البعض الآخر عندما يقول محمد إن جبريل قد زاره وأعطاه آيات من القرآن، فإن ما كتبه بعض الكتاب لم يكتبه الآخرون، ولما كانت الآيات مكتوبة على العظام والجلود كل آية أو آيتين في مكان، ولما كان القرآن قد نزل على فترة ثلاث وعشرين سنةً، فإنه لا محالة أن الذين حاولوا جمعه في مصحف واحد قد لاقوا مشاقاً عظيمه في جمعه وكتابته، إذ أن مستوى القدرة على الكتابة كان مختلفاً بين الكُتاب كما كانت طريقة كتابة كل منهم تختلف عن الآخر. وعندما جاء زيد وأعوانه لكتابة القرآن قرأ كل واحد منهم الكلمات غير المنقطة حسب تخمينه أو حفظة للكلمة. ولا شك أن هذا أدى إلى اختلاف بعض كلمات المصحف الجديد عما كان في المصاحف الأخرى مثل مصحف أبي بن كعب أو ابن مسعود. وللذك جاء اللاحقون من الفقهاء بمقولة القراءات المختلفة وزعموا أن محمد عندما جاءه عمر برجل يقرأ القرآن بغير ما حفظه عمر عن محمد، قال له محمد إن القرآن نزل بسبعة أحرف، فأصبحت القراءات سبع، ثم عشر، ووصلت إلى خمس وعشرين قراءة (النشر في القراءات العشر لابن الجزري، ص 18). وكل ذلك بسبب الحروف غير المنقطة التي تجعل من قراءة الكلمة تخميناً يختلف من شخص لآخر.
فعندما جاؤوا لترتيب سور القرآن، اختلفوا في طول كل منهن وفي عدد الآيات، وفي ما هو قرآن أو دعاء كان يردده محمد. وفي النهاية نجد "مصحف عثمان" خليطاً غير متجانس من الآيات المكية المحشورة في وسط السور المدنية، والعكس كذلك. ثم أن ترتيب السور لم يكن حسب تسلسل النزول وإنما اختار زيد بن ثابت أن يضع السور حسب طولها. وحتى طول السور نفسه حدث به ارتباك كثير واختلف الصحابة فيه. فمثلاً سورة الأحزاب التي تحتوي على ثلاث وسبعين آية في "مصحف عثمان"، أصرّ كلٌ من عائشة وأبي بن كعب وابن مسعود أنها كانت في مثل طول سورة البقرة قبل أن يجمع زيد "مصحف عثمان".
ثم هناك الاختلاف في عدد سور القرآن، إذ أن مصحف عثمان يحتوي على مائة وأربع عشرة سورة، بينما مصحف أبي بن كعب يحتوي على سورتين إضافيتين هما سورة الحفد وسورة الخلع، بينما مصحف ابن مسعود يحتوي على مائة واثنتي عشرة سورة فقط، إذ انه لم يعتبر سورتي المعوذتين من القرآن وإنما كانتا أدعية يرتلها محمد.
ولا نعلم كيف يقول الله لمحمد إن القرآن نزل بسبعة أحرف، بينما يقول له القرآن (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لُدا) (مريم 97). واليسر طبعاً هو عكس العسر، فعندما يقول (يسرناه بلسانك) يعني أنه تسهيلاً للأمور نزل القرآن بلسان محمد، وهو اللسان المكي، فكيف يقول يسرناه ثم يقول له أنزلناه بسبع أحرف حتى يختلف الناس في قراءته؟ وفي رواية عن عمر بن الخطاب، زعموا أنه سمع رجلاً يقرأ سورة يوسف، فقال الرجل (ليسجننه عتى حين) وهي في "مصحف عثمان" (ليسجننه حتى حين) فقال له عمر " من أقرأك هذا؟ قال ابن مسعود , فكتب عمر إلى ابن مسعود: (سلام عليك، أما بعد فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآنا عربياً مبينا وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقريء الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل) (المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي، ج4، سورة يوسف، الآية 35). ونستنتج من هذا أن مقولة نزول القرآن بسبعة أحرف مقولة ابتكرها فقهاء الإسلام للخروج من مأزق الاختلاف الكبير في قراءة سور القرآن لأن محمداً كان ينسى الآيات مع طول الوقت ويقرأ القرآن في الصلاة بطريقة مختلفة حسب ما يتذكره، فيحفظ عنه المسلمون ما سمعوه منه ولذلك حدث الاختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن.
وقد سقط من المصحف العثماني كلمات وآيات كثيرة كان المسلمون قد حفظوها، ويظهر لنا ذلك جلياً من بعض المخطوطات التي وجدت بصنعاء، والتي يرجع تاريخها للربع الأول من القرن الثامن الميلادي، كما تقول Annemarie Schimmel
ففي هذه المخطوطة اليمنية نجد السطر السابع قد طُمس تماماً، والسطر الثامن بداية سورة البروج التي تقول في المصحف العثماني (بسم الله الرحمن الرحيم. والسماء ذات البروج. واليوم الموعود. وشاهد ومشهود. قٌتل أصحاب الأخدود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد) بينما في القرآن اليمني غير المنقط نجد في بداية السطر الثامن (بسم الله الرحمن الرحيم. والسما ذات البروج. واليوم الموعود. وشاهد ومشهود. قُتل أصحاب الأخدود. إلا في كتاب الوفود ( الوقود) إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود.) فشبه الجملة (في كتاب الوفود) ليست بالمصحف العثماني
ولأن الناس كانوا يقرؤون القرآن بتخمين الكلمات غير المنقطة، نجد مثلاً في مصحف عثمان (والشمس تجري لمستقر لها) (يس 8)، نجد ابن عباس يقرأ (والشمس تجري لا مستقر لها). ويقول السيوطي في الإتقان في علوم القرآن عن الخليل بن أحمد إن الآية (فجاسوا في الآرض) قد قرأها آخرون (فحاسوا في الأرض). وفي سورة الإسراء (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) قرأ آخرون (وصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا). وفي سورة البقرة (وانظر إلى العظام كيف نُنشزها) قرأ آخرون (وانظر إلى العظام كيف ننشرها). والأمثلة لقراءة التخمين أكثر من أن نحصرها في هذا المقال. ونستنتج من كل هذا أن تاريخ جمع القرآن تاريخ يشوبه الغموض ولا يمكن التحقق منه لمخالفته المنطق ولعدم وجود مخطوطات تُثبت لنا ما يزعمه الإسلاميون.
ثم نأتي الآن إلى ماهية القرآن، أي محتوياته والفائدة منه. ونسأل أنفسنا: هل أتى الإسلام بأي جديد يستدعي إرسال رسول بعد يسوع أو موسى؟ والجواب هنا أن الإسلام لم يختلف عن اليهودية والمسيحية إلا في الآتي:
1- إباحة الغنائم والسبي لمحمد وأتباعه، وقد افتخر محمد بذلك كما يقول أهل الحديث، إذ قال لأصحابه (فُضلت على الأنبياء بست – وفيها – أُحلت ليّ الغنائم) (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج7، سورة الأنفال، الآية1)
2- قتال الناس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية
3- امتهان كرامة المرأة وجعلها أسيرة بيتها وخادمة لزوجها
4- جعل الله مآذوناً يزوج محمد ممن أراد من النساء، وينزل آياتٍ تحل مشاكل محمد مع أزواجه من عائشة إلى إلى زينب إلى حفصة وزمعة
ما عدا ذلك فكل شيء في الإسلام من صيام وصلاة وزكاة والحج ومنع الربا ووحدانية المعبود والإحسان إلى الوالدين والجار والقسط في التجارة والموازين، والطلاق والزواج والميراث، وعقاب السارق والزاني، وعقاب الجروح (السن بالسن)، كلها موجودة في إحدى الديانتين السابقتين أو في كليهما. بل بعضها كان ممارساً في "الجاهلية"، فما هي الفائدة التي جنتها البشرية من الرسالة الجديدة؟ وما الحكمة في أن يرسل الإله رسولاً بقرآن يجعل من الإله نفسه شخصاً نرجسياً يحب نفسه لدرجة الجنون ويقول (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ) ويقول ما من شيء في السماء والأرض إلا يسبح بحمده. ثم يصف نفسه بأنه خير الماكرين وبأنه شديد العذاب وبأنه سوف يملأ جهنم من الإنس والجن لأنهم لم يؤمنوا بالرسالة الجديدة التي ليس بها أي جديد؟
ماهي الفائدة التي أتت إلى البشرية من قرآن يقنن العبودية ويجعل الرجل عبداً لرجل آخر ثم كليهما عبيداً لإله نرجسي لا يطربه إلا صوت خضوع الفقراء وهم يتوسلون إليه ويصلون إليه ويطلبون مغفرته عن ذنوب لم يرتكبوها، وهو يصلي مع ملائكته على بشر أرسله رسولاً؟
ولغة القرآن، رغم جمال بعض السجع الذي بها، لغة ركيكة، مليئة بالتكرار الممل الذي لا يخدم غرضاً، بل يوقع كاتب القرآن في مغالطات هو في غنى عنها، كما بينت سابقاً في تكرار قصة عاد وثمود الذين قال لنا عنهم أنهم هُلكوا بالصيحة، ثم بالرجفة، ثم بالريح العاتية. ولولا التكرار لما وقع في هذا الاضطراب. وكمثال آخر للتكرار الذي يجلب الاضطراب: (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا) (الإسراء 89) (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) (الفرقان 50) (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (يوسف 103) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) (الأنعام 116). ثم يقول لنا بعد أن أخبرنا أن أكثر الناس كافرون: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون (آل عمران). فكيف يسلم كل من في الأرض طوعاً أو كرها، ثم يكون أكثر الناس كافرين؟
وكمثال آخر على التكرار غير المفيد: قال لنوح أن يقول لقومه (قل لا أقول لكم عندي خزائن الأرض ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير) (الأنعام 50) ثم قال لمحمد أن يقول (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا قول إني ملك) (هود 31). أما قمة التكرار فهي سورة الرحمن، وتكرار (بأي آلاء ربكما تكذبان). ومثال آخر للتكرار الذي لا معنى له، قوله (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم) (التوبة 69). هذه الآية الأخيرة قد ضربت بالبلاغة عرض عرض الحائط، ويصعب أن نصدق أنها أتت من إله في السماء خلق اللغة العربية، كما يقولون، وجعلها لغة آدم ولغة أهل الجنة.
وكمثال على ركاكة لغة القرآن ومحتوى الآيات نقدم: (وإذ قلنا إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) (الإسراء 60). في طب النفس هناك مصطلح للشخص الذي لا يستطيع أن يركّز على موضوع واحد، فيقفز من فكرة إلى أخرى دون توقف، ومثل هذا الشخص يقولون عنه إنه يعاني من flight of ideas. فماذا يفهم القاريء من هذه الآية التي تقفز من فكرة إلى أخرى دون توقف؟ ثم أن القرآن لم يذكر أي شجرة ملعونة قبل هذه الآية أو بعدها.
وكمثال آخر على ركاكة لغة القرآن والسهو الآدمي فيه نجد (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت أخوانكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتا) (النور 61).
فالآية بدأت بإعفاء الأعمى والمريض والأعرج من الغزوات، ثم دخلت في الأكل من بيوت الذين عددهم بتكرار ممل، كان في إمكانه أن يقول لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوت عوائلكم أو أصدقائكم. ولكنه عدد كل الأقرباء، ولأنه بشر يسهو كما يسهو الآخرون، نسي أن يذكر بيوت أولادكم وبيوت أجدادكم. فإذا التزمنا بالمذكورين في الآية فلا يجوز للمسلم أن يأكل من بيت ابنه أو ابنته المتزوجين، ولا بيوت جده أو جدته لأن القرآن لم يذكرهم.
ويقول لنا الإسلاميون إن كل كلمة في القرآن هي كلام الله الذي أوحاه إلى محمد عن طريق جبريل، ولكن نجد في القرآن آيات تحدثت بها حيوانات وطيور، فمثلاً حديث الهدهد مع سليمان (فقال أحطتُ بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرشٌ عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) (النمل 22-23). فهذه الآية بها خطأ تاريخي كبير إذ أن التاريخ المخطوط في "المسند" يخبرنا أن سكان مملكة سبأ كانوا يعبدون آلهة في السماء منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، أي من قبل ظهور سليمان. ويذكر لنا المسند أسماء هذه الآلهة. فأهل سبأ لم يكونوا يعبدون الشمس. ثم أن الكلام في الآية لم يقله الله وإنما قاله الهدهد.
وكذلك نجد (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) (النمل 18). فهذا ليس كلام الله وإنما كلام نملة. فالقرآن هنا ينقل لنا أحاديث خرافية لم تحدث، تماماً كما نقل لنا الإخباريون أحاديثاً عن محمد لم يقلها. ومما يُثبت أن القرآن ليس كلام الله، وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن. فالإله الذي يرسل رسوله بقرآن مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن يحلق الخلق، لابد وأنه راجع ذلك القرآن وتأكد أنه خالي من المتناقضات قبل أن يرسله إلى رسوله. ولكن هناك أكثر من مائتي آية تناقض بعضها، فقال مؤلف القرآن إنها منسوخة أي ملغية. فلماذا إذاً أنزلها على رسوله وهو يعلم أنها ملغية؟ ولماذا احتفظ بها رسوله في القرآن وظل المسلمون يرددونها باستمرار مع أن أحكامها قد أُلغيت؟
وفي الختام فإن القرآن ليس ذكراً محفوظاً وليس كلام الله، الذي أصلاً لا وجود له إلا في المخيلة الجمعية للبشر، وإنما هو تأليف بشري تدرج بعدة مراحل كتابية حتى اكتمل في صورته النهائية في نهاية القرن السابع الميلادي أو بداية القرن الثامن.