أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -أزمة الفهم والتفسير- في عالَم السياسة!















المزيد.....

-أزمة الفهم والتفسير- في عالَم السياسة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 14:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عالَم السياسة (الواقعي الحقيقي) هو، في بعضٍ من معناه، العالَم الذي فيه يتجلَّى النزاع بين "المبادئ" و"المصالح"، أي بين أن يعمل المنتمي إلى هذا العالَم بما يوافِق المبادئ التي يؤمِن بها وبين أن يعمل بما يَخْدُم مصلحة له (مادية أو اقتصادية في المقام الأوَّل) تتعارَض، كلِّياً أو جزئياً، مع التزامه المبدئي؛ أمَّا عالَم المال والأعمال والتجارة، فهو العالَم الذي تستبدَّ بالمنتمين إليه المصالح، وتُنْبَذ المبادئ (ولو كانت في منتهى السمو) إنْ لم تجرِ رياحها بما تشتهي سفينة المصالح، فإنَّ المصلحة (المادية) في هذا العالم تعلو ولا يُعْلى عليها.

وفي "العولمة"، وبها، أصبح عالَم السياسة يزداد شبهاً بعالَم المال والأعمال والتجارة حتى أنَّ تمييز أحدهما من الآخر غدا من الصعوبة بمكان؛ وهذا التشابه المتنامي هو ما جَعَلَنا نرى منسوب الفساد يرتفع، ويزداد ارتفاعاً، في عالَم السياسة، الذي كلَّما توغَّلْنا في ماضيه رَأيْنا نفوذ المبادئ فيه أقوى وأوضح.

الرؤية الموضوعية، أي رؤية الأمور والأشياء على حقيقتها، وفي حجومها الحقيقية، في عالَم السياسة، ليست دائماً في متناوَل الأبصار والبصائر؛ ولا شكَّ في أنَّ أزمة الرؤية السياسية هي في المقام الأوَّل "أزمة تفسير وتعليل"، فنحن لا نختلف، وينبغي لنا ألا نختلف، في بديهية كبرى هي أنَّ الظواهِر والأحداث في عالَم السياسة مُمْكِنة التفسير والتعليل بمبدأ من مبدأين اثنين لا ثالث لهما: "المبدأ المثالي (الفكري)" و"المبدأ الواقعي".

ولو لم يكن "المبدأ المثالي" مُفسِّراً معلِّلاً للظواهر والأحداث السياسية لَمَا تجرَّأ أحد القائلين به على المغالاة في أهميته قائلاً "إنَّ الفكر يَحْكُم العالَم".

لكنَّنا نختلف، ولا بدَّ لنا من أن نختلف، في أمْرٍ أكثر أهمية، هو الإجابة عن السؤال الآتي: "إذا كان كلا المبدأين يصلح تفسيراً لعالَم السياسة، فأيُّ المبدأين يُفسِّر الآخر؟".

إنَّني من القائلين بـ "المبدأ الواقعي" مُفَسِّراً، أو تفسيراً، لـ "المبدأ المثالي"، بأوجهه وصوره المختلفة، ففي نهاية السلسلة من "الأسباب المثالية"، يَظْهَر لنا آخرها، ولا بدَّ له من أن يَظْهَر، على أنَّه "النتيجة المثالية" التي تَتَّصِل مباشَرةً بـ "سببها الواقعي"، فالفكر يَحْكُم العالَم؛ لكن ليس حُكْماً أُوتوقراطياً، وإنَّما حُكْم مقيَّد بـ "دستور"، هو كناية عن الواقع وقوانينيه.

وإيَّاكم أن تظنُّوا أنَّ هذا الذي قُلْت هو أمْر نظري (أو فلسفي) لا صلة له بالواقع (أو الحياة) فهو وثيق الصلة به، وإن بدا لنا الأمر غير ذلك في بعضٍ من القضايا.

لو سألْتَ أحد القائلين بـ "المبدأ المثالي"، تفسيراً وتعليلاً، عن سبب الحرب، لأجابكَ على البديهة قائلاً "إنَّ سببها يكمن في نزعة الشرِّ المتأصِّلة في نفوس البشر"؛ وينبغي لنا، إذا ما أردنا للسلام أن يعم ويسود، أن نُصِلح نفوس المولعين بالحروب، وأن نشرح لهم مثالب وشرور الحروب، وأن نبصِّرهم بعواقبها، وأن نغرس في عقولهم "ثقافة السلام"، وكأنْ ليس للحرب من أسباب واقعية، قد تَحْمِل حتى الكهنة و"الغانديين" على أن يصبحوا لها أمراء وقادة!

ولو سألْته عن سبب إخفاق جهود ومساعي السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، على كثرتها، لأجابكَ على البديهة قائلاً "إنَّ السبب يكمن في كَوْن الدولة العبرية غير محبَّة للسلام"، فلو حبَّبناها به، وجَعَلْنا له مكاناً في قلبها، كأنْ نتوفَّر على إقناعها بجدوى ومزايا وفوائد مبادرة السلام العربية، لتبدَّلت مشاعرها، ولجنحت للسلام. إنَّ إسرائيل لا تُحب السلام؛ لأنَّ العرب في واقعٍ يَحْملهم على استجداء السلام استجداءً، فلو أصبحوا أقوياء لاكتشفوا أنَّ إسرائيل تحب السلام!

ولو سألْته عن سبب انحياز الولايات المتحدة الأعمى إلى إسرائيل (ضد العرب والفلسطينيين) لأجابكَ على البديهة قائلاً "إنَّ السبب يكمن في تقاعس العرب عن شرح قضيتهم العادلة للولايات المتحدة"، فلو هُم أنفقوا مزيداً من الجهد والوقت، توصُّلاً إلى تعريف زعماء القوَّة العظمى في العالَم، وتثقيفهم، بقضيتنا، لأنارت هذه المعرفة دروبهم، ولَجَعَلتهم ينحازون إلى "الحقِّ"، وإلينا بالتالي.

ولو سألْتَه عن سبب ظاهرة "الإرهاب الإسلامي"، لأجابكَ على البديهة قائلاً "إنَّ السبب يكمن في النصوص والنفوس؛ في دين المسلمين، وآياتهم القرآنية، ومناهجهم الدراسية"؛ وينبغي، لـ "ضحاياه"، بالتالي، أن يخوضوا "حرب الأفكار"، التي دعا إليها رامسفيلد، وبشَّر بها، وأن يغيِّروا المناهج الدراسية في المدارس الإسلامية، توصُّلاً إلى تجفيف منابع هذا "الإرهاب" من النصوص والنفوس، وإلى تحبيب المسلمين بالولايات المتحدة، التي لم تفعل شيئاً لجعل المسلمين في واقعٍ يَحْمِلهم على معاملتها على أنَّها عدوٌّ لهم، والتي كان لها المسلمون أنفسهم حليفاً في حربها في أفغانستان ضدَّ الاتحاد السوفياتي والشيوعية والالحاد.

ولو سألْتَه عن سبب غزو الولايات المتحدةة للعراق، لأجابكَ على البديهة قائلاً "إنَّ السبب يكمن في أنَّ الصليب قد قرَّر، عبر ممثِّليه (إدارة الرئيس بوش) استئناف الحرب الصليبية ضدَّ الهلال"؛ فالنفط ليس بالسبب؛ لأنَّه دنيوي تافه، وهل يستوي الدنيوي والديني؟!

في عالَم السياسة، نرى دائماً من له مصلحة حقيقية في نشر وبثِّ الأوهام، وفي (بالتالي) إخضاع الأبصار والبصائر لهيمنة "المبدأ المثالي" في تفسير وتعليل الظواهر والأحداث السياسية، فهذا المبدأ، على ما أثبتت التجربة السياسية، لا يَصْلُح إلاَّ للنساء والعبيد، أي لكل من فُرِض عليه العيش في واقعٍ يُضيِّق الأُفْق.

أمَّا أرباب السياسة، والذين تطبَّعوا بطباع التُّجار، وتخلَّقوا بأخلاقهم، فإنَّهم في غنى عن هذا المبدأ، وفي أمسِّ الحاجة إلى التفكير والعمل والتصرُّف بما يوافِق المبدأ الآخر، المضاد، أي "المبدأ الواقعي"، فإنَّ مصالحهم الواقعية (المادية والاقتصادية في المقام الأول) تُلْزِمهم صواباً من قبيل 1+1=2، وخطأً من قبيل 1+1=3؛ كما تُلْزِمهم أن يُقْنِعوا العامَّة من الناس بجدوى وصواب "المبدأ المثالي"؛ لأنَّه هو وحده الذي يجيز لكَ أن تقول إنَّ 1+1= قِرْداً.

أرباب السياسة هؤلاء لا مصلحة حقيقيه لهم سوى "الحُكْم"، أي الوصول إليه، والبقاء فيه، والاحتفاظ به؛ لأنَّه الثالوث (السلطة، والثراء، والشهرة) الذي لديه من الجاذبية ما لدى "ثقب أسود". وفي هذا الثالوث تكمن المصلحة الشخصية العظمى، التي إنْ ضَرَبْنا عنها صفحاً، فلن نتوصَّل أبداً إلى تفسير الحال السياسية لصاحبها، صعوداً وهبوطاً، مدَّاً وجَزْراً، تقدُّماً وتراجعاً، مبدئيةً وبرغماتيةً، اعتدالاً وتطرُّفاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تتحرَّر المرأة من -يوم المرأة العالمي-؟!
- -فساد الانتخابات- يكمن في -فساد الدَّافِع الانتخابي-!
- موعدنا الجديد في تموز المقبل!
- فتوى الشيخ البراك!
- الحاسَّة الصحافية
- بيان اليأس!
- قانون -ولكن-!
- المواقع الأثرية اليهودية.. قائمة تطول!
- حَلٌّ يقوم على -تصغير الضفة وتكبير القطاع-!
- حكومات مرعوبة تَلِدُ إعلاماً مرعوباً!
- -تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!
- صناعة التوريط في قضايا فساد!
- -فالنتياين-.. عيدٌ للتُّجار أم للعشَّاق؟!
- الأمين العام!
- عصبية -الدَّاليْن-!
- مجتمعٌ يُعسِّر الزواج ويُيسِّر الطلاق!
- العدوُّ الإيراني!
- -التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
- قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
- -ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -أزمة الفهم والتفسير- في عالَم السياسة!