|
لماذا لا يكون وزير الثقافة علمانياً؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 10:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يكون وجود فقيه أو واعظ ديني على رأس وزارة الثقافة في البلدان ذات اللون، والطعم، والرائحة الواحدة، أمراً مقبولاً وعادياً ولا يثير أية "شبهة" أو اهتمام وحمية ومن أي نوع كان، غير أن وجود وزير ثقافة ما، في بلدان متعددة الألوان والثقافات والتيارات، والأفكار والمدارس الفكرية، وفيها من التنوير ما يكفي، فعندها يصبح هذا الوجود عبئاً وهماً ثقيلاً وظاهرة غير طبيعية تستدعي المعالجة وإيجاد ما يناسب من حلول لها.
لا ننكر حق أحد في التغني بثقافته، وأمجاده، وتاريخه التليد، وحضارته التي لا يشق لها غبار، وأفكاره ومعتقداته التي لا يأتيها الباطل لا من خلف، ولا من أمام، أو وراء، وهذا من صلب الفعل العلماني، لكن طغيان ثقافة، ولون، ورائحة ما على مشهد متعدد الألوان، والتيارات، والأفكار هو الأمر غير المقبول والشاذ. فكما أن لهذا الوزير الحق في إظهار ثقافته وأفكاره، والتغني بهما، ومن على منبر وطني عام، وطرق أسماعنا بها، وتقريظنا، وتقريعنا بها على الطالعة والنازلة بحيث أصبح مجرد ذكرها هو كابوس يستفز كل مشاعر الغضب والاحتقان، فإن لغيره أيضاً، وخاصة من بني "علمان" الحق في طرح أفكاره وإظهارها للناس والتغني بها، كما أن هناك حقاً "معلوم" للآخرين وللسائل عن طرح ثقافته، والمحروم من تداولها والعيش بها. وتدخل في كثير من الأحيان، تصريحات وزراء ثقافة الطالبان، وما أكثرهم وما شاء الله وبارك، في باب المحظور الوطني، والتحريض على العداء والكراهية والإرهاب، واحتقار وازدراء الثقافات الأخرى، والمعتقدات والتحريض ضدها وتأليب الرأي العام عليها، حين يـُعلي كثيراً ،وبافتنان رومانسي يحسد عليه، أمام الملأ من شأن ثقافته، التي قد لا تعني أي شيء لأحد من العالمين، وأنا منهم، بكل فخر وتواضع واعتزاز، ويحط، بذلك تبطيناً وتلميحاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ثقافات ومعتقدات وأفكار أخرى، لتدخل تلك التصريحات والغطرسات والعنصريات الفكرية في باب الاستفزاز، والحرب الثقافية والفكرية الاستعلائية ضد الآخرين، وتحدي مشاعر الأقليات الثقافية التي تشاركه المواطنة وتعمل على تحفيز مواقف وانزياحات واصطفافات، وتنزع عن الآخرين أية شرعية حتى لو كانوا يشاركون السيد الوزير الأخوة في المواطنة والإنسانية، فهو يميز نفسه عن الآخرين، باعتباره، وما شاء الله ابن حضارة وثقافة أخرى أرقي وأعظم وأحسن وأكثر تقوى وورعاً وفضلاً من كل الثقافات والتيارات الأخرى الموجود على الساح، ولا يمكن اعتبار تصريحات يعضهم في باب حرية التعبير والكلام طالما أنها "تصيب قوماً بجهالة"، وسوء واضحين.
أسمع أحياناً من بعض وزراء الثقافية، وبخاصة في البلاد التي تنطوي على أنماط وأشكال وتعدديات ثقافية متنوعة، ما لا يسر خاطر، ولا يرد ببال من كم هائل من الاصطفاف والانزياح والتموضع الثقافي العصبوي والعصابي لثقافة بعينها دون أخريات. ولا ادري كيف يقوم وزير ثقافة ما، في بلد متعدد الثقافات والأعراق والتيارات الفكرية بكافة أشكالها، وحتى السلفية منها، وبكافة تفرعاتها وانشقاقاتها المذهبية والطائفية الأكثر من أن تعد وتحصى، بالتركيز على ثقافة واحدة من بين كل تلك الثقافات، والتأكيد على حضارة ما دون الأخرى، إن لم يكن قاصداً وعامداً متعمداً إهانة وتحقير وازدراء والحط من الثقافات الأخرى، ولماذا لا يعمد هذا وذاك في تصريحاته ومقالاته التي ينشرها هنا وهناك، والتي تفوح منها، روائح طالبانية كريهة وفائحة، أن يبرز قيمة الثقافات والتيارات الفكرية الأخرى الموجودة على الساحة، ويتغنى بها باعتبارها ثراء وتراثاً إنسانياً عظيماً ذا قيمة وطنية عظيمة لا يتأتى ولا يحصل للكثير من البلدان، أم أنه وزير لثقافة بعينها وليس لثقافات تسود وتترعرع على الساح، وقبل مجيء ثقافته مع جحافل الغزاة، بوقت طويل؟ أليس حرياً به، وبغيره، ومن باب الإنصاف الإشارة ولو بأضعف الإيمان إلى كل تلك الثقافات التي تعتمل وتتنفس على الساح، والتي كانت موجودة ووأدتها ثقافته "أم الحضارة والفضل والجمال"، أم أنه وفي لثقافته وهو يكرسها بكل أمانة ووفاء، تلك الثقافة التي أزاحت كل الثقافات الأخرى، وجلست على أنقاضها وتربعت لوحدها على العرش دون منازع، رافضة أي وجود للآخر، في أكبر عملية سرقة ونصب واحتيال لثقافات وحضارات وعلوم ومعارف الغير؟
ومن هنا فإن وجود وزير علماني يحترم مشاعر الأقليات الثقافية والعرقية ويعلم أن الاختلاف هو سمة الحياة، وليس فضلاً وريشة على رأس أحد ما دون الآخر، هو ضرورة وطنية وتصالحية في مثل هذه البلدان، تلم الشمل الثقافي ، وتعمل على إيجاد المشتركات وإبراز السمات والنزعات الإنسانية والأخلاقية في كل ثقافات لتكون محوراً تلتف حولها كافة التيارات والثقافات الأخرى، ويحق لنا التساؤل بالتالي لماذا لا يكون وزير الثقافة في هكذا بيئات علمانيا ومنفتحاً على الآخر ومتقبلاً لثقافته، غير متحيز ومتخندق ومتموضع في جهة ما، ولم لا يكون نقطة التقاء لا افتراق، ومازجاً ومقبولاً من كافة التيارات بحيث لا يكون رمزاً مستفزاً أحادياً وممثلاً لثقافة ما؟ ألا تستحق الأوطان متعددة الأهواء والمشارب والتيارات والثقافات وزيراً متعدد الثقافات لا وزيراً لا يذكرك إلا بالملا عمر وبن لادن وسواهم من مخضبي اللحي وأصحاب الدشداشات القصيرات والعمامات؟ ألا يشكل وجود مثل هؤلاء الوزراء عامل استفزاز وتحريض بدل أن يكونوا عوامل استقرار وأمان وطني وشعور بالاطمئنان لوجودهم على رأس وزارات تشكل حساسيات خاصة على كافة الصعد والمستويات؟
إن استمرار التركيز على ثقافة وتيار بعينه، وبهذا الشكل الفج والممجوج والاستفزازي في بلدان متعددة الثقافات، يعني شيئاً واحد هو أنه عملية إقصاء مبرمج وممنهج مقصود ومتعمد لكافة الثقافات والتيارات والوطنية الأخرى، وبكل ما لذلك من أبعاد خطيرة على المدى البعيد، على وحدة الأوطان والسلم الأهلي والأمن الوطني العام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خبر عاجل: إنشاء أول محطة عربية لتوليد الطاقة الجنسية
-
الموطوءة
-
تشييع الحلم العربي إلى مثواه الأخير
-
خبر عاجل: خروج العرب من تصفيات كأس الأمم الحضارية بفارق 1400
...
-
ماذا لو استدعي رئيس مصر القادم لمحكمة جرائم الحرب؟
-
لماذا لا يسجدون؟
-
هل البرادعي مجرم حرب؟
-
مقارنات عربية إيرانية
-
نهاية عصر الفتوى: فتاوى في ذمة التاريخ
-
عن مقال عروبة مشيخات الخليج: ردود على الردود
-
لماذا لا يصلي ساركوزي وبراون صلوات الاستسقاء؟
-
هل مشيخات الخليج عربية، أولاً، حتى يكون خليجها عربياً؟
-
السلف الصالح والجهل
-
الشيخ البراك: كلكم دواويث بإذن الله
-
العرب ومحاولة السطو على اسم الخليج الفارسي
-
أهلاً أحمدي نجاد
-
هل تراجعت العلمانية في سوريا، حقاً؟
-
فضيحة للموساد أم فضائح بالجملة للعرب؟
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه 3
-
تاريخ وحضارة تندى لها الجباه2
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|