أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نادية عيلبوني - الأمير الأخضر ، دروس وعبر















المزيد.....

الأمير الأخضر ، دروس وعبر


نادية عيلبوني

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 07:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يمكننا فهم أسباب ذلك التحول لدى "مصعب حسن يوسف" والملقب ب"الأمير الأخضر" بالاستناد إلى مبضع الأيديولوجيا، التي لا تفسر ،في الواقع، شيئا والتي ربما ،تكون هي بالذات أحد أهم العوامل في ذلك الانقلاب العميق والشامل في مفاهيم "مصعب" وتحوله من النقيض إلى النقيض. أي من مناضل عنيد وصلب لا يشق له غبار ضد الاحتلال في الماضي ، إلى خائن لقضيته الوطنية.
المسألة باعتقادنا ليست بتلك البساطة التي يمكن للشتائم والانتقادات المحشوة بالخطب أن تجيب عليها. فأن يخون المرء وطنه بتلك الصورة التي تصل إلى حد التماهي مع من احتلوا وطنه وأذلوا شعبه ، واعتبار نفسه جزء لا يتجزأ من الأعداء ، والدفاع عن فعلته وتقديمها على أساس من كونها قرارا فرديا وقناعة راسخة ،هو في الواقع ليس مجرد حالة من الضعف الإنساني أو حالة خضع فيها الخائن لتأثيرات نفسية وجسدية أدت إلى مسخ عقله بالكامل بالرغم من أهمية كل تلك الاعتبارات.
فالخائن أو العميل عادة ما يشعر بالعار لفعلته، الأمر الذي يدفعه إلى محاولة إخفاء هذا الفعل، أقله باللجوء إلى التواري عن الأنظار ، أو إنكار قيامه بذلك الفعل الذي يعزله عن واقعه ومجتمعه .
حالة مصعب حسن يوسف في تقديرنا ،هي حالة استثنائية لا ينسحب عليها كل ما ذكرناه ولا ينسحب عليها ذلك التبسيط الذي يحاول أن يخفي بخفة وتسرع الأسباب الحقيقية التي تقف وراء سلوك الخيانة لدى الرجل .
ما يجدر ذكره هو أن الحالة الفلسطينية لم تسجل حتى الآن قيام عميل بالتباهي بعمالته أو التنظير لها باعتبارها حقا مشروعا يستند إلى قناعته الفردية ، أو إلى ضميره ، أو إرادته الحرة . ودعنا نقول أننا أمام حالة فريدة من نوعها وتستحق الدرس والتعلم والفهم بعيدا عن مشاعرنا الطبيعية والمبررة، التي تأنف وتتقزز من هذا السلوك الشائن والمدان من كافة القيم والأعراف المتبعة في العالم.
ما لاحظناه جميعا ربما، هو أن مصعب لم يكن يبدو لنا مضطربا أو مهزوزا أو خجلا من فعلته ، كما أننا لم نلحظ من خلال كافة لقاءاته وأحاديثه إلى وسائل الإعلام أية علامات تشير إلى الشعور بالذنب أو التردد ،أو حتى الخجل. وهو على الأقل لم يضطر إلى الدفاع عن نفسه، الأمر الذي يعني أن الرجل على قناعة تامة بمشروعية ما فعله ولا يعتبره خيانة من وجهة نظره. لقد حاول دائما أن يبرز قناعته تلك بالحديث عن سعيه ورغبته بالسلام بين الشعبين. وهذا ما يعطي الانطباع لدى المتلقي أن "مصعب" يمتلك وجهة نظر وقناعات تنطلق من وجهة نظره الدينية والأخلاقية والأيديولوجية الجديدة التي تبدو للوهلة الأولى مشروعة في ظاهرها.
لعل هذا بالضبط ما يدعونا إلى التعمق أكثر فأكثر في الأسباب الحقيقية لسلوك الرجل وتحليل مرجعياته وأسس تربيته الأولى .
المعروف أن ثقافة مصعب في فترة الطفولة والشباب قامت على أساس من التربية الدينية المتزمتة للإخوان المسلمين التي تعتبر حركة حماس التي انتمى إليها ،جزء منها . وكما هو معروف أيضا ،إن الحركة لا تدعي في أدبياتها وسياستها القائمة على الايديولوجيا الدينية ، مقاتلة إسرائيل من منظور وطني وحقوق وطنية مشروعة للشعب الفلسطيني ، بل لعل مفهوم الوطن كأرض وهوية لشعب محدد يحمل صفات محددة تميزه عن باقي الشعوب ، هو العنصر الغائب تماما لدى الحركة التي تعتبر ولا تزال ، فلسطين وقفا إسلاميا ينبغي الدفاع عنه واسترجاعه من إيدي اليهود" الكفار" من خلال الجهاد . فالوطنية والشعور الوطني ليس لهما مكان في أدبيات الحركة ،وهذا يعني ارتباط مفهوم الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي بمفهوم الدين من حيث الجذر والأساس في ذهن "الأمير الأخضر". وربما كان من المستحيل على الذين مارسوا عملية مسح الدماغ على مصعب وهو في السجن التأثير عليه وإسقاطه والاستفادة من خدماته ، دون ممارسة جهود مكثفة من أجل تغيير العقيدة التي تشرعن الصراع من منظور ديني وعقيدي، دون أن تمارس تأثيرا لتحويل العقيدة نفسها في نفس الرجل ، إلى عقيدة أخرى ، تعطي الأمير الأخضر نوعا من ارتياح الضمير، وتسهل عليه ما انتوى فعله.
لماذا المسيحية بالذات؟
هذا السؤال يمكن أن يثير حفيظة البعض ، ويؤدي إلى سوء الفهم وخصوصا بالنسبة للمسيحيين الفلسطينيين ، لكننا سنسارع إلى التأكيد على حقيقة أن تحول الرجل من الإسلام إلى المسيحية بصيغتها المجردة عن معطيات واقعها ومجتمعها ، والتي تنبذ نظريا العنف وتدعو إلى محبة الأعداء وعدم مواجهة عدوانهم ، لا يعني أن المسيحيين لا يمتلكون شعورا وطنيا ،أو أنهم يمتلكون استعدادا للتعاون مع محتليهم . وهنا يجب أن لا يغيب عن الذهن إطلاقا أن هناك شعوبا مارست فعل التحرر الوطني المقرون بالعنف ضد محتليها ومضطهديها بالرغم من دياناتها البوذية والمسيحية التي تنبذان العنف وتحضان على السلام والتسامح.كما أن المسيحيين الفلسطينيين قدموا صورا ساطعة ومشرفة في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني والإسرائيلي دون أن تقف عقيدتهم الدينية الداعية إلى عدم مقاومة الشر ، عائقا في استبسالهم في الدفاع عن وطنهم بكل الوسائل ، سواء منها السلمية منها وغير السلمية ، بل لنا أن نؤكد هنا أن مصعب لجأ إلى تغيير العقيدة بعقيدة أخرى بطريقة مجردة، فهو على أية حال أنه لم ينشأ كأي مسيحي فلسطيني الذي يتشرب منذ الصغر إضافة إلى عقيدته الدينية التربية الوطنية الكفيلة بتحصينه من الانزلاق .ولا شك أن لجوء الأمير الأخضر لاستبدال عقيدته كان ناتجا عن ذلك الضغط العاطفي الديني ، فأراد أن يتخفف من ثقل مشاعر الذنب الدينية ، في تعاونه مع الاحتلال، لذا لجأ تغيير عقيدته.
وغني عن القول أن الرجل ما كان بإمكانه أن يتبنى اليهودية كعقيدة، ليس فقط لعدم انفتاح اليهودية إلى الحد الذي يمكنّها من قبول مريدين جدد ، بل لأن اليهودية هي الأخرى تقوم على الغلبة في تشريعها للعنف والقتل انطلاقا من شريعتها القائمة على مبدأ"العين بالعين والسن بالسن"وهي بهذا المعنى لا تفيده من الناحية الايديولوجية في تبرير فعلته وتقديم نفسه كداعية سلام.
اذن هو أمام نفسه وضميره على الأقل لم يعد خائنا بالمعنى الديني للكلمة ، لأنه تحول عن عقيدة الإسلام إلى غيرها. وهو من وجهة نظره أيضا ،وهذا هو الأهم ،ليس خائنا للوطن لأنه لم يتلقى من حيث الأساس أية ثقافة أو تربية وطنية،فالضمير الوطني هنا هو عنصر غائب . وارتباطه بشعبه هو محض ارتباط ديني عرضة للتغيير والتبديل ولا يحتمل، أو يحمل في مضامينه صفتي الديمومة والثبات .
وخلاصة الدروس المستقاة من حالة "الأمير الأخضر" ستأخذنا حتما إلى الاستنتاج المنطقي الذي يقول: أن التطرف الديني لا يمكن أن يكون حصانة تعصم الفرد عن ارتكاب فعل الخيانة الوطنية ، في حين أن تربية الأبناء من خلال ثقافة وطنية تعبر عن هوية جامعة لأبناء الوطن كله ، هي الضمانة الأكثر قوة وأكثر مناعة ، فإذا كان الدين قابلا للتغيير ، فإن الوطن هو الوحيد الثابت الذي لا يمكن أن يتبدل مهما كانت المبررات والاعتبارات .



#نادية_عيلبوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القذافي، بين سوء تربية الأولاد وبين إعلان الجهاد
- ما سر غزل د. أبو شمالة بفن السياسة المصرية؟
- مطر قصة قصيرة
- القرضاوي ينبغي محاكمته، ردا على بدر الدين المدوخ
- الهجوم الإسرائيلي الحمساوي على حكومة سلام فياض هل هو مصادفة؟
- لا حل للأقباط إلا بالخروج من وصاية الكنيسة
- متى يتحرر الدين من سجن السياسة
- لماذا تجاهلت الصحافة الفلسطينية ترشيح الروائي ربعي المدهني ل ...
- ظهور العذراء ليس حلا لاضطهاد الأقباط
- ظهور العذراء والعقل الخرافي المصري
- إنهم يعهرون الشريعة!!
- أين هي مقاومة حماس وحزب الله؟
- هل تحولت صدور نسائنا إلى ساحات للجهاد؟
- حماس وانفلونزا الخنازير
- مجرد أسئلة ، الفلسطيني وحقوق الإنسان
- أيضا منظر الملتحين وأصحاب - الدشاديش- القصيرة يجرح ذوقنا وهو ...
- هذا حق مشروع لنسائنا ملكة جمال لفلسطين ما الذي يمنع؟
- -كل الحق- على الرئيس عباس!!؟؟
- اللعب بقضايا الاندماج في النمسا
- المتوكل طه والدفاع عن ثقافة الاستبداد - نعم الثقافة العربية ...


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نادية عيلبوني - الأمير الأخضر ، دروس وعبر