|
التوازن المالي
رشيد بنعياش
الحوار المتمدن-العدد: 2938 - 2010 / 3 / 8 - 18:30
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مقدمة لقد جاء مفهوم التوازن المالي ضمن مفاهيم علم المالية العامة ويقصد به التساوي بين الإيرادات العامة والنفقات العامة. وعلم المالية هو ذلك العلم الذي يقوم بدراسة النفقات والإيرادات العامة. واعتبارا لكون علم المالية العامة هو فرعا من فروع علم الاقتصاد، فكلاهما يهتم بدراسة النشاط المالي والاقتصادي للدولة. فعلم الاقتصاد يدرس كيفية توزيع الموارد المتاحة بين الاستخدامات بهدف إشباع الحاجات الإنسانية.. بينما يقوم علم المالية العامة بدراسة النشاط المالي للدولة، وعليه فإن مفهوم التوازن المالي مرتبط أشد الارتباط بالتوازن الاقتصادي. وعلى مر العصور لجأت الحكومات على الحصول على موارد مالية من خلال فرض ضرائب على القادرين على الدفع، وكذا البحث عن أوجه إنفاق لهذه الموارد. وكانت قرارات الحكومات بشأن تحصيل وإنفاق الأموال العامة لا تتخذ عفويا، وإنما من خلال قنوات وقواعد محاسبية منظمة تقوم بها أجهزة ومؤسسات الدولة التي تمارس النشاط المالي لها. ويطلق على تلك المؤسسات والعلاقات التي تربطها مجتمعه «النظام المالي». ويعتبر النظام المالي جزءا من النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، باعتباره أداة لتحقيق أهداف المجتمع. ويتكون هذا النظام من مجموعة من القواعد المنظمة التي تحكم إعداد الميزانية العامة، اعتمادها، تنفيذها، مراقبتها، تحصيل الإيرادات العامة وإنفاقها في القنوات المخصصة لها. وللنظام المالي وظائف مختلفة يجب عليه تحقيقها؛ من خلال أدواته المتعددة كالإنفاق العام والإيراد العام، وأهم تلك الوظائف تحقيق التوازن المالي أي توازن الميزانية العامة للدولة. فالميزانية العامة للدولة كما يعرفها أغلب الفقهاء؛ «عبارة عن خطة لبرنامج عمل مالي؛ تحتوي على بيان تقديري مفصل وشامل للنفقات العامة والإيرادات العامة للدولة، خلال فترة زمنية مستقبلية عادة ما تكون سنة؛ بحيث تؤدي إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية طبقا للسياسة العامة للدولة، ويتم اعتمادها من قبل السلطة التشريعية.» المحور الأول: مضمون التوازن المالي. إن مضمون التوازن المالي يكمن في التوازن بين جانبي الميزانية العامة للدولة؛ وذلك باتباع سياسة مالية معينة، تقوم بها السلطة المالية المختصة في الدولة عند وجود تباين بين حجم النفقات العامة وحصيلة إيرادات الدولة، وذلك بتعديل أحد جانبي الميزانية بغرض خلق التوازن بينهما أي تعادل النفقات مع الإيرادات. وقد اختلفت النظرة إلى هذا التوازن؛ حيث كانت في الماضي نظرة حسابية بحثة، ذلك أن جملة الإرادات كان يجب أن تساوي بالضبط جملة النفقات دون أن يكون هناك أي عجز أو فائض، ومن ثم لم يعد ينظر إلى التوازن إلا في حدود التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام. الفرع الأول: نظريات التوازن المالي مع تطور وظائف الدولة، وانتقالها من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة، عرف الفكر المالي تطورا في نظرياته عن التوازن المالي. تحت ظل الفكر المالي التقليدي، ينفصل كل ما هو مالي عن كل ما هو اقتصادي؛ إذ يتعين أن يتساوى حجم الإيرادات العامة مع حجم النفقات العامة، أما التوازنات الاقتصادية فتحقق بصورة تلقائية. وفي ظل الفكر المالي الحديث، لا يفهم ما هو مالي إلا من خلال ما هو اقتصادي. الأول تابع للثاني. وعليه، يصبح التوازن المالي ثانويا قياساً بالتوازنات الاقتصادية، وبالتالي أمكن استخدام الحالة المالية للميزانية (عجز أو فائض) لتحقيق هذه التوازنات. أولا: النظرية التقليدية للتوازن المالي. لقد قدس الفكر المالي التقليدي قاعدة توازن الميزانية، حيث كان يرفض عجز الميزانية، كما يرفض حدوث فائض فيها. ويستند في ذلك على أن عجز الموازنة يؤدي إلى الإفلاس والتضخم، فالدولة تلجأ إلى سد العجز للإقتراض أو للإصدار النقدي. فالاقتراض يؤدي إلى زيادة النفقات في الميزانيات اللاحقة «سداد أقساط القروض وفوائدها» مما يضطرها إلى الاقتراض من جديد. الإصدار النقدي يؤدي إلى ظهور آثار تضخمية بسبب زيادة الكتلة النقدية مع ما يترتب عنها من انهيار لقيمة العملة وارتفاع الأسعار، وبالتالي زيادة النفقات العمومية، واضطرار الدولة عندئذ إلى إصدار كمية جديدة من الأوراق النقدية؛ أي تضخم جديد وارتفاع في الأسعار وهكذا. أما رفض الفكر المالي التقليدي لفائض الموازنة، فيستند على كون هذا الفائض يجسد المغالاة في فرض الضرائب، وتحصيل الرسوم بكيفية تتجاوز حاجيات الدولة، مما يؤدي إلى إرهاق القدرة المالية للمكلفين، بالإضافة إلى ذلك يعتبر الفائض حسب الفكر التقليدي تجميدا لمبالغ مالية كان من المفروض تخصيصها لمشاريع استثمارية. ولقد حرصت أغلب الدول على الالتزام بقاعدة التوازن أي الحرص على تحقيق التوازن الحسابي بين المداخيل والنفقات. ثانيا: النظرية الحديثة للتوازن المالي. يرى علماء المال الحديثون أن التقليديون قد بالغوا في الأخطار المترتبة عن عجز الميزانية، وأن تمويل العجز بواسطة القروض لا ينتج عنه بالضرورة تصاعد النفقات؛ حيث أنه إذا تم استثمار الأموال المفترضة في مشاريع إنتاجية سيترتب عنها زيادة في الدخل الوطني بكيفية تمكن من تسديد المبالغ المقترضة، كما أن الإصدار النقذي الجديد لا يترتب عليه بالضرورة حدوث تضخم؛ حيث يمكن اللجوء إليه لمعالجة حالة انخفاض الطلب الخاص دون أن يكون له تأثيرا تضخميا على الأسعار. كذلك فإن التقليديون بالغوا في تقدير مزايا التوازن، وينبثق عن الاقتناع بانفصال الميزانية عن الحياة الاقتصادية إلا في حالة عدم توازنها. أكثر من ذلك يؤكد الفكر الحديث أن هذا الاقتناع يتسم بعدم الواقعية، فالدولة التي تحرص على التوازن الحسابي لميزانيتها في وقت تتجاوز فيه وارداتها صادرتها بكثير؛ فهي تعاني من عدم توازن كيانها الاقتصادي، وهو أخطر بكثير من عدم توازن ميزانيتها، ويكون عليها لمعالجة هذه المشكلة :الزيادة في نفقاتها لتشجيع الصادرات، أو القيام بالزيادة في الإنتاج لتخفيض حجم الواردات؛ ولو كان ذلك على حساب عدم توازن الميزانية. وهكذا فإن السياسة المالية أصبحت تشكل جزءا من السياسة الاقتصادية العامة. فالتوازن المالي لا يكون مجديا في ظل عدم التوازن الاقتصادي، وتبعا لذلك أصبحت بينهما علاقة تكاملية، غير أنه يمكن استثناء وجود تعارض بينهما حيث يمكن أن يكون العجز المالي المؤقت وسيلة لتحقيق التوازن الاقتصادي، وهو ما دعى إليه عالم الاقتصاد «كينز»، في نظريته العجز المنظم؛ حيث كانت البطالة في إنجلترا تشغل فكره وكان يرى فيها السبب الأساسي في عدم التوازن من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وطبقا لنظريته العجز المنظم، فإنه يتعين على الدولة لمعالجة حالة الركود الاقتصادي؛ العمل على زيادة الطلب الكلي الفعلي؛ من أجل تحقيق الإنعاش الاقتصادي عن طريق التوصل على تشغيل كل الطاقات الإنتاجية للاقتصاد أي التشغيل الكامل. وبما أن الركود الاقتصادي يعني وجود طاقة إنتاجية معطلة، فإن تشغيلها يحتاج إلى حدوث طلب على خدماتها ومنتوجاتها، وهو ما يمكن أن يساعد على تحقيقه عجز مقصود ومنظم للميزانية؛ أي القيام بنفقات يفوق حجمها مبلغ الإيرادات، تمول عن طريق الاقتراض والإصدار النقدي على أن توجه هذه النفقات إلى المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب العام الفعلي. وكذا منح مساعدات وإعانات للمقاولات من أجل استئناف نشاطها الإنتاجي، وبذلك يمكن الخروج من حالة الركود إلى حالة الانتعاش عن طريق تشغيل الجهاز الإنتاجي للدولة بكل طاقاته أي التوصل إلى حد التشغيل الكامل وهو ما يؤدي تلقائيا إلى توازن الميزانية. غير أن العجز المنظم لا ينبغي أن يتحول إلى عجز دائم؛ حيث يتعين أن يحافظ على صفته المؤقتة، وأن يلتزم بتنشيط الاقتصاد الراكد، وأن لا يخرج عن سيطرة الهيئات المختصة؛ ويكون محددا ومدروسا بكيفية دقيقة حيث لا تكون له آثار مدمرة. وقد تزامن مع نظرية العجز المنظم لكينز ظهور عدد من النظريات منها:- أ-نظرية توازن موازنة الدورة الاقتصادية:- دعى أنصار هذه النظرية أمثال هانسون وستيوارد إلى تكوين صناديق مختلفة مثل. • صندوق الاستثمار: ويخصص لاقتطاع جزء من الإيرادات الناشئة من الأرباح العالية المحققة في فترة الرواج. • صندوق التسوية: مهمته تكون الأشكال المختلفة للإعانات. • صندوق خاص: يستقبل وفر الموازنة المتحقق في فترة الرواج. والهدف من هذه الصناديق تغطية عجز الموازنة في فترة الركود وذلك من اجل تامين توازن الدورة الاقتصادية كلها. ولكن الواقع أثبت أن هذه النظرية غير صحيحة؛ إذ تتصف ميزانيات البلدان الصناعية بعجز مستمر حتى في سنوات الرواج. ب-نظرية الميزانيات المتوازنة تلقائيا:- ووفقا لهذه النظرية تحدد في جانب إيرادات الميزانية وعلى امتداد الدورة الاقتصادية لمعدلات الضريبة الثابتة، وبالمقابل تحدد في جانب النفقات معدلات دائمة للنفقات الرئيسية التي تنظم التغيرات الحاصلة في الاقتصاد، وهنا ينظر في تثبيت تلك المعدلات. ففي حالة الرواج تتزايد تلقائيا الإيرادات الضريبية، وتمول صناديق خاصة، وفي فترة الكساد تقل الإيرادات الضريبية بحيث عند معدل معين تنتهي بدون عجز.
ثالثا: النظرية الليبرالية الجديدة. منذ منتصف السبعينات ظهرت نظرية اقتصادية جديدة سميت (الليبرالية الجديدة) والتي نادى بها كل من ميلتون فريدمان والانجليزي فريدريك فون هايك، ومضمون هذه النظرية هو إعطاء الحكومة مهمة الحفاظ على الإطار العام للنظام الرأسمالي، وترى هذه النظرية أنه لو اقتصرت الدولة على أداء وظائفها التقليدية والتخلي عن النشاط الاقتصادي، والاكتفاء بتحديد شروط مباشرة هذا النشاط، وانه إذا ما توفرت حرية السوق «زاد العرض والطلب» يتمكن النظام من العمل بسهولة دون الوقوع في أزمات، ويتحقق التوازن المالي والاقتصادي المنشود. الفرع الثاني: آليات التحكم في التوازن المالي. تواجه الحكومات في الدول النامية صعوبات جمة في التحكم في توازن الميزانية ويرجع ذلك إلى الضغوط الانفاقية وانخفاض المدخرات الخاصة وانخفاض الإيرادات الضريبية. ولكي يتم الحفاظ على التوازن المالي، هناك تدابير وسبل لعقلنة الأموال العامة يتعين اتخاذها لأجل تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومن هذه السبل. ترشيد النفقات العامة وتدبير المديونية الخارجية حيث لم تعد النفقة العامة مقصورة على تمويل الوظائف التقليدية بل تستخدم للتأثير في الاستهلاك والادخار والاستثمار قصد الوصول إلى التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام. كما أصبحت القروض مصدرا هاما من المصادر اللازمة لتمويل مشاريع التنمية وتنشيط الحركة الاقتصادية في دول العالم الثالث كذلك للوصول إلى التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام. أولا: ترشيد الإنفاق العام. النفقة العامة هي عبارة عن مبلغ من المال يؤدى من طرف هيئة عامة لإشباع حاجة عامة، كما تعتبر النفقات العامة أدوات مالية تستعملها الحكومة لتنفيذ سياستها الاقتصادية والاجتماعية. أما ترشيد الإنفاق العام، فيعني اتخاذ مجموعة من التدابير من أجل تأهيل النفقة العامة للقيام بتحقيق المنفعة العامة بأقل التكاليف وأعلى جودة للسلع والخدمات مما يؤدي إلى رفع مردودية النفقة العامة. ولترشيد النفقة دور مهم في إحداث التوازن المالي وبالتالي التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام وذلك لما لهذه النفقة من آثار اقتصادية (على الإنتاج والأسعار والاستهلاك) وآثار اجتماعية على التشغيل وإعادة توزيع الدخل. ومن أجل ترشيد النفقات، تواتر العمل في مختلف الدول على إخضاع تنفيذ النفقات العامة لنظام المراقبة يرمي إلى التأكد من صحة وسلامة النفقة بالنسبة للقوانين الساري العمل بها. غير أن هذا النظام لا يؤدي إلى نتائج مرضية فيما يتعلق بترشيد الإنفاق كونه يقتصر في أغلب الحالات على مراقبة شرعية النفقة ولا يمتد إلى تقييم تكلفتها وتحليل أهدافها ومعرفة مردوديتها وتفاديا لهذا التصور ظهرت أنظمة خاصة لترشيد الإنفاق أهمها: 1-نظام التخطيط والبرامج للميزانية العامة-: (P.P.B.S) استخدام هذا النظام لأول مرة سنة 1961م في الولايات المتحدة الأمريكية ويرمي إلى معالجة مجموعة من الثغرات التي تعتري الميزانية العامة وأهمها:- - اقتصار الميزانية العامة على توزيع الإعتمادات على الوحدات الإدارية دون الاهتمام بالبرامج والأهداف التي تنفق من أجلها الأموال العامة. - ترابط وتكامل العديد من البرامج والأهداف فيما بينها غير أنه يعهد بإنجازها إلى مجموعة من المصالح وغياب التنسيق بينها مما يؤدي على ارتفاع التكاليف من أجل تحقيق نفس الأهداف من طرف مصالح مختلفة. - التركيز على النفقات باعتبارها مستلزمات للإنتاج دون الاهتمام بالنتائج باعتبارها إنتاج النفقات حيث لا تتم المقارنة بين التكلفة والمردودية. ولتفادي هذه الثغرات، يتكون نظام التخطيط والبرامج للميزانية العامة من مجموعة من العناصر أهمها:- - تحديد الأهداف والبرامج بدقة بغية تحديد الأولويات ومن ثم تحديد المبالغ التي تتطلبها المنجزات. - دراسة البرامج البديلة قصد التوصل إلى البرامج التي يمكن أن تحقق بكيفية أفضل. - دراسة التكاليف التي يتطلبها إنجاز الأهداف ومقارنتها مع النتائج المحققة. - توفير نظام متكامل للمعلومات يمكن من إمداد متخذ القرار بالمعلومات اللازمة وفي الوقت المناسب. 2-نظام ترشيد اختيارات الميزانية-: (R.C.B) وتطبق هذا النظام في فرنسا منذ سنة 1968م ويرمي إلى تحديد العمل بطرق التدبير الحديثة المعمول بها في القطاع الخاص إلى الإدارات العمومية لكون هذه الطرق تمكن من عقلنة اختيار النفقات والتحكم فيها بكيفية لا تؤدي إلى القيام سوى بالنفقات التي لها مردودية بالنسبة للمنفعة العامة. وينطوي هذا النظام على تحديد الأهداف وإحصاء الوسائل وتحليل الأنظمة وبرمجة النفقات وإدارة ومراقبة النتائج. وعلى أساس ذلك، يمكن إعداد برنامج عمل بالنسبة لكل إدارة بناء على تحديد أولوية الإنفاق وهو ما يتطلب إقامة منسجمة بين الإدارات والأهداف خلال مدة معينة. وكل برنامج تقييمه حسب تقنيات مختلفة للمحاسبة كتحليل التكاليف ومقارنتها مع المردودية وذلك من أجل ترتيب البرامج واختيار الأفضل. ثانيا: تدبير المديونية الخارجية تتمثل المديونية الخارجية في القروض التي تحصل عليها الدولة من الغير سواء أكانوا أفراد أو بنوك أو هيئات خاصة أو عامة أو دولية أو من دول أخرى بهدف تغطية حاجاتها مع التعهد برد هذه المبالغ مع الفوائد المترتبة عنها وفقا لشروط معينة يتم الاتفاق عليها ويعتبر تدبير المديونية الخارجية وسيلة هامة للتحكم بتوازن موازنة الدولة غذ تتمكن الدولة بها تخفيف حدة التفاوت بين جانبي الميزانية وذلك بتقليص جانب النفقات (والتي تمثل قيمة القروض الخارجية مع الفوائد المستحق عليها.) وتتلخص الدول من الديون الخارجية التي عليها بعدة طرق أهمها:- 1-تسديد الدين: ينتهي الدين إذا قامت الدولة بتسديده وقد يتم التسديد على دفعات دورية يتفق على حجمها مسبقا وهذا ما يعرف باستهلاك الدين، كما قد يتم التسديد في دفعة واحد وهذا الأسلوب شائع في تسديد قيمة السندات. 2-الامتناع عن التسديد: تستطيع الحكومات «خاصة إذا حدث تغيير في النظام أو الاديولوجية القائمة، إنكار الديون السابقة ورفض تسديدها كما يحدث مؤخرا في الدول الافريقية». والأمثلة على إنكار الديون العامة كثيرة: ففي القرن التاسع عشر، امتنعت دول كثيرة عن تسديد ديونها مثل مصر عام 1876م، وإسبانيا عام 1820م والعديد من دول أمريكا اللاتينية. وفي القرن العشرين رفضت روسيا الاشتراكية تسديد قروض روسيا القيصرية سنة 1917م، والأمثلة كثيرة وكلها ناتجة عن تغير جدري في النظام السياسي القائم في الدول المعنية. 3-الاعفاء: قد تتنازل الجهة المقترضة عن حقها فتقوم بتحويل القرض إلى هبة أو هدية. فقد قامت ألمانيا الاتحادية في عام 1977م بتحويل القروض التي قدمتها لليمن إلى هبة والتي كانت قيمتها 176.081.000 مارك ألماني. والمعروف أن دول كثيرة مثل الاتحاد السوفياتي سابقا والصين وهولندا والسويد وكندا قد حولت أجزاء من القروض التي منحتها هذه الدول للدول الفقيرة في العالم الثالث إلى منح. 4-التثبيت والتبديل: تكثر ظاهرة تحويل الديون «قصيرة الأجل» إلى ديون مثبتة «متوسطة» أو طويلة الأجل. وهذا ما يعرف بالتثبيت. فالتثبيت عموما يعني تمديد اجل الدين. أما التبديل فيقصد به تبديل دين قديم بدين جديد. وحتى تستطيع الدولة الوفاء بدين قد استحق، تقوم بالاقتراض من جديد. فالتبديل إذن هو الاقتراض لتمويل أو تسديد دين قديم استحق أجله. وتشكل القروض في الدول السائرة في طريق النمو مصدرا مهما لتمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الموجهة لتحقيق التنمية، وكذا لمعالجة الاختلال في ميزان المدفوعات. غير أن زيادة طلب هذه الدول على القروض أدى إلى ارتفاع حجم مديونيتها بكيفية أصبحت معها العديد من الدول عاجزة عن تسديد مستحقات الديون والتي تشكل عبئا على ميزانيتها حيث تحولت من مورد لتغذية هذه الميزانيات إلى تحملات تعمق حدة عجزها المالي. فحتى نهاية عام 1982م بلغت مديونية دول العالم الثالث 626 مليار دولار؛ وكانت النتيجة الطبيعية للتزايد المستمر في حجم المديونية مع تشديد شروط القروض؛ خاصة من قبل المؤسسات المالية الدولية؛ أن تجد العديد من الدول النامية نفسها في أوضاع مالية صعبة، لا تساعدها على الخروج من وضعية العجز والجمود والتضخم، إذ لجأت العديد من الدول النامية إلى إعادة جدولة ديونها والاتفاق على فترات أطول لسداد القروض والفوائد التي تستحق عليها، ومن هنا بدأ مسلسل إعادة التقويم الهيكلي في دول العالم الثالث. أما في المغرب، فإن الحكومة المغربية قد توصلت إلى التدبير الفعال للمديونية الخارجية في اتجاهين:- الاتجاه الأول: يكتسي طابعا تقنيا ويتجلى في القيام بالأداء المسبق لمبلغ القروض ذات التكلفة المرتفعة «أي ذات الفوائد المرتفعة» عن طريق اللجوء إلى قروض جديدة تكون معدلات فائدتها منخفضة. والاتجاه الثاني: يكتسي طابعا سياسيا ويستهدف تقليص حجم المديونية وتخفيض حجم التحملات الناتجة عنها عن طريق التفاوض مع بعض الدول الدائنة من أجل إلغاء جزء من ديونها أو تخفيض أسعار فائدتها أو تحويل هذه الديون على استثمارات بالمغرب. وبالفعل توجت هذه المحاولات منذ سنة 1996م بالاتفاق مع بعض الدول الدائنة خاصة فرنسا واسبانيا قصد تحويل جزء من الديون إلى استثمارات بالإضافة إلى ذلك وافقت فرنسا على إعادة هيكلة الجزء المتبقي من ديونها عن طريق إلغاء حصة منه وتخفيض أسعار الفائدة للحصص الأخرى.
خلاصة: لما كانت السياسة المالية ذات صلة بالنظرية الاقتصادية، فقد ارتبط مفهوم التوازن المالي بتطبيق النظريات الاقتصادية عبر العصور. ومع ظهور النظرية الليبرالية الجديدة في منتصف السبعينات، والتي طبقتها أغلب الحكومات، وبموازاة التحولات العالمية المتسارعة والمتمثلة في الخوصصة والعولمة ؛ فقد بات واضحا ومن خلال الأزمة العالمية التي انطقت شرارتها من اكبر الدول العظمى الولايات المتحدة الأمريكية أن النظرية الليبرالية لم تكن البلسم المناسب وعلى الدولة استعادة دورها التدخلي في الاقصاد.
قائمة المراجع:
[1] د.محمد حاتم عبد الكريم-أستاذ بقسم الاقتصاد والمالية العامة-كلية الحقوق-جامعة طنطا-مصر الوسيط في علم المالية العامة-طبعة دار النهضة-1989م. [2] د.صباح مغوض-أستاذ بكلية الحقوق الدار البيضاء المالية العامة ومالية الدول النامية-الطبعة الاولى 1983م. [3] د.عبد المنعم فوزي-أستاذ ورئيس قسم المالية العامة بكلية التجارة-جامعة الاسكندرية المالية العامة والسياسة المالية-دار النهضة العربية. [4] د.برهان الدين جمال المالية العامة دراسة مقارنة. [5] د.باهي محمد عقلم –أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة. رئيس قسم الاقتصاد-جامعة الإمارات المتحدة. المالية العامة أدواتها الفنية وآثارها الاقتصادية. مكتبة نهضة الشرق-1995م [6] منير الحمش دراسات في المالية العامة واتجاهها الحديثة. طبعة 1985م. [7] د.باهر محمد عقلم –أستاذ الاقتصاد والمالية العامة-وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة. المالية العامة وميادين الاقتصاد المالي. مكتبة نهضة الشرق 1995م [8] د.سليمان محمود أبو حسان-أستاذ التعليم العالي في كلية الحقوق الرباط. الوجيز في علم المالية. مكتبة دار السلام للطباعة والنشر-الرباط 1998م-1999م. [9] د.منصور عسو –أستاذ التعليم العالي في كلية الحقوق بفاس. المالية العامة 1995م.
#رشيد_بنعياش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرقابة على الصفقات العمومية بالمغرب
المزيد.....
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
-
انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ
...
-
مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
-
مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|