أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - قندريس - محكمة أمن الدولة فصلان من مسرحية العدالة















المزيد.....

محكمة أمن الدولة فصلان من مسرحية العدالة


قندريس

الحوار المتمدن-العدد: 184 - 2002 / 7 / 9 - 07:17
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

تعرض الدكتور عارف دليلة أواخر شهر أيار الماضي إلى الضرب على يد أحد رجال الأمن حين نسب إليه الأخير ـ بناء على تسجيل خفي لما يدور بين السجناء من أحاديث ـ توجيه شتائم إلى أفراد من أسرة رئيس الجمهورية.

          الواقعة مذهلة وشنيعة من وجوه عديدة. فأن يقدم رجل أمن على ضرب واحد من أهم الخبراء الاقتصاديين في البلد وعميد سابق لكلية الاقتصاد في جامعة دمشق لهو، بحد ذاته، سلوك لا إنساني. وأن يكون سبب الضرب كلام سجل خلسة، بينما الرجل في السجن منذ أكثر من تسعة شهور، لهو انتهاك لكل القوانين والأعراف، بما فيها القوانين السورية التي أصبحت فجأة عزيزة على أجهزة الأمن السورية. الأمر المدهش التالي هو إقدام رئيس محكمة أمن الدولة على طرد المحامي أنور البني من قاعة المحكمة لأنه طالب بالتحقيق فيما تعرض له موكله من ضرب أدمى أنفه وورّم وجهه. لكن رئيس المحكمة لم يقف عند هذا الحد، بل مضى إلى حد توعد المحامي البني بأنه سيمنعه من ممارسة المحاماة حتى لو لم يبق في عمره(عمر رئيس المحكمة) إلا يوم واحد. وبلغت المذبحة القانونية مستوى خارقا لسقف العقل حين أضافت النيابة العامة في محكمة أمن الدولة، استنادا إلى التسجيل إياه، تهمتين جديدتين إلى ملف الدكتور دليلة: الذم برئيس الجمهورية والنيل من هيبة الدولة!!

هناك المزيد لمن يستزيد! قدمت نيابة أمن الدولة التبرير التالي لإضافة التهمتين: "إن الإدعاء اللاحق [التهمتين المضافتين] يهدف لتدعيم الجناية [الاعتداء على الدستور والتحريض على العصيان المسلح] وتحريك الدعوى العامة بالجنحة [ذم مقام رئيس الجمهورية...]، والحكم بالجنحة لن يزيد أو يؤخر، لأن الحكم بالجنحة سوف يندغم بالحكم الصادر بالجناية وسيصار إلى تطبيق الحكم الأشد..." مذهل حقاً! فالنيابة تنطلق من أن المتهم سيحكم بالجناية في كل حال، وعليه فلن يقدم الحكم بالجنحة أو يؤخر لأن الحكم الأول، الأشد، هو الذي سينفذ عمليا. ومع ذلك لم تتردد النيابة العامة في قولها إن الإدعاء اللاحق يهدف لتدعيم الجناية إلخ. أما البراءة فغير واردة رغم أن المتهم يبقى، حسب الأصل القانوني، متمتعا بقرينة البراءة حتى يصدر بحقه حكم نهائي مبرم.

نتساءل كأناس يحاولون أن يكونوا طبيعيين، أي غير مطبعين على موت الضمير وفقدان روح الإنصاف: هل تحس أم لا تحس النيابة العامة في محكمة أمن الدولة أنها، بإضافة التهمتين، تسجل على سورية كلها ممارسة قرقوشية مخجلة تعكس انعداما تاما للحس الأخلاقي والشعور بالعدالة؟ وهل يحس رجل الأمن الذي اعتدى على الدكتور دليلة أنه يهين بلده وشعبه كله حين يضرب رجلا سجينا أعزل في عمر أبيه، رجلا هو مفكر يستحق التكريم والتقدير بدلا من السجن والتجسس عليه وهو في سجنه؟ وهل تكفي كل الأشجار في سورية لنصب المشانق لو استطاعت أجهزة الأمن تسجيل ما يقوله الناس في خلواتهم وفي أعماق بيوتهم؟

لو كان هناك عدالة في البلد لكان الدكتور دليلة ورفاقه أحرارا مكرمين، ولحوكم رجل الأمن الذي ضربه وأولئك الذين أباحوا لأنفسهم التجسس على السجناء، ونالوا جزاءً قانونيا عادلا. ترى ماذا يتوقعون من رجال وضعوا في السجن لأنهم حذروا من المصير الذي ينتظر البلد ما دامت طغم النهب والقمع والفساد طليقة اليد تفعل ماتشاء؟ هل ينتظرون منهم هتافات الروح والدم وهم في سجنهم؟

معلوم أن الناس في ظل الأنظمة الشمولية والتسلطية يلجؤون إلى سبل الممانعة كالنكتة السياسية والتملص من طقوس الدين الحكومي ( مهرجانات، مسيرات، احتفالات، استفتاءات...)، وقد يمضون حتى الشتيمة، أي الكفر بالمقدس السلطوي، إذا ضاقت بهم السبل وأمنوا ألا يسمعهم أحد. فليس هناك غير سبل الممانعة هذه وسيلة للانتقام من السلطة غير العاقلة التي لا سبيل إلى المقاومة والاعتراض العلني الصريح عليها. صحيح ان كل الأنظمة الشمولية تحلم بقتل روح التهكم والسخرية لدى الناس، ولعلها تتخيل عالما بلا نكات ولا خيال ولا أحلام، عالما أشبه بمملكة النمل تسوده وحدها إلى الأبد دون أن يعكر صفو وحدانيتها المؤبدة أحد، لكن تلك الأنظمة وأشباهها تدرك أن النكتة التي تسخر من تأليه الحاكمين لأنفسهم وتنزل بهم إلى الأرض إنما تساعد المحكومين الضعفاء على تحمل عجزهم، وأن الشتيمة وراء الأبواب المغلقة هي نوع من "فشة الخلق" التي تفترض وجود السلطة غير العاقلة كمعطى طبيعي وتتكيف معها.   

******

تمثل جلسة 19/6/2002 التي دافع فيها الأستاذ حبيب عيسى المحامي عن نفسه فصلا آخر في مهزلة المحاكمات الجارية للنشطاء الديمقراطيين. فقد أوردت النيابة العامة في محكمة أمن الدولة في اتهاماتها للمحامي حبيب عيسى أنه منظم في الاتحاد الاشتراكي ومحسوب على حسن عبد العظيم، لكنه في الحقيقة يساري من جماعة رياض الترك!! نكاد نصفق إعجابا بنيابة المحكمة على كشفها لازدواجية هذا المحامي "المعتدي على الدستور والداعي إلى العصيان المسلح ...إلخ" لولا أن كشف المحامي المعتدي نفسه أن هذا الكلام من إبداع أجهزة الأمن وليس من اكتشافات النيابة العامة، وأن الأجهزة المذكورة  تعرف أنه كلام غير صحيح لأنها واجهته أثناء التحقيق التالي لاعتقاله ببعض الوقائع الصحيحة التي تعرفها عنه، ومنها أنه ترك الاتحاد الاشتراكي منذ بداية السبعينات احتجاجا على دخوله "الجبهة التقدمية"، وأنه لم يعد إليه حتى بعد تركه الجبهة، وأنه يسعى لبناء تنظيم يسمى اليقظة العربية ... ويصر المحامي المتهم على أن هناك تعمدا في التلاعب بملف الاتهام الخاص به. 

على أن رد رئيس المحكمة على تشكيك المتهم بشرعية محكمة أمن الدولة يستحق تناولا خاصا. قال رئيس المحكمة: "إن المحكمة شكلت في الهجمة على هذا النظام ولأسباب أمنية، وما خلق التشدد باستمرارها هو هجمة الإخوان المسلمين الذين وقفوا ضد عبد الناصر(يعرف رئيس المحكمة أنه يخاطب رجلا ناصري الهوى)، ولبوا نداء السادات، وضد جميع الأنظمة التقدمية وأضاف: "أميركا أسوأ من ألف طوارئ( المقصود فيما يبدو أنه لولا حالة الطوارئ لفعلت أميركا بنا شيئا ما. هل نستنتج إذن أن حالة الطوارئ ستدوم ما دامت اميركا؟!). ولولا استقرار الأمن لكنا تجزأنا ولولا حفاظنا على الأمن اللبناني لتجزأت لبنان. الدولة لها الحق باتخاذ الاجراءات التي تثبت أمنها، وأنا زرت العالم وأميركا ولا يوجد بلد فيها أمن كسورية".

يستحق هذا الكلام تناولا خاصا لأنه يكثف كل إيديولوجية النظام السوري قبل وبعد حزيران 2000. غير صحيح أولا أن "المحكمة شكلت في الهجمة على هذا النظام"، فقد شكلت عام 1968 قبل مجيئ "هذا النظام" أصلا. أما أن "التشدد باستمرارها" سببه "هجمة الإخوان المسلمين" فأمر لا ينسجم مع حقيقة أن معظم المتهمين بالانتماء للإخوان المسلمين قدموا أمام محاكم ميدانية، ولقي معظمهم وجه ربهم، بمن فيهم العدد القليل ممن نالوا أحكاما بالإعدام على يدي محكمة أمن الدولة ذاتها في بداية الثمانينات من القرن الفائت. وخلال عشر سنوات لم تكد المحكمة تفعل شيئا إلى أن قدم أمامها قرابة 600 معتقل شيوعي وناصري وبعثي قومي ("يمين مشبوه" حسب علم السياسة الخاص بـ"اليسار" الحاكم) عام 1992. ولا نظن أن رئيس المحكمة يعتبر هؤلاء جزءاً من "هجمة الإخوان المسلمين"، وعلى كل حال لم تتهمهم محكمته بذلك على ما اشتهرت به من (العدالة)!.

ما وجه المقارنة بين أميركا وحالة الطوارئ؟ يستحق هذا السؤال أن يكون حزّورة فعلاً، لكن ما يضمره فاجع على الأرجح: هل يعني أن حالة الطوارئ هي ضمانة وطنيتنا نحن السوريين؟ وأن حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة تقومان بدور وطني عظيم في تعزيز صمود البلد في وجه الأميركان؟ أننا لا نكون وطنيين إلا إذا لم نكن أحرارا، وأننا سنستغل الحرية فورا  لنصبح عملاء لأميركا؟ وما دام الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يكون "استقرار الأمن"، لا وحدة الشعب السوري ولا تاريخ كفاحه الوطني ولا خياراته الحرة، هو الذي يمنع البلد من التجزؤ. على كل حال قد يكون فضل "استقرار الأمن" في منع التجزؤ.

لا جدال بالطبع في أن للدولة بالمعنى الحقيقي للكلمة "الحق باتخاذ الإجراءات التي تثبت أمنها"، لكن ليس للدولة أمن خاص بها مختلف عن أمن مواطنيها؛ وليس رئيس المحكمة من الدولة أكثر من أي من المتهمين الذين حاكمهم وجردهم من حقوق المواطنة إلا ضمن مفهوم للدولة يجعل منها جهازا خاصا لتحصين مواقع ومصالح الفئة المتغلبة المستولية على هذا الجهاز.

 ختاما نحن نعرف دولا فيها أمن أكثر من سورية: ألبانيا قبل تسعينات القرن المنصرم وكوريا الشمالية حتى اليوم. وفي سورية نفسها نعرف مكانا واحدا على الأقل لم تحدث فيه أية مشكلة أمنية على الإطلاق منذ 27 حزيران 1980: سجن تدمر.

الشيئ الوحيد الصحيح الذي تفعله محكمة أمن الدولة هو أن لا تكون موجودة!

 



#قندريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة الديمقراطية في سورية
- قضية رياض سيف دوائر الفساد المتقاطعة


المزيد.....




- بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
- بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
- -وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة ...
- رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم ...
- مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
- أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
- تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
- -بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال ...
- بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - قندريس - محكمة أمن الدولة فصلان من مسرحية العدالة