|
ماذا لو تحولت فاجعة مكناس إلى بداية حقيقية لعهد الحساب والعقاب؟؟ !!
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 13:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
إن أخطر عوائق التنمية التي يعاني منها المغرب لا تتعلق أبدا بالموارد المالية ولا بالخبرات التقنية ولا حتى بالموارد البشرية المؤهلة . كل هذه الموارد متوفرة وعلى استعداد للانخراط الفعال والمستمر في تحقيق شروط التنمية الحقيقية . لكن المشكل الخطير يكمن في اللاعقاب وغياب المحاسبة الدقيقة والصارمة على كل المسئوليات مهما اختلفت درجاتها وتباينت مواقع أصحابها . ولا شك أن العقاب وحده سيذكي روح المسئولية في المغرب بعد توالي عقود من النهب والفساد الإداري أضحت معه النزاهة شذوذا والالتزام المهني سذاجة . وبات المغرب حقلا من الفساد العام يغري بانتهاج أشد أساليب النهب فظاعة وفجاجة ، ولم تعد التعليمات ولا القوانين ولا حتى لجان التقصي تملك سلطة الردع ، إن لم تكن قد تحولت إلى عناصر مشجعة ومغرية للذين يترددون في الالتحاق بموكب الناهبين والمفسدين ،بعد أن تبين لهم أن طريق الفساد آمن ومُربح . وأمام هذه الوضعية الكارثية التي تنذر "بالانفجار الكبير" لم يعد من سبيل للنجاة سوى بالتدخل العاجل والصارم للملك بفتح أوراش المحاسبة على مستوى كافة المجالات وعلى امتداد التراب الوطني ، مع تحديد السقف الزمني لكشف النتائج والتسريع باتخاذ أشد العقوبات التي تقتضيها الجرائم المالية والإدارية المقترفة ،خاصة بعد إلغاء محكمة العدل الخاصة التي كانت حصنا حصينا لفئة المفسدين. ذلك أن التحقيقات التي باشرتها لجان مختصة أو برلمانية حول قضايا الفساد الإداري والمالي ، ظلت في معظمها طي الإهمال ولم تسفر عن محاكمات حقيقية تكون عبرة لمن تساوره نزوعات النهب والتبذير . فما الفائدة إذن من الكشف عن 115 مليار درهم التي نهبت من صندوق الضمان الاجتماعي ، أو فتح ملفات الفساد والنهب في القرض العقاري والسياحي ، أو البنك الشعبي ، أو الخطوط الملكية وغيرها من القطاعات التي أنقذت إفلاسها أموالُ الشعب ودافعي الضرائب ؛ ما الفائدة إذا لم يتم تحصيل الأموال المسروقة ومصادرة الثروات المتربة عنها واعتقال المفسدين ؟ لا شك أن السكوت عن المفسدين هو أشد أنواع الفساد خطورة على الشعب والدولة . وما دامت حالة الفوضى والتسيب هي القاعدة ، فإن الأمر الذي ينعكس مباشرة على الدولة ويُفقدها هيبتها ومصداقيتها لأنها لا تحترم القوانين التي سطرتها ، ولا تلتزم بأجرأة التوصيات والخلاصات التي تنتهي إليها المؤسسات الدستورية نفسها ، ومنها المجلس الأعلى للحسابات الذي يكشف عن حجم الاختلالات المالية التي تعاني منها القطاعات الحكومية نفسها ، دون الحديث عن القطاعات العمومية والشبه عمومية التي عشش فيها الفساد واستفحل . وأمام هول الفاجعة التي ألمت بأهل مكناس يوم الجمعة 19 فبراير المنصرم إثر انهيار صومعة مسجد باب البردعايين على رؤوس المصلين ، فإن مشاعر الحزن والغضب التي تتملّك أسر الضحايا وعموم المواطنين لا تخفف من حدتها إلا التعليمات الصارمة من جلالة الملك بإجراء تحقيق مستقل ونزيه وسريع في أسباب الكارثة ، ثم تقديم كل من تثبت مسئوليته إلى العدالة للقصاص منه أسوة بالقرار الذي سبق واتخذه خادم الحرمين الشريفين عقب كارثة جدة نهاية شهر نونبر الماضي إثر السيول الطوفانية التي دمرت المدينة وقتلت 122 شخصا . فالملك عبد الله بن عبد العزيز كان حازما في قرار تشكيل لجنة للتحقيق في الكارثة وصلاحياتها وفق المرسوم الذي أصدره ، وفيه ( للجنة اتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات لتسهيل أداء عملها، وعلى جميع الجهات الحكومية الالتزام التام بالتعاون مع اللجنة وتسهيل مهماتها، بما في ذلك تقديم جميع ما تحتاج إليه من معلومات وبيانات ووثائق . ــ على اللجنة أيضاً الرفع لنا ـ فوراً ـ عن أي جهة حكومية لا تلتزم بذلك، وللجنة كذلك استدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان بطلب إفادته، أو مسائلته ـ عند الاقتضاء ـ، كما للجنة الاستعانة بمن تراه من ذوي الاختصاص والخبرة. ــ على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمتنا لذمتهم، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب ). ورغم الأمطار الطوفانية التي هطلت على منطقة جدة ، إلا أن الملك عبد الله ظل مقتنعا بأن التقصير في المسئولية هو ما سبب الكارثة ، خلافا لما صدر عن حكومة المغرب على لسان ناطقها الرسمي الذي حمّل المسئولية للأمطار والرياح . ولنا أمل كبير في أن ينهج الملك محمد السادس نهج أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز في طريقة التعامل مع الكارثة ومحاسبة المسئولين مهما علا شأنهم . بالتأكيد لا نشكك في صدق نوايا وزير الداخلية ، لكن ما تراكم من تجارب في مجال التحقيق ينبئ بأن العواقب ، في أشد الحالات صرامة ، سيتحملها ضعاف الأكباش . وحتى تكون البداية سليمة ، نأمل في دعم ملكي مطلق لوزير العدل والوكيل العام لجلالته ليحسما في كل ملفات الفساد المعروضة على القضاء وليفتحا أخرى بما يجعل المغرب ورشا حقيقيا للإصلاح ومحاربة الفساد . ودون الدعم الملكي لهذين المسئولين عن القضاء ، فإن لوبيات الفساد والإفساد ، من داخل القطاعات الحكومية أو الحزبية ستتصدى لكل محاولات التحقيق والحساب . ولعل التجربة القَطَرية في مجال محاربة الفساد ستكون مفيدة للمغرب مادامت التجارب الأوربية أبعد عن المنال . وقد قدم برنامج "بلا حدود" الذي استضاف مساء 4 نونبر 2009 علي بن فطيس المري ، النائب العام القطري ، نموذجا لفعالية الدعم الأميري وتأثيره الإيجابي في مواجهة المفسدين أيا كانت مراكزهم . ففي 2005 حقق هذا النائب العام مع ثلاثة وزراء وعدد من رجال الأعمال القطريين في قضايا تتعلق بالفساد دون أن تتدخل أي جهة في وقف التحقيق أو حماية الوزراء . وهذا النهج الأميري الداعم لجهود النائب العام في مواجهة الفساد جعل قطر ، حسب تقرير الشفافية الدولية ، تحتل المرتبة الأولى عربيا والثامنة والعشرين عالميا في مجال الشفافية ومحاربة الفساد . لا شيء مستحيل مع الإرادة السياسية القوية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلافة الشيخ ياسين قضية عقدية وليست تنظيمية .
-
هل نضجت شروط محاورة معتقلي السلفية الجهادية ؟
-
فتاوى الريسوني : الخفيات والأبعاد .
-
زواج القاصرات جُرم اجتماعي وقانوني .
-
جماعة العدل والإحسان والنبوءة المكذوبة .
-
هل ستكون الأحزاب السياسية في الموعد مع رهان الجهوية ؟
-
من يجر المغرب إلى فتنة الإفتاء ؟
-
أفْغَنَة شمال إفريقيا جزء من إستراتيجية تنظيم القاعدة.
-
ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟
-
موقف الإسلاميين إزاء النضال من أجل حقوق المرأة .
-
لما الإصلاح يقوده الأمراء ويناهضه الفقهاء !
-
هجمة التطرف من المحيط إلى الخليج .
-
هل ستعي الجهات المعنية رسائل جماعة العدل والإحسان ؟
-
جماعة العدل والإحسان وحوار الطوفان لإسقاط النظام .
-
معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور .
-
هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة قاطرة للإصلاحات الشاملة ؟
-
القيم بين الخصوصية والكونية .
-
الدولة بين اتهامات الإعلاميين ومخططات الإرهابيين .
-
أما آن للحكومة أن تتحمل كامل مسئوليتها تجاه الشعب ؟
-
مواجهة الإرهاب والتطرف ضرورة تحتمها نوعية الخلايا المفكَّكة
...
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|