طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 2935 - 2010 / 3 / 5 - 10:40
المحور:
الادب والفن
كان يجوع دائماً، عندما كان تلميذاً في الابتدائية. يومها كان يتمنّى
لو أن والده بواب المدرسة، فيأخذ منه نقوداً في كل فرصة،
ويشتري "سندويشة" فلافل، يُسكت بها عويل بطنه النّحيف...
وكبر مع جوعه، وليسكته، فقد عمل في حفر الأراضي فلاحاً مأجوراً...
تمنّى لو أنّ والده مراقب دوام فيضيف له ساعات عمل لم يعملها،
أويختار له الأعمال السّهلة...
كان يتمنى؛ وهو يراقب الشمّس من تحت أشعّتها السوطية اللاّهبة، ويحلم بغيمة تغطيها!!
سافر إلى المدينة بحثاً عن عمل أفضل...
عمل "جلّى صحون" في أحد المطاعم. تمنّى يومها لو أنّ والده يعرف صاحب المطعم، فيتوسط له عنده، حتى ينقله من المجلى إلى
مكان آخر، لا تتشقق فيه يداه...
وعندما كان يزاحم حتى يحجز لنفسه مقعداً في سفرته، تمنّى لو أن والده "جابي باص" فيريحه من عناء البحث عن مقعد,
وعناء الوقوف وسط الباص...
وسجّل في الجامعة، ووقف في الطوابير الطويلة، ليجمع الأوراق المطلوبة،
وينتهي الدّوام قبل أن ينجزها، فينتظر لليوم الثاني.
يومها تمنّى لو أنّ والده موظّفاً في الجامعة فيساعده، ويختصر تعبه...
ولو كان والده مهرّباً، لألبسه كما يلبس زملاءه، فلا يغدو مميزاً بلباسه المحلّيّ...
وتمنّى لو أنّ والده موظفاً كبيراً، فيريحه من عناء البحث عن وظيفة لشهادته المتواضعة...
حين زار السراديب المظلمة، وضرب بقسوة، ودُعست رقبته، ورُكل آلاف المرّات..
حين تشوّه جسده من البصاق والحاجة...
حين حكم حكماً قاسياً بسبب أمنياته الكثيرة...
لم يتمنّ أبداً أن يكون والده محقّقاً أو سجاناً أو قاضياً..!!
لقد كان راضياً، أنّ والده رقمٌ.. فقط رقم.. رقم غير مهمّ..
رقمٌ بسيط… بسيط… في هذا العالم البليد اللانهائي..!!!
#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)
Taleb_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟