|
قضايا المرأة بين الواقع الاجتماعي والتشريعات
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 2938 - 2010 / 3 / 8 - 00:54
المحور:
ملف مفتوح -8 مارس 2010 - المساواة الدستورية و القانونية الكاملة للمرأة مع الرجل
كان الثامن من آذار عام 1857 شرارة انطلاق ثورة نسائية صارخة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ضد العنف والتمييز، حينما قامت عاملات أحد معامل النسيج في أمريكا بالإضراب احتجاجاً على حرق مئة منهن ضمن ظروف سيئة تحيط بحياتهن وعملهن. وقد كرّس مؤتمر كوبنهاغن برئاسة كلارا زيدكن في العام/1911/اقتراح الناشطة الاشتراكية روزا لوكسمبورغ باتخاذ الثامن من آذار يوماً عالمياً للتضامن مع المرأة تخليداً لذكرى أولئك العاملات اللواتي تعرضن لأقسى أشكال العنف والتمييز والحرق. وأيضاً لشدّ أزر وهمم جميع النساء اليوم من أجل التصدي للعنف والتمييز اللذين ما زالا يمارسان ضدهن ونحن في الألفية الثالثة. منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا احتلت قضية المرأة اهتمام المحافل الدولية، فعُقدت المؤتمرات والندوات، ووقِعَت الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الرامية إلى إنصاف المرأة في المجتمعات كافة.. كما أنها أخذت حيّزاً واسعاً من اهتمام التيارات والأحزاب السياسية( العلمانية- اليسارية) الصاعدة مطلع القرن الماضي حيثُ أُدرجت قضية المرأة في برامج هذه الأحزاب كأولوية يجب العمل عليها. وكانت من أهم القضايا التي نالت اهتمام الحكومات العربية الوطنية بعد إنجاز الاستقلال، فأفردت لها مكانة خاصة في سياساتها من الناحية النظرية. لكننا اليوم نجد أن هذه القضية إن لم تكن ما تزال تراوح في مكانها، فإنها في تراجع رغم كل الجهود والأنشطة والتحركات الدولية والمجتمعية، وهذا يعود لعدة أسباب يمكن إجمالها بالتالي: أولاً- سيادة العرف الاجتماعي والمد الأصولي فرغم رياح التغيير التي طالت المرأة لاسيما بداية عهد الاستقلال، ورغم كل ما أنجزته على صعيد العلم والعمل وولوج الحياة السياسية والأدبية، فإنها اليوم تشهد تراجعاً ملموساً في التعامل مع قضيتها على الصعيد الاجتماعي بفعل المد الأصولي الذي طال المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة الذي كرّس سيادة الأعراف والتقاليد والفتاوى على القوانين الوضعية في الحياة والعلاقات الاجتماعية، مما رسّخ مفاهيم متخلفة تحتاج لإرادة صلبة من قبل المعنيين بقضايا المرأة للاستمرار في التحرّك والمطالبة بسنّ قوانين وضعية إنسانية تشرعن الدفاع بقوة عن المرأة وضرورة تفعيل دورها في الحياة عامة. وهذا يستدعي من الحكومات تعزيز مكانة القانون والتشدد بتطبيقه وتطويره بشكل لا يدع مجالاً لاختراقات هنا وتشريعات وفتاوى هناك يقوم بها متشددون- متطرفون همّهم الأساسي بقاء المرأة في ملحق الحرملك تؤدي ما يُرغب منها كأداة للمتعة والإنجاب والخدمة، وفوق كل هذا اعتبارها مصدر كل فتنة وإغواء تستوجب قتلها بداعي الشرف، إذ ما زلنا نشهد تزايد جرائم قتل المرأة تحت مسمّى الشرف لإدراك غايات أخرى بعيدة تماماً عن هذا الشرف المزعوم رغم أنه تمّ في سوريا تعديل المادة/548/ بالمرسوم/37/ الذي رفع مدة سجن القاتل في هذه الجرائم من شهرين إلى سنتين، لكن تلك الجرائم لم تتوقف، بل هي في ازدياد حيث وصل عددها في محافظة حلب وحدها خلال شهر آذار من العام الماضي أكثر من/15/ جريمة، مما يستدعي إلغاء كافة المواد المتعلّقة بهذه الجرائم من قانون العقوبات والأحوال المدنية واعتبارها جرائم قتل عمد تستوجب معاقبة القاتل بأشد العقوبات. ثانياً- انحسار تأثير قوى اليسار إن الأحزاب والتنظيمات اليسارية التي حملت لواء قضية المرأة وتحررها منذ النصف الأول من القرن العشرين قد انحسر تأثيرها أواخر القرن الماضي بفعل التغييرات التي طالت المنظومة الاشتراكية وتلاشي دورها على الساحة الدولية من جهة، ومن جهة أخرى بفعل تأثيرات المد الأصولي ذي الأساس الديني باعتباره عامل حسّاس لدى كل البشر مما سرّع بتلاشي تأثير تلك الأحزاب. والأمر الأهم لدى التنظيمات السياسية هو أن قضية المرأة لم تعد أولوية بسبب وجود أولويات وقضايا تتعلق إما بالدفاع عن استقلال الوطن، أو قضايا الاقتصاد والخصخصة أو أي أمر آخر، وهذا برأيي نابع أولاً وأخيراً من موروث قيمي متشبث بتلابيب التفكير والتعامل تجاه المرأة بلا مبالاة دون قصد الإساءة لها ربما. جاء في" برنامج الحزب الشيوعي السوري عام 1931ما يلي: 1ـ تحرير المرأة السورية تحريراً تاماً. 2ـ المساواة بين الرجل والمرأة في التشريع الاجتماعي والسياسي. كما جاء في دستور حزب البعث عام 1947: المادة 12 ـ تتمتع المرأة العربية بحقوق المواطن كلها. والحزب يناضل في سبيل رفع مستوى المرأة حتى تصبح جديرة بتمتعها بهذه الحقوق. نتلمس مما ورد في الوثيقتين أعلاه مدى اهتمام هذه الأحزاب بداية نشوئها بقضايا المرأة وضرورة مساواتها بالرجل في كافة القوانين والتشريعات، كما نلمس تبنى حزب البعث مبدأ المواطنة كأساس للتعامل في المجتمع وهذا ما يؤكده الدستور السوري في المادة/25/: 3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين. بعد هذا الاستعراض نجد أن هذه الأحزاب قد تراخت وابتعدت عن تلبية طموحات المرأة باعتبارها مواطناً كامل الحقوق والواجبات، مما يتطلب من النساء أولاً، ومن قيادات هذه الأحزاب تفعيل أولوية المرأة كقضية لا يمكن تجاوزها أو تأجيلها، والتأكيد على الابتعاد عن التعامل مع وجود المرأة في مواقع صنع القرار على مبدأ المحاصصة( الكوتا) كي لا يظل وجودها في هذه المواقع مجرد ديكور يغطي ظلمها وحرمانها من حقوقها. ثالثاً- التناقض بين التشريعات والقوانين والاتفاقيات الدولية إن التناقض واضح ما بين الواقع الذي تعيشه المرأة، وما بين القوانين والتشريعات المحلية وما تنص عليه الاتفاقيات الدولية( السيداو مثلاً) فها هو الدستور ينص في المادة/45/ ((تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.)) إن قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً يناقض الدستور ويزخر بالعديد من المواد التي تعتبر المرأة ناقصة الأهلية وتحتاج للوصاية رغم وصولها في الحياة العامة والسياسية لأرفع المناصب. وكان الأمل كبيراً في استصدار قانون أحوال شخصية يتوافق وما نصّت عليه اتفاقية السيداو، في الابتعاد عمّا يكرّس دونيتها وتبعيتها للرجل، ويضع العراقيل والصعوبات أمام فاعلية مكانتها في الدولة والمجتمع. لكن ما حدث أثناء ظهور مسودتي المشروع كان مخالفاً لكل التوقعات والاتفاقيات وللدستور ذاته، كما لدستور حزب البعث. - عدم التكامل الفعلي الذي تقتضيه المعاهدات والاتفاقيات الدولية بينها وبين الأنظمة والقوانين والتشريعات من قبل الحكومة كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة رغم التحفظات التي وضعت لاسيما على المواد/2، 9، 15، 16، 26/ وعدم مواكبة الكثير من القوانين والتشريعات لروح هذه الاتفاقية وخير مثال مسودتي مشروع قانون الأحوال الشخصية في العام الماضي. - التناقض في تعاطي الحكومة مع قضية المرأة كمكون أساسي من مكونات المجتمع، وكعامل هام في التنمية الشاملة، حيث تضع الخطط الرامية إلى الاعتراف بدور المرأة وفي ذات الوقت تقوم بممارسات مناقضة ومخالفة لما تشرّعه، فمثلاً الخطة الخمسية العاشرة أفردت فصلاً خاصاً بالمرأة تحت عنوان- تمكين المرأة- جاء فيه: ((تضع الخطة الخمسية العاشرة نصب أولوياتها ضرورة تحقيق تطور نوعي في حياة المرأة السورية وإدخال قضايا النوع الاجتماعي كمتغيرات أساسية في البرامج والمشروعات التي سيتم تنفيذها في السنوات الخمس المتعاقبة.)) إلاّ أننا نجد هذا الشرخ واضحاً وصريحاً بين ما يتم تبنيه من قبل الحكومة وبين ما يتم التعامل به على أرض الواقع وخير مثال يمكن لنا أن نسوقه هنا هو التعامل مع المرأة( أرملة، مطلّقة، وعازبة) في مسألة البطاقة العائلية والدعم النقدي لبدل المازوت مؤخراً وهذا يتناقض تماماً فيما أتت على ذكره تلك الخطة. ((وتلتزم الخطة الحالية بهذا السياق، من أجل تنفيذ سياسة تعمل على إدماج المرأة في عملية التنمية بالتعاون والتشارك مع المجتمع الأهلي والمنظمات النسائية غير الحكومية والقطاع الخاص.)) وهذا اعتراف آخر بضرورة إشراك المجتمع المدني والمنظمات النسائية غير الحكومية في تنفيذ السياسات الحكومية وخططها الاستراتيجية، لكنه من جهة أخرى يتناقض مع ما يتم التعامل به مع المجتمع المدني والتنظيمات النسائية غير الحكومية إذ تمَ حظر التعامل مع رابطة النساء السوريات التي تأسست في العام/1948/ كما تمّ حل جمعية المبادرة الاجتماعية، وهذا خرق واضح وفاضح لكل ما تمّ تبنيه في دستور الحزب والجمهورية والخطة الخمسية العاشرة يتطلب وضع قانون يشرّع عمل المجتمع المدني.
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة الإدارة المحلية تسحق الشرائح الأكثر استحقاقاً في المجت
...
-
مواكباً للقتل بداعي الشرف ضرب المرأة بات ظاهرة تستدعي التصدي
...
-
رغبت بمساعدته على تكاليف الحياة فقتلها بدافع الشك
-
صراحة الأزواج...مغامرة أم ضرورة..؟
-
كيف يرى الرجل صداقتها له
-
كان عامٌ حافلاً بقضايا المرأة
-
عندما يصبح الغدر مكافأةً كبرى
-
شموع أنارت ليل دمشق...فهل تنير دروب التائهات عن حقوقهن..؟
-
مرّة أخرى الدعم لمستحقيه... ما عدا المطلّقات
-
المشروع الجديد للأحوال الشخصية... تهميش للسورين عموماً وللجه
...
-
هل تكفي الأيادي البيضاء لمعالجة الحالة...؟
-
هل ما زال الاتحاد النسائي معني بحقوق المرأة بعد رفضه حكم قضا
...
-
الجلد... أثمن هدية للمرأة العربية..!
-
عيد بأي حال عدت يا عيد
-
راتب الزوجة... استقلال أم إذلال..؟
-
مخطوبة لأكثر من مرة...يعني أنك ستوك..!
-
إلى متى تظلُّ فتياتنا قرابين على مذبح جرائم الشرف..؟ مشروع ا
...
-
نساء العالم تقتحم حصون البرلمانات
-
نظرات تربوية في العلاقة الزوجية
-
تمثيل مصطنع... وفاعلية مزيفة
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
نظرة الى قضية المرأة
/ عبد القادر الدردوري
المزيد.....
|