(12 يوليو 2004 م) نشرت شبكة راصد قبل حوالي الشهر خبراً ليس جديداً في محتواه، لكن بتفاصيله وأدلته حول قيام الطالب "حمد بن ناصر محمد الجويسم من مدرسة الخليج الثانوية بالدمام في أواخر شهر ربيع الأول 1425هـ وبأمر من مدرس المادة الأستاذ محمد البقمي بكتابة بحث موسع وتفصيلي ينال من أتباع المذهب الشيعي ومن معتقداتهم بعنوان «كشف الأسرار.. بحث في عقائد الشيعة» متعرضاً بشكل صارخ لإهانة أتباع المذهب الشيعي ومحرضاً بكل صراحة على قتلهم والنيل منهم".
ومن ضمن ما كتبه الطالب في بحثه "وإن من يطلع على هذا البحث قد يكون ألم بهذا المذهب إلماماً يجعله يتيقن بأن هذا المذهب الشيعي باطل، ويتمكن من الرد على من ادعى بأن لا فرق بين أهل السنة والشيعة", وأضاف "وإذا لم يكتمل اقتناع القارئ الكريم بأن هذا المذهب أو هذه الديانة - إن صح التعبير- باطلة ومن اتبعها فهو كافر وقتله أولى من قتل الخوارج".
ثم طالعتنا شبكة راصد قبل أيام بخبر آخر يدور حول نفس الموضوع وهو معاقبة المعلم بقرار من إدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية، والقرار هو إنذار المعلم ونقله إلى مدرسة أخرى. من يقرأ نص القرار الرسمي إذا لم تكن لديه خلفية عن الموضوع لا يستطيع فهم المشكلة لأن القرار لم يذكر كلمة الشيعة وإن البحث لا يكفّر الشيعة فقط بل يدعو لقتلهم. إذا كان من يدعو لقتل الشيعة في مدرسة حكومية وبعلم من المدرسة ويتم طباعة هذه الدعوات ويكون عقابه الإنذار والنقل إلى مدرسة أخرى، هذا يعني بأننا عرفنا العقاب، ومن يريد "التضحية" بالحصول على إنذار أو النقل إلى مدرسة أخرى فعليه أن يسعى ذات المسعى. وقد قال أخوة لنا في مصر مثلاً شبيهاً لهذه المأساة وهو: (اللي تعرف ثمنه، اقتله). إي إذا عُرِف نوع العقاب، فما المشكلة؟ خاصةً وإن هذا ليس عقاباً بل يعتبر نوع من المداعبة، وربما ميزة لمن يريد أن ينتقل إلى مدرسة أخرى، فدعوة للقتل عقابها الإنذار، قانون فعلاً مثير للضحك. المثير للسخرية حقاً هو صدور هذا القرار بعد تكوين لجنة ودراسة قانونية واستناداً إلى نظام لتأديب الموظفين.
ربما يتفاءل البعض بما حدث وإنه نقلة نوعية وحادثة فريدة من نوعها أن يتم "معاقبة" من يقوم بتكفير المسلمين المواطنين ويدعو لقتلهم، وإن هذا أول الغيث. الوضع أعقد من هذا بكثير، والمشكلة ليست في معلم دعا لقتل الشيعة، أو كفّرهم، فهذه فتاوى مشايخ الدولة ومجلس الإفتاء الأعلى يقول ما قاله هذا الطالب وهذا المعلم، فكيف يمكن إقناع هذا الطالب أو المعلم الذي ما ذكر في بحثه أو بحوثه ألاّ ما قامت الحكومة بنشره ومشايخ الدولة بذكره؟ ففتاوى مشايخ الحكومة تقول بأن مذهب الشيعة مبتدع في الإسلام في أصوله وفروعه، وفتوى أخرى تقول لا يجوز إتباع مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية وأشباههم من أهل البدع كالخوارج، وفتوى أخرى للشيخ بن باز تقول التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة، وفتوى أخرى للشيخ بن باز تقول أن الشيعة فرق كثيرة وكل فرقة لديها أنواع من البدع وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثني عشرية لكثرة الدعاة إليها ولما فيها من الشرك الأكبر، وفتوى أخرى لابن جبرين تقول على أهل السنة أن يظهروا إهانتهم وإذلالهم وتحقيرهم، وأن يعاملهم بالشدة فيظهر في وجوههم الكراهية ويظهر البغض والتحقير والمقت لهم ولا يبدأهم بالسلام ولا يقوم لهم ولا يصافحهم، وفي فتوى أخرى لابن جبرين تقول إن على أهل السنة أن يجاهدوهم بالقتال.
إن الأزمة الطائفية في السعودية ليست محصورة في فئات معينة قليلة أو أشخاص مخالفين للتيار العام، كما يريد البعض أن يصوّرها، مثل ما كتبه الأستاذ قينان الغامدي في مقاله بصحيفة الوطن (19 يونيو 2004 م) بعنوان: السنة والشيعة وسفهاء الطرفين: أضواء تضيء وتحرق!، ذكر فيه بأن وزارة التربية والتعليم بالمرصاد لهؤلاء المتطرفين. نحن نعلم أن التطرف هو عنوان الوزارة بدون منازع، فعندما اعتمدت الوزارة 45 مشرفاً تربوياً في الشرقية، لم يكن بينهم شيعي واحد، إلاّ إذا سلّمنا بأن الشيعة يحملون جيناً له علاقة بالتخلف العلمي، ولم يصلوا إلى المستوى العلمي العالي الذي وصل إليه أخوة لهم من أهل السنة، مع أن المشهود له على مستوى المنطقة والمملكة بأن الموظفين الشيعة أكثر إخلاصاً وتفانيا في أعمالهم، والطلاب والطالبات من المناطق الشيعية أكثر حرصاً على التعلم وأكثر تفوقاً، لكن الفرص لا تعطى استناداً للكفاءة والتميز، بل تعطى استناداً للمذهب والمنطقة التي ينتمي إليها والواسطة، ولهذا أصبحت المناصب في أيد من هم أقل كفاءة وأقل حرصاً ورغبة في خدمة المجتمع والذي أدى إلى انزلاق كبير في جميع المجالات.
إن الأزمة الطائفية في السعودية لا يمكن أن يقول عمن يمارسها بأنه شاذ، أو متطرّف، بالمعنى أنه يمثل رأي الأقلية، بل هو سياسة حكومة دأبت منذ نشأة هذه البلاد إلى الآن على تحجيم الشيعة وتكفيرهم والتمييز ضدّهم ودعم التوجهات الدينية والمؤسساتية الحكومية علناً أحياناً، وصمتاً وقبولاً أحياناً أخرى. وما ذكرت أعلاه لهو دليل واضح للتجني الطائفي وعلني من قبل مؤسسة تعليمية حكومية، فكيف نثق في هذه المؤسسة، أو الحكومة أصلاً وهي من أدخل كلمة التمييز الطائفي في قاموس البلاد. عندما قدّم الشيعة مطالبهم في السابق، وإلى الآن، لم يقدّموها إلى شيخ أو إلى معلم، بل قدّموها إلى الحكومة، لأن كل ما حصل للشيعة هو بقرارات حكومية وتحت رعايتها أو مرأى منها، وهي المسؤول الأول والأخير عن الأمن وتطبيق العدالة والمساواة الخ من كلامات فقدت معناها، وأصبحت لا تساوى الحبر الذي تُكتب به.
هذه المطالب تم ذكرها في أكثر من مناسبة ولعدة عقود، وآخرها عريضة تم تقديمها إلى ولي العهد بتاريخ 30 أبريل 2003 م، وهي بعنوان: شركاء في الوطن، في مجملها طالبت العريضة وعرائض سابقة بالتالي:
1- الاعتراف بالمذهب الشيعي صراحةً، واستقلال القضاء الشيعي واعتماد رؤى المذهب الشيعي في محاكم المنطقة الشيعية.
2- إعطاء الشيعة الحق في صياغة مناهج الدراسة لأبنائهم في مجالات العقيدة والفقه والتاريخ.
3- تأكيد المسؤولين الصريح على المساواة بين المواطنين على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم.
4- تشكيل لجنة وطنية عاجلة ذات صلاحية بمشاركة عناصر مؤهلة من الشيعة للنظر في واقع التمييز الطائفي ومعالجته بتمثيل المواطنين الشيعة في المناصب العليا للبلاد كمجلس الوزراء، ووكلاء الوزارات، والتمثيل الدبلوماسي، والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبة مشاركتهم في مجلس الشورى.
5- تجريم وإدانة أي ممارسة للتمييز الطائفي قد تصدر من بعض المغرضين والمنتفعين في أي موقع، وسن القوانين اللازمة لذلك وإلغاء كافة التعميمات والإجراءات الإدارية السابقة المؤدية للتمييز.
6- وقف كافة الإجراءات الأمنية التي لا تستند إلى قانون كالاعتقال والمتابعة والاستجوابات والمنع من السفر والتوقيف عند الحدود والتفتيش الشخصي بما يرافقه من إهانات، والعمل على إزالة آثار الاعتقالات السابقة.
7- شمول المناطق الشيعية بالخطط التنموية وبالمستوى الذي يضمن التعويض عن الحرمان والتهميش الماضي والحاضر.
8- السماح بتأسيس الأجهزة الإعلامية التي تعنى بالشأن الثقافي والديني الشيعي، ومساواتها في الدعم الحكومي بمثل ما تحظى به الأجهزة والمؤسسات الإعلامية الأخرى في البلاد.
هذه المطالبات لم توجه إلى رئيس في بلاد الواق واق، ولكن إلى الحكومة السعودية، وكل ما تم ذكره أعلاه تستطيع الحكومة تطبيقه، فهي مطالب شرعية لا تتعارض مع المواطنة في شيء، بل تتماشى مع المساواة والعدالة بين المواطنين. الحكومة السعودية قامت بانتهاك حقوق الشيعة كمواطنين وانتهكت حقوق الإنسان أيضاً في كل تعاملاتها مع الشيعة، فلا غرابة أن تدينها المؤسسات الحقوقية المستقلة والأممية على أفعالها المشينة التي يندى لها جبين الإنسانية، من سجن وتعذيب حتى الموت وإعدامات تمت على أسس طائفية بحتة. معلم يتم طرده من عمله لأنه استخدم منـزله في مراسم عاشوراء، معلم آخر الشيخ حسن ابن الملا أحمد آل زايد يتم سجنه لأنه أهدى كتابا لزميل له، بينما تكتفي الحكومة بالصمت حيال المعلم الذي يدعو لقتل الشيعة، وتقوم وزارة التربية والتعليم بالإنذار فقط، هذه هرطقة ما بعهدها هرطقة. هل أسرد قصة ما يعانيه الشيعة النخليين عقائدياً في منطقة ينبع الصناعية من منع استخدام منازلهم في الاحتفالات وصلوات الجماعة لأنهم ممنوعون من بناء مسجد لهم هناك؟ أم أذكر المواطن «أحمد بن حسن بن حسين بوعبدالله» من أهالي محافظة القطيف والموظف بالشركة الخليجية المتحدة لدرفلة الصلب بمدينة الجبيل الصناعية، إلى مكيدة مدبرة من قبل مدير التشغيل في الشركة المذكورة والمدعو عبدالله جمعان مبارك الغامدي؟ أم أذكر الشيعة المسجونين على خلفية تفجيرات الخبر عام 1996 م إلى الآن حتى بعدما اتضح بأن خلف تلك العملية الإرهابية هو تنظيم القاعدة؟ أم أذكر الاعتقالات والسجن لمن أقاموا مراسم العزاء في الأحساء؟ أم أذكر إيقاف الشيخ جعفر حسن الأمرد (38 عاماً) من منطقة الخويلدية بمحافظة القطيف وتهديده بعدم إقامة أي حفل يعنى بأهل البيت عليهم السلام؟ هذه بعض الأحداث وغيرها لم يُنشر وهي بالمئات، وكلها بعد تقديم وثيقة شركاء في الوطن، فماذا تحقق للشيعة من المطالب التي تم ذكرها منذ تسليم عريضة شركاء في الوطن قبل أكثر من عام إلى الآن؟
إن ما يحدث هو سياسة حكومية منظمة تشمل ما ذُكر أعلاه وأكثر، منها المراهنة على التغيير الديموغرافي للمناطق الشيعية بتسهيل إسكان الكثير من خارج المناطق الشيعية فيها محاولةً لجعل الشيعة أقلية في مناطقهم، تضييق الخناق عليهم ليل نهار، ومحاولة مسح هويتهم، وبعد كل ذلك يتم اتهامهم بالعمالة لدول خارجية، مع أن أرضهم تضم ثروة الوطن من الماء والنفط، ولا يحصلون منها إلاّ على فُتاتها. لقد ساهم غياب الضمير والطائفية والوصولية لدى العديد من المثقفين والكتاب السعوديين، ولا زال، في الإساءة للشيعة بكتاباتهم الداعمة للظلم الواقع على الشيعة تارة، وتارةً أخرى بصمتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق الشيعة كمواطنين؟
إن الأمل مفقود بدون شك في أن تتغير سياسة الحكومة السعودية، وما الحديث عن الوحدة الوطنية إلاّ نفاق تُعرّيه الوقائع والأحداث، وهو نتيجة لتفجيرات سبتمبر 2001 م والأحداث الإرهابية المتتالية في السعودية وما صاحبه من مشاكل داخلية عديدة فاقمت الوضع المتردي من جميع النواحي الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. الحكومة نشأت من رحم الوهابية المتطرفة التي لم تؤمن يوماً بمصطلح اسمه الوطن، ولم تؤمن بوجود شيعة أصلاً، ولا تزال، فهل ينتظر الشيعة نيل حقوقهم قبل أن يتم الاعتراف بوجودهم؟