هيفاء دلال ضاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2938 - 2010 / 3 / 8 - 00:57
المحور:
ملف مفتوح -8 مارس 2010 - المساواة الدستورية و القانونية الكاملة للمرأة مع الرجل
منذ أمد طويل والمرأة تناضل من اجل ازاحة المعاناة عنها. فمنذ آلاف السنين وهي تعاني من احكام اجتماعية مؤلمة وتحاك المؤامرات والجرائم ضدها في ظل صمت رهيب للمجتمع ، وكأن الامر عادي بل كأنه هو العدل بعينه.
إن المجتمع ما زال عاجزا عن ادراك الحقيقة بان المرأة ما هي الا انسان مثل الرجل تماما تشعر بما يشعر وتكره وتغضب وتثور الخ... مثل الرجل تماما. اما الصمت الرهيب منذ زمن طويل مضى فما زال مستمرا حتى يومنا هذا. لقد استبشرنا خيرا من المظاهرة تحت عنوان "صمتك تصريح بالقتل" والتي شارك فيها العديد من جميع فئات المجتمع من مؤسسات واحزاب وجمعيات وهيئات ، والتي طغى عليها جيل الشباب، استبشرنا خيرا لنجاحها، أي انه توجد نواة في مجتمعنا اخذت صحوة التغيير تتغلغل فيه ، واذا باللعنة التي انزلت بالنساء ابت الا ان تزعزع اعماقنا بالمرارة والالم لسقوط ضحية اخرى في اليوم التالي لتلك المظاهرة ولتقتل على يد زوجها في مدينة الناصرة. فأغلبية المجتمع ظلت صامتة لان فيه من لا يعجبه التغيير وانقاذ النساء من هذه اللعنة. لقد كانت ردود الفعل من بعض العامة وقت المظاهرة مثلا: "دايرين في الشوارع علشان ما نقتل المره!" وهناك من لم يرض بالاشتراك بالمظاهرة لانه يرى بان قتل المرأة هو كأي قتل آخر مثل القتل على خلفية الجرائم الاخرى.
أسئلة كثيرة وعلامات تعجب وغضب اثيرت، ويبقى السؤال المنطقي هو: على ماذا يدل استمرار قتل النساء والذي ما زال يقابل بالصمت حتى يومنا هذا ؟ وان دل ذلك على شيء فانه يدل على انه ما زالت تستشري في مجتمعنا الغريزة العدوانية، التي تعززها الفوضوية الاجتماعية السياسية، المستمرة في هدر القيم الانسانية من خلال تعزيز التقاليد البالية لها من جهة واجتياح الرأسمالية من جهة اخرى، المتمسكين بالتسلط والقمع خاصة قمع النساء، أليس هذا الفكر الجاحد والعاجز من مصلحته ان يتجاهل مشاعر المرأة، ويفضل البقاء غارقا في مستنقع الافكار والعادات القديمة البالية، وبدلا من تطوير الفكر يعيشون مع افكار ميتة، وليصبحوا بذلك من اخطر انواع البشر، لانهم لم يدركوا بانه بالقتل لا يحصل القاتل الا على الهلاك له ولغيره، فيكون قد ظلم نفسه وسيسجن في نهاية الامر، وماذا عن اولاده الذين سيحرمون من حنان الاب والام ودفء العائلة، هذا عدا عن الحزن والاسى لاهله وتركهم لحظهم التعيس. فكل ما طغى على تفكيره ما تشرّبه منذ الصغر من افكار قديمة اتخذها المجتمع وصدّق عليها، وبانه بذلك سوف ينقذ رجولته وذكورية المجتمع والسيطرة التامة في اطلاق الاحكام حتى لو بالقتل ضد النساء.
من الصعب ان يدرك القاتل ومن يؤيد القتل بان من يمتنع عن اسلوب القتل والضرب والعنف بشكل عام حتى ولو كان اميا، يعد مثقفا اكثر من ذلك المثقف الذي يحمل اعلى الشهادات ويمارس العنف. لان الاقتناع بعدم ممارسة العنف يعمل على تقوية عقله ويتحكم في الغريزة والدوافع العدوانية وكذلك نُصقل بالتهذيب، عندها فقط يكون انسانا محترما مدركا لبناء مجتمعه وتطوره، وينهج فكرا بنّاء وسليما.
ولطالما كافحت النساء والامهات وعبر التاريخ الطويل لتهذيب الرجل وتطويره ليصبح انسانا وتتغلب فيه الانسانية على العدوانية. لم يُذكر في التاريخ بان الامومة مارست العنف بل قامت على حماية اطفالها وعائلاتها بغريزة الامومة الانسانية، وليست بدوافع العدوانية والا لما كان يرمز لها بالآلهة مثل الإلهة "إيزيس" والإلهة "أثينا" والالهة "نون" الخ... وهي من أوائل الآلهة التي ترمز للحكمة والعدل. لقد كافحت المرأة طويلا من اجل تهذيب الرجل ليصبح انسانا رحيما وليس ذكرا وُلد فقط للتسلط والقتل والدمار، لكنه انقلب عليها بممارسة العنف وقوة السلاح. وما نراه اليوم من ممارسات القتل سواء ممارسة العنف ضد النساء او ضد الشعوب بشكل عام لهو اكبر دليل على استمرار العالم الذكوري المتسلط وممارساته الوحشية غير آبه بما يخلّف من معاناة. فهم لم يصلوا بعد الى الاحساس الكامل بالمسؤولية تجاه الانسانية وتدل على ذلك الاحصائية التي تقول بان " اكثر من 70% من الرجال العرب يعتقدون بان على المرأة ان تتحمل الضرب بصمت". والفكر القديم ايضا في قول الفرزدق بانه "اذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها". ويرمز بها للمرأة بالطبع. أليس هذا مشجعا لاستمرار صمت المجتمع على الوأد بل تحريضا ايضا على استمراره ولكن بطرق مغايرة، مع ان الدين والقوانين الشرعية والمدنية حرّمته الا ان المرأة ما زالت تعاني من الوأد الثقافي والفكري وما زالت أسيرة في فكر الرجل على انها عورة وما زال المجتمع صامتًا.
لذلك من يرد اصلاح المجتمع يتحتم عليه اصلاح حاله اولا ليدرك بعد ذلك بان عليه اصلاح وضع المرأة ومكانتها من خلال تغيير المفاهيم السلبية المؤثرة على اوضاعها، ويبدأ في النقد والنقد الذاتي الذي من خلاله تتصارع الآراء والافكار التي تؤدي به الى التقدم والتطور.
لقد صرح امين عام الامم المتحدة بهذا الصدد بان كي مون في احدى مناسبات "اليوم العالمي للتصدي للعنف ضد النساء" قائلا: "الانتهاكات لحقوق الانسان بان المرأة هي اكثر من تتعرض للضرب وللاتجار والاغتصاب والقتل وهذا ما يؤثر على تنمية وسلام وامن مجتمعات باكملها. فيتوجب علينا ان نعمل المزيد من اجل تطبيق القوانين التي سُنت لحماية النساء، والتصدي للتصرفات والمواقف التي تغفل عن اعمال العنف ضدهن او تتجاهلها وتجد الاعذار لها".انني اشك في ان يحدث هذا التصريح تغييرا على ارض الواقع لدى كثير من حكومات العالم.
وطالما توالت التصريحات والصيحات التي لم تلتزم الحكومات بها خاصة حكومة اسرائيل التي تهدر الارواح كل يوم، ولم تلتزم بقوانين حقوق الانسان التي تحتوي على حقوق المرأة والطفل وحقوق المنطقة بأسرها بالسلام والمساواة. وما دامت التوترات التي تهيئ ارضا خصبة للحروب والفوضى قائمة، فسيبقى وضع المرأة ومعاناتها ومعاناة شعوب بأكملها من هذه الفوضى الاجتماعية السياسية كالاتجار بالنساء والاطفال والاغتصاب والقتل كما هو قائم اليوم، وهذا ما يحتم على النساء والذين يدركون هذه المخاطر النضال من اجل ترسيخ قيم السلام وازالة المعاناة والغبن اللاحق بهن.
#هيفاء_دلال_ضاهر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟