Any BOURRIER
بعد مواجهة دامت اسابيع حصلت الولايات المتحدة الاميركية في 22 نيسان/ابريل 2002 على اقالة [2] المدير العام للمنظمة من اجل حظر الاسلحة الكيميائية، البرازيلي خوسيه موريسيو بستاني. اما الاتهام الموجه الى هذا الديبلوماسي العريق والخبير لدى مؤتمر نزع الاسلحة برعاية الامم المتحدة والذي كان يترأس منظمة حظر الاسلحة الكيميائية منذ 1997 واعيد انتخابه بإجماع الدول الاعضاء الـ 145 عام 2001، فكان "الادارة الكارثية" و"النقص في الشفافية والمسؤولية وحسن الدراية". كما اخذت عليه الولايات المتحدة مسؤولية الازمة التي اجتازتها منظمته، مستنكرة "ممارساته المزاجية والعشوائية".
بيد ان سقوطه يعود الى ارادة واشنطن في السيطرة على المنظمة من اجل تشجيع سياسة المواجهة مع السيد صدام حسين. وبالفعل فإن "جريمة" السيد بستاني تكمن في سعيه الى إقناع بغداد بتوقيع معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية، وهو حاول منذ تعيينه، اضافة الى العراق، اقناع ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية بالانضمام الى المنظمة التي يترأسها. ويفترض في نظره بالعراق بصفته عضوا في المنظمة ان يوافق على التفتيش الدوري في المعامل الكيميائية الذي تقوم به في خمسين بلدا. وبما ان المعاهدة تفرض على المنتمين اليها تدمير الاسلحة الكيميائية، كان يمكن تحييد الترسانة العراقية ضمن هذا الاطار.
لكن الادارة الاميركية لم تكن لتوافق على هذا التقارب لان توقيع بغداد يحرم واشنطن مبرراً للقيام بعملية عسكرية ضد النظام العراقي. اضافة الى ذلك، كان المحيطون بالرئيس بوش مغتاظين من استقلالية هذا الديبلوماسي الذي سعى الى حماية اعضاء منظمة حظر الاسلحة الكيميائية من الاوامر المفروضة من الدول العظمى، ومغتاظين أيضاً من نيته في ارسال فرق التفتيش الى المعامل الكيميائية في الولايات المتحدة. كما ان الديبلوماسي البرازيلي وضع برنامجا للتعاون بين بلدان المنظمة والبلدان الفقيرة التي لا تملك صناعة كيميائية (ولا مبرر تالياً لانتسابها الى المعاهدة). ويلحظ هذا البرنامج تقديم 12 منحة جامعية سنوية في بريطانيا لمهندسين من العالم الثالث تسمح لهم بإنشاء صناعة كيميائية في بلدانهم.
وكان البرلمانيون الاميركيون قد ماطلوا في توقيع المعاهدة حول حظر الاسلحة الكيميائية. ومع ان الولايات المتحدة هي التي اقترحت نص هذه المعاهدة فإن الكونغرس لم يقتنع بها الا بعد مرور ثلاث سنوات. وقد وضع الرئيس كلينتون صدقيته في الميزان من اجل الحصول على موافقة خصمه اللدود السيد جيسي هلمز، الرئيس النافذ للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس. وكان من شأن الفشل التأثير سلبا على النفوذ الديبلوماسي للولايات المتحدة التي التحقت في النهاية بتاريخ 24 نيسان/ابريل 1997 بالبلدان الـ 74 الذين صادقوا على المعاهدة. لكن مآخذ واشنطن حول قيام أجانب بتفتيش المصانع الاميركية لا تزال قائمة.
وقد أكد لنا السيد بستاني في لاهاي قائلا: "اعترضتنا صعوبات من البداية حين رفض الاميركيون قيام موظفي المنظمة بأعمال التفتيش عندهم. وغالبا ما كانوا لا يستطيعون حتى دخول المعامل فبتنا غير قادرين على التأكد من انها تصنع المنتجات الكيميائية لاغراض سلمية فقط. واكبر صعوبة كانت فحص العينات اذ لم يكن ممكنا اجراء هذا الفحص الا في المختبرات الاميركية فلم يكن لدينا تالياً اي ضمان حول صحة النتائج. عند كل عملية تفتيش كان الاميركيون يحاواون تغيير قواعد اللعبة".
وكان الانزعاج الاميركي يزداد مع تشديد المفتشين ـ والذين تعتبرهم واشنطن جواسيس محتملين ـ على ضرورة احترام الولايات المتحدة للمعاهدة. لكن كما يقول السيد بستاني: "لم اكن اشعر بسؤ النية في عهد كلينتون ولو اننا لم نتمكن من القيام بواجبنا. المشكلات الحقيقية بدأت مطلع 2001 بعد اسابيع على تسلم الادارة الجمهورية مقاليد الامور في البيت الابيض".
في تلك الفترة ظهر على المسرح السيد جون بولتون، مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الامن الدولي والرقابة على الاسلحة. ولم يكن هذا المستشار السابق للرئيس ريغان ولمؤسسة Heritage يخفي معارضته لوجود الولايات المتحدة داخل المنظمات المتعددة الطرف وخصوصا الامم المتحدة: "ان تعيين بولتون للاشراف على مسائل نزع السلاح يشبه تعيين مولع بالحرائق يشرف على معمل للمفرقعات. وللتعرف على تصلبه يكفي التذكير بمواقفه المتطرفة اثناء التفاوض حول الرقابة على الاسلحة النووية مع الروس او التزامه مشروع "حرب النجوم"، كما يؤكد المحلل ايان وليامس [3] .
عند تعيينه اتصل السيد بولتون بالسيد بستاني طالبا منه الاستقالة، ويؤكد هذا الاخير: "لقد اتصل بي لاعطائي الاوامر، اراد مني ان اتغاضى عن بعض نتائج اعمال التفتيش في الولايات المتحدة. وطالبني بتعيين ممثلين للولايات المتحدة في بعض المراكز الحساسة في المنظمة لكي يتمتعوا بنفوذ اكبر. طوال السنوات السبع التي امضيتها على رأس المنظمة تعرضت لضغوط من الدول الاعضاء مثل المانيا لكني لم ارضخ. لم اقدم اي تنازلات ولا حتى لبولتون".
في آذار/مارس 2002 وصل السيد بولتون الى لاهاي ومعه رسالة، كما يقول السيد بستاني، مفادها: "تطلب منك واشنطن الاستقالة من المنظمة غدا قبل اجتماع مجلس الادارة وعليك مغادرة هولندا فورا". واذ طالب السيد بستاني بإيضاحات جاء االجواب قاطعا: "اسلوبك في الادارة لا يروق لنا"، قال له السيد بولتون.
لم تتردد الولايات المتحدة ضمن حملتها الصليبية هذه في تجنيد كريباتي، وهو بلد يتكون من 30 الف جزيرة صغيرة في المحيط الهادىء مبعثرة في مساحة 3 ملايين كيلومتر مربع وحيث دخل الفرد بالكاد يصل الى 850 دولاراً سنويا بفضل تصدير الموز وجوز الهند والبطاطا الحلوة... كريباتي العضو في المعاهدة من دون ان تكون قد دفعت اشتراكها، دعاها الاميركيون الى خلع السيد بستاني. وخلال الجمعية العمومية الاستثنائية بدأ مندوبها بتسديد ديون بلاده للمنظمة ثم صوّت ضد المدير العام وصفّق في النهاية للخاتمة السعيدة للمعركة.
وقد اعتبر إبعاد الديبلوماسي البرازيلي حلقة اولى في سلسلة من اقصاءات طاولت رؤوسا في المنظمات المتعددة الطرف. ويعترض الديبلوماسي بمرارة قائلا: "تمنع قوانين هذه المنظمات اقالة المدير العام بغية تأمين الاستقلال والحرية التي يحتاجهما في ممارسة وظائفه اذ لا يمكن ان يشعر بأنه مهدد او ان ينصاع لرغبات الدول الاعضاء مهما بلغ شأنها. لا يخسر مركزه الا من خلال انتخابات جديدة". وقد نجحت الولايات المتحدة في تحقيق ما سمّته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية "انقلابا كيميائيا" [4] . وفي انتظار تعيين مدير عام جديد تؤول مهمات السيد بستاني الى نائبه الاوسترالي جون غي.
وتبعا للسيد ايان وليامز فإن البيت الابيض يستهدف مسؤولين في منظمات دولية اخرى من امثال السيدة ماري روبنسون، رئيسة لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة (وقد اعلنت عن رغبتها في ترك منصبها)، السيد هانز بليكس المسؤول عن لجنة الرقابة والتدقيق والتفتيش في الامم المتحدة، السيد تيري رود لارسن منسق مفاوضات اوسلو من جانب الامم المتحدة، وكذلك السيد بيتر هانسن المفوض العام لشؤون اللاجئين (الاونروا). حتى ان السيد وليامز يشير الى السيد كوفي عنان الذي لم ترق للولايات المتحدة مبادراته الاخيرة لاحتواء أرييل شارون. ويؤكد: "لا عجب ان تطلق الإدارة الاميركية حملة لدفع الامين العام الى ترك منصبه".
--------------------------------------------------------------------------------
[1] صحافي
[2] 48 صوتا مع و7 ضد وامتناع 43 منها فرنسا اي غالبية الثلثين المطلوبة.
[3] The US Hit List at the United Nations, Foreign Policy in Focus, Silver-City Washington, 30/4/2002
[4] 16/4/2002
جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم