نوري جاسم المياحي
الحوار المتمدن-العدد: 2933 - 2010 / 3 / 3 - 13:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنت اشاهد ندوة حوارية على فضائية الحرة شارك فيها المثقف الاسلامي جابر الجابري والمفكر اليساري الاستاذ الكبير الفريد سمعان وغيرهما .. انا لن اناقش محور الندوة لانه خارج موضوعنا هذا .. لكن ما لفت انتباهي هو ما ذكره الاستاذ الفريد عن حضوره مؤتمر او ندوة ثقافية وقد شاركت في الاحتفال فرقة موسيقية .. فما ان بدأت ألفرقة بالعزف .. حتى لوحظ ان البعض من المحسوبين على التيار الاسلامي تركوا القاعة حيث يعتبرون ان الاستماع الى الموسقى حرام .. توقفت عند هذه الحركة وتساءلت مع نفسي عن الدوافع الحقبقبة وراء مثل هذا التصرف والسلوك من هؤلاء الاشخاص ( علما انني لا أعرفهم ولا أعرف من خرج ومن بقي ) .. اهو تصرف طبيعي ؟؟؟ ام نفاق اجتماعي ؟؟؟ فتوالت علي ذهني صور عديدة .. سواء شاهدتها او سمعتها او قرأتها .. اقنعتني ان االغالبية العظمى من العراقيين هم منافقين بطبعهم كما يبدو لي .. وقد يصفهم البعض بالانتهازية واخرون يعيرهم بالتقية .. وقد ننصف ونبرر للعراقيين هذه السلوكية .. عندما نعرف ان تاريخهم وعبر قرون مضت لم ياتهم حاكم عادل ومنصف انصفهم .. قتل وذبح والضرب بيد من حديد سواء اثناء الحكم الاموي والعباسي والعثماني والفارسي الصفوي واخرها الحكم الصدامي و حكام اليوم صنيعة المحتل والذين لم نلمس منهم لاذمة ولا رحمة بالفقراء .. ويؤكد ذلك هذه الايام ومانشاهده من حملات انتخابية ووعود ما انزل بها من سلطان .. كلام منمق يشرح القلب وعود تبهج النفس وتخدع المحرومين .. ولكنخم في الحقيقة ودواخل نفوسهم الركض وراء الجاه والسلطة وابتلاع ونهب اموال الشعب .. وللوصول الى هذه الغاية عندهم الاستعداد الكامل لاستخدام المناصب التي اتمنهم عليها الشعب .. وقوى المليشيات التي يقودونها لتصفية اعدائهم وخصومهم والمال لشراء الذمم والقدرة على تزوير ارادة المواطنين .. ان ما يؤلم ان هذه التصرفات تصدر من اناس يسخرون الاسلام بعظمته ونقاوة جوهره لاغراضهم الدنيوية الخاصة والتافهة ...
ما معنى النفاق ؟؟ النفاق هو اظهار المرأ او السياسي (في مثل هذه الايام) غير ما يبطن .. واما ما يظهره المرأ زمن الحكام الظلمة والجائرين خوفا من بطشهم فهو ما يطلق عليه بالتقية ..اما من يركض مع كل ناعق ويبدل جلده ليماشي كل حزب يستلم الحكم للاستفادة من الوضع الجديد فهذا انتهازي ملعون بالدنيا والاخرة .. وهذه الايام مجتمعنا مليء بهذه النماذج .. حباً لحسن الذكر والجاه ، او مقدمة للوصول الى متاع الدنيا بواسطة الوجاهة بين الخلق.. ومن دوافع ذلك أنه يرى ان باطنه لو انكشف على الخلق لفروا منه ، وعليه فإنه يضطر دائما لتصنع الصلاح والتقوى .. ووينطبق هذا الوصف على من ترك القاعة لان الالحان الشجية ستصدح في ارجاء القاعة .. كما ذكر الاستاذ الفريد سمعان .. او يسارعون لتهديم نصب اللقاء او قوس النصر ولم يكتفي الدجالون بذلك بل يخططون لازالة نصب ثورة العشرين في النجف الاشرف عنوان شرف العراقيين لوقوفهم بصدورهم العارية ضد الاحتلال الانكليزي للعراق وانا متاكد ان ازالة النصب تنفيذا لاوامر استلموها من عمتهم بريطانية .. وربما غدا سيزيلون نصب عروس مندلي تلبية لاوامر ايران ان لم يكونوا قد ازالوه فعلا ..
ان شعبنا اليوم يمر بأ تعس ما مر به سابقا لان قادتنا وسياسينا ابتعدوا عن وصايا الائمة المعصومين ودعوتهم لخوف الله في اعمالهم .. لو كانوا فعلا يؤمنون بنهج الائمة لطبقوا ما روي عن امامنا الامام علي ابن ابي طالب (ع ) عندما قال في الصادقين في طاعة الله (عظم الخالق في انفسهم ، فصغر ما دونه في اعينهم) ..وبالبرهان المنطقي نعلم أن من كبر ما دون الله في عينه ، فقد صغر الخالق في نفسه!..ألاتتفق معي اخي القاريء .. ان سياسينا اليوم ينطبق عليهم الوصف لايعملون بهذا القول وانما ينطبق عليهم الوصف التالي .. عيون لاتدمع وقلوب لاتخشع وبطون لاتشبع ؟؟؟
ولكي لا اطيل فيمل القاريء الحديث سادرج ادناه قصة ترويها رسائل تبودلت بين المرحوم الملك حسين (شريف مكة)والمرحوم عبد الرحمن النقيب نقيب اشراف بغداد عند الاحتلال البريطاني للعراق وتعليق المس بيل البريطانية التي كانت تعمل في السفارة .. وهذه القصة تؤكد ان النفاق ليس جديدا مع الاسف الشديد وربما طبعا من طباع العراقيين ...
في 14 حزيران 1921 اعلن وزريرالخارجية البريطانية المستر تشرشل في مجلس العموم البريطاني عن نية بريطانية اجلاس حاكم عربي على عرش العراق واختاروا فيما بعد الاميرفيصل بن الحسين لهذه المهمة ..وتبادلوا رسائل عديدة حول هذا الموضوع .. المهم فيها المغزى !!!!
وعندها ابرق الملك حسين الى نقيب بغداد هذه البرقية
بغداد: فرع الدوحة النبوية, فضيلة السيد الاجل , حضرة النقيب
ضروري بلغكم توجه ابني فيصل الى طرفكم , بناء على طلبات الاهالي المتعددة ,ولامتزاج عائلتنا بكم , فلا احتاج ان ابحث عما يجب لسعيكم جميعا فيما يستلزم راحة البلاد , ومضاعفة الرغبة , وتامين مستقبل الكل. هذا ما أنتظره من همم نجابتكم , والحسية الدينية والقومية , والله يتولانا واياكم بالتوفيق.
عن مكة المكرمة في 17 حزيران 1921
التوقيع : حسين
وقد أسرع "نقيب بغداد" فرد على برقية الحسين بما يلي :
لحضور صاحب الشوكة والعظمة , جلالة الملك حسين , سلطان الحجاز ’ أيد اللة شوكته.
لقد اخذت بيد التكريم والاجلال ,برقية جلالتكم المشعرة بتوجه سمو الامير , ذي القدر الخطير,الامير فيصل حفظه اللة الى العراق . وقد ابتهجنا سرورا من هذه البشارة , ودعونا له بالسلامة , وصرنا ننتظر قدومه ساعة فساعة شوقا للقياه . فبمنه تعالى عند قدوم سموه نبادر الى القيام بالواجب علينا , من خدمته , حيث اتحاد النسب والحسب القديمين يقضيان بذلك على الداعي . واما الامر السامي الملوكي لهذا الداعي , بالسعي جميعا فيما يستلزم راحة البلاد , فهو واجب الامتثال , على كل حال , لاقتضاء الحس الوطني , ونسأل أللة التوفيق.
عن بغداد 19 حزيران 1921
نقيب اشراف بغداد
في المذكرة كتبتها المس بيل الى حكومتها البريطانية في شباط 1919 , ونشرها السر تي .تي ولسن في ص340 من كتابه a .of clash loyalties انها سألت السيد عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد ذات يوم عن رأيه في اسناد عرش العراق الى احد انجال الشريف حسين أمير مكة المكرمة ؟ فرد عليها قائلا:
"أما بالنظر الى الحكومة العراقية فان مقتي للادارة التركية الحالية معروف لديكم الا أني افضل عودة الترك ألف مرة على أن أرى الشريف أو أحد أنجاله يحكمون هذه البلاد" .
فلما سألته "بيل" قائلة : واذا قضت المصلحة البريطانية بمجىء فيصل الى العراق ؟ رد عليها : انه رجل درويش لاشأن له بالسياسة , ولايريد أن يقف ضد رغبات الحكومة البريطانية . وكان في رده هذا مثال الحكمة والتعقل .
هذا هو النفاق السياسي العراقي ..في تلك الفترة لم يكن اي من الحسين او عبد الرحمن الكيلاني يحملان الجنسية البريطانية ... فما بالنا اليوم ومعظم سياسينا يحملون اكثر من جنسية .. ؟؟؟ الامريكية والبريطانية والايرانية وجنسيات كل دول العالم ؟؟؟
اللهم اجرنا من النفاق والمنافقين, اللهم لا تجعلنا منهم , اللهم اشفنا واعفو عنا وارحمنا برحمتك يا ارحم الرحمين
اللهم احفظ العراق واهله
المرجع :-
تاريخ الوزارات العراقية – الجزء الاول – ص 42
تاليف عبد الرزاق الحسني
#نوري_جاسم_المياحي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟