أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمد الخالدي - ثنائية الإحتلال والطائفية















المزيد.....

ثنائية الإحتلال والطائفية


حمد الخالدي

الحوار المتمدن-العدد: 2933 - 2010 / 3 / 3 - 12:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعد ظاهرة الطائفية التي يمكن فهمها، بأنها حالة من الشدة حول مفاهيم التمسك والتعصب والتعنصر، التي تنتاب الأفراد تجاه قيم وأفكار ومعتقدات مذهب معين دون سواه أو دين محدد دون آخر، يصاحبها حالة من الجمود والتصلب في تقبل الآخر ،إحدى أخطر الآثار السيئة التي ترتبت على التواجد الأميركي في العراق، والتي بدت تطفو على السطح بقوة منذ اللحظات الأولى لمرحلة فراغ السلطة وغياب الأمن في العراق.
فقد تعارضت تعارضا رئيسيا فكرة الديمقراطية التي حملها الأميركان للعراقيين مع فكرة الطائفية التي أطلق لها الدخول الأميركي العنان وأزاح عنها الغبار والركام، لأن فكرة الطائفية تحدد الدولة والسلطة والمجتمع بأفكار ثابتة غير قابلة لتطوير المجتمع وتغييره، بينما تهدف فكرة الديمقراطية إلى التمييز بين المجتمع السياسي والمدني كإحدى المنطلقات المهمة لتطوير وتنمية المجتمع وتغيره.
وهذا التعارض عمل على أن يعيش الإنسان العراقي حالة إنشطارية أدت إلى فقدان المجتمع قيم التماسك والتوحد والإنصهار في بوتقة الوطن الواحد الجامع، حيث تداعت قيم الولاء والإخلاص للوطن بشكل مخيف أمام آليات العودة لعصبوية الطائفة والعرق كما هي الصورة قديما، مما منحها الدور لإعادة تشكيل الموزاييك العراقي المتعدد المشارب والمسارات وفقا لحدود الطائفة المكانية لا لحدود الدولة الرسميةالجامعة لكل فئات أديان ومذاهب المجتمع العراقي.
وتأريخيا إحتضنت أرض الرافدين العديد من المراحل والإنعطافات التاريخية التي كانت الطائفية والمذهبية عنوانها الرئيسي، فبالعودة إلى تاريخ بلاد الرافدين بشقيه القديم والحديث نجد العديد من الأحداث التاريخية سياسية او دينية شكلت منطلقات وبواعث أساسية لعملية الشحن المذهبي
فواقعة الطف التي إحتضنت فيها أرض كربلاء بكل فخر وعزة الدماء الزكية للإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه، في دفاعه الشريف عن رسالة جده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ضد قوى الطاغوت والطغيان، كانت تؤشر إلى حدوث إنقسام مذهبي وطائفي لا زالت تداعياته تلقي بظلالها على واقعنا المعاش بين كافة الطوائف الإسلامية في العالم الإسلامي.
ويمكننا مشاهدة مرحلة أخرى للطائفية نستحضرها من أرفف كتب التاريخ العتيقة، فقد شهدت بغداد في العصر العباسي معارك مذهبية وإنتهاك حرمات المراقد المقدسة وبلغ هذا الصراع ذروته في فترة الحروب المتقطعة بين الدولتين الفارسية والعثمانية للسيطرة على العراق(1)
حيث عملت بعض قوى الجوار الخارجية تاريخيا على توظيف الجانب الطائفي لخدمة مصالحها وتحقيق مطامعها في العراق، وهذا ما حدث إبان الصراع العثماني الإيراني والغزوات والتناحرات التي دارت بينهما على أرض الرافدين، حيث تقول الروايات أن الأتراك أرادوا إثارة الفتنة الطائفية من خلال إستهداف رموز الشيعة في العراق وتناغم الفعل الإيراني مع ذلك في تصفية رموز السنة، ليكون الإصطفاف على أساس عرقي، لتحصل الفرقة، مما يسهل السيطرة على القوة الثقافية والحضارية والإجتماعية التي يتميز بها العراق (2)
وفي التاريخ السياسي الحديث للعراق نجد أن الأنظمة المتعاقبة على إدارة شؤونه ساهمت بصورة كبيرة في إثراء الظاهرة الطائفية العراقية بمزيد من التمايزات، عبر تغييبها لطوال عقود حكمها الملكي والجمهوري ، للطائفة الشيعية والقومية الكردية .
أما حاليا وبعد إحتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق فقد سلكت الطائفية البغيضة طريقها بقوة إلى جسد المجتمع العراقي وعلى نطاق واسع، فقد شكل يوم التاسع من إبريل للعام 2003 تدشين مرحلة جديدة من مراحل الإحتقان الطائفي والعنف المذهبي يضاف إلى رصيده السابق تأريخيا، فقد شهدت الساحة المحلية في ظل تفجرات الوضع الأمني الخطير وغياب آليات حفظ الأمن والإستقرار وبقاء مخازن ومستودعات الأسلحة مفتوحة أمام أفراد الشعب العراقي ،حالة صراع طائفي يمكن أن نطلق عليه صفة الحرب الأهلية، التي كانت أهم ملامحها الميليشيات التابعة للأحزاب والتيارات السياسية سواءا الحاكمة أو القريبة من الحكم أو خارجه، والقتل على الهوية والخطف العشوائي والنزوح الإجباري للسكان من كل الطوائف والأعراق.
وقد شهد العراق بعد تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي وحسن العسكري عليهما السلام في فبراير 2006 في مدينة سامراء موجة عارمة من التطهير والعنف المذهبي والطائفي، رافقتها وأعقبتها حملات إجلاء وتهجير داخليين شملت مئات الألوف من العراقيين من مناطق سكنهم إلى أماكن أخرى خصوصا مع زيادة حملات القتل على الهوية وتمشيط المناطق وفرز السكان على أساس مذهبي بما فيها بعض مناطق بغداد العاصمة(3)
وسياسيا نجد أن الواقع الطائفي إنعكس بدوره حول مسائل الصراع السياسي والتفاعل الداخلي بين مكونات الدولة العراقية، والتي اتضحت جليا في ميدان العمل السياسي، مما خلق جوا من الطائفية السياسية غيبت كثيرا من روح المواطنة والتعايش السلمي ودفعت الساحة العراقية المحلية أن تشهد مظاهر من التشنج والإحتقان الطائفي بات يهدد حاضر ومستقبل العراق.
وعندما أفرزت الإنتخابات الأخيرة عام 2005 فرزا طائفيا، كرست من مفهوم التحزب والفئوية، حيث كانت الخيارات الشعبية التمثيلية بعيدا عن معايير الكفاءة والأهلية والخبرة والمصلحة الوطنية، مما ساهم من إرتفاع وتيرة الإحتقان الطائفي كون العملية الإنتخابية أدت إلى إستحواذ الطائفة الشعبية على نصيب الأسد من المقاعد الوزارية، على الرغم من تحقيقها لشروط التحول الديمقراطي وصحية العملية الإنتخابية.
إن نظام المحاصة الطائفية لم يكن الإنطباع السائد في العملية السياسية فقط، بل نجد هذا الإنطباع يشكل مجمل الحياة اليومية للمواطن العراقي، فالفرز الطائفي أصبح عنوانا رئيسيا للشوارع والمدن والأحياء والأسواق.
ويبرز جاسم المطير عدة نتاجات وراء عودة ظاهرة الطائفية للعراق:
1- إحتكار أغلب النشاط السياسي والإعلامي في الدولة من قبل القوى الطائفية
2-تغذية الثقافة الطائفية عن طريق الأناشيد والأدعية الدينية وخطب الجوامع لتصبح تدريجيا أيدلوجيا الدولة العراقية الجديدة التي قد تتحول إلى دولة توليتارية متكاملة رغم إنشقاقات بعض أجهزتها وإعتمادها نظام الفيدرالية
3-تنازلت الدولة نفسها عن بعض إحتكارها لوسائط الدولة في القوة وإمتلاك السلاح ودورها في فرض القانون لصالح الميليشيات الطائفية من كل نوع.
4-النشاطات الإقتصادية لا تدخل إلى جسد الدولة ولا تخرج منها إلا إذا خضعت لحقيقة واحدة هي الرشاوي والفساد المالي والإداري
5-سيادة قوة الميليشيات الطائفية المسلحة التي تجابه الدولة وأجهزتها وتجابه المواطنين المسالمين بذات الوقت لممارسة أبشع الجرائم الفردية والجماعي بتشجيع متعمد أو غير متعمد من قبل قياديين في القوات المسلحة أو غيرها من أجهزة الدولة العراقية الحالية
6-اتسم تاريخ العراق خلال السنوات الأربع الماضية بإضطراب ثقافي كبير إذ إستعرت رؤى مطلقة ومتعصبة وعدوانية تحت واجهة الدين ضد السينما والفن والغناء والمسرح والموسيقى ودور الملابس والحلاقة بإغتيال أصحاب هذه النشاطات الفنية المتنوعة
7-توقفت إلى حد كبير أهم عناصر الإيجابية في تطوير الصحافة الوطنية المحترفة المقروءة والمسموعة نتيجة إغتيال مئات الصحافيين وحرق العديد من المطابع ومكاتب التلفزة والإذاعة.
8-تدهور المستوى التعليمي الأكاديمي نتيجة للحرب الطائفية من جراء تزايد عمليات الإغتيال للكوادر التعليمية والطلبة
9- ظهور إنتفاخ لمؤسسات إجتماعية طائفية بأسماء وصور رجالات دين وتعظيم دورها الإجتماعي الأمر الذي أدى من شانه أن يحول هذه المؤسسات إلى ظاهرة إجتماعية إستهلاكية إستثمارية غايتها الربح المادي بإسم الدين وتغليب فكرة تعظيم الطائفة على فكرة خدمة الناس.(4)
يمكن القول إن الطائفية لا تقل خطرا عن الإحتلال وهي إحدى نتائجه لأن الإحتلال سيزول لا محال، ولكن تأثير الطائفية سيبقى عميقا في المجتمع العراقي، فعمليات التطهير الإثني والعرقي والمذهبي التي جرت وتجري حاليا بإسم أمراء الطوائف والتي طالت مئات الآلاف من المواطنين داخل العراق:بين الشيعة والسنة، وبين المسلمين والمسيحيين، والعرب والتركمان والأكراد خصوصا في منطقة كركوك ستبقى إرثا عالقا في ذاكرة الطوائف وأجيالها القادمة.(5)
تعد الطائفية من أخطر الأمراض الإجتماعية الهدامة إذا دخلت في المجتمع وثبتت أقدامها فيه ،فأنها سرعات ما تنخر بنيته الإجتماعية ونسيجه الثقافي ،فتهدد كيانه بالسقوط والإندثار والفناء ،والطائفية تدخل المجتمع وتسيطر عليه عندما يتكون المجتمع من ملل ومذاهب وطوائف متخلفة ،وعندما يكون المجتمع أيضا مبتليا بمشكلات الإحتلال والحرب والدمار والتمزق السياسي والتناقض الإجتماعي والثقافي.
إن من أهم مثالب الإحتلال الأميركي في العراق كما يراها "خليل العاني" أنه جذر إلى حد بعيد مفهوم الطائفية، وزاد من حدة النوازع التي كانت تسيطر على العلاقة بين طوائفه الكثيرة، حين أصرت إدارة الإحتلال على تهميش القوى السياسية السنية وتحميلهم أخطاء النظام السابق، وإعطاء القوى الشيعية والكردية دور أكبر في إدارة العراق من خلال مجلس الحكم والحكومة الإنتقالية التي تلته وحتى إجراء الإنتخابات، والأكثر من ذلك أن إنتهج الإحتلال صيغة المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية عقب إنهيار مؤسسات الدولة وافرد للشيعة والأكراد مساحات واسعة في إدارة الحياة السياسية وتولي المناصب المهمة في البلاد، وهو ماقد يفسر ولو جزئيا إستعار المقاومة في المناطق السنية على حد تعبيره.(6)

1)عبدالوهاب حميد رشيد، التحول الديمقراطي في العراق، المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، مركز دراسات الوحدة العربية ص225
2) حال الأمة العربية 2006-2007 أزمات الداخل وتحديات الخارج مركز دراسات الوحدة العربية 135.
3)- جاسم المطير ،شبكة الجيران الإليكترونية
4)- حال الأمة العربية 2006-2007 أزمات الداخل وتحديات الخارج مركز دراسات الوحدة العربية ص 144.
5)- إحسان محمد الحسن جريدة الزمان 14-5-2007.
6)- خليل العاني،مجلة السياسة الدولية،دار الأهرام ،العدد 160 إبريل 2004 ص 126



#حمد_الخالدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل العسكري الاميركي في العراق


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمد الخالدي - ثنائية الإحتلال والطائفية