أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - أثر الاستبداد في الحياة السياسية السورية















المزيد.....

أثر الاستبداد في الحياة السياسية السورية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 892 - 2004 / 7 / 12 - 06:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن عقوداً طويلةً من الاستبداد والديماغوجيا وتعميم العلاقات الشخصانية، وانتشار الفساد واللصوصية في المجتمع..الخ، عمقت من اغتراب المواطنين عن وطنهم، وزادت في سلبيتهم..الخ، وفي المحصلة أعاقت كثيراً مبادراتهم وإبداعاتهم.
إن النقص الشديد في الحرية، وشدة القمع واستمراريته، وتزييف إرادة الناس، وتحويل تنظيماتهم المختلفة إلى أطر للتوصيل الديماغوجي وأدوات للسيطرة..الخ، كل ذلك زرع في نفس كل مواطن رقيباً أمنياً يشل حركته، ويمنعه من المبادرة، والتفاعل البناء مع قضايا وطنه الداخلية، وكذلك مع القضايا الوطنية والقومية.
في مرحلة الاستعمار، وخلال الخمسينات من القرن العشرين كانت الروح الوطنية عالية ومتيقظة، وكان للحرية الفردية طعم مستساغ، وكانت المنظمات المدنية فاعلة، وكان للقانون هيبة..الخ. غير أنه في العقود التالية وبسبب الاستبداد وضغط السلطة على المجتمع، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على الحريات، وتخريب القضاء، وتعميم الديماغوجيا..الخ، كل ذلك أنعش موضوعياً الأطر العائلية والطائفية والمذهبية والعشائرية والجهوية، باعتبارها ملاذاً للمواطن، يؤكد من خلالها شخصيته وحضوره، ويحقق أمنه. إن سياسة الإفساد وتعميم الفساد كأسلوب في الإدارة وضبط المجتمع، بالإضافة إلى تعميم العلاقات الشخصانية، وإنعاش جميع البنى الاجتماعية ذات الطابع التفتيتي في الحقل السياسي..الخ، كل ذلك خرب شخصية المواطن إلى حد بعيد، وجعلت الكثيرين يحنون إلى مرحلة الاستعمار، بل لا يشعرون بالحرج من المجاهرة برغبتهم بقدوم أمريكا أو غير أمريكا لتخلصهم.... أو يحزمون حقائبهم ويهاجرون...
إن سلطة الاستبداد الراهن ذات خلفية اجتماعية ضيقة جداً، تنتمي بمجملها إلى الشرائح البيروقراطية والكمبرادورية والطفيلية من البرجوازية، وهي كما بينت التجربة زادت الأوضاع تعقيدا على تعقيد، من خلال تعميمها للفساد في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وبناء نظام في المصالح يقوم أساسا على العلاقات الشخصانية، فسادت قيم اللصوصية وأخلاقها. لقد أصبحت المناصب العامة في الدولة وأجهزتها المختلفة، على مختلف مستوياتها امتيازاً، فضاعت المسؤولية، وغابت المحاسبة وفي المحصلة زاد بؤس الناس ونمى التخلف.
كيف يبدو مشهد الحياة السياسية السورية في ظل الاستبداد المزمن؟ سؤال ذو شقين: من جهة الأحزاب التي في السلطة، ومن جهة الأحزاب التي تحتل موقع المعارضة. لكن قبل الجواب عن هذا السؤال، لا بد من بضع كلمات تشخص طبيعة السلطة في سورية. من الناحية النظرية السلطة تتكون من ثلاث مستويات:
المستوى الأول يضم الأشخاص الحاكمون، وهم دائما أشخاص حقيقيون.
المستوى الثاني ويضم مؤسسات الحكم، وهي دائماً هيئات اعتبارية.
المستوى الثالث يضم الصيغة التعاقدية للسلطة، أي منظومة التشريعات والقوانين والأوامر الإدارية..الخ التي تضبط عمل السلطة وتوجهه.
في السلطات الاستبدادية كما هو حال السلطة في سورية، يندمج المستوى الأول للسلطة بالمستوى الثاني، فتفقد مؤسسات الحكم طابعها المؤسساتي، وتتحول إلى مجرد أجهزة للتوصيل الأوامري والسيطرة. أضف إلى ذلك يضيق كثيراً المستوى التعاقدي، ويبرز فيه الدور الإرادوي للمستوى الأول بحسب مصالحه، وفي القلب منها مصلحته في استمرار السلطة ذاتها، واستمرار بيئتها المحافظة على طابعها كسلطة استبدادية.
في إطار ذلك من الخطأ التصور بأن حزب البعث هو الحزب الحاكم فعلاً، بل هو كحزب ضحية الاستبداد مثله في ذلك مثل جميع الأحزاب الأخرى. لقد أفقدته السلطة طابعه كحزب وحولته إلى مجرد جهاز من أجهزتها، يؤدي دوره المنوط به في إعادة إنتاج السلطة، والمحافظة عليها. بل طاله التخريب المتعمد أكثر من بقية الأحزاب، فتم تضخيمه كثيراً من خلال عمليات التنسيب الجماعي، والتركيز على الكم دون النوع، ومنع من إعادة النظر في منطلقاته الفكرية والتنظيمية لعقود من السنين، فكثر الانتهازيون والفاسدون والمفسدون في صفوفه.
إن إعادة الروح الحزبية إلى حزب البعث، وإلى جميع الأحزاب المتحالفة معه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، التي هي في أحسن حالاتها ليست أكثر من صورة كاريكاتورية عنه، يتطلب قبل كل شيء إخراجه من السلطة ومن مختلف أجهزتها، ومن مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها، إلى الحياة المدنية، هذا أولاً. وثانيا يتوجب عليه القيام بعملية مراجعة جذرية وعميقة لتجربته في السلطة، وأن يتساءل بجدية لماذا لم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه، بل على العكس أوصل البلد إلى حالة من التأزم، بحيث توشك على الانهيار اقتصادياً واجتماعياً..الخ. وثالثا عليه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية، في الحد الأدنى، عن تعميم مظاهر الخوف في المجتمع، من جراء تعميم القمع و كم الأفواه، حتى طال ذلك أعضاء الحزب ذاته ففقدوا القدرة على التساؤل، وعلى توليد الأسئلة الجدية. ويجب عليه أيضاً تحمل المسؤولية السياسية عن تعميم الفساد في المجتمع، واستمرار الحكم بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وحرمان الشعب السورية من حياته السياسية الطبيعية، مما تسبب في تخريب الشخصية السورية بصورة عميقة..الخ.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الأكثر تضرراً من سياسات السلطة التي تحكم باسمه، ولذلك على الشرفاء والوطنيين فيه، وهم كثر، أن يرفعوا الصوت عاليا حول ضرورة التغيير باتجاه نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية، بما يعني ذلك من خلق الظروف لترسيخ فكرة القانون والمسؤولية والمحاسبة، والحق في الاختلاف، والتعدد..الخ. إن دور حزب البعث لا يزال أساسيا في حياة سورية، سواء بالمعنى المباشر، أو باعتباره إحدى التيارات الرئيسة المعبرة عن حركة القومية العربية، ولا نتفق مع الفكرة التي تقول بأن الحياة قد تجاوزته. وعلى العموم إن مصير حزب البعث وغيره من الأحزاب السياسية الأخرى في جبهة السلطة أو في المعارضة يقرره الناس أنفسهم، في ظروف الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال ردود الفعل أو الأحكام المسبقة..الخ.
أما بالنسبة لأحزاب المعارضة، فهي ليست بأفضل حال من شقيقاتها أحزاب السلطة، أليس حال المعارضة من حال السلطة؟. من الخطأ أن نتصور أن الاستبداد هو نظام في السياسة فقط، بل قبل ذلك ومن حيث الأساس هو نظام في الاجتماع، وفي الثقافة..الخ. في مثل هذه البيئة من الصعوبة بمكان وجود أحزاب ديمقراطية. ويزيد المشكلة تعقيداً كون السلطة حاولت خلال عقود متواصلة نزع السياسة من المجتمع، وقمع أي عمل سياسي معارض، فتحولت الأحزاب المعارضة ( بل بقايا أحزاب) إلى نوع من الأخويات التي تجمعها طقوس السرية. مع ذلك لم تفقد روح الحياة السياسية المعارضة، وقدمت على هذا الطريق تضحيات كبيرة، هي في الذاكرة المجتمعية باقية كعلامات مضيئة على طريق التقدم الاجتماعي. وهي أيضاً نظيفة من الفساد والانتهازية، على خلاف شقيقاتها في السلطة، ولم تفقد روح المبادرة الوطنية، والقدرة على التعالي على الجراح في سبيل المصالح الوطنية والقومية العليا، فدعت إلى المصالحة. في الفترة الأخيرة وتحت ضغط المتغيرات الداخلية والخارجية، بدأت تراجع تجربتها السياسية بروح عالية من الجدية والمسؤولية، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح لدى التنظيم العام للإخوان المسلمين، ولدى الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، وعلى الطريق يسير حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحزب العمل الشيوعي، وتيار قاسيون، والعديد من الأحزاب الكردية..الخ. يضاف إلى هؤلاء عشرات الآلاف من الأفراد والشخصيات الوطنية المعارضة، من بقايا الأحزاب التي حطمها الاستبداد، أو ممن تركوا أحزابهم في فترات مختلفة، أو من المثقفين..الخ.
في ضوء هذا المسح المكثف لواقع الحياة الاجتماعية والسياسية في سورية، وهو واقع يدعو بمجمله للإحباط والتشاؤم، أصبح واضحاً أن المسؤول الأول والأخير عنه هو الاستبداد. وإن المخرج من كل ذلك هو في نقيض الاستبداد، إنه في نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا سوري ما نيالي
- (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) د-منطق التاريخ والبديل الديمقراط ...
- د(بمثابة موضوعات لحزب سياسي) منطق التاريخ والحياة السياسية ف ...
- د (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلوبة ...
- د - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلو ...
- ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة
- ب - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) طبيعة العصر والمهام المطلوبة ...
- أ - بمثابة موضوعات لحزب سياسي
- كيف ينظر بعض السوريين لما حدث في مساء 27/4 في دمشق
- حول - الإرهاب يدخل إلى سورية -
- تنمية الموارد المائية ف سورية وترشيد استعمالاتها
- الدولة والسلطة في سورية
- منظمة التجارة العالمية-الفلسفة والأهداف
- منظمة التجارة العالمية -المخاض الصعب
- بمثابة بيان من أجل الديمقراطية
- الديمقراطية في ميزان القوى الاجتماعية
- الاوالية العامة للحراك الاجتماعي
- التغيرات العالمية والديمقراطية
- إشكالية الديمقراطية في سورية
- دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - أثر الاستبداد في الحياة السياسية السورية