|
التنمية السياسية بين التناوب التوافقي والمنهجية الديمقراطية
الشرقاوي الروداني
الحوار المتمدن-العدد: 2932 - 2010 / 3 / 2 - 16:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل من أبرز المراحل السياسية في المغرب هي تلك التي اتسمت بانخراط المغرب في تجربة "التناوب التوافقي". هذه المرحلة كرست لنهاية مسار مهم من الحوار داخل الساحة السياسية و جعلت المغرب يتعاطى كليا ،بعيدا عن العنجهية السياسية السائدة أنداك بين مختلف الاطياف المكونة للجسم السياسي، في عملية تطوير نظمه ومؤسساته السياسية.
مهما قيل وسيقال، فإن هذه المرحلة من تاريخ المشهد السياسي المغربي عرفت نهاية المعارضة التقليدية وخلقت واقعا جديدا تميز بظهور تشكيلات سياسية ذات فكر و إيديولوجيات سياسية ولدت تفاعلات حية. هذه الأخيرة، حولت المتغيرات التي كانت ترتكز عليها المعادلة السياسية المغربية، وظهرت بالخصوص أطياف جديد، تمثلت بالأساس في الظهور الرسمي لبعض المكونات السياسية التي كانت بالأمس القريب تشتغل في ملعب بعيد عن الميكروسكوب السياسي (حزب العدالة والتنمية). هنا نجد بأن تجربة التناوب التوافقي كرست، حقيقة، مفهوم التنمية السياسية من خلال إعطاء والسماح لما يسمى "المتغير الإسلامي" بالمشاركة، ويصبح هكذا فاعلا، داخل المعادلة السياسية.
وبما أن التنشئة السياسية لأي مكون حزبي مرتبطة جذريا بالمتغيرات وبالتحولات في المنظومة السوسيوثقافية داخل المجتمع أو خارجه، ليس هذا المكان للإفاضة في الحديث عنها، فإن أول اختبار حقيقي داخل الساحة السياسية المغربية في عهد ما أصطلح عليه أنذاك بحكومة "التناوب التوافقي" كان في الرجة التي عرفتها الساحة السياسية عندما ظهر مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. هذه الخطة المقترحة في عهد حكومة التناوب، كانت فرصة لقياس ميزان الحرارة والذي أظهر مدى العمل الذي يستوجب القيام به لخلق نوع من الإجماع من أجل خلق مجتمع ديمقراطي حداثي قادر على مجابهة قوة العولمة. الآليات والميكانيزمات السياسية التي تلت هذه الخطة من خلال الإجماع الذي عرفته مدونة الأسرة، جعلت المغرب يدخل في عملية التحديث السياسي العقلاني. فبعد مرحلة الجمود والتقليد السياسي بكل أشكاله، كانت مرحلة التناوب نهاية الاتجاه اللاديمقراطي وخلقت، هكذا، النواة الصلبة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي. الأنتخابات التشريعية لشتنبر 2002 ، رغم السياق العام التي جرت فيه، جعلت المغرب، من خلال ميثاق الشرف بين جميع مكونات الجسم السياسي المغربي، يقطع شوطا كبيرا للخروج من عملية الشرود السياسي التي طبعته بحكم هشاشة المؤسسات ا لحزبية. التغييرات القانونية والتنظيمية التي عرفتها العملية الانتخابية انداك كانت السمة الأساسية التي كرست للتناوب الديمقراطي والذي تأثر بشكل أو بآخر بالأحداث المرعبة ل 16 ماي 2003 التي عرفتها مدينة الدار البيضاء. هذه الأحداث الدامية أبانت على ظعف التأطير الحزبي و السياسي للشارع و بالتالي أبرزت ضرورة تقويم السلوكيات والقيم السياسية وحتى الهياكل المؤسساتية للأحزاب السياسية المغربية من أجل أ داء وظيفتها الحقيقية بدل إنشغال غالبيتها بحروب سياسية ضيقة جعلها تسقط في فخ الخطابات السياسوية و الشعبوية الفارغة من كل خطاب يؤسس للقطيعة و ينمي روح المبادرة و الإجتهاد. كل هذا جعل الساحة فارغة من أي تأطير مؤسساتي فاعل وهذا ما أدى إلى فراغ سياسي مدمر.
هذا الفراغ أظهرته بالملموس انتخابات 7 شتنبر 2007 من خلال تدني نسبة المشاركة الانتخابية و أبان على جدوى البحث الفعال المناسب للمقاربة شاملة تأخد بعين الإعتبار التغيرات السوسيوثقافية و الإجتماعية التي أصبحت تميز المغرب. العزوف السياسي هو الداء الخطير الذي قد يصيب أي مسار ديمقراطي .المنهجية الديمقراطية التي اعتمدها المغرب مباشرة بعد هذه الإنتخابات لتحديد المسؤوليات وإعطاء بعد سياسي لعملية الانتقال الديمقراطي و الخروج به من عملية التقليد إلى التحديث، هي في حد ذاتها منهجية عقلانية لتحديث البنى الأساسية للدولة والمجتمع و جعل الجميع، بدون إ سثتناء، أمام مسؤولياته. هذه المسؤولية هي التي تستوجب من جميع الأحزاب الخروج من نفق الكتلة و الوفاق و الوسط ، فالمرحلة القادمة تستوجب الخروج من فلسفة التوافقات السياسية ونظام الحصص التي طبعت المشهد الحزبي المبلقن و الدخول في عهد القطبية المبنية على تقارب في التصور و الممارسة ا لسياسية الخلاقة ذ ات الأهذاف التي يكون فيها المواطن العنصر الأساسي . الأوراش التي ما فتئ جلالة الملك يعمل على إرسائها عبر الاصلاحات في المنظومات القضائية و الإجتماعية ،هي فرصة أمام مجتمعنا بكل قواه السياسية والمجتمع المدني للنهوض بمغرب ديمقراطي حديث يتميز بقوة مؤسساته المبنية على التعددية والمساواة والديمقراطية. كل هذا لن يتأتى إلا باستيعاب التغيرات والتحولات الجذرية التي يعرفها المجتمع في أبعاده الهيكلية والسلوكية .
وهنا لا بد أن تكون الأحزاب السياسية وحتى الإعلام في صدارة المكونات التي يجب أن تلعب دورها الحقيقي في التأطير والتوعية. فالإصلاح والتطوير اللذان هما الغاية المنشودة لن يكون إلا بتحقيق تنمية سياسية تجعل من المواطن أساس أي عملية تغيير عقلاني يكون الهدف منها هو الانخراط في عملية التنمية الفعالة التي هي أساس الديمقراطية التشاركية
#الشرقاوي_الروداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشهد السياسي المغربي و الحاجة الى تجاوز البلقنة
-
الحداثة والمدنية والمواطنة والإحداثيات المهمة للديمقراطية
-
التوازن السياسي الجديد بين الانتقال الديمقراطي والتحول الديم
...
المزيد.....
-
إسرائيل توجه إنذارا لسكان جنوب لبنان بعد دخول وقف إطلاق النا
...
-
3 رؤساء فرنسيين لم يوقفوا أحداث نوفمبر الساخنة في باريس
-
وقف إطلاق النار في لبنان يدخل حيز التنفيذ
-
اتفاق وقف إطلاق النار بين -حزب الله- اللبناني وإسرائيل يدخل
...
-
مباشر: بدء سريان هدنة لمدة 60 يوما بين إسرائيل ولبنان بعد أش
...
-
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله يدخل حي
...
-
بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
-
ترحيب دولي باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
-
بيان أمريكي عن قصف -منشأة لتخزين الأسلحة- تابعة لجماعة موالي
...
-
مسؤول أمريكي: لم نهدد إسرائيل بوقف تزويدها بالأسلحة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|